المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن: في مسائل الصيد - توجيه وتنبيه إلى هواة الصيد ومحبيه

[عبد الله الطيار]

الفصل: ‌المبحث الثامن: في مسائل الصيد

‌المبحث الثامن: في مسائل الصيد

المسألة الأولى: في حكم إصابة الثوب بدم المصاب:

الدم الذي يخرج من الحيوانات والطيور عند صيدها أو ذبحها نوعان مسفوح وغير مسفوح.

المسفوح الذي يخرج من الحيوان أو الطير قبل زهوق روحه فهذا نجس لقوله تعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} 1.

فإذا أصاب ثوب الصائد أو بدنه دم مسفوح فواجب غسله لنجاسته.

لكن إذا كان ما أصاب الثوب قليل فهنا قال بعض أهل العلم إنه يعفى عن اليسير لمشقة التحرز منه.

أما الدم الغير مسفوح: فهو الخارج بعد زهوق الروح كالباقي في العروق ودم الكبد والقلب ونحوه فإنه لا يجب غسل ما أصاب الثوب والبدن منه.

1 سورة الأنعام (145) .

ص: 46

المسألة الثانية: في صيد الطيور من أجل أن يلعب بها الاطفال. لا بأس بذلك لما جاء في صحيح البخارى ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليه وكان لأنس أخ صغير يسمى أبا عمير وكان هذا الصبي يلعب بعصفور صغير فمات العصفور فحزن عليه الصبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا عمير ما فعل النغير " 1 والنغير هو الصعو.

فيؤخذ من هذا الدليل جواز اصطياد الطيور بغرض تسلية الصغار بها ولكن لابد من ملاحظة الصبي حتى لا يؤذي هذا الطير أو يعذبه.

المسألة الثالثة: حكم أكل صيد تارك الصلاه والمتهاون بها:

ذكرنا فيما سبق أن من الشروط الواجب توافرها في الصائد أن يكون من أهل الذكاة أي أن يكون مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً.

وتارك الصلاة جاءت نصوص الكتاب والسنة بكفره فإذا تبين ذلك فإنه إن ترك الصلاة كلية فإنه لا تحل ذبيحته لكونه ليس من أهل الذكاة.

1 رواه البخاري برقم (5850) عن أنس رضي الله عنه.

ص: 47

أما إن كان يتهاون بها فإن ذبيحته حلال لأنه ليس كافرا بل هو في جملة الفساق.

المسألة الرابعة: في حكم من خرج للصيد في مسافة يجوز الجمع والقصر فيها.

هل يجمع الصلاة ويقصر؟ .

هذه المسألة فيها تفصيل:

أولاً: كون الصائد خارجاً من داره أو بلده غير قاصد للسفر وإنما خرج فأخذ يمشي فتبين أن المسافة التي مشاها مسافة قصر فهنا لا يجوز له الجمع والقصر لعدم انعقاد نية السفر.

ثانياً: أن يخرج من داره أو بلده قاصداً السفر بغرض الصيد فهذا يجوز له القصر والجمع لعموم الأدلة التي جاءت في جواز ذلك بغير تقييد لكن إذا خرج قاصداً السفر دون تحديد معين للمدة التي سيجلسها في سفره خمسة أو عشرة أيام أو نحوها هل يجوز له الجمع والقصر؟ .

هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من ذهب إلى جواز القصر والجمع ولو طالت المدة ما دام الانسان لم ينو إقامة مطلقة أو استيطاناً وهذا هو اختيار شيخ الاسلام وابن القيم

ص: 48

والشيخ ابن سعدي وشيخنا محمد الصالح العثيمين ـ رحهم الله جميعاً ـ لعدم ورود الأدلة التي تحدد مدة ينقطع بها حكم السفر، والقول الثاني وهو الراجح إن شاء الله أنه إن عزم على الإقامة أربعة أيام فأكثر فليس له الترخص برخص السفر وهذا ماعليه جمهور أهل العلم وهو ترجيح شيخنا الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى.

المسالة الخامسة: في حكم الصيد ليلاً.

ذهب بعض أهل العلم إلى القول بكراهية الصيد ليلاً لعلتين:

الأولى: لما يخشى على الصائد من هوام الأرض فتؤذيه.

الثانية: ولأن الطيور آمنه في وكناتها فلا ينبغي أن تفاجأ بالصيد.

واحتج من قال بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " أقروا الطير على وكانتها "1. ولما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاتطرقوا الطير في أوكارها فإن الليل لها أمان ".

1 رواه أحمد (6/381) وصحيح أبي داود للألباني برقم (2459) .

ص: 49

والصحيح ما ذهب إليه أحمد رحمه الله ويزيد بن هارون ويحيى بن معين من جواز صيد الليل فقد قال الإمام أحمد: لا بأس بصيد الليل، فقيل له: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أقروا الطير في وكناتها " فقال: هذا كان أحدهم يريد الأمر فيثير الطير حتى يتفاءل إن كان عن يمينه قال كذا، وإن كان عن يساره قال كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أقروا الطير في مكانتها ".

أما حديث ابن عباس فقد ضعفه أحمد أيضاً فإذا ثبت ضعف الحديث فلا عبرة بالقول بعدم جواز الصيد ليلاً.

المسألة السادسة: في حكم صيد أمهات صغار الطير التي تقوم بإطعامها.

روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى امرأة تعذب في النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً، لا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض.

فالشاهد في هذا الحديث أن فعل المرأة من جنس فعل هذا الصائد لأنه يكون قد تسبب في قتل صغار الطير. فإذا تبين له أن هذه أمهات طير فلا شك أنه لا يقوم بصيدها لأن في صيدهاإزهاق

ص: 50

لروح أبنائها.

المسألة السابعة: يقوم ولي الأمر بمنع الصيد في وقت ما أو في مكان ما فما حكم الصيد حينئذ؟ .

أمر الله بطاعة ولاة الأمر في غير معصية الله وطاعتهم في غير معصية الله واجبة بأدلة الكتاب والسنة كما هو معروف، فإذا منعوا الناس من الصيد في مكان معين أو وقت معين فطاعتهم هنا واجبة فلا يجوز الصيد في هذه الحالة.

المسألة الثامنة: إذا انفلت الصيد من يد صائده فأمسك به آخر فلمن يكون؟.

اختلف أهل العلم في هذه المسألة فقال بعضهم هو للثاني ولصائده الأول أجرة تحصيله فقط.

والقول الثاني وهو الصحيح أن الصيد إذا انفلت من صائده فأمسك به غيره فهو للأول وعلى من أمسك به أن يرده إلى صاحبه إن كان معروفاًله.

المسألة التاسعة: في حكم صيد الأعمى:

اختلف أهل العلم في هذه المسألة فذهب البعض إلى عدم الجواز ولا يحل ما اصطاده من الحيوانات سواء كان الاصطياد بمحدد

ص: 51

أوجارح لأن الإبصار شرط عندهم لجواز الصيد.

وذهب جمهور أهل العلم إلى جواز صيد الأعمى وحل صيده، وهذا هو الصحيح قياساً على الذبح فلما كان الذبح لا يشترط له الإبصار فكذا الصيد.

المسالة العاشرة: قواعد في المحرَّم من الحيوان البري:

القاعدة الاولى: كل ماله مخلب من الطير يصيد به.

القاعدة الثانية: كل ماله ناب من السباع يفترس به.

القاعدة الثالثة: كل ما يستخبثه العرب ذوو اليسار وقال شيخ الإسلام لا أثر لاستخباث العرب ما لم يحرمه الشرع فهو حل وهو قول أحمد وقدماء أصحابه وأول من قال بتأثيره الخرقي.

القاعدة الرابعة: كل ما يأكل الجيف قيل بأنه يكره هذا ما نقله عبد الله بن أحمد عن أبيه.

القاعدة الخامسة: كل ما أمر بقتله كالعقرب أو نهى عن قتله كالنمل.

المسألة الحادية عشر: في حكم صيد المحرم:

جاءت نصوص الكتاب والسنة تدل على تحريم صيد المحرم

ص: 52

فلا يحل له إذا ارتكب هذا الفعل أكله أوبيعه أو الانتفاع به بأي شكل من الأشكال، لكن هل يحل لغير المحرم الانتفاع بهذا الصيد؟ .

اختلف الفقهاء في هذه المسألة فذهب البعض إلى القول بأن صيد المحرم حرام عليه وعلى غيره لأنه أصبح في حكم الميتة واحتج من قال بهذا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} الآية فالله تعالى نهى المحرم عن قتل الصيد والنهي عام يقتضى فساد المنهي عنه، ولا يعد صيد المحرم وقتله للصيد ذكاة له بل يصبح ميتة.

وذهب آخرون وهو الصحيح أن صيد المحرم حلال لغيره حرام عليه، والحرمة في هذه المسألة تقتصر على من قام بالصيد حال إحرامه ولا تتعدى إلى غيره فنهيه عن الانتفاع بالصيد عقوبة له على ما اقترفه.

المسألة الثانية عشرة: في حكم قتل الحشرات في الحرم.

الحشرات نوعان مؤذية وغير مؤذية:

فالمؤذية مأمور بقتلها في الحل والحرم فكل ما يكون فيه أذية

ص: 53

يقتل لقوله صلى الله عليه وسلم: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم، الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور "1.

أما غير المؤذية فلا يحل قتلها بأي شكل من الأشكال في الحل والحرم لكن إذا حصلت منه أذية بالفعل فإنه يجوز عندئذ وما يفعله الكثير من قتل الجراد داخل الحرم فإنه لا يجوز ولا يصطاد داخل الحرم لأنه نوع من الصيد.

المسألة الثالثة عشرة: فيمن توحل في أرضه صيد أو عشعش فيها طير. من توحل في أرضه صيد أو عشعش فيها طير لم يملك شيئاً من ذلك لأنه ليس من نفس الأرض بخلاف الحشيش والماء النابع لكن لا يحل لأحد دخول أرضه لأخذ الصيد أو الطير إلا بإذنه فإن دخل بغير إذنه وأخذه ملكه وإن كان عاصياً بدخوله.

المسألة الرابعة عشرة: إذا قطع رأس الطير بيده أو ظفره فما الحكم؟.

أما اليد فليست آلة يباح بها الذبح فلا يجوز استخدامها مجردة عند الذبح.

وأما الظفر فقد ورد النهي عن استخدامه حال التذكية فقد قال

1 رواه البخاري (1730، 1731) ومسلم (1199-1200) .

ص: 54

صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر ". وقد حمل بعض أهل العلم النهي هنا على الكراهة مع حل الذبيحة لكن عدم استخدام الظهر للنهي عن ذلك لكن هنا ننبه أنه إذا تم خروج روح الذبيحة ولم يكن لها حركة فهنا يجوز استخدام اليد والظفر في ذلك لكن النهي محمول على كونها قبل الذبح وخروج روح المذبوح.

المسألة الخامسة عشرة: إذا سقط الطير حياً ثم تركه ليصيد غيره، فمات الطير الأول فهل هذا حلال؟ .

اختلف أهل العلم في هذه المسألة والذي يظهر والله أعلم أن الصائد إذا تمكن من تذكية الطير الأول ثم تركه بالانشغال بغرض صيد غيره فتركه حتى مات حرم أكله لأنه ترك تذكيته باختياره مع القدرة، هذا إذا تمكن من ذبحه وكانت فيه حياة مستقرة.

المسألة السادسة عشرة: ما حكم دهس الطيور والحيوانات بالسيارة، وهل ذلك ذكاة لها؟.

أما دهس الطيور والحيوانات بالسيارة فقد تكلمناعن ذلك في طرق إخراج الضب من جحره، أما كون ذلك يعد ذكاة لها، فهذا

ص: 55

غير صحيح بل لا بد إذا كانت بها حياة مستقرة أن تذكى فإن ماتت بسبب السيارة فلا تعد مذكاة بل هي ميتة.

المسألة السابعة عشرة: إذا وجدت طيراً جارحا قد أمسك طيراً مأكولاً فطردت الطير الجارح عن الطير المأكول وفيه حياة مستقرة ثم ذكيته فهل يحل في ذلك؟.

نعم يحل ذلك ما دام أن به حياة مستقرة فيذكى ويؤكل ولا حرج في ذلك.

المسألة الثامنة عشرة: هل يحل صيد الصرد، الهدهد، القوبع؟.

أولاً: الصرد ويسمى السميط والأخطر والأخبل والأنثى صردة.

التعريف به: قيل بأنه طائر فوق العصفور وقيل بأنه طائر أبقع ضخم المنقار أصابعه عظيمة ولا يرى إلا في شعبة أو شجرة لا يقدر عليه، وهو طير صغير الحلق شديد النفس والنفرة يتغذى على اللحم، له صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته، فيدعوه إلى التقرب منه فإذا اجتمعن إليه شد على بعضهم وله منقر مؤذ إذا نقر واحداً قده من ساعته وأكله.

أما مأواه ففي الأشجار ورؤوس القلاع والتلال. أما شكله فهو أبيض البطن أخضر الظهر.

ص: 56

حكم صيده:

اختلف اهل العلم في ذلك، فذهب البعض إلى تحريمه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله فعن ابن عباس رضي الله عنه قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد "1.

وذهب البعض إلى الإباحة وعللوا النهي عن قتله بأنه لم يكن لأجل كراهته وإنما لأن العرب كانت تتشاءم به فيقتلونه لا أنه حرام.

والصحيح هو ما ذهب إليه الأولون من القول بتحريمه لعموم النهي عن قتله.

ثانياً: الهدهد:

هو طائر منتن الريح ولذا تراه يطلب الزبل وينقله إلى وكره ويفرشه تحته وأيضا يقتات الخبائث من الدود وغيره وما يقتات الخبيث خبيث.

ومن عجائب الهدهد أن سليمان عليه السلام كان يأمر

1 رواه أحمد (10/332-337) وأبو داود (5267) وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (4387) .

ص: 57

الهدهد في أوقات الصلاة فيدله على الماء لأنه يراه تحت الأرض فإن سطح الأرض بالنسبة للهدهد كالزجاجة يرى باطنها من ظاهرها فسبحان من خلقه فصوره.

والقول في حله وحرمته كالقول في الصرد فقد ورد الاختلاف فيه والصحيح تحريمه.

ثالثاً: القوبع:

هو طائر أحمر الرجلين كأن رأسه شيب مصبوغ ومنها ما يكون أسود الرأس وسائر خلقه أغبر وهو يوطوط والقول في حكم حله من عدمه كالقول فيما سبق فهو لا يحل أكله.

المسالة التاسعة عشرة:

هل يحل صيد الحمام الموجود في النوافذ والسطوح علما ً أنه لا يعرف مالكه؟.

الحمام نوعان بري وإنسي "بلدي". فالبري هوالذي يستفرخ من البيوت ويقتنى في البروج وفي عرف الناس يسمى بريا لما عنده من النفور وعدم التأنس فهذا يجوز صيده.

أما البلدي الذي يقوم الناس بتربيته وهو ما يتخذ للبيض والفرخ ونحوه فهذا لا يجوز صيده حتى وإن لم يعلم مالكه.

ص: 58

المسالة العشرون: ماحكم ضرب الطير بالحجر وهل يكون ذلك ذكاة له ولو لم يخرج منه دم؟.

يجوز ضرب الطير بالحجر وغيره بغرض الصيد دون إتلافه أو أذيته فقط لكن لا يكون ذلك ذكاة له بل لا بد من تذكيته إن لم يُخرِج دماً كما ذكرناه في المسائل السابقة من اشتراط خروج الدم.

المسألة الحادية والعشرون: لو اتخذ إنسان برجاً للحمام فأوكرت فيه حمامات الناس فباضت فيه وأخرجت فراخاً؟.

أما الأمهات فلا يجوز ذبحها وأخذها أي لا تحل له، أما فراخها فتحل له لأنها بمنزلة اللقطة يصنع بها ما يصنع باللقطة.

المسألة الثانية والعشرون: حمامة طارت من صاحبها فرماها بسهم أو بندق هل تحل؟ في هذه المسألة تفصيل:

إن كانت لا تهتدي إلى المنزل حل أكلها سواء أصاب السهم المذبح أو لم يصب، أما إن كانت تهتدي إلى المنزل فإن أصاب المذبح حلت له وإن أصاب موضعاً آخر اختلفوا في ذلك والصحيح أنه يحل أكلها.

ص: 59

المسألة الثالثة والعشرون: كثيراً ما نذكر جملة (إذا كان به حياة مستقرة) فما هو حدها؟.

الحياة المستقرة تعرف بقرائن يدركها الناظر ومن علامتها الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمريء وجريان الدم فإذا حصلت قرينة مع واحد منها حل الحيوان.

والمختار عند بعض أهل العلم الحل بالحركة الشديدة وحدها فإذا شك في ذلك هل به حياة مستقرة أم لا؟ فالاحتياط تركه.

المسألة الرابعة والعشرون: في حكم الصيد بالمعراض:

تعريف المعراض: هو خشبة محددة الطرف وقيل بأنه سهم لا ريش له ولا نصل، وقيل المعراض سهم له أربع قذذ رقاق فإذا رمي به اعترض. وفي الصيد به تفصيل.

إن خرق المصيد وأخرج منه دماً فهنا يحل وإن لم يخرج منه دماً فلا يحل ولا يؤكل لأن الحيوان هنا مات ضرباً وقد نهينا عن أكل الموقوذة.

دليل ذلك: ما رواه البخاري عن عدي بن حاتم قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: " إذا أصبت بحدة فكل،

ص: 60

فإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل" 1.

المسألة الخامسة والعشرون: في حكم الصيد بالسهم المسموم:

في هذه المسألة تفصيل.

أن يقتل الصيد بالسم استقلالاً فلا يجوز أكله ولا الانتفاع به.

أن يقتل الصيد بالسهم يقيناً ثم يسري السم في جسده فهنا يجوز مع الكراهة لكن إن تبين له أن السم يسري في جميع بدنه وأيقن أنه قاتله فلا يجوز ولا يحل أكله.

1 البخاري مع الفتح (12/22) .

ص: 61

أما إن شك هل قتل المصيد من السهم أو السم فالصحيح أنه لا يجوز لاجتماع الحظر والإباحة والحظر مقدم على الإباحة.

المسألة السادسة والعشرون: في أمور مهمة عند إرادة الذبح:

يراعى ما يكون عند إرادة الذبح سبباً في تعذيب المذبوح وسأذكر هنا جملة من الأمور التي يتم بها التعذيب.

من هذه الأمور:

1.

إضجاع الذبيحة ثم يقوم بحد الشفرة بل ينبغي أن يحدها قبل أن يضجعها ولا تراه المذبوحة حال حدة للآلة.

2.

إمداد رأس الذبيحة حتى يظهر مذبحها.

3.

كسر عنق المذبوح قبل أن يسكن من الاضطراب.

4.

جر ما يريد ذبحه برجله إلى المذبح بل متى أمكن أن يسحبه بحبل من رأسه دون أذنيه، فهذا أولى.

5.

السلخ قبل أن يبرد المذبوح يعني قبل أن يسكن الاضطراب

وكل هذه الأمور وغيرها مكروهه لأن فيها معنى زيادة الألم قبل الذبح أو بعده فيراعى الرفق بالمذبوح متى أمكن ذلك.

ص: 62

المسألة السابعة والعشرون: لو أمسك المصيد باليد ولا يدري الصائد هل فيه حياة أم لا لكي يقوم بتذكيته فكيف يتعرف على ذلك؟ .

يتعرف على ذلك بأن يقوم بذبحه وهنا ثلاث حالات:-

الأولى: أن يتحرك المذبوح بعد الذبح ويخرج منه دم مسفوح فهنا يحل ويؤكل.

الثاني: أن لا يتحرك المذبوح ولم يخرج منه دم مسفوح فهنا لا يؤكل ولا يحل لأن محل الذكاة الحياة ولا توجد علامة الحياة في المذبوح.

الثالث: أن يتحرك ولم يخرج منه دم مسفوح أو خرج منه دم مسفوح ولم يتحرك فهنا يحل ويؤكل لأن الحركة وخروج الدم المسفوح علامة الحياة.

المسألة الثامنة والعشرون: إذا ذبح شاة مريضة ولم يتحرك منها إلا فمها في هذه المسألة تفصيل:

أولاً: أن يعلم عن حياتها وقت الذبح فهنا تؤكل على كل حال.

ثانياً: أن لا يعلم عن حياتها وقت الذبح وهنا يمكنه التعرف على

ص: 63

حلها من عدمه بأمور: إن فتحت فمها فإنها لا تحل وإن ضمته تحل لأن الضم يدل على الحركة وكذا إن فتحت العين لم تؤكل وإن أغمضت أكلت وإن مدت رجلها لا تؤكل وإن ضمتها أكلت وإن قام شعرها أكلت وإن نام لم تؤكل.

المسألة التاسعة والعشرون: في الجنين وأحواله في التذكية:

إذا قام بذبح شاة أو بقرة أو غيرها وخرج من بطنها جنين ميت فأكثر الصحابة وجمهور العلماء على أنه يؤكل لقوله صلى الله عليه وسلم: " ذكاة الجنين ذكاة أمه "(1) ولكننا نجعل لهذه المسألة شيئاً من التفصيل.

أولاً: إذا خرج الجنين من أمه ميتا قبل ذكاتها فهنا يعتبر ميتة.

ثانياً: خروج الجنين من أمه ميتاًبعد ذكاتها فهذا محل خلاف بين أهل العلم ولكن كما ذكرنا آنفاً أن الجمهور ومن قبلهم أكثر الصحابة على أنه يؤكل وتعتبر ذكاة أمه ذكاة له لكن بعضهم اشترط أن يكون به شعر والأظهر عدم اشتراط ذلك والله أعلم.

1 صحيح سنن أبي داود للألباني برقم (2452) .

ص: 64

ثالثاً: خروج الجنين حياً من أمه قبل تذكيتها فلا يؤكل حتى يذكى ذكاة مستقلة هذا باتفاق الفقهاء.

رابعاً: أن يخرج الجنين حياً بعد ذكاة أمه فهذه المسألة محل خلاف والصحيح أنه إذا أدرك ذكاته بعد خروجه ذكَّاه وحل أكله وإن لم يذكه لم يحل لكن هذا مشروط بالقدرة والتمكن فإن لم يقدر ولم يتمكن حل له.

المسألة الثلاثون: في حكم حبس الطيور في الأقفاص للزينة ونحوها:

جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" دخلت إمرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً لا هي التي اطعمتها ولا هي التي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ".

فمفهوم هذا الحديث أنها لو أطعمتها وأحسنت إليها ولم تمت فليس عليها إثم ولكن لما تركتها وأهملتها فلم تطعمها فماتت كان عليها الإثم وكذلك في الطير وغيره فلا بأس بذلك ولكنه مشروط بالإطعام والإحسان إلى الطير وغيره، فإن مات الطير بتفريط منك فلا شك أنك تأثم بذلك.

ص: 65

المسألة الحادية والثلاثون: في حكم صيد الأخرس وذبحه:

يصح صيد الأخرس وذبحه ويكفي في ذلك إشارته إلى السماء فإنها تقوم مقام نطق الناطق وإشارته إلى السماء تدل على قصده تسمية الذي في السماء.

المسألة الثانية والثلاثون: في صيد الجنب وذبحه.

يجوز للجنب الصيد والذبح لجواز التسمية منه ولا يمنع منها وإنما الممنوع في حقه مس القرآن وقراءته ولذا نراه يسمي عند غسل.

المسألة الثالثة والثلاثون: يتحرج بعض الناس من ذبيحة المرأة الحائض أو النفساء ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك وليس هناك مخالف فعادات الناس التي تتمثل في استحسان الشيئ واستقباحه ما دامت أنها غير مرتبطة بالشرع فلا ينظر إليها.

فالحاصل أن المرأة الحائض والنفساء كالجنب في هذا الحكم فإنهما يجوز لهما الذبح وتحل ذبيحتهم ولا حرج في ذلك.

المسألة الرابعة والثلاثون: في اختلاط حمام الأبراج لمن يكون:

في هذه المسألة تفصيل:

أن يكون الحمام معروفاً لكليهما، فهنا يأخذ كل منهم حقه.

ص: 66

أن لا يكون الحمام معروفاً لهما ويتعذر تمييزه فهنا ليس لهما أن يتصرفا أي لا يجوز أن يستقل أحدهما به بل لو باع أحدهما للآخر جاز ذلك.

أما إن لم يكن صاحبه معروفا لديه ويعرف العدد فإنه يثبت في حقه قيمته إن تصرف فيه.

المسألة الخامسة والثلاثون: إذا اشترك من يصلي مع من لا يصلي في الذبح أو الصيد؟ .

هنا يحرم المصيد إلا أن يقوم الذي يصلي فيجهز عليه أو يوصله إلى حركة المذبوح فإن مات من قتل من لم يصلي لم يحل.

المسألة السادسة والثلاثون: في مصيد البحر:

كل مايعيش في البر من دواب البحر لا يحل بغير ذكاة كطير الماء والسلحفاه وكلب الماء، أما ما لا دم فيه كالسرطان فإنه يباح بغير ذكاة.

كل ما يعيش في الماء كالسمك وشبيهه فإنه يباح من غير ذكاة.

كل صيد البحر مباح إلا الضفدع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله.

ص: 67

السمك الطافي على الماء أي الذي مات حتف أنفه يرى جمهور العلماء أنه حلال وخالف فيه أبو حنيفة رحمه الله.

حيوان الماء الذي على غير صورة السمك ككلب البحر يجوز أكله ولكن هل يذكى على خلاف بين أهل العلم والذي يراه الامام أحمد رحمه الله أنه يؤكل بلا تذكية.

المسألة السابعة والثلاثون: فيمن خرج مسافراً يريد الصيد وكان صائماً هل يجوز له الفطر في رمضان؟ .

أولاً: أحب أن أنبه إخواني المنشغلين بالصيد وغيرهم إلى أمر وهو أنه ينبغي خلال هذا الشهر المبارك أن يجتهدوا في أمور العبادة من قراءة القرآن والصلاة والذكر وغيرها من سائر العبادات فإنه لا يخفى على الجميع فضل هذا الشهر فخروج البعض بغرض الصيد لاشك أنه يفوت عليهم الكثير من الطاعات خلاله مع العلم أنه قد لا تكون حاجة لخروجهم وإنما إشباع لرغباتهم وتسلية لأوقاتهم وهذا كله مما لا ينبغي حصوله في هذا الشهر العظيم فنصيحتي لهؤلاء أن يجتهدوا في العبادة خلال هذا الشهر.

ثانياً: أما عن جواز الفطر لهم فأقول يجوز ذلك لكن الأولى لهم الصوم لإدراك فضيلة هذا الشهر فإن أفطروا فعليهم القضاء فقط

ص: 68

ما دام أن المسافة مسافة قصر وهي ما يزيد على ثمانين كيلو متراً وإنشاء نية السفر منذ البداية أما من خرج من بيته ولم ينشئ سفراً وإنما خرج إلى مكان قريب ثم أخذه تتبع الصيد إلى مسافات بعيدة فهذا لا يقصر ولا يفطر لأنه لم ينو سفراً والله أعلم.

المسالة الثامنة والثلاثون: هل يجوز التيمم لمن خرج للصيد وهل لهم ذلك إذا أقاموا بعض الأيام؟ .

أباح الله تعالى التيمم للعباد رحمة بهم وشفقة عليهم لكن نقول هنا: إنه يجوز التيمم عند عدم وجود الماء أو كان معهم ماء قليل يكفي للشرب فقط فهنا يتيممون ولا حرج في ذلك.

وأحب أن أنبه هنا على أمر قد يغفل البعض عنه وهو أنهم قد يخرجوا بسيارتهم ويعلمون أن هناك مكاناً قريباً للماء ويتكاسلون عن الذهاب إليه فيعدلون إلى التيمم وهذا لا ينبغي بل عليهم أن يذهب بعضهم لهذا المكان لإحضار الماء أو يذهب الجميع للوضوء ولا يعدلون إلى التيمم في هذه الحالة لقرب الماء وعدم حصول المشقة عليهم في الوصول إليه وكذلك أنبه هنا أيضاً على أنه ينبغي لمن خرج لصيد أو لنزهة ونحوه أن يحمل معه ماء يكفيه لشربه ووضوءه فنحن ولله الحمد في سياراتنا أمكنة مخصصة أو

معدة لذلك فحري بنا أن نحرص على أمور العبادات أشد الحرص.

ص: 69