المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمة في وجوب طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واتباع الكتاب والسنة وذم الرأي والقياس على غير أصوله والتحذير من إكثار المسائل وبيان أصول العلم وحده مقسوما ومحازا ومن يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة لا مجازا وبيان فساد التقليد في دين الله - إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار

[الفلاني]

فهرس الكتاب

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌الْمُقدمَة فِي وجوب طَاعَة الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وَاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وذم الرَّأْي وَالْقِيَاس على غير أُصُوله والتحذير من إكثار الْمسَائِل وَبَيَان أصُول الْعلم وَحده مقسوما ومحازا وَمن يسْتَحق أَن يُسمى فَقِيها أَو عَالما حَقِيقَة لَا مجَازًا وَبَيَان فَسَاد التَّقْلِيد فِي دين الله

- ‌الْمَقْصد الأول فِيمَا قَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه أهل المناقب المنيفة

- ‌الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا قَالَه مَالك بن أنس إِمَام دارالهجرة وَمَا ذكره أَتْبَاعه السَّادة المهرة

- ‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا قَالَه عَالم قُرَيْش مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَمَا لأَصْحَابه من الْكَلَام الشافي من العي

- ‌الْمَقْصد الرَّابِع فِي ذكر مَا نقل عَن نَاصِر السّنة أَحْمد بن حَنْبَل وَمَا لأَصْحَابه من الحض على الْعَمَل بِالسنةِ وَالْكتاب الْمنزل

- ‌الأَصْل الثَّانِي من أصُول فتاوي الإِمَام أَحْمد مَا أفتى بِهِ الصَّحَابَة

- ‌الأَصْل الثَّالِث من أُصُوله إِذا اخْتلف الصَّحَابَة

- ‌الأَصْل الرَّابِع الْأَخْذ بالمرسل والْحَدِيث الضَّعِيف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ

- ‌الأَصْل الْخَامِس وَهُوَ الْقيَاس

- ‌الخاتمة فِي إبِْطَال شبه المقلدين وَالْجَوَاب عَمَّا أوردوه على المتبعين أهل الْأَهْوَاء المتعصبين

- ‌ولنختم الخاتمة بفوائد تتَعَلَّق بالفتوى

الفصل: ‌المقدمة في وجوب طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واتباع الكتاب والسنة وذم الرأي والقياس على غير أصوله والتحذير من إكثار المسائل وبيان أصول العلم وحده مقسوما ومحازا ومن يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة لا مجازا وبيان فساد التقليد في دين الله

وَقد بدا لي أَن أرتب ذَلِك على مُقَدّمَة فِي بَيَان مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة من ذَلِك وَمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي بَيَان مَا هُنَالك وَأَرْبَعَة مَقَاصِد فِيمَا للأئمة الْأَرْبَعَة فِي ذَلِك من الْمذَاهب

الأول فِيمَا قَالَه الامام أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه أهل المناقب المنفية وَالثَّانِي فِيمَا قَالَه مَالك بن أنس أَمَام دَار الْهِجْرَة وَمَا قَالَه أَصْحَاب السَّادة المهرة وَالثَّالِث فِي بَيَان مقَالَة عَالم قُرَيْش مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي وَمَا لأَصْحَابه فِي ذَلِك من الْكَلَام الشافي من العى وَالرَّابِع فِيمَا نقل عَن نَاصِر السّنة أَحْمد بن حَنْبَل وَمَا لأَصْحَابه من الحض على الْعَمَل بِالسنةِ وَالْكتاب الْمنزل وخاتمة فِي ابطال شبه المقلدين وَالْجَوَاب عَن حجج أهل الْأَهْوَاء المتعصبين وسميته إيقاظ همم أولي الْأَبْصَار للإقتداء بِسَيِّد الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وتحذيرهم عَن الإبتداع الشَّائِع فِي الْقرى والامصار من تَقْلِيد الْمذَاهب مَعَ الحمية والعصبية بَين فُقَهَاء الْأَعْصَار

‌الْمُقدمَة فِي وجوب طَاعَة الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وَاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وذم الرَّأْي وَالْقِيَاس على غير أُصُوله والتحذير من إكثار الْمسَائِل وَبَيَان أصُول الْعلم وَحده مقسوما ومحازا وَمن يسْتَحق أَن يُسمى فَقِيها أَو عَالما حَقِيقَة لَا مجَازًا وَبَيَان فَسَاد التَّقْلِيد فِي دين الله

تَعَالَى ونفيه وَالْفرق بَينه وَبَين اتِّبَاع كتاب الله وَسنة نبيه

قَالَ الله تَعَالَى {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء وَهدى وَرَحْمَة} {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَقد فرض الله تَعَالَى عَلَيْهِم اتِّبَاع مَا نزل اليهم وَأعلم أَن مَعْصِيَته تَعَالَى فِي ترك أمره وَأمر رَسُوله ص وَلم يَجْعَل لَهُم الا اتِّبَاعه وَلذَا قَالَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نورا نهدي بِهِ من نشَاء من عبادنَا وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} مَعَ مَا علم الله تَعَالَى نبيه ثمَّ مَا فرض اتِّبَاع كِتَابه فَقَالَ {فَاسْتَمْسك بِالَّذِي أُوحِي إِلَيْك} وَقَالَ {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم} وأعلمهم أَنه أكمل لَهُم دينه فَقَالَ عز وجل {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} ثمَّ من عَلَيْهِم بِمَا اتاهم من الْعلم فَأَمرهمْ بالاقتصار عَلَيْهِ وَأَن لَا يَقُولُوا غَيره إِلَّا مَا علمهمْ فَقَالَ لنَبيه صلى الله عليه وسلم {وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك روحا من أمرنَا مَا كنت تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان} وَقَالَ لنَبيه صلى الله عليه وسلم {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} ثمَّ أنزل على نبيه {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم}

وَبَعثه بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ وَانْزِلْ عَلَيْهِ كِتَابه الْهدى

ص: 3

والنور لمن اتبعهُ وَجعل رَسُوله الدَّال على مَا أَرَادَ من ظَاهره وباطنه وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه وَمَا قصد لَهُ الْكتاب فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمعبر عَن كتاب الله الدَّال على مَعَانِيه شَاهده فِي ذَلِك اصحابه الَّذين ارتضاهم الله تَعَالَى لنَبيه واصطفاهم لَهُ ونقلوا ذَلِك عَنهُ فَكَانُوا هم اعْلَم النَّاس برَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم بِمَا أَرَادَ الله تَعَالَى من كِتَابه بمشاهدتهم مَا قصد لَهُ الْكتاب فَكَانُوا هم المعبرين عَن ذَلِك بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم وَمن يعْص الله وَرَسُوله فقد ضل ضلالا مُبينًا} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله وَاتَّقوا الله إِن الله سميع عليم} وَقَالَ {إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا وَأُولَئِكَ هم المفلحون} وَقَالَ {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله وَلَا تكن للخائنين خصيما} وَقَالَ {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء قَلِيلا مَا تذكرُونَ} وَقَالَ {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} {إِن الحكم إِلَّا لله يقص الْحق وَهُوَ خير الفاصلين} وَقَالَ {لَهُ غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض أبْصر بِهِ وأسمع مَا لَهُم من دونه من ولي وَلَا يُشْرك فِي حكمه أحدا} وَقَالَ {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ}

فأكد الله هَذَا التَّأْكِيد وَكرر هَذَا التكرير فِي مَوضِع وَاحِد لعظم مفْسدَة الحكم بِغَيْر مَا أنزلهُ وَعُمُوم مضرته وبليته لأمته قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ}

وَأنكر تَعَالَى على من حَاج فِي دينه بِمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم فَقَالَ {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم فِيمَا لكم بِهِ علم فَلم تحاجون فِيمَا لَيْسَ لكم بِهِ علم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ} وَنهى أَن يَقُول أحد هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام لما لم يحرمه الله وَرَسُوله أَيْضا وَأخْبر أَن فَاعل ذَلِك مفتر عَلَيْهِ الْكَذِب وَقَالَ {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام لتفتروا على الله الْكَذِب إِن الَّذين يفترون على الله الْكَذِب لَا يفلحون مَتَاع قَلِيل وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} والآيات الدَّالَّة على وجوب طَاعَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم كَثِيرَة

قَالَ الله تَعَالَى {وَأَطيعُوا الله وَالرَّسُول لَعَلَّكُمْ ترحمون} وَقَالَ {قل أطِيعُوا الله وَالرَّسُول فَإِن توَلّوا فَإِن الله لَا يحب الْكَافرين} وَقَالَ {وَمن يطع الله وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَقَالَ {وأرسلناك للنَّاس رَسُولا وَكفى بِاللَّه شَهِيدا من يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله وَمن تولى فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِم حفيظا}

ص: 4

وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} وَقَالَ {وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَله عَذَاب مهين} وَقَالَ {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول واحذروا فَإِن توليتم فاعلموا أَنما على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين} وَقَالَ {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول فَاتَّقُوا الله وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وَأَنه إِلَيْهِ تحشرون} وَقَالَ {وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين} وَقَالَ {إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَمن يطع الله وَرَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون} وَقَالَ {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأَطيعُوا الرَّسُول لَعَلَّكُمْ ترحمون} وَقَالَ {قل أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول فَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حمل وَعَلَيْكُم مَا حملتم وَإِن تطيعوه تهتدوا وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} وَقَالَ {لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} وَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر جَامع لم يذهبوا حَتَّى يستأذنوه إِن الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك أُولَئِكَ الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم واستغفر لَهُم الله إِن الله غَفُور رَحِيم} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما} وَقَالَ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر وَذكر الله كثيرا} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله وَاتَّقوا الله إِن الله سميع عليم} وَكَانَ الْحسن يَقُول لَا تذبحوا قبل ذبحه وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل كجهر بَعْضكُم لبَعض أَن تحبط أَعمالكُم وَأَنْتُم لَا تشعرون إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم للتقوى لَهُم مغْفرَة وَأجر عَظِيم إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ وَلَو أَنهم صَبَرُوا حَتَّى تخرج إِلَيْهِم لَكَانَ خيرا لَهُم وَالله غَفُور رَحِيم} وَقَالَ {وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَمن يتول يعذبه عذَابا أَلِيمًا} وَقَالَ {والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى علمه شَدِيد القوى}

ص: 5

وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} وَقَالَ {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول فَإِن توليتم فَإِنَّمَا على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين} وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله يَا أولي الْأَلْبَاب الَّذين آمنُوا قد أنزل الله إِلَيْكُم ذكرا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُم آيَات الله مبينات ليخرج الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} وَقَالَ {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه} وَقَالَ {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ ابْن عَبَّاس هُوَ جِبْرَائِيل وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَمن قبله كتاب مُوسَى اماما وَرَحْمَة أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده قَالَ سعيد بن جُبَير الاحزاب الْملَل فَالنَّار موعده فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ ثمَّ ذكر حَدِيث يعلى بن أُميَّة طفت مَعَ عمر فَلَمَّا بلغنَا المغربي الَّذِي يَلِي الْأسود جررت بِيَدِهِ يسْتَلم فَقَالَ مَا شَأْنك تعلّقت فَقلت الا تستلم فَقَالَ ألم تطف مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت بلَى قَالَ أفرأيته يسْتَلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ المغربيين قلت لَا قَالَ أَلَيْسَ لَك فِيهِ أُسْوَة حَسَنَة قلت بلَى قَالَ فلتقر عَيْنك وَجَاء أَن مُعَاوِيَة اسْتَلم الْأَركان كلهَا فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس تستلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما فَقَالَ مُعَاوِيَة لَيْسَ شَيْء من الْبَيْت مَهْجُورًا فَقَالَ ابْن عَبَّاس لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة فَقَالَ مُعَاوِيَة صدقت قلت والآيات فِي وجوب اتِّبَاع كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص كَثِيرَة وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة

وَأما الْأَحَادِيث الدَّالَّة على وجوب الْعَمَل بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله ص فكثيرة

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن هِلَال ابْن أُميَّة قذف إمرأته بِشريك من سَحْمَاء عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكر حَدِيث اللّعان وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم أبصروها فان جَاءَت بِهِ أكحل الْعَينَيْنِ سابغ الاليتين خَدلج السَّاقَيْن فَهُوَ لِشَرِيك بن سَحْمَاء وان جَاءَت بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لهِلَال بن أُميَّة فَجَاءَت بِهِ على النَّعْت الْمَكْرُوه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَوْلَا مَا مضى من كتاب الله لَكَانَ لي وَلها شَأْن

يُرِيد وَالله أعلم بِكِتَاب الله قَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه} وَيُرِيد بالشأن وَالله أعلم أَنه كَانَ يحدها لمشابهة وَلَدهَا بِالَّذِي رميت بِهِ وَلَكِن كتاب الله فصل الْحُكُومَة وَأسْقط كل قَول وَرَاءه وَلم يبْق للإجتهاد بعده مَوضِع وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الرسَالَة الَّتِي أرسلها الى عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن ابي يزِيد عَن أَبِيه قَالَ أرْسلهُ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه الى شيخ من زهرَة كَانَ يسكن دَارنَا فَذَهَبت مَعَه الى عمر فَسَأَلَ عَن وليدة من ولائد الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ أما الْفراش فلفلان وَأما النُّطْفَة فلفلان فَقَالَ صدقت وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالفراش

قَالَ الشَّافِعِي وَأَخْبرنِي من لَا أتهم عَن ابْن أبي ذِئْب قَالَ أَخْبرنِي مخلد بن خفاف قَالَ ابتعت

ص: 6

غُلَاما فاستغللته ثمَّ ظَهرت مِنْهُ على عيب فخاصمت فِيهِ الى عمر بن عبد الْعَزِيز فَقضى لي برده وَقضى عَليّ برد غَلَّته فَأتيت عُرْوَة فَأَخْبَرته فَقَالَ أروح إِلَيْهِ العشية فَأخْبرهُ أَن عَائِشَة أَخْبَرتنِي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قضى فِي مثل هَذَا أَن الْخراج بِالضَّمَانِ فعجلت الى عمر فَأَخْبَرته بِمَا أَخْبرنِي بِهِ عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز فَمَا أيسر عَليّ من قَضَاء قَضيته وَالله يعلم أَنِّي لم أرد فِيهِ إِلَّا الْحق فبلغتني فِيهِ سنة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأرد قَضَاء عمر وأنفذ سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فراح إِلَيْهِ عُرْوَة فَقضى لي أَن آخذ الْخراج من الَّذِي قضى بِهِ عَليّ لَهُ

قَالَ الشَّافِعِي وَأَخْبرنِي من لَا أتهم من أهل الْمَدِينَة عَن ابْن أبي ذِئْب قَالَ قضى سعد ابْن ابراهيم على رجل بقضية بِرَأْي ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن فَأَخْبَرته عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِخِلَاف مَا قضى بِهِ فَقَالَ سعد لِرَبِيعَة هَذَا ابْن أبي ذِئْب وَهُوَ عِنْدِي ثِقَة يُخْبِرنِي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِخِلَاف مَا قضيت بِهِ فَقَالَ لَهُ ربيعَة قد اجنهدت وَمضى حكمك فَقَالَ سعد وَاعجَبا أنفذ قَضَاء سعد ابْن أم سعد وَارِد قَضَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بل أرد قَضَاء سعد بن ام سعد وانفذ قَضَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فدعى سعد بِكِتَاب الْقَضِيَّة فشقه وَقضى للمقضي عَلَيْهِ

وَقَالَ الشَّافِعِي أخبرنَا ابو حنيفَة سماك بن الْفضل الشهابي قَالَ حَدثنِي ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أبي شُرَيْح الكعبي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ عَام الْفَتْح من قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين أَن أحب أَخذ الْعقل وان أحب فَلهُ الْقود قَالَ أَبُو حنيفَة فَقلت لإبن أبي ذِئْب أتأخذ بِهَذَا يَا أَبَا الْحَرْث فَضرب صَدْرِي وَصَاح عَليّ صياحا كثيرا ونال مني وَقَالَ أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَتقول أتأخذ بِهِ نعم آخذ بِهِ وَذَلِكَ الْفَرْض عَليّ وعَلى من سَمعه أَن الله تبارك وتعالى اخْتَار مُحَمَّدًا ص من النَّاس فهداهم بِهِ وعَلى يَدَيْهِ وَاخْتَارَ لَهُم مَا اخْتَار لَهُ وعَلى لِسَانه فعلى الْخلق أَن يتبعوه طائعين أَو داخرين لَا مخرج لمُسلم من ذَلِك وَمَا سكت حَتَّى تمنيت أَن يسكت انْتهى

قلت تَأمل فعل عمر بن الْخطاب وَفعل عمر بن عبد الْعَزِيز وَفعل سعد بن ابراهيم يظْهر لَك أَن الْمَعْرُوف عِنْد الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان الى يَوْم الدّين وَعند سَائِر الْعلمَاء الْمُسلمين أَن حكم الْحَاكِم الْمُجْتَهد إِذا خَالف نَص كتاب الله تَعَالَى أَو سنة رَسُوله ص وَجب نقضه وَمنع نُفُوذه وَلَا يُعَارض نَص الْكتاب وَالسّنة بالاحتمالات الْعَقْلِيَّة والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية بِأَن يُقَال لَعَلَّ هَذَا الْمُجْتَهد قد اطلع على هَذَا النَّص وَتَركه لَعَلَّه ظَهرت لَهُ أَو أَنه اطلع على دَلِيل آخر وَنَحْو هَذَا مِمَّا لهج بِهِ فرق الْفُقَهَاء المتعصبين واطبق عَلَيْهِ جهلة المقلدين فَافْهَم

قَالَ أَبُو النَّضر هَاشم بن الْقسم حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي رَاشد عَن عَبدة بن أبي لبَابَة عَن هَاشم

ص: 7

ابْن يحيى المَخْزُومِي أَن رجلا من ثَقِيف أَتَى عمر بن الْخطاب فَسَأَلَهُ عَن إمرأة حَاضَت وَقد كَانَت زارت الْبَيْت يَوْم النَّحْر ألها أَن تنفر قبل أَن تطهر قَالَ عمر لَا فَقَالَ لَهُ الثَّقَفِيّ فان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أفتاني فِي هَذِه الْمَرْأَة بِغَيْر مَا أَفْتيت بِهِ فَقَامَ اليه عمر يضْربهُ بِالدرةِ وَيَقُول لم تستفتي فِي شئ قد افتى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ

وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا صَالح بن عبد الله ثَنَا سُفْيَان عَن عَامر عَن عتاب بن مَنْصُور قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَق عَن سعد بن أبي أياس عَن ابْن مَسْعُود أَن رجلا تزوج إمرأة فَرَأى أمهَا فَأَعْجَبتهُ فَطلق إمرأته ليتزوج أمهَا فَقَالَ لَا بَأْس فَتَزَوجهَا الرجل وَكَانَ عبد الله على بَيت المَال فَكَانَ يَبِيع نقود بَيت المَال يُعْطي الْكثير وَيَأْخُذ الْقَلِيل حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَسَأَلَ أَصْحَاب مُحَمَّد ص فَقَالُوا لَا تحل لهَذَا الرجل هَذِه الْمَرْأَة وَلَا تصح الْفضة بِالْفِضَّةِ الا وزنا بِوَزْن فَلَمَّا قدم عبد الله انْطلق الى الرجل فَلم يجده وَوجد قومه فَقَالَ ان الَّذِي أَفْتيت بِهِ صَاحبكُم لَا يحل وأتى الصيارفة فَقَالَ يَا معشر الصيارفة ان الَّذِي كنت أُبَايِعكُم عَلَيْهِ لَا يحل لَا تحل الْفضة بِالْفِضَّةِ الا وزنا بِوَزْن

وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن أَبَا هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَأَبا سَلمَة تَذَاكَرُوا الْمُتَوفَّى عَنْهَا الْحَامِل تضع عِنْد وَفَاة زَوجهَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس تَعْتَد آخر الْأَجَليْنِ فَقَالَ أَبُو سَلمَة تحل حِين تضع فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَأَنا مَعَ ابْن أخي فأرسلوا الى أم سَلمَة فَقَالَت قد وضعت سبيعة بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال فَأمرهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن تزوج وَقد تقدم ذكر رُجُوع ابْن عمر وَابْن عَبَّاس عَن اجتهادهم الى السّنة مَا فِيهِ كِفَايَة

قَالَ مُحَمَّد بن اسحاق بن خُزَيْمَة الملقب بامام الْأَئِمَّة لَا قَول لأحد مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اذا صَحَّ الْخَبَر عَنهُ وَقد كَانَ امام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة لَهُ أَصْحَاب ينتحلون مذْهبه وَلم يكن مُقَلدًا بل اماما مُسْتقِلّا كَمَا ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله عَن يحيى بن مُحَمَّد الْعَنْبَري قَالَ طَبَقَات أَصْحَاب الحَدِيث جمة الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية والراهوية والخزيمية أَصْحَاب مُحَمَّد بن خُزَيْمَة

وَقَالَ الشَّافِعِي قَالَ لي قَائِل ذَات يَوْم إِن عمر عمل شَيْئا ثمَّ صَار الى غَيره لخَبر نبوي قلت لَهُ حَدثنِي سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب ان عمر كَانَ يَقُول الدِّيَة لِلْعَاقِلَةِ وَلَا تَرث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا شَيْئا حَتَّى أخبرهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَيْهِ أَن يُورث إمرأة اشيم الضبابِي من دِيَته فَرجع إِلَيْهِ عمر

وَأَخْبرنِي ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار وَابْن طَاوس أَن عمر قَالَ اذكر الله امْرَءًا سمع

ص: 8

من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنِين شَيْئا فَقَامَ حمل بن مَالك بن النَّابِغَة وَقَالَ كنت بَين جارتين لي فَضربت احداهما الاخرى بمسطح فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَقضى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بغرة فَقَالَ عمر لَو لم نسْمع فِيهِ هَذَا لقضينا فِيهِ بِغَيْر هَذَا وَقَالَ غَيره ان كدنا لنقضي فِيهِ برأينا فَترك اجْتِهَاده للنَّص وَهَذَا هُوَ الْوَاجِب على كل مُسلم إِذْ إجتهاد الرَّأْي إِنَّمَا يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة فَمن أضطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ إِن الله غَفُور رَحِيم وَكَذَلِكَ الْقيَاس إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد الضَّرُورَة قَالَ الامام أَحْمد سَأَلت الشَّافِعِي عَن الْقيَاس فَقَالَ عِنْد الضَّرُورَة نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله وَقَالَ ابْن عمر كُنَّا نخابر وَلَا نرى بذلك بَأْسا حَتَّى زعم رَافع أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنْهَا فتركناها من أجل ذَلِك وَقَالَ عَمْرو بن دِينَار عَن سَالم بن عبد الله أَن عمر بن الْخطاب نهى عَن الطّيب قبل زِيَارَة الْبَيْت وَبعد الْجَمْرَة فَقَالَت عَائِشَة طيبت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بيَدي لاحرامه قبل أَن يحرم ولحله قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَق

قَالَ الشَّافِعِي فَترك سَالم قَول جده لروايتها قَالَ ابْن عبد الْبر وَابْن تَيْمِية وَهَذَا شَأْن كل مُسلم لَا كَمَا يصنع فرقة التَّقْلِيد

وَفِي كتاب الْعلم بَاب مَا جَاءَ فِي ذمّ القَوْل فِي دين الله بِالرَّأْيِ وَالظَّن وَالْقِيَاس على غير اصل وعيب الاكثار من الْمسَائِل دون اعْتِبَار قَالَ ابْن عبد الْبر ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن يحيى قَالَ ثَنَا عَليّ ابْن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ ثَنَا سَحْنُون بن سعيد قَالَ حَدثنَا عبد الله بن وهب قَالَ ثَنَا ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ حج علينا عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَجَلَست إِلَيْهِ فَسَمعته يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن الله لَا ينتزع الْعلم من النَّاس بعد إِذْ أعطاهموه انتزاعا وَلَكِن ينتزعه مِنْهُم مَعَ قبض الْعلمَاء بعلمهم فَيبقى النَّاس جُهَّالًا يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون قَالَ عُرْوَة فَحدثت بذلك عَائِشَة ثمَّ إِن عبد الله بن عَمْرو حج بعد ذَلِك فَقَالَت لي عَائِشَة يَا ابْن أخي إنطلق إِلَى عبد الله فاستثبت لي مِنْهُ الحَدِيث الَّذِي حَدثنِي بِهِ عَنهُ قَالَ فَجِئْته فَسَأَلته فَحَدثني بِهِ كنحو مَا حَدثنِي فَأتيت عَائِشَة فَأَخْبَرتهَا فعجبت وَقَالَت وَالله لقد حفظ عبد الله ابْن عَمْرو فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَفِيه مقَال قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بذلك أَيْضا وحَدثني عبد الْوَارِث بن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا قَاسم بن أصبغ قَالَ حَدثنَا عبيد بن عبد الْوَاحِد بن شريك قَالَ حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد قَالَ حَدثنَا ابْن الْمُبَارك قَالَ حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن حريز بن عُثْمَان الرَّحبِي قَالَ حَدثنَا

ص: 9

عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن أَبِيه عَن عَوْف بن مَالك الاشجعي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتِي على بضع وَسبعين فرقة أعظمها فتْنَة قوم يقيسون الدّين برأيهم يحرمُونَ بِهِ مَا أحل الله ويحللون بِهِ مَا حرم الله وَأخْبرنَا أَحْمد بن قَاسم ويعيش بن سعيد قَالَا أَنا قَاسم بن أصبغ قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ قَالَ ثَنَا نعيم قَالَ ثَنَا ابْن الْمُبَارك قَالَ ثَنَا عِيسَى بن يُونُس قَالَ ثَنَا حريز عَن عبد الرحمن بن جُبَير بن نفير عَن أَبِيه عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتِي على بضع وَسبعين فرقة أعظمها فتْنَة على أمتِي قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم فيحللون الْحَرَام ويحرمون الْحَلَال انْتهى

قلت وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى نعيم بن حَمَّاد قَالَ ابْن الْقيم بعد إِخْرَاجه بِهَذِهِ الْأَسَانِيد وَهَؤُلَاء كلهم أَئِمَّة ثِقَات حفاظ إِلَّا حريز بن عُثْمَان فَإِنَّهُ كَانَ منحرفا عَن عَليّ رضي الله عنه وَمَعَ هَذَا احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه تَبرأ مِمَّا نسب إِلَيْهِ من الانحراف عَن عَليّ ونعيم ابْن حَمَّاد إِمَام جليل وَكَانَ سَيْفا على الْجَهْمِية وروى عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه

قَالَ أَبُو عمر هَذَا هُوَ الْقيَاس على غير أصل وَالْكَلَام فِي الدّين بالتخرص وَالظَّن أَلا ترى إِلَى قَوْله فِي الحَدِيث يحللون الْحَرَام ويحرمون الْحَلَال وَمَعْلُوم أَن الْحَلَال مَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص تَحْلِيله وَالْحرَام مَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص تَحْرِيمه فَمن جهل ذَلِك وَقَالَ فِيمَا سُئِلَ عَنهُ بِغَيْر علم وقاس بِرَأْيهِ خلاف مَا خرج مِنْهُ وَمن السّنة فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَاس الْأُمُور بِرَأْيهِ فضل وأضل وَمن رد الْفُرُوع فِي علمه إِلَى أُصُولهَا فَلم يقل بِرَأْيهِ انْتهى قلت هَكَذَا أخرجه الْحَافِظ أَبُو عمر وَسكت عَلَيْهِ وَأوردهُ فِي مقَام الِاحْتِجَاج فِي ذمّ الرَّأْي فصنيعه يدل على أَن الحَدِيث صَالح للاحتجاج بِهِ وَقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وَقَالَ تفرد بِهِ نعيم بن حَمَّاد وَسَرَقَهُ عَنهُ جمَاعَة من الضُّعَفَاء وَهُوَ مُنكر وَفِي غَيره من الْأَحَادِيث الصِّحَاح الْوَارِدَة فِي مَعْنَاهُ كِفَايَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق انْتهى

قلت وَلَعَلَّ مُرَاده بالأحاديث الصِّحَاح الْوَارِدَة فِي مَعْنَاهُ يَعْنِي فِي ذمّ الرَّأْي وَاسْتِعْمَال الْقيَاس فِي مَوضِع النَّص ولأصل الحَدِيث شَاهد أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم افْتَرَقت الْيَهُود على إِحْدَى أَو اثْنَيْنِ وَسبعين فرقة وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى على إِحْدَى أَو اثْنَيْنِ وَسبعين فرقة وَتَفَرَّقَتْ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنه قَامَ فَقَالَ أَلا إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا فَقَالَ أَلا أَن من كَانَ قبلكُمْ من أهل الْكتاب افْتَرَقُوا على ثِنْتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَأَن هَذِه الْأمة سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي

ص: 10

النَّار وَوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَهِي الْجَمَاعَة زَاد ابْن يحيى وَعَمْرو فِي حَدِيثهمَا وَأَنه سيخرج فِي أمتِي أَقوام تجاري بهم تِلْكَ الْأَهْوَاء كَمَا يتجارى الْكَلْب بِصَاحِبِهِ وَقَالَ عَمْرو الْكَلْب بِصَاحِبِهِ لَا يبْقى مِنْهُ عرق وَلَا مفصل إِلَّا دخله وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة حسن صَحِيح وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد هِيَ مَا أَنا عَلَيْهِ الْيَوْم وأصحابي

قلت ونعيم بن حَمَّاد من رجال البُخَارِيّ قَالَ فِي الْكَمَال قَالَ ابْن حبَان قَالَ يحيى بن معِين نعيم ابْن حَمَّاد ثِقَة صَدُوق رجل صدق أَنا أعرف النَّاس بِهِ وَكَانَ رفيقي بِالْبَصْرَةِ وَكتب عَن روح بن عبَادَة خمسين ألف حَدِيث وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لقد كَانَ من الثقاة وَقَالَ أَحْمد بن عبد الله نعيم ابْن حَمَّاد مروزي ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق وَقَالَ ابْن سعد كَانَ نعيم من أهل المرو وَطلب الحَدِيث طلبا كثيرا بالعراق والحجاز ثمَّ نزل مصر وَلم يزل حَتَّى شخص مِنْهَا فِي خلَافَة إِسْحَاق بن هرون وَسُئِلَ عَن الْقُرْآن فَأبى أَن يُجيب فِيهِ بِشَيْء مِمَّا أرادوه عَلَيْهِ فحبس بسامرا وَلم يزل مَحْبُوسًا بهَا حَتَّى مَاتَ فِي السجْن سنة ثَمَان وَعشْرين ومأتين قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب يُقَال إِن أول من جمع الْمسند وصنفه نعيم بن حَمَّاد روى لَهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة انْتهى

قلت إِذا علمت هَذَا ظهر لَك وَجه سكُوت الْحَافِظ أبي عمر عَن الحَدِيث الْمَذْكُور واحتجاجه بِهِ

قَالَ ابْن عبد البر حَدثنَا عبيد بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد القَاضِي بالقلزم حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن زِيَاد بن عبد الله الرَّازِيّ ثَنَا الْحَرْث بن عبد الله بهمدان ثَنَا عُثْمَان بن عبد الرحمن الوقاصي عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعْمل هَذِه الْأمة بُرْهَة بِكِتَاب الله وبرهة بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يعْملُونَ بِالرَّأْيِ فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد ضلوا وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن خَليفَة حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنَا مُحَمَّد بن اللَّيْث حَدثنَا جبارَة بن الْمُغلس قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن يحيى الْأَبَح عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعْمل هَذِه الْأمة بِكِتَاب الله ثمَّ تعْمل بُرْهَة بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ تعْمل بعد ذَلِك بِالرَّأْيِ فَإِذا عمِلُوا بِالرَّأْيِ ضلوا

قلت فِيهِ جبارَة تكلم فِيهِ غير وَاحِد وَهُوَ من رجال ابْن ماجة

حَدثنَا عبد الرحمن بن يحيى قَالَ حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا احْمَد بن دَاوُد قَالَ ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب ثَنَا يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر يَا أَيهَا النَّاس أَن الرَّأْي إِنَّمَا كَانَ من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لِأَن الله كَانَ يرِيه وَإِنَّمَا هُوَ منا الظَّن والتكلف قلت هَذَا مُنْقَطع ابْن شهَاب لم يدْرك عمر بن الْخطاب وَبِهَذَا

ص: 11

السَّنَد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وَقَالَ هَذِه الْآثَار عَن عمر كلهَا مَرَاسِيل انْتهى يَعْنِي مُنْقَطِعَة

وَبِه عَن ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة عَن ابْن الْهَاد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ أصبح أهل الرَّأْي أَعدَاء السّنَن أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يعوها وتفلتت مِنْهُم أَن يردوها فاستبقوا الرَّأْي قَالَ ابْن وهب وَأخْبرنَا عبد الله بن عَيَّاش عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن عبيد الله بن عمر أَن عمر بن الْخطاب قَالَ اتَّقوا الرَّأْي فِي دينكُمْ قَالَ سَحْنُون يَعْنِي الْبدع وَقَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي رجل من أهل الْمَدِينَة عَن ابْن عجلَان عَن صَدَقَة بن أبي عبد الله أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يَقُول إِن أَصْحَاب الرَّأْي أَعدَاء السّنَن أعيتهم أَن يحفظوها وتفلتت مِنْهُم أَن يعوها واستحيوا حِين يسْأَلُوا أَن يَقُولُوا لَا نعلم فعارضوا السّنَن برأيهم فإياكم وإياهم حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد ثَنَا أبي ح وثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف ثَنَا سهل بن إِبْرَهِيمُ قَالَا جَمِيعًا ثَنَا مُحَمَّد بن فطيس ثَنَا أَحْمد بن يحيى اللأواي الصُّوفِي ثَنَا عبد الرحمن بن شريك قَالَ ثَنَا أبي عَن مجَالد بن سعيد عَن عَامر يَعْنِي الشّعبِيّ عَن عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ قَالَ عمر رضي الله عنه إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَإِنَّهُم أَعدَاء السّنَن أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يحفظوها فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فضلوا وأضلوا أخبرنَا مُحَمَّد بن خَليفَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ ثَنَا أَبُو بكر بن أبي دَاوُد ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الملك الْقَزاز ثَنَا ابْن أبي مَرْيَم ثَنَا نَافِع ابْن يزِيد عَن ابْن الْهَاد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب إيَّاكُمْ والرأي فَإِن أَصْحَاب الرَّأْي أَعدَاء السّنَن أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يعوها وتفلتت مِنْهُم أَن يحفظوها فَقَالُوا فِي الدّين برأيهم قَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي قصيدته فِي السّنة

ودع عَنْك آراء الرِّجَال وَقَوْلهمْ

فَقَوْل رَسُول الله أزكى وأشرح

حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله ثَنَا الْحسن بن إِسْمَاعِيل ثَنَا عبد الملك بن بَحر ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ثَنَا سنيد ثَنَا يحيى بن زَكَرِيَّا عَن مجَالد بن سعيد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن عبد الله قَالَ لَا يَأْتِي عَلَيْكُم زمَان إِلَّا وَهُوَ شَرّ من الَّذِي قبله أما إِنِّي لَا أَقُول أَمِير خير من أَمِير وَلَا عَام أخصب من عَام وَلَكِن فقهاؤكم يذهبون ثمَّ لَا تَجِدُونَ مِنْهُم خلفا وَيَجِيء أَقوام يقيسون الْأُمُور برأيهم حَدثنَا عبد الرحمن ثَنَا عَليّ ثَنَا أَحْمد ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب ثَنَا سُفْيَان عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ لَيْسَ عَام إِلَّا وَالَّذِي بعده شَرّ مِنْهُ لَا أَقُول عَام أمطر من عَام وَلَا عَام أخصب من عَام وَلَا أَمِير خير من أَمِير وَلَكِن ذهَاب خياركم وعلمائكم

ص: 12

ثمَّ يحدث قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم فيهدم الْإِسْلَام ويثلم حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ثَنَا أَحْمد بن مطرف ثَنَا سعيد بن عُثْمَان وَسَعِيد بن حمير قَالَا ثَنَا يُونُس بن عبد الأعلى ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مجَالد بن سعيد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لَيْسَ عَام إِلَّا وَالَّذِي بعده شَرّ مِنْهُ وَلَا أَقُول عَام أمطر من عَام وَلَا عَام أخصب من عَام وَلَا أَمِير خير من أَمِير وَلَكِن ذهَاب خياركم وعلمائكم ثمَّ يحدث قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم فيهدم الْإِسْلَام ويثلم

قلت وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن ابْن مَسْعُود

حَدثنَا يُونُس بن عبد الله ثَنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود قراؤكم وعلماؤكم يذهبون ويتخذ النَّاس رؤسا جُهَّالًا يقيسون الْأُمُور برأيهم حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله ثَنَا الْحسن ابْن إِسْمَاعِيل ثَنَا عبد الملك بن بَحر ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَعِيل ثَنَا سنيد بن دَاوُد ثَنَا مُحَمَّد بن فضل عَن سَالم بن أبي حَفْصَة عَن مُنْذر الثَّوْريّ عَن الرّبيع بن خَيْثَم أَنه قَالَ يَا عبد الله مَا علمك الله فِي كِتَابه من علم فاحمد الله وَمَا اسْتَأْثر بِهِ عَلَيْك من علم فكله إِلَى عالمه وَلَا تتكلف فَإِن الله عز وجل يَقُول لنَبيه ص {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين إِن هُوَ إِلَّا ذكر للْعَالمين ولتعلمن نبأه بعد حِين} قَالَ الْقَائِل هُوَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فِي السَّنَد الَّذِي قبله فَليعلم

وَحدثنَا سنيد قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن مَكْحُول عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله فرض عَلَيْكُم فَرَائض فَلَا تضيعوها وَنهى عَن أَشْيَاء فَلَا تنتهكوها وحد حدودا فَلَا تعتدوها وَعَفا عَن أَشْيَاء رَحْمَة لكم لَا نِسْيَانا فَلَا تبحثوا عَنْهَا

حَدثنَا عبد الرحمن ثَنَا أَحْمد ثَنَا إِسْحَاق ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ ثَنَا عَفَّان ثَنَا عبد الرحمن بن زِيَاد ثَنَا الْحسن بن عَمْرو الْفُقيْمِي عَن أبي فَزَارَة قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ كتاب الله وَسنة رَسُوله ص فَمن قَالَ بعد ذَلِك بِرَأْيهِ فَمَا أَدْرِي أَفِي حَسَنَاته أم فِي سيئاته أخبرنَا عبد الرحمن ثَنَا عَليّ ثَنَا أَحْمد ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب ثَنَا ابْن لَهِيعَة عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه السّنة مَا سنه الله تَعَالَى وَرَسُوله ص لَا تجْعَلُوا خطأ الرَّأْي سنة للْأمة رحم الله عمر فَكَأَنَّهُ علم بِوُقُوع ذَلِك فحذر مِنْهُ فقد شاهدنا فِي هَذِه الْأَعْصَار رَأيا مُخَالفا لسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مصادما لما فِي كتاب الله عز وجل قد جَعَلُوهُ سنة واعتقدوه دينا يرجعُونَ إِلَيْهِ عِنْد التَّنَازُع وسموه مذهبا ولعمري أَنَّهَا

ص: 13

لمصيبة وبلية وحمية وعصبية أُصِيب بهَا الْإِسْلَام {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}

وَقَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي يحيى بن أَيُّوب عَن هِشَام بن عُرْوَة أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول لم يزل أَمر بني إِسْرَائِيل مُسْتَقِيمًا حَتَّى أدْرك فيهم المولدون أَبنَاء سَبَايَا الْأُمَم فَأخذُوا فيهم بِالرَّأْيِ فأضلوا بني إِسْرَائِيل قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي يحيى بن أَيُّوب عَن عِيسَى بن أبي عِيسَى عَن الشّعبِيّ أَنه سَمعه يَقُول إيَّاكُمْ والمقايسة فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن أَخَذْتُم بالمقايسة لتحللن الْحَرَام ولتحرمن الْحَلَال وَلَكِن مَا يبلغكم من حفظ عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاحفظوه

حَدثنَا خلف بن قَاسم ثَنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن شعْبَان ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يُونُس ثَنَا عبد الله ابْن مُحَمَّد الضَّعِيف ثَنَا إِسْمَاعِيل بن علية ثَنَا صَالح بن مُسلم عَن الشّعبِيّ قَالَ إِنَّمَا هلكتم حِين تركْتُم الْآثَار وأخذتم بالمقاييس وَعَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق قَالَ لَا أَقيس شَيْئا بِشَيْء قلت لم قَالَ أَخَاف أَن تزل رجْلي حَدثنَا ابْن قَاسم ثَنَا ابْن شعْبَان حَدثنَا إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق ثَنَا النَّضر بن شُمَيْل ثَنَا ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ كَانُوا يرَوْنَ أَنه على الطَّرِيق مَا دَامَ على الْأَثر قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد العزيز قَالَ سَمِعت الْحسن بن عَليّ بن شَقِيق يَقُول سَمِعت عبد الله بن الْمُبَارك يَقُول لرجل إِن ابْتليت بِالْقضَاءِ فَعَلَيْك بالأثر وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان قَالَ إِنَّمَا الدّين الْآثَار وَعنهُ أَيْضا ليكن الَّذِي تعتمد عَلَيْهِ هَذَا الْأَثر وَخذ من الرَّأْي مَا يُفَسر لَك الحَدِيث وَعَن شُرَيْح أَنه قَالَ إِن السّنة سبقت قياسكم فاتبعوا وَلَا تبتدعوا فَإِنَّكُم لن تضلوا مَا أَخَذْتُم بالأثر وروى عمر بن ثَابت عَن الْمُغيرَة عَن الشّعبِيّ قَالَ إِن السّنة لم تُوضَع بالمقاييس وروى الْحسن بن وَاصل عَن الْحسن قَالَ إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ حِين تشعبت بهم السبل وحادوا عَن الطَّرِيق فتركوا الْآثَار وَقَالُوا فِي الدّين برأيهم فضلوا وأضلوا

وَذكر نعيم بن حَمَّاد عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن مُسلم عَن مَسْرُوق قَالَ من يرغب بِرَأْيهِ عَن أَمر الله يضل وَذكر ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي بكر بن مُضر عَن رجل من قُرَيْش أَنه سمع ابْن شهَاب يَقُول وَهُوَ يذكر مَا وَقع فِيهِ النَّاس من هَذَا الرَّأْي وتركهم السّنَن فَقَالَ إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِنَّمَا استحلوا من الْعلم الَّذِي كَانَ بِأَيْدِيهِم حِين استبقوا الرَّأْي وَأخذُوا فِيهِ قَالَ وَأَخْبرنِي يحيى بن أَيُّوب عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه كَانَ يَقُول السّنَن السّنَن فَإِن السّنَن قوام الدّين قَالَ وَكَانَ عُرْوَة يَقُول أزهد النَّاس فِي عَالم أَهله وَعَن هِشَام بن عُرْوَة أَنه قَالَ إِن بني إِسْرَائِيل لم يزل أَمرهم معتدلا حَتَّى نَشأ فيهم مولدون أَبنَاء سَبَايَا الْأُمَم فَأخذُوا فيهم بِالرَّأْيِ فضلوا وأضلوا وَقَالَ الزُّهْرِيّ إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يعوها

ص: 14

قَالَ أَبُو عمر اخْتلف الْعلمَاء فِي الرَّأْي الْمَقْصُود إِلَيْهِ بالذم وَالْعَيْب فِي هَذِه الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعَن أَصْحَابه رضي الله عنهم وَعَن التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان فَقَالَ جُمْهُور أهل الْعلم الرَّأْي المذموم الْمَذْكُور هُوَ القَوْل فِي أَحْكَام شرائع الدّين بالاستحسان والظنون والاشتغال بِحِفْظ المعضلات والأغلوطات ورد الْفُرُوع والنوازل بَعْضهَا على بعض قِيَاسا دون ردهَا على أُصُولهَا وَالنَّظَر فِي عللها واعتبارها فَاسْتعْمل فِيهَا الرَّأْي قبل أَن تنزل وفرعت وشققت قبل أَن تقع وَتكلم فِيهَا قبل أَن تكون بِالرَّأْيِ الْمُضَارع للظن قَالُوا فَفِي الِاشْتِغَال بِهَذَا والاستغراق فِيهِ تَعْطِيل للسنن والبعث على جهلها وَترك الْوُقُوف على مَا يلْزم الْوُقُوف عَلَيْهِ مِنْهَا وَمن كتاب الله عز وجل ومعانيهما وَاحْتَجُّوا على صِحَة مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من ذَلِك بأَشْيَاء

مِنْهَا مَا أخبرنَا بِهِ خلف بن أَحْمد قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مطرف ثَنَا سعيد بن عُثْمَان ثَنَا نضر بن مَرْزُوق ثَنَا أَسد بن مُوسَى ثَنَا شريك عَن لَيْث عَن طَاوس عَن ابْن عمر قَالَ لَا تسئلوا عَمَّا لم يكن فَإِنِّي سَمِعت عمر يلعن من سَأَلَ عَمَّا لم يكن وَحدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد المؤمن ثَنَا مُحَمَّد بن بكر ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ ثَنَا عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن سعد عَن الصنَابحِي عَن مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن الأغلوطات

وَأخْبرنَا سعيد بن نضر ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا ابْن وضاح ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن سعد عَن الصنَابحِي عَن مُعَاوِيَة قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الأغلوطات فسره الْأَوْزَاعِيّ قَالَ يَعْنِي صعاب الْمسَائِل وَحدثنَا خلف ابْن سعيد قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد ثَنَا أَحْمد بن خَالِد ثَنَا عَليّ بن عبد العزيز ثَنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن سعد عَن عبَادَة بن نسى عَن الصنَابحِي عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنهم ذكرُوا الْمسَائِل عِنْده فَقَالَ أما تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن عضل الْمسَائِل

وَاحْتَجُّوا ايضا بِحَدِيث سهل بن سعد وَغَيره أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كره الْمسَائِل وعابها وَبِأَنَّهُ ص قَالَ إِن الله يكره لكم قيل وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال حَدثنَا عبد الوارث بن سُفْيَان ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا أبي ثَنَا عبد الرحمن بن مهْدي ثَنَا مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمسَائِل وعابها

ص: 15

هَكَذَا ذكره أَحْمد بن زُهَيْر بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهُوَ خلاف لفظ الْمُوَطَّأ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يرو عبد الرحمن بن مهْدي عَن مَالك من حَدِيث اللّعان إِلَّا هَذِه الْكَلِمَة وَتَابعه على ذَلِك قراد أَبُو نوح ونوح بن مَيْمُون الْمَضْرُوب عَن مَالك فَذكر حَدِيث عبد الرحمن ابْن مهْدي من رِوَايَة أبي خَيْثَمَة والمخزومي وَأحمد بن سِنَان عَن ابْن مهْدي كَمَا ذكره ابْن أبي خَيْثَمَة سَوَاء حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي سعيد الْبَزَّار قَالَ حَدثنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد ثَنَا قراد ثَنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سهل بن سعد قَالَ كره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمسَائِل وعابها قَالَ وثنا عبد الله ابْن مُحَمَّد بن أبي سعيد وَالْحصين بن صَفْوَان قَالَا ثَنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ ثَنَا أبي قَالَ ثَنَا نوح بن مَيْمُون أَبُو مُحَمَّد بن نوح قَالَ حَدثنَا مَالك عَن ابْن شهَاب قَالَ أَخْبرنِي سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كره الْمسَائِل وعابها

قَالَ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَبدة بن ابي لبَابَة قَالَ وددت أَن حظي من أهل هَذَا الزَّمَان أَن لَا أسألهم عَن شَيْء وَلَا يَسْأَلُونِي عَن شَيْء يتكاثرون بالمسائل كَمَا يتكاثر أهل الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ

أخبرنَا عبد الوارث قَالَ حَدثنَا قَاسم ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا عبد الوهاب بن نجدة ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ثَنَا شُرَحْبِيل بن مُسلم أَنه سمع الْحجَّاج بن عَامر الثمالِي وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إيَّاكُمْ وَكَثْرَة السُّؤَال وَفِي سَماع أَشهب سَأَلَ مَالك عَن قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنهاكم عَن قيل وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال فَقَالَ أما كَثْرَة السُّؤَال فَلَا أَدْرِي أهوَ مَا أَنْتُم فِيهِ مِمَّا أنهاكم عَنهُ من كَثْرَة الْمسَائِل فقد كره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمسَائِل وعابها وَقَالَ تَعَالَى {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} فَلَا أَدْرِي أهوَ هَذَا أم السُّؤَال فِي مسئلة النَّاس فِي الاستعطاء وَاحْتج الْجُمْهُور أَيْضا بِمَا رَوَاهُ ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الْمُسلمين فِي الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم على الْمُسلمين فَحرم عَلَيْهِم من أجل مَسْأَلته وَرَوَاهُ عَن ابْن شهَاب معمر وَابْن عُيَيْنَة وَيُونُس بن يزِيد وَغَيرهم وَهَذَا لفظ حَدِيث يُونُس بن يزِيد من رِوَايَة ابْن وهب عَنهُ وروى ابْن وهب أَيْضا قَالَ حَدثنِي ابْن لَهِيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ذروني مَا تركتكم فَإِنَّمَا أهلك الَّذين قبلكُمْ سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ وَإِذا أَمرتكُم بِشَيْء فَخُذُوا مِنْهُ مَا استطعم قَالَ وَأَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرحمن عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ ذَلِك وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَهُوَ على الْمِنْبَر أحرج بِاللَّه على كل امْرِئ سَأَلَ عَن

ص: 16

شَيْء لم يكن فَإِن الله قد بَين مَا هُوَ كَائِن وروى جرير بن عبد الحميد وَمُحَمّد بن فُضَيْل عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ مَا رَأَيْت قوما خيرا من أَصْحَاب مُحَمَّد ص مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَن ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة حَتَّى قبض كُلهنَّ فِي الْقُرْآن {ويسألونك عَن الْمَحِيض} {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام} {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} مَا كَانُوا يسْأَلُون إِلَّا عَمَّا يَنْفَعهُمْ

قَالَ أَبُو عمر لَيْسَ فِي الحَدِيث من الثَّلَاث عشرَة مَسْأَلَة إِلَّا ثَلَاث أَقُول إِن أَرَادَ تعداد مَا فِي الْقُرْآن من الأسئلة كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام ابْن عَبَّاس فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم يَسْأَلك النَّاس عَن السَّاعَة يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم سُورَة تنبئهم بِمَا فِي قُلُوبهم

قَالُوا وَمن تدبر الاثار المروية فِي ذمّ الرَّأْي المرفوعة وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِك بِأَن لَهُ مَا ذكرنَا قَالُوا أَلا ترى أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ الْجَواب فِي مسَائِل الْأَحْكَام مالم تنزل فَكيف بِوَضْع الِاسْتِحْسَان وَالظَّن والتكلف وتسطير ذَلِك واتخاذه دينا

وَذكروا من الْآثَار أَيْضا مَا حَدثنَا سعيد بن نصر ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا ابْن وضاح ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن طَاوس عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تعجلوا بالبلية قبل نُزُولهَا فَإِنَّكُم أَن لَا تفعلو أوشك أَن يكون فِيكُم من إِذا قَالَ سدد أَو وفْق فَإِنَّكُم إِن عجلتم تشَتت بكم الطّرق هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَقَالَ عمر أَنه لَا يحل لأحد أَن يسْأَل عَمَّا لم يكن أَن الله تبارك وتعالى قد قضى فِيمَا هُوَ كَائِن وَسَأَلَ مَسْرُوق أبي بن كَعْب عَن مَسْأَلَة فَقَالَ أَكَانَت هَذِه بعد قلت لَا قَالَ فاجمني حَتَّى تكون وَعَن خَارِجَة بن زيد ابْن ثَابت عَن أَبِيه أَنه كَانَ لَا يَقُول بِرَأْيهِ فِي شَيْء حِين يسْأَل عَنهُ حَتَّى يَقُول انْزِلْ أم لَا فَإِن لم يكن نزل لم يقل فِيهِ وَإِن يكن وَقع تكلم فِيهِ قَالَ وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فَيَقُول اوقعت فَيُقَال لَهُ يَا أَبَا سعيد مَا وَقعت وَلكنهَا نعدها فَيَقُول دَعُوهَا فَإِن كَانَت وَقعت أخْبرهُم قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ مَا سَمِعت أبي يَقُول فِي شَيْء قطّ بِرَأْيهِ قَالَ وَرُبمَا سُئِلَ عَن الشَّيْء فَيَقُول هَذَا من خَالص السُّلْطَان وروينا عَن بشر بن الْحَرْث قَالَ قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة من أحب أَن يسْأَل وَلَيْسَ بِأَهْل أَن يسْأَل فَمَا يَنْبَغِي أَن يسْأَل قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي بكر بن مُضر عَن ابْن هُرْمُز قَالَ أدْركْت أهل الْمَدِينَة وَمَا فِيهَا إِلَّا الْكتاب وَالسّنة وَالْأَمر

ص: 17

ينزل فَينْظر فِيهِ السُّلْطَان قَالَ فَقَالَ لي مَالك أدْركْت أهل هَذِه الْبِلَاد وَإِنَّهُم ليكرهون هَذَا الْإِكْثَار الَّذِي فِي النَّاس الْيَوْم قَالَ ابْن وهب يُرِيد الْمسَائِل قَالَ وَقَالَ مَالك إِنَّمَا كَانَ النَّاس يفتون بِمَا سمعُوا وَعَلمُوا وَلم يكن هَذَا الْكَلَام الَّذِي فِي النَّاس الْيَوْم وَقَالَ ابْن وهب أخبرنَا أشهل بن حَاتِم عَن عبد الله بن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لأبي مَسْعُود عقبَة ابْن عَمْرو ألم أنبأ أَنَّك تُفْتِي النَّاس وَلست باميرول حارها من تولى قارها وَكَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول إيَّاكُمْ وَهَذِه العضل فَإِنَّهَا إِذا نزلت بعث الله إِلَيْهَا من يقيمها ويفسرها قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن عبد الملك بن مَرْوَان سَأَلَ ابْن شهَاب عَن شَيْء فَقَالَ لَهُ ابْن شهَاب أَكَانَ هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَا قَالَ فَدَعْهُ فَإِنَّهُ إِذا كَانَ أَتَى الله لَهُ بفرج

حَدثنَا عبد الوارث بن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا قَاسم بن أصبغ قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا أبي ثَنَا جرير عَن لَيْث عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ يَا أَيهَا النَّاس لَا تسألوا عَمَّا لم يكن فَإِن عمر كَانَ يلعن من سَأَلَ عَمَّا لم يكن حَدثنَا عبد الوارث ثَنَا قَاسم ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا أبي ثَنَا عبد الرحمن ابْن مهْدي ثَنَا مُوسَى بن عَليّ عَن أَبِيه قَالَ كَانَ زيد بن ثَابت إِذا سَأَلَهُ إِنْسَان عَن شَيْء قَالَ الله أَكَانَ هَذَا فَإِن قَالَ نعم نظرُوا لَا لم يتَكَلَّم وأتى قوم زيد بن ثَابت فَسَأَلُوهُ عَن أَشْيَاء فَأخْبرهُم بهَا وكتبوها ثمَّ قَالُوا لَو أخبرناه قَالَ فَأتوهُ فأخبروه فَقَالَ أعذرا لَعَلَّ كل شَيْء حدثتكم بِهِ خطأ إِنَّمَا اجتهدت لكم رَأْيِي قَالَ سنيد ثَنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ قيل لجَابِر بن زيد أَنهم يَكْتُبُونَ مَا يسمعُونَ مِنْك قَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون يَكْتُبُونَ رَأيا أرجع عَنهُ غَدا قَالَ سنيد ثَنَا يزِيد عَن الْعَوام بن حَوْشَب عَن الْمسيب بن رَافع قَالَ كَانَ إِذا جَاءَ الشَّيْء من الْقَضَاء لَيْسَ فِي الْكتاب وَلَا فِي السّنة سمي صوافي الْأُمَرَاء فيرفع إِلَيْهِم فَجمع لَهُ أهل الْعلم فَمَا اجْتمع عَلَيْهِ رَأْيهمْ فَهُوَ الْحق وَذكر الطَّبَرِيّ فِي كتاب تَهْذِيب الْآثَار لَهُ قَالَ حَدثنَا الْحسن بن الصَّباح الْبَزَّار حَدثنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الحنيني قَالَ قَالَ مَالك قبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد تمّ هَذَا الْأَمر واستكمل فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تتبع آثَار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يتبع الرَّأْي فَإِنَّهُ مَتى اتبع الرَّأْي جَاءَ رجل آخر أقوى فِي الرَّأْي مِنْك فاتبعته فَأَنت كلما جَاءَ رجل عَلَيْك اتبعته أرى هَذَا لَا يتم وَقَالَ عبد إِن سَمِعت عبد الله بن الْمُبَارك يَقُول ليكن الَّذِي تعتمد عَلَيْهِ الْأَثر وَخذ من الرَّأْي مَا يُفَسر بِهِ الحَدِيث قَالَ وَقَالَ ابْن الْمُبَارك قَالَ مَالك بن دِينَار لِقَتَادَة أَتَدْرِي أَي حكم رفعت قسمت بَين الله وَبَين عباده فَقلت هَذ لَا يصلح وَهَذَا يصلح وَذكر الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي قَالَ حَدثنِي عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثَنَا معن بن عِيسَى ثَنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد قَالَ جَاءَ رجل إِلَى سعيد بن الْمسيب فَسَأَلَهُ عَن شَيْء فأملاه عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَهُ عَن رَأْيه فَأَجَابَهُ فَكتب الرجل فَقَالَ رجل من جلساء سعيد

ص: 18

أنكتب يَا أَبَا مُحَمَّد رَأْيك فَقَالَ سعيد للرجل ناولنيها فَنَاوَلَهُ الصَّحِيفَة فحرقها قَالَ وَحدثنَا نعيم ثَنَا ابْن الْمُبَارك عَن عبد الله بن موهب أَن رجلا جَاءَ إِلَى الْقسم بن مُحَمَّد فَسَأَلَهُ عَن شَيْء فَأَجَابَهُ فَلَمَّا ولى الرجل دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لَا تقل إِن الْقَاسِم زعم أَن هَذَا هُوَ الْحق وَلَكِن إِن اضطررت إِلَيْهِ عملت بِهِ

حَدثنَا مُحَمَّد بن خَليفَة قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ ثَنَا الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد قَالَ أَخْبرنِي أبي قَالَ سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول عَلَيْك بآثار من سلف وَإِن رفضك النَّاس وَإِيَّاك وآراء الرِّجَال وَإِن زخرفوا لَك القَوْل وَرَوَاهُ غير الْفرْيَابِيّ عَن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد عَن أَبِيه عَن الْأَوْزَاعِيّ مثله قَالَ وَإِن زخرفوه بالْقَوْل فَإِن الْأَمر ينجلي وَأَنت مِنْهُ على طَرِيق مُسْتَقِيم وَذكر البُخَارِيّ عَن ابْن بكير عَن اللَّيْث قَالَ قَالَ ربيعَة لِابْنِ شهَاب يَا أَبَا بكر إِذا حدثت النَّاس بِرَأْيِك فَأخْبرهُم أَنه رَأْيك وَإِذا حدثت النَّاس بِشَيْء من السّنة فَأخْبرهُم أَنه سنة لَا يظنون أَنه رَأْيك حَدثنَا عبد الرحمن ابْن يحيى ثَنَا عَليّ بن مُحَمَّد ثَنَا أَحْمد بن دَاوُد ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب قَالَ قَالَ لي مَالك بن أنس وَهُوَ يُنكر كَثْرَة الْجَواب للمسائل يَا عبد الله مَا عَلمته فَقل بِهِ وَدلّ عَلَيْهِ ومالم تعلم فاسكت عَنهُ وَإِيَّاك أَن تتقلد للنَّاس قلادة سوء حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ ثَنَا أبي ثَنَا مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة ثَنَا مَالك بن عَليّ الْقرشِي ثَنَا عبد الله بن مسلمة القعْنبِي قَالَ دخلت على مَالك فَوَجَدته باكيا فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ ثمَّ سكت عني يبكي فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله مَا الَّذِي يبكيك فَقَالَ لي يَا ابْن قعنب أَنا لله على مَا فرط مني لَيْتَني جلدت بِكُل كلمة تَكَلَّمت بهَا فِي هَذَا الْأَمر بِسَوْط وَلم يكن فرط مني مَا فرط من هَذَا الرَّأْي وَهَذِه الْمسَائِل قد كَانَت لي سَعَة فِيمَا سبقت إِلَيْهِ وَذكر مُحَمَّد بن حرث بن أَسد الْخُشَنِي حَدثنَا أَبُو عبد اله مُحَمَّد بن عَبَّاس النّحاس قَالَ سَمِعت أَبَا مُحَمَّد سعيد بن مُحَمَّد بن الْحداد يَقُول سَمِعت سَحْنُون بن سعيد يَقُول مَا أَدْرِي مَا هَذَا الرَّأْي سفكت بِهِ الدِّمَاء واستحلت بِهِ الْفروج واستخفت بِهِ الْحُقُوق غير أَنا رَأينَا رجلا صَالحا فقلدناه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أَرَادَ الله أَن يحرم عَبده بركَة الْعلم ألْقى على لِسَانه الأغاليط وروينا عَن الْحسن أَنه قَالَ إِن شرار عباد الله الَّذين يجيئون بشرار الْمسَائِل ويفتون بهَا عباد الله وَقَالَ عبد الرحمن بن مهْدي سَمِعت حَمَّاد بن زيد يَقُول قيل لأيوب مَالك لَا تنظر فِي الرَّأْي فَقَالَ أَيُّوب قيل للحمار مَالك لَا تجتر قَالَ أكره مضغ الْبَاطِل وروينا عَن رَقَبَة بن مصقلة أَنه قَالَ لرجل رَآهُ يخْتَلف إِلَى صَاحب الرَّأْي يَا هَذَا يَكْفِيك من رَأْيه مَا مضغت وَترجع إِلَى أهلك بِغَيْر ثِقَة

ص: 19

قَالَ الشّعبِيّ وَالله لقد بغض هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَى الْمَسَاجِد حَتَّى لهي أبْغض إِلَيّ من كناسَة دَاري قلت من هم يَا أَبَا عَمْرو قَالَ الأرائيون قَالَ وَمِنْهُم الحكم وَحَمَّاد وأصحابهم قَالَ الرّبيع بن خثيم إيَّاكُمْ أَن يَقُول الرجل لشَيْء إِن الله حرم هَذَا أَو نهى عَنهُ فَيَقُول الله كذبت لم أحرمهُ وَلم أَنه عَنهُ قَالَ أَو يَقُول إِن الله أحل هَذَا وَأمر بِهِ فَيَقُول كذبت لم أحله وَلم آمُر بِهِ وَذكر ابْن وهب وعتيق بن يَعْقُوب إنَّهُمَا سمعا مَالك بن أنس يَقُول لم يكن من أَمر النَّاس وَلَا من مضى من سلفنا وَلَا أدْركْت أحدا أقتدي بِهِ يَقُول فِي شَيْء هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام مَا كَانُوا يجترءون على ذَلِك وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ نكره هَذَا نرى هَذَا حسنا ونتقي هَذَا وَلَا نرى هَذَا وَزَاد عَتيق بن يَعْقُوب وَلَا يَقُولُونَ حَلَال وَلَا حرَام أما سَمِعت قَول الله عز وجل {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق فجعلتم مِنْهُ حَرَامًا وحلالا قل آللَّهُ أذن لكم أم على الله تفترون} الْحَلَال مَا أحله الله تَعَالَى وَرَسُوله ص وَالْحرَام مَا حرمه الله تَعَالَى وَرَسُوله ص

قَالَ أَبُو عمر معنى قَول مَالك هَذَا أَن مَا أَخذ من الْعلم رَأيا واستحسانا لم يقل فِيهِ حَلَال وَلَا حرَام وَالله تَعَالَى أعلم وَقد رُوِيَ عَن مَالك أَنه قَالَ فِي بعض مَا كَانَ ينزل فَيسْأَل عَنهُ فيجتهد فِيهِ رَأْيه أَن نظن إِلَّا ظنا وَمَا نَحن بمستيقنين وَلَقَد أحسن أَبُو الْعَتَاهِيَة حَيْثُ يَقُول

وَمَا كل الظنون تكون حَقًا

وَلَا كل الصَّوَاب على الْقيَاس

وَقَالَ أَبُو وَائِل لَا تقاعدوا أَصْحَاب أَرَأَيْت وَقَالَ الشّعبِيّ مَا كلمة أبْغض إِلَى من أَرَأَيْت وَقَالَ دَاوُد الأودي قَالَ لي الشّعبِيّ احفظ عني ثَلَاثًا لَهُنَّ شَأْن إِذا سَأَلت عَن مَسْأَلَة فأجبت فِيهَا فَلَا تتبع مسألتك أَرَأَيْت فَإِن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ حَتَّى فرغ من الْآيَة وَالثَّانيَِة إِذا سُئِلت عَن مسئلة فَلَا تقس شَيْئا بِشَيْء فَرُبمَا حرمت حَلَالا أَو أحللت حَرَامًا وَالثَّالِثَة إِذا سُئِلت عمالا تعلم فَقل لَا أعلم وَأَنا شريكك وَقَالَ الشّعبِيّ إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ فِي أَرَأَيْت وَقَالَ اللَّيْث بن سعد رَأَيْت ربيعَة بن أبي عبد الرحمن فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ يَا أَبَا عُثْمَان مَا حالك قَالَ صرت إِلَى خير إِلَّا أَنِّي لم أَحْمد على كثير مِمَّا خرج مني من الرَّأْي وَقَالَ يحيى بن أَيُّوب بَلغنِي أَن أهل الْعلم كَانُوا يَقُولُونَ إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى أَن لَا يعلم عَبده خير أشغله بالأغاليط وَسُئِلَ رَقَبَة بن مصقلة عَن أَصْحَاب الرَّأْي فَقَالَ هم أعلم النَّاس بِمَا لم يكن وأجهلهم بِمَا كَانَ يُرِيد أَنهم لم يكن لَهُم علم مِمَّن مضى قلت وَهَذَا أَمر مشَاهد فِي الطَّائِفَة المقلدين والعصابة المتعصبين فَإنَّك إِذا قلت لوَاحِد مِنْهُم أَرَأَيْت لَو نسي الْمُصَلِّي فَسلم فِي ثَلَاثَة من الرّبَاعِيّة لبادر أَن يَقُول مَذْهَبنَا كَذَا وَإِذا قلت لَهُ لم أَسأَلك عَن مذهبك إِنَّمَا أسئلك عَن فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وقف حمارا يشخ فِي الْعقبَة وَغَضب وإحمار وإصفار

قَالَ أَبُو عمر بن عبد البر حَدثنَا عبد الرحمن بن عبد الله بن خَالِد ثَنَا يُوسُف بن يَعْقُوب النجيرمي

ص: 20

بِالْبَصْرَةِ ثَنَا الْعَبَّاس بن الْفضل قَالَ سَمِعت سَلمَة بن شبيب يَقُول سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول رَأْي الْأَوْزَاعِيّ ورأي مَالك ورأي أبي حنيفَة كُله رَأْي وَهُوَ عِنْدِي سَوَاء وَإِنَّمَا الْحجَّة فِي الْآثَار قَالَ أَبُو عمر بَلغنِي عَن سهل بن عبد الله التسترِي أَنه قَالَ مَا أحدث أحد فِي الْعلم شَيْئا إِلَّا سُئِلَ عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة فَإِن وَافق السّنة سلم وَإِلَّا فَهُوَ العطب انْتهى كَلَام ابْن عبد البر بِطُولِهِ وَزَاد الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل إِلَى علم السّنَن فَقَالَ بَاب مَا يذكر من ذمّ الرَّأْي وتكلف الْقيَاس فِي مَوضِع النَّص قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} وَقَالَ الشَّافِعِي فَإِن تنازعتم يَعْنِي وَالله تَعَالَى أعلم هم وأمراؤهم الَّذين أمروا بطاعتهم فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول يَعْنِي وَالله تَعَالَى أعلم إِلَى مَا قَالَ الله وَالرَّسُول وَقَالَ تَعَالَى {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله} قَالَ مُجَاهِد الْبدع والشبهات وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خطب احْمَرَّتْ عَيناهُ وَعلا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول صبحكم ومساكم وَيَقُول بعثت أَنا والساعة كهاتين ويقرن بَين إصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى وَيَقُول أما بعد فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد ص وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل بِدعَة ضَلَالَة ثمَّ يَقُول أَنا أولى بِكُل مُؤمن من نَفسه من ترك مَالا فلأهله وَمن ترك دينا أَو ضيَاعًا فَإِلَيَّ وَعلي رَوَاهُ مُسلم وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن جَعْفَر وَقَالَ فِيهِ وكل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار قَالَ الشَّافِعِي المحدثات من الْأُمُور ضَرْبَان أَحدهمَا مَا أحدث يُخَالف كتابا أَو سنة أَو أثرا أَو إِجْمَاعًا فَهُوَ الْبِدْعَة الضَّلَالَة وَالثَّانِي مَا أحدث من الْخَيْر لَا خلاف فِيهِ لوَاحِد من هَذَا وَهَذِه محدثة غير مذمومة وَقد قَالَ عمر فِي قيام شهر رَمَضَان نعمت الْبِدْعَة هَذِه يَعْنِي أَنَّهَا محدثة لم تكن وَإِذا كَانَت فَلَيْسَ فِيهَا رد لما مضى وَأخرج عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ اتبعُوا وَلَا تبتدعوا فقد كفيتم وَأخرج أَيْضا عَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول يكون بعدِي رجال يعرفونكم مَا تنكرون وَيُنْكِرُونَ عَلَيْكُم مَا تعرفُون فَلَا طَاعَة لمن عصى الله تَعَالَى وَلَا تعملوا برأيكم وَأخرج عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لن يستكمل مُؤمن إيمَانه حَتَّى يكون هَوَاهُ تبعا لما جِئتُكُمْ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ نعيم بن حَمَّاد قلت تقدم أَن نعيما ثِقَة صَدُوق زَاد فِي التَّقْرِيب يُخطئ كثيرا وَعَن عمر اتَّقوا الرَّأْي فِي دينكُمْ وَعَن الشبعي أَنه قَالَ لقد بغض إِلَيّ هَؤُلَاءِ الْمَسَاجِد حَتَّى لهي أبْغض إِلَيّ من كناسَة دَاري فَقلت مِم يَا أَبَا عَمْرو قَالَ هَؤُلَاءِ الأرائيون أَصْحَاب الرَّأْي لما أعيتهم أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يحفظوها جَاءُوا يجادلون وَعَن الزُّهْرِيّ مثل ذَلِك وَعَن عمر بن الْخطاب بِسَنَد رِجَاله ثِقَات أَنه قَالَ يَا أَيهَا النَّاس اتهموا الرَّأْي على الدّين فَلَقَد رَأَيْتنِي أرد أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِرَأْي اجْتِهَاد فوَاللَّه مَا ألو على الْحق وَذَلِكَ يَوْم أبي جندل وَالْكتاب بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأهل مَكَّة فَقَالَ اكتبوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالُوا تَرَانَا قد صدقناك بِمَا تَقول وَلَكِنَّك تكْتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ قَالَ فَرضِي

ص: 21

رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأتيت عَلَيْهِم حَتَّى قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تراني أرْضى وتأبى أَنْت قَالَ فرضيت وَعَن أبي حُصَيْن قَالَ قَالَ أَبُو وَائِل لما قدم سهل بن حنيف من صفّين أتيناه نستخبره قَالَ فَقَالَ اتهموا الرَّأْي على الدّين فَلَقَد رَأَيْتنِي يَوْم أبي جندل وَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت وَالله وَرَسُوله أعلم وَمَا وَضعنَا أسيافنا على عواتقنا فِي أَمر يفظعنا إِلَّا أسهلن بِنَا على أَمر نعرفه قبل هَذَا الْأَمر مَا يسد مِنْهُ خصم إِلَّا انْفَتح علينا خصم مَا نَدْرِي كَيفَ نأتي إِلَيْهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَعَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ لَو كَانَ الدّين بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِن الْخُفَّيْنِ أَحَق بِالْمَسْحِ من ظاهرهما وَلَكِن رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما وَعَن ابْن عمر أَنه قَالَ لَا يزَال النَّاس على الطَّرِيق مَا اتبعُوا الْأَثر وَعَن عُرْوَة بن الزبير أَنه كَانَ يَقُول اتِّبَاع السّنَن قوام الدّين

قَالَ الْبَيْهَقِيّ حَدثنَا أَبُو سعيد ثَنَا أَبُو الْحر ثَنَا بشير ثَنَا الْحميدِي ثَنَا يحيى بن سليم ثَنَا دَاوُد بن أبي هِنْد قَالَ سَمِعت ابْن سِيرِين يَقُول أول من قَاس إِبْلِيس قَالَ خلقتني من نَار وخلقته من طين وَإِنَّمَا عبدت الشَّمْس وَالْقَمَر بالمقاييس وَعَن الْحسن أَنه كَانَ يَقُول اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله وانتصحوا كتاب الله على أَنفسكُم ودينكم وَعَن الشّعبِيّ مَا كلمة أبْغض إِلَيّ من أَرَأَيْت وَعَن ابْن عون قَالَ قَالَ إِبْرَاهِيم أَن الْقَوْم لم يدّخر عَنْهُم شَيْء خبئ لكم بِفضل عنْدكُمْ وَعَن عَامر بن يسَاف أَنه قَالَ سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول إِذا بلغك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيث فإياك يَا عَامر أَن تَقول بِغَيْرِهِ فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ مبلغا عَن الله تبارك وتعالى وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ الْعلم كُله الْعلم بالآثار وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول المراء فِي الْعلم يقسي الْقلب وَيُورث الضغائن وَقَالَ أَبُو الْأسود قلت لِابْنِ الْمُبَارك مَا ترى فِي كِتَابَة الرَّأْي قَالَ أَن تكتبه لتعرف بِهِ الحَدِيث فَنعم وَأما أَن تكتبه فتتخذه دينا فَلَا وَقَالَ ابْن وهب ثَنَا عبد العزيز بن أبي سَلمَة قَالَ لما جِئْت الْعرَاق جَاءَنِي أهل الْعرَاق فقالو حَدثنَا عَن ربيعَة الرَّأْي قَالَ فَقلت يَا أهل الْعرَاق تَقولُونَ ربيعَة الرَّأْي لَا وَالله مَا رَأَيْت أحدا أحفظ للسّنة مِنْهُ وَعَن سُفْيَان أَنه قَالَ قَالَ ربيعَة بن أبي عبد الرحمن إِذا بشع الْقيَاس فَدَعْهُ يَعْنِي إِذا شنع قَالَ وَكِيع قَالَ أَبُو حنيفَة من الْقيَاس مَا هُوَ أقبح من الْبَوْل فِي الْمَسْجِد قلت وَصدق الإِمَام أَبُو حنيفَة وَهُوَ الْقيَاس المصادم لنَصّ كتاب أَو سنة وَقَالَ يحيى بن حربس سَمِعت سُفْيَان وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ مَا تنقم على أبي حنيفَة قَالَ وَمَاله قَالَ سمعته يَقُول آخذ بِكِتَاب الله فمالم أجد فبسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن لم أجد فِي كتاب الله وَلَا سنة نبيه أخذت بقول أَصْحَابه من شِئْت مِنْهُم وأدع قَول من شِئْت مِنْهُم وَلَا أخرج من قَوْلهم إِلَى قَول غَيرهم فَأَما إِذا انْتهى الْأَمر إِلَى إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَعَطَاء وَسَعِيد بن الْمسيب وَعدد رجَالًا فقوم اجتهدوا فاجتهد كَمَا اجتهدوا قَالَ فَسكت سُفْيَان طَويلا ثمَّ قَالَ كَلِمَات بِرَأْيهِ مَا بَقِي فِي الْمجْلس أحد إِلَّا كتبه نستمع السديد من الحَدِيث فنخاف ونسمع اللين فنرجوه وَلَا نحاسب الْأَحْيَاء وَلَا نقضي على الْأَمْوَات نسلم مَا سمعناه وَنكل

ص: 22

مَا لم نعلم إِلَى عالمه ونتهم رَأينَا لرأيهم

قَالَ الشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ فَذَكرنَا فِي الصَّحَابَة رضي الله عنهم إِذا اخْتلفُوا كَيفَ يرجح قَول بَعضهم على بعض وبماذا يرجح وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأَخْذ بقول بَعضهم اخْتِيَار شَهْوَة من غير دلَالَة وَالَّذِي قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ من أَنا نتهم رَأينَا لرأيهم أَن أَرَادَ الصَّحَابَة إِذا اتَّفقُوا على شَيْء أَو الْوَاحِد مِنْهُم إِذا انْفَرد بقوله وَلَا مُخَالف لَهُ نعلمهُ مِنْهُم فَكَمَا قَالَ وَإِن أَرَادَ التَّابِعين إِذا اتَّفقُوا على شَيْء فَكَمَا قَالَ وَأَن أَرَادَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا انْفَرد بقوله لامخالف لَهُ نعلمهُ مِنْهُم فقد قَالَ كَذَلِك بعض أَصْحَابنَا وَأَن اخْتلفُوا فَلَا بُد من الِاجْتِهَاد وَفِي اخْتِيَار أصح أَقْوَالهم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَري يَقُول سَمِعت أَبَا الْوَلِيد وَحدث بِحَدِيث مَرْفُوع عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقيل لَهُ مَا رَأْيك فَقَالَ لَيْسَ لي مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأْي وَقَالَ يحيى بن آدم لَا تحْتَاج مَعَ قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى قَول أحد وَإِنَّمَا يُقَال سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر رضي الله عنهما ليعلم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا

أَقُول وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل حَدِيث عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي فَلَا يبْقى فِيهِ إِشْكَال فِي الْعَطف فَلَيْسَ للخلفاء سنة تتبع إِلَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَعَن مُجَاهِد لَيْسَ أحد إِلَّا يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك من قَوْله إِلَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَن الشّعبِيّ وَعَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ مَا حدثوك عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَخذ بِهِ وَمَا قَالُوا فِيهِ برأيهم قبل عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عمر يُرِيد بِهِ الرَّأْي الْمُخَالف للأثر

بَاب معرفَة أصُول الْعلم وَحَقِيقَته وَمَا الَّذِي يَقع عَلَيْهِ اسْم الْفِقْه وَالْعلم مُطلقًا

أخرج ابْن عبد البر بِسَنَد فِيهِ عبد الرحمن بن زِيَاد الأفريقي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْعلم ثَلَاثَة فَمَا سوى ذَلِك فضل آيَة محكمَة وَسنة قَائِمَة وفريضة عادلة قلت وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَفِي إِسْنَاده عبد الرحمن بن رَافع وَفِيهِمَا مقَال قَالَ ابْن عبد البر وَالسّنة الْقَائِمَة الدائمة المحافظ عَلَيْهَا الْقيام إسنادها وَالْفَرِيضَة العادلة المساوية لِلْقُرْآنِ فِي وجوب الْعلم بهَا وَفِي كَونهَا صدقا وصوابا وَعَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعلم ثَلَاثَة أَشْيَاء كتاب نَاطِق وَسنة مَاضِيَة وَلَا أَدْرِي قلت وَأخرجه الديلمي فِي مُسْند الفردوس مَوْقُوفا وَأَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والخطيب فِي رُوَاة مَالك وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك مَوْقُوفا قَالَ الْحَافِظ بن حجر الْمَوْقُوف حسن الْإِسْنَاد وَقَالَ أَبُو عمر وَعَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا الْأُمُور ثَلَاثَة

ص: 23

أَمر تبين لَك رشده فَاتبعهُ وَأمر تبين لَك زيغه فاجتنبه وَأمر اخْتلف فِيهِ فكله إِلَى عالمه وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تركت فِيكُم أَمريْن لن تضلوا مَا تمسكتم بهما كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عليه وسلم

وَقَالَ أَبُو عمر أَيْضا وَفِي كتاب عمر بن عبد العزيز إِلَى عُرْوَة كتبت إِلَيّ تَسْأَلنِي عَن الْقَضَاء بَين النَّاس وَأَن رَأس الْقَضَاء اتِّبَاع مَا فِي كتاب الله ثمَّ الْقَضَاء بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ بِحكم أَئِمَّة الْهَدْي ثمَّ استشارة ذَوي الْعلم والرأي وَذكر ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ كَانَ ابْن شبْرمَة يَقُول

مَا فِي الْقَضَاء شَفَاعَة لمخاصم

عِنْد اللبيب وَلَا الْفَقِيه الْعَالم

هون عَليّ إِذا قضيت بِسنة

أَو بِالْكتاب برغم أنف الراغم

وقضيت فِيمَا لم 2 أجد أثرا بِهِ

ببصائر مَعْرُوفَة ومعالم

وَعَن ابْن وهب قَالَ قَالَ مَالك الحكم حكمان حكم جَاءَ بِهِ كتاب الله وَحكم أحكمته السّنة قَالَ ومجتهد رَأْيه فَلَعَلَّهُ يوفق قَالَ ومتكلف فطعن عَلَيْهِ وَأخرج بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن وهب قَالَ قَالَ لي مَالك الحكم الَّذِي يحكم بِهِ بَين النَّاس حكمان مَا فِي كتاب الله أَو أحكمته السّنة فَذَلِك الحكم الْوَاجِب وَذَلِكَ الصَّوَاب وَالْحكم الَّذِي يجْتَهد فِيهِ الْعَالم رَأْيه فَلَعَلَّهُ يوفق وثالث متكلف فَمَا أحراه أَلا يوفق قَالَ وَقَالَ مَالك الْحِكْمَة وَالْعلم نور يهدي بِهِ الله من يَشَاء وَلَيْسَ بِكَثْرَة الْمسَائِل وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من ذَلِك الْكتاب سَمِعت مَالِكًا يَقُول لَيْسَ الْفِقْه بِكَثْرَة الْمسَائِل وَلَكِن الْفِقْه يؤتيه الله من يَشَاء من خلقه وَقَالَ ابْن وضاح وَسُئِلَ سَحْنُون أيسع الْعَالم أَن يَقُول لَا أَدْرِي فِيمَا يدْرِي فَقَالَ أما مَا فِيهِ كتاب قَائِم أَو سنة ثَابِتَة فَلَا يَسعهُ ذَلِك وَأما كَانَ من هَذَا الرَّأْي فَإِنَّهُ يَسعهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أمصيب هُوَ أم مُخطئ

وَذكر ابْن وهب فِي كتاب الْعلم من جَامعه قَالَ سَمِعت مَالِكًا يَقُول إِن الْعلم لَيْسَ بِكَثْرَة الرِّوَايَة وَلكنه نور يَجعله الله تَعَالَى فِي الْقُلُوب وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من ذَلِك الْكتاب وَقَالَ مَالك الْعلم وَالْحكمَة نور يهدي بِهِ الله من يَشَاء وَلَيْسَ بِكَثْرَة الْمسَائِل

قَالَ أَبُو عمر وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن شَاكر قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن يحيى بن عبد العزيز ثَنَا أسلم بن عبد العزيز قَالَ ثَنَا الْمُزنِيّ وَالربيع بن سُلَيْمَان قَالَا قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لأحد أَن يَقُول فِي شَيْء حَلَال وَلَا حرَام إِلَّا من جِهَة الْعلم وجهة الْعلم مَا نَص فِي الْكتاب أَو فِي السّنة أَو فِي الْإِجْمَاع أَو الْقيَاس على هَذِه الْأُصُول وَمَا فِي مَعْنَاهَا قَالَ أَبُو عمر أما الْإِجْمَاع فمأخوذ من قَول الله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} لِأَن الِاخْتِلَاف لَا يَصح مَعَه هَذَا الظَّاهِر وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة وَعِنْدِي أَن إِجْمَاع الصَّحَابَة لَا يجوز خلافهم وَالله تَعَالَى أعلم لِأَنَّهُ لَا يجوز على جَمِيعهم جهل التَّأْوِيل وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس}

ص: 24

دَلِيل على أَن جَمَاعَتهمْ إِذا أَجمعُوا حجَّة على من خالفهم كَمَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حجَّة على جَمِيعهم قلت بل أَدِلَّة الْإِجْمَاع من الْكتاب وَالسّنة كَثِيرَة

وَأخرج البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَأَبُو عمر وَاللَّفْظ لَهُ بِسَنَدَيْهِمَا إِلَى أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ يَا رَسُول الله من أسعد النَّاس بشفاعتك يَوْم الْقِيَامَة قَالَ لقد ظَنَنْت يَا أَبَا هُرَيْرَة أَنه لَا يسألني عَن هَذَا الحَدِيث أحد أول مِنْك لما رايت من حرصك على الحَدِيث أَن أسعد النَّاس بشفاعتي يَوْم الْقِيَامَة من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصا من قبل نَفسه وَأخرج ابْن عبد البر بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَاذَا رد إِلَيْك رَبك فِي الشَّفَاعَة فَقَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لقد ظَنَنْت أَنَّك أول من يسألني عَن ذَلِك لما رَأَيْت من حرصك على الْعلم وَذكر الحَدِيث

قَالَ أَبُو عمر فِي الْخَبَر الأول لما رَأَيْت من حرصك على الحَدِيث وَفِي هَذَا لما رَأَيْت من حرصك على الْعلم فَسُمي الحَدِيث علما على الْإِطْلَاق وَمثل ذَلِك قَوْله ص نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فوعاها ثمَّ بلغَهَا غَيره فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ فَسُمي الحَدِيث فقها مُطلقًا وعَلى ذَلِك قَوْله ص لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ إِذْ أذن لَهُ أَن يكْتب حَدِيثه قيد الْعلم فَقَالَ يَا رَسُول الله وَمَا تَقْيِيد الْعلم قَالَ الْكتاب فَأطلق على حَدِيثه اسْم الْعلم لمن تدبره وفهمه وَأخرج بِسَنَد رِجَاله رجال الصَّحِيح عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَبَا الْمُنْذر أَي آيَة مَعَك فِي كتاب الله أعظم مرَّتَيْنِ قَالَ قلت الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم قَالَ فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ لِيَهنك الْعلم أَبَا الْمُنْذر وَذكر تَمام الحَدِيث وَأخرج بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن دَاوُد بن أبي عَاصِم أَن أَبَا سَلمَة بن عبد الرحمن قَالَ بَينا أَنا وَأَبُو هُرَيْرَة عِنْد ابْن عَبَّاس جَاءَت امْرَأَة فَقَالَت توفى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَذكرت أَنَّهَا وضعت لأدنى من أَرْبَعَة أشهر من يَوْم مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس أَنْت لآخر الْأَجَليْنِ قَالَ أَبُو سَلمَة فَقلت إِن عِنْدِي من هَذَا علما وَذكر حَدِيث سبيعة الأسْلَمِيَّة وروى مَالك عَن مُحَمَّد ابْن شهَاب عَن عبد الحميد بن عبد الرحمن عَن عبد الله بن عبد الله بن الْحَرْث عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر بن الْخطاب حِين خرج إِلَى الشَّام فَأخْبر أَن الوباء قد وَقع فِيهَا وَاخْتلف عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَاءَ عبد الرحمن بن عَوْف فَقَالَ إِن عِنْدِي من هَذَا علما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْض وَذكر الحَدِيث

قلت فَهَذِهِ الْأَحَادِيث والْآثَار مصرحة بِأَن اسْم الْعلم إِنَّمَا يُطلق على مَا فِي كتاب الله وَسنة رَسُول

ص: 25

الله صلى الله عليه وسلم وَالْإِجْمَاع أَو مَا قيس على هَذِه الْأُصُول عِنْد فقد نَص على ذَلِك عِنْد من يرى ذَلِك لَا على مَا لهج بِهِ أهل التَّقْلِيد والعصبية من حصرهم الْعلم على مَا دون من كتب الرَّأْي المذهبية مَعَ مصادمة بعض ذَلِك لنصوص الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة

وَقد قَالَ الشّعبِيّ وَمَا قَالُوا فِيهِ برأيهم فَبل عَلَيْهِ وَهَذَا فِي عصر التَّابِعين الَّذين شهد لَهُم سيد الْمُرْسلين ص بالخيرية فَمَا بالك بِرَأْي أهل الْقرن الثَّالِث عشر الَّذين جعلُوا دينهم الحمية والعصبية وانحصروا على طوائف فطائفة مِنْهُم خليليون ادعوا أَن جَمِيع مَا أنزل على مُحَمَّد ص مَحْصُور فِي مُخْتَصر خَلِيل ونزلوه منزلَة كتاب الله الْعَزِيز الْجَلِيل فصاروا يتبعُون مَفْهُومه ومنطوقه وكل دَقِيق فِيهِ وجليل وَطَائِفَة مِنْهُم كنزيون أَو دريون ادعوا أَن مَا فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ هُوَ الْعلم وأنهما معصومان من الْخَطَأ وَالوهم فَإِن شَذَّ شَيْء عَن هذَيْن من علم فالعمدة على مَا فِي الأسعدية والخيرية وَمَا فِي هَذِه الْكتب عِنْد عُلَمَائهمْ مقدم فِي الْعَمَل عل مَا نزل بِهِ جِبْرِيل على خير الْبَريَّة عَلَيْهِم الصَّلَوَات والتسليمات والبركات وعَلى من تَبِعَهُمْ وَطَائِفَة مِنْهُم منهجيون أَو منهاجيون فيحثون عَن منطوقهما ومفهومهما وَبِمَا فيهمَا يتعبدون فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون

وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح إِلَى الله إِلَى كتاب الله وَالرَّسُول إِلَى سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَن مَيْمُون بن مهْرَان أَنه قَالَ إِلَى الله إِلَى كتاب الله وَالرَّسُول قَالَ مَا دَامَ حَيا فَإِذا قبض فَإلَى سنته

وَأخرج ابْن عبد البر بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن ابْن عون أَنه قَالَ ثَلَاث أخبئهن لي ولإخواني هَذَا الْقُرْآن يتدبره الرجل ويتفكر فِيهِ فيوشك أَن يَقع على علم لم يكن يُعلمهُ وَهَذِه السّنة يتطلبها وَيسْأل عَنْهَا ويذر النَّاس إِلَّا من خير قَالَ أَحْمد بن خَالِد هَذَا هُوَ الْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ قَالَ وَكَانَ ابْن وضاح يُعجبهُ هَذَا الْخَبَر وَيَقُول جيد جيد وَقَالَ يحيى بن أَكْثَم لَيْسَ من الْعُلُوم كلهَا علم هُوَ أوجب على الْعلمَاء وعَلى المتعلمين وعَلى كَافَّة الْمُسلمين من علم نَاسخ الْقُرْآن ومنسوخه لِأَن الْإِيمَان بناسخه وَاجِب فرضا وَالْعَمَل بِهِ لَازم وَاجِب ديانَة والمنسوخ لَا يعْمل بِهِ وَلَا ينتهى إِلَيْهِ فَالْوَاجِب على كل عَالم علم ذَلِك لِئَلَّا يُوجب على نَفسه وعَلى عباد الله أمرا لم يُوجِبهُ الله أَو يضع عَنْهُم فرضا أوجبه الله وَعَن عَطاء فِي قَوْله عز وجل {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} قَالَ طَاعَة الله وَرَسُوله اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وَأولى الْأُمَم مِنْكُم قَالَ أولُوا الْعلم وَالْفِقْه

ص: 26

وَعَن مُجَاهِد أَيْضا أولي الْأَمر أهل الْفِقْه قلت وَتقدم أَن الْعلم الْفِقْه هُوَ مَا جَاءَ عَن الله تَعَالَى وَرَسُوله ص من الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث وَمَا جَاءَ عَن أَصْحَابه من الْآثَار وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس بِشَرْط عدم النَّص وَعَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد قَالَ قَالَ لي الْأَوْزَاعِيّ يَا بَقِيَّة الْعلم مَا جَاءَ عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ومالم يَجِيء عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ بِعلم

وَقَالَ بَقِيَّة أَيْضا سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول الْعلم مَا جَاءَ عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ومالم يجِئ عَن أَصْحَاب مُحَمَّد ص فَلَيْسَ بِعلم وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله عز وجل {وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك هُوَ الْحق} قَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَقَالَ عمر بن عبد الواحد سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يحدث عَن ابْن الْمسيب أَنه سُئِلَ عَن شَيْء فَقَالَ اخْتلف فِيهِ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَلَا رَأْي لي مَعَهم قَالَ ابْن وضاح هَذَا هُوَ الْحق قَالَ أَبُو عمر مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أَن يَأْتِي بقول يخالفهم بِهِ وَعَن مُجَاهِد أَنه قَالَ الْعلمَاء أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَعَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ مالم يعرفهُ البدريون فَلَيْسَ من الدّين قَالَ طلق بن غَنَّام أَبْطَأَ حَفْص بن غياث فِي قَضِيَّة فَقلت لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ رَأْي لَيْسَ فِيهِ كتاب وَلَا سنة وَإِنَّمَا أحز فِي لحمي فَمَا عجلني قَالَ قَالَ أَبُو سُفْيَان الْحمير سَأَلت هشيما عَن تَفْسِير الْقُرْآن كَيفَ صَار فِيهِ اخْتِلَاف قَالَ قَالُوا برأيهم فَاخْتَلَفُوا وَقَالَ عَاصِم الْأَحول كَانَ ابْن سِيرِين إِذا سُئِلَ عَن شَيْء قَالَ لَيْسَ عِنْدِي فِيهِ إِلَّا رَأْي أَتَّهِمهُ فَيُقَال لَهُ قل فِيهِ على ذَلِك بِرَأْيِك فَيَقُول لَو أعلم أَن رَأْيِي يثبت لَقلت فِيهِ وَلَكِنِّي أَخَاف أَن أرى الْيَوْم رَأيا وَأرى غَدا غَيره فأحتاج أَن أتبع النَّاس فِي دُورهمْ وَعَن سَالم بن عبد الله بن عمر أَن رجلا سَأَلَهُ عَن شَيْء فَقَالَ لَهُ لم أسمع فِي هَذَا بِشَيْء فَقَالَ لَهُ الرجل إِنِّي أرْضى بِرَأْيِك فَقَالَ لَهُ سَالم لعَلي أَن أخْبرك برأيي ثمَّ تذْهب فَأرى بعْدك رَأيا غَيره فَلَا أجدك وَعَن عبد الله بن عمر أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن شَيْء لم يبلغهُ فِيهِ شَيْء قَالَ إِن شِئْتُم أَخْبَرتكُم بِالظَّنِّ

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد البر أخبرنَا عبد الرحمن بن يحيى حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد ثَنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب قَالَ سَمِعت خَالِد بن سُلَيْمَان الْحَضْرَمِيّ يَقُول سَمِعت دَرَّاجًا أَبَا السَّمْح يَقُول يَأْتِي على النَّاس زمَان يسمن الرجل رَاحِلَته حَتَّى يقْعد شحما ثمَّ يسير عَلَيْهَا فِي الْأَمْصَار حَتَّى تسير نقضا يلْتَمس من يفتيه بِسنة قد عمل بهَا فَلَا يجد إِلَّا من يفتيه بِالظَّنِّ

قلت وَلَقَد صدق أَبُو السَّمْح وَلَعَلَّه أَخذه من الحَدِيث الصَّحِيح عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من النَّاس وَلَكِن

ص: 27

يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يتْرك عَالما اتخذ النَّاس رُءُوسًا جُهَّالًا فسئلوا فافتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا

وَقَالَ ابْن عبد البر قَرَأت على أَحْمد بن قَاسم أَن قَاسم بن أصبغ حَدثهمْ قَالَ حَدثنَا الْحَرْث ابْن أبي أُسَامَة ثَنَا يزِيد بن هَارُون ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْفَزارِيّ ثَنَا عبد الله بن زحر عَن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة وَهدى للْعَالمين وَأَمرَنِي رَبِّي أَن أمحو المزامير وَالْمَعَازِف وَالْخمر والأوثان الَّتِي كَانَت تعبد فِي الْجَاهِلِيَّة وَأقسم رَبِّي بعزته لَا يشرب عبد الْخمر فِي الدُّنْيَا إِلَّا سقيته من حميم جَهَنَّم معذبا أَو مغفورا لَهُ وَلَا يَدعهَا عبد من عَبِيدِي تحرجا عَنْهَا إِلَّا سقيته إِيَّاهَا من حَظِيرَة الْقُدس

قَالَ أَبُو أُمَامَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لكل شَيْء إقبالا وإدبارا وَإِن من إقبال هَذَا الدّين مَا بَعَثَنِي الله بِهِ حَتَّى إِن الْقَبِيلَة تتفقه من عِنْد أيسرها أَو قَالَ آخرهَا حَتَّى لَا يكون فِيهَا إِلَّا الْفَاسِق أَو الفاسقان فهما مقموعان ذليلان إِن تكلما أَو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا ثمَّ ذكرا أَن من إدبار هَذَا الدّين أَن تجفو الْقَبِيلَة كلهَا الْعلم من عِنْد أيسرها حق لَا يبْقى إِلَّا الْفَقِيه أَو الفقيهان فهما مقموعان ذليلان إِن تكلما أَو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا وَقيل أتطغيان علينا وَحَتَّى تشرب الْخمر فِي ناديهم ومجالسهم وأسواقهم وتنحل الْخمر اسْما غير أسمائها وَحَتَّى يلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا أَلا فَعَلَيْهِم حلت اللَّعْنَة وَذكر تَمام الحَدِيث

قلت وَلَقَد صدق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكل ذَلِك قد وَقع لِأَن اسْم الْفَقِيه عِنْد السّلف كَمَا تقدم إِنَّمَا يَقع على من علم الْكتاب وَالسّنة وآثار الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من عُلَمَاء الْأمة وَأما من اشْتغل بآراء الرِّجَال واتخذه دينا ومذهبا ونبذ كتاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وقضايا الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وآثارهم من وَرَائه فَلَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْفَقِيه بل هُوَ باسم الْهوى والعصبية أولى وَأَحْرَى وَلَقَد شاهدنا فِي زَمَاننَا هَذَا مِمَّا قَالَه أَبُو السَّمْح فَلَقَد طفت من أقْصَى الْمغرب وَمن أقْصَى السودَان إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين فَلم ألق أحدا يسْأَل عَن نازلة فَيرجع إِلَى كتاب رب الْعَالمين وَسنة سيد الْمُرْسلين وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَّا ثَلَاثَة رجال وكل وَاحِد مِنْهُم مقموع مَحْسُود يبغضه جَمِيع من فِي بَلَده من المتفقهين وغالب من فِيهِ من الْعَوام والمتسمين بسيم الصَّالِحين وَمُوجب الْعَدَاوَة والحسد تمسكهم بِالْكتاب وَسنة إِمَام الْمُتَّقِينَ صلى الله عليه وسلم ورفضهم كَلَام الطَّائِفَة العصبية والمقلدين

قَالَ أَبُو عمر بِسَنَدِهِ إِلَى عَطاء عَن أَبِيه قَالَ سُئِلَ بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن شَيْء فَقَالَ لأستحيي من رَبِّي أَن أَقُول فِي أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم برأيي وَقَالَ عَطاء وأضعف الْعلم أَيْضا علم النّظر أَن يَقُول الرجل رَأَيْت فلَانا يفعل كَذَا وَلَعَلَّه فعله سَاهِيا وَقَالَ ابْن

ص: 28

المقفع فِي الْيَتِيمَة ولعمري أَن لقَولهم لَيْسَ الدّين بِالْخُصُومَةِ أصلا يثبت وَصَدقُوا مَا الدّين بِالْخُصُومَةِ وَلَو كَانَ خُصُومَة لَكَانَ موكولا إِلَى النَّاس يثبتون بآرائهم وظنهم وكل موكول إِلَى النَّاس رهينة ضيَاع وَمَا ينقم على أهل الْبدع إِلَّا أَنهم اتَّخذُوا الدّين رَأيا وَلَيْسَ الرَّأْي ثِقَة وَلَا حتما وَلم يُجَاوز الرَّأْي منزلَة الشَّك وَالظَّن إِلَّا قَرِيبا وَلم يبلغ أَن يكون يَقِينا وَلَا ثبتا ولستم بسامعين أحدا يَقُول لأمر قد استيقنه وَعلمه أرى أَنه كَذَا وَكَذَا فَلَا أجد أحدا أَشد اسْتِخْفَافًا بِدِينِهِ مِمَّن أَخذ رَأْيه وَرَأى الرِّجَال دينا مَفْرُوضًا

قَالَ أَبُو عمر وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى وَالله أعلم أَشَارَ مُصعب بن الزبير فِي قصيدته حَيْثُ قَالَ

أاقعد بعد مَا رجفت عِظَامِي

وَكَانَ الْمَوْت أقرب مَا يليني

أجادل كل معترض خصيم

وَأَجْعَل دينه عرضا لديني

فاترك مَا علمت لرأي غَيْرِي

وَلَيْسَ الرَّأْي كَالْعلمِ الْيَقِين

وَمَا أَنا وَالْخُصُومَة وَهِي لبس

تصرف فِي الشمَال وَفِي الْيَمين

وَقد سنت لنا سنَن قوام

يلحن بِكُل فج أَو وجين

وَكَانَ الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء

أغر كغرة الفلق الْمُبين

وَمَا عوض لنا منهاج جهم

بمنهاج ابْن أَمَنَة الْأمين

فَأَما مَا علمت فقد كفاني

وَأما مَا جهلت فجنبوني

فلست بمكفر أحدا يُصَلِّي

وَلم أجزمكموا أَن تكفروني

وَكُنَّا إخْوَة نرمي جَمِيعًا

فنرمي كل مرتاب ظنين

وَمَا برح التَّكَلُّف إِن رمينَا

لشأن وَاحِد فَوق الشئوني

فَأوشك أَن يخر عماد بَيت

وَيَنْقَطِع القرين من القرين

قَالَ وَلَا أعلم بَين مُتَقَدِّمي هَذِه الْأمة وسلفها خلافًا إِن الرَّأْي لَيْسَ بِعلم حَقِيقَة وَأما أصُول الْعلم فالكتاب وَالسّنة وتنقسم السّنة قسمَيْنِ أَحدهمَا إِجْمَاع يَنْقُلهُ الكافة عَن الكافة فَهَذَا من الْحجَج القاطعة للأعذار إِذا لم يوجدهناك خلاف وَمن رد إِجْمَاعهم فقد رد نصا من نُصُوص الله تَعَالَى يجب استتابته عَلَيْهِ وإراقة دَمه إِن لم يتب لِخُرُوجِهِ مِمَّا أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وسلوكه غير سَبِيل جَمِيعهم وَالضَّرْب الثَّانِي من السّنة خبر الْآحَاد والثقات الْأَثْبَات الْمُتَّصِل فَهَذَا يُوجب الْعَمَل عِنْد جمَاعَة عُلَمَاء الْأمة الَّذين هم الْقدْوَة وَالْحجّة وَمِنْهُم من يَقُول أَنه يُوجب الْعلم وَالْعَمَل جَمِيعًا وَقَالَ بشر بن السّري السَّقطِي نظرت فِي الْعلم فَإِذا هُوَ الحَدِيث والرأي فَوجدت فِي الحَدِيث ذكر النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَذكر الْمَوْت وَذكر ربوبية الله تَعَالَى سُبْحَانَهُ وجلاله وعظمته وَذكر الْجنَّة وَالنَّار وَذكر الْحَلَال وَالْحرَام والحث على صلَة

ص: 29

الْأَرْحَام وجماع الْخَيْر وَنظرت فِي الرَّأْي فَإِذا فِيهِ الْمَكْر والخديعة والتشاح واستقصاء الْحق والمماكسة فِي الدّين وَاسْتِعْمَال الْحِيَل والبعث على قطع الْأَرْحَام والتجرؤ على الْحَرَام وَرُوِيَ مثل هَذَا الْكَلَام عَن يُونُس بن أسلم

قَالَ ابْن عبد البر أَنْشدني عبد الرحمن بن يحيى قَالَ أنشدنا أَبُو عَليّ الْحسن بن الْخضر الأسيوطي بِمَكَّة قَالَ أنشدنا أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن جَعْفَر الأخباري قَالَ أنشدنا أَبُو عبد الرحمن عبد الله بن احْمَد بن حَنْبَل عَن أَبِيه

دين النَّبِي مُحَمَّد أَخْبَار

نعم المطية للفتىءاثار

لَا ترغبن عَن الحَدِيث وَأَهله

فَالرَّأْي ليل والْحَدِيث نَهَار

ولربما جهل الْفَتى أثر الْهدى

وَالشَّمْس بازغة لَهَا أنوار

ولبعض أهل الْعلم

الْعلم قَالَ الله قَالَ رَسُوله

قَالَ الصحاب لَيْسَ خلف فِيهِ

مَا الْعلم نصبك للْخلاف سفاهة

بَين النُّصُوص وَبَين رَأْي سَفِيه

كلا وَلَا نصب الْخلاف جَهَالَة

بَين الرَّسُول وَبَين رَأْي فَقِيه

كلا وَلَا رد النُّصُوص تعمدا

حذرا من التجسيم والتشبيه

حاشا النُّصُوص من الَّذِي رميت بِهِ

من فرقة التعطيل والتمويه

وَقَالَ أَبُو عمر رَحمَه الله تَعَالَى وَقلت أَنا

عقالة ذِي نصح وَذَات فَوَائِد

إِذا من ذَوي الْأَلْبَاب كَانَ استماعها

عَلَيْك بآثار النَّبِي فَإِنَّهَا

من أفضل أَعمال الرشاد اتباعها

بَاب الْعبارَة عَن حُدُود علم الديانَات وَسَائِر الْعُلُوم المتصرفات بِحَسب تصرف الْحَاجَات

قَالَ أَبُو عمر حد الْعلم عِنْد الْمُتَكَلِّمين فِي هَذَا الْمَعْنى هُوَ مَا استيقنته وتبينته وكل من استيقنن شَيْئا وتبينه فقد علمه وعَلى هَذَا من لم يستيقن الشَّيْء وَقَالَ بِهِ تقليدا فَلم يُعلمهُ والتقليد عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء غير الِاتِّبَاع لِأَن الِاتِّبَاع هُوَ أَن تتبع الْقَائِل على مَا بَان لَك من فضل قَوْله وَصِحَّة مذْهبه والتقليد أَن تَقول بقول وَأَنت لَا تعرفه وَلَا وَجه القَوْل وَلَا مَعْنَاهُ وتأبى من سواهُ أَو أَن تبين لَك خطأه فتتبعه مَخَافَة خِلَافه وَأَنت قد بَان لَك فَسَاد قَوْله وَهَذَا محرم القَوْل بِهِ

ص: 30

فِي دين الله سُبْحَانَهُ والعلوم عِنْد جَمِيع أهل الديانَات ثَلَاثَة علم أَعلَى وَعلم أَوسط وَعلم أَسْفَل فالعلم الْأَعْلَى عِنْدهم علم الدّين الَّذِي لَا يجوز لأحدالكلام فِيهِ بِغَيْر مَا أنزل الله تَعَالَى فِي كتبه وعَلى أَلْسِنَة أنبيائه صلوَات الله عَلَيْهِم نصا وَالْعلم الْأَوْسَط هُوَ معرفَة عُلُوم الدُّنْيَا الَّتِي يكون معرفَة الشَّيْء مِنْهَا بِمَعْرِِفَة نَظِيره ويستدل عَلَيْهِ بِجِنْسِهِ ونوعه كعلم الطِّبّ والهندسة وَالْعلم الْأَسْفَل هُوَ إحكام الصناعات وضروب الْأَعْمَال مثل السباحة والفروسية وَالرَّمْي والتزويق والخط وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَعْمَال الَّتِي هِيَ أَكثر من أَن يجمعها كتاب أَو يَأْتِي عَلَيْهَا وصف وَإِنَّمَا تحصل بتدريب الْجَوَارِح فِيهَا فالعلم الْأَعْلَى علم الْأَدْيَان والأوسط علم الْأَبدَان والأسفل مَا دربت على علمه الْجَوَارِح وَاتفقَ أهل الْأَدْيَان أَن الْعلم الْأَعْلَى هُوَ علم الدّين وَاتفقَ أهل الْإِسْلَام أَن الدّين تكون مَعْرفَته على ثَلَاثَة أَقسَام أَولهَا معرفَة خَاصَّة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَذَلِكَ معرفَة التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص وَلَا يُوصل إِلَى علم ذَلِك إِلَّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الْمُؤَدِّي عَن الله والمبين لمراده تَعَالَى وَبِمَا فِي الْقُرْآن من الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ فِي خلق الله تَعَالَى بالدلائل من آثَار صَنعته فِي بريته على توحيده وأزليته سُبْحَانَهُ وَالْإِقْرَار والتصديق بِكُل مَا فِي الْقُرْآن وبملائكة الله وَكتبه وَرُسُله

وَالْقسم الثَّانِي معرفَة مخرج خبر الدّين وشرائعه وَذَلِكَ معرفَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّذِي شرع الله تَعَالَى الدّين على لِسَانه وَيَده وَمَعْرِفَة أَصْحَابه الَّذين أَدّوا ذَلِك عَنهُ وَمَعْرِفَة الرِّجَال الَّذين حملُوا ذَلِك وطبقاتهم إِلَى زَمَانك وَمَعْرِفَة الْخَبَر الَّذِي يقطع الْعذر لتواتره وظهوره وَقد وضع الْعلمَاء فِي كتب الْأُصُول من تَلْخِيص وُجُوه الْأَخْبَار ومخارجها مَا يَكْفِي النَّاظر فِيهِ ويشفيه فَرَاجعه فِيهَا

وَالْقسم الثَّالِث معرفَة السّنَن واجبها وآدابها وَعلم الْأَحْكَام وَفِي ذَلِك يدْخل خبر الْخَاصَّة الْعُدُول ومعرفته وَمَعْرِفَة الْفَرِيضَة من النَّافِلَة ومخارج الْحُقُوق والتداعي وَمَعْرِفَة الْإِجْمَاع من الشذوذ قَالُوا وَلَا يُوصل إِلَى الْفِقْه إِلَّا بِمَعْرِِفَة ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

بَاب من يسْتَحق أَن يُسمى فَقِيها أَو عَالما حَقِيقَة لَا مجَازًا أَو من يجوز لَهُ الْفتيا عِنْد الْعلمَاء

أخرج أَبُو عمر بأسانيد رجال بَعْضهَا ثقاة عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَهُ يَا عبد الله بن مَسْعُود قلت لبيْك يَا رَسُول الله ثَلَاث مَرَّات قَالَ أَتَدْرِي أَي النَّاس أعلم قلت الله وسوله أعلم قَالَ أعلم النَّاس أبصرهم بِالْحَقِّ إِذا اخْتلف النَّاس وَإِن كَانَ مقصرا فِي الْعَمَل وَإِن كَانَ يزحف على استه قَالَ أَبُو يُوسُف وَهَذِه صفة الْفُقَهَاء وَفِي رِوَايَة

ص: 31

أفضلهم عملا أفضلهم علما

وَأخرج بِسَنَد فِيهِ إِسْحَاق بن أسيد وَهُوَ ضَعِيف عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلا أنبئكم بالفقيه كل الْفَقِيه قَالُوا بلَى قَالَ من لم يقنط النَّاس من رَحْمَة الله وَمن لم يؤيسهم من روح الله وَمن لم يؤمنهم من مكر الله وَلَا يدع الْقُرْآن رَغْبَة عَنهُ إِلَى مَا سواهُ أَلا لَا خير فِي عبَادَة لَيْسَ فِيهَا تفقه وَلَا علم لَيْسَ فِيهِ تفهم وَلَا قِرَاءَة لَيْسَ فِيهَا تدبر قَالَ أَبُو عمر وَلَا يَأْتِي هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَأَكْثَرهم يوقفونه على عَليّ

وَقيل للقمان أَي النَّاس أغْنى قَالَ من رَضِي بِمَا أُوتِيَ قَالُوا فَأَيهمْ أعلم قَالَ عَالم غرثان الْعلم قَالَ ابْن وهب يُرِيد الَّذِي لَا يشْبع من الْعلم وَعَن عمر مولى غفرة أَن مُوسَى عليه السلام قَالَ يَا رب أَي عِبَادك أعلم قَالَ الَّذِي يلْتَمس علم النَّاس إِلَى علمه

وَأخرج ابْن عبد البر بِسَنَد فِيهِ صَدَقَة بن عبد الله عَن شَدَّاد بن أَوْس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا يفقه العَبْد كل الْفِقْه حَتَّى يمقت النَّاس فِي ذَات الله وَلَا يفقه العَبْد كل الْفِقْه حَتَّى يرى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَة وَقَالَ أَبُو عمر صَدَقَة بن عبد الله هَذَا يعرف بالسمين وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم مجمع على ضعفه وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح مَرْفُوعا وَإِنَّمَا الصَّحِيح فِيهِ أَنه من قَول أبي الدَّرْدَاء وَأخرج من طَرِيق عبد الرزاق عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه قَالَ لن تفقه كل الْفِقْه حَتَّى ترى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَة وَلنْ تفقه كل الْفِقْه حَتَّى تمقت النَّاس فِي ذَات الله ثمَّ تقبل على نَفسك فَتكون لَهَا أَشد مقتا مِنْك للنَّاس

قَالَ أَبُو عمر قَالَ أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد عَن حَمَّاد بن زيد قَالَ قلت لأيوب أَرَأَيْت قَوْله حَتَّى ترى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَة فَسكت يتفكر قلت هُوَ أَن يرى لَهَا وُجُوهًا فيهاب الْإِقْدَام عَلَيْهِ قَالَ هُوَ هَذَا هُوَ هَذَا وَقَالَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة أَنه لتَأْتِيني الْقَضِيَّة أعرف لَهُ وَجْهَيْن فَأَيّهمَا أخذت بِهِ عرفت أَنِّي قضيت بِالْحَقِّ وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن قَتَادَة أَنه قَالَ من لم يعرف الِاخْتِلَاف لم يشم رَائِحَة الْفِقْه بِأَنْفِهِ

وَعَن يزِيد بن زُرَيْع أَنه قَالَ سَمِعت سعيد بن أبي عرُوبَة يَقُول من لم يسمع الِاخْتِلَاف فَلَا تعدوه عَالما وَقَالَ مُحَمَّد بن عِيسَى سَمِعت هِشَام بن عبد الله الرَّازِيّ يَقُول من لم يعرف اخْتِلَاف الْقُرَّاء فَلَيْسَ بقارئ وَمن لم يعرف اخْتِلَاف الْفُقَهَاء فَلَيْسَ بفقيه وَعَن عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُفْتِي النَّاس حَتَّى يكون عَالما باخْتلَاف النَّاس فَإِنَّهُ إِن لم يكن كَذَلِك رد من الْعلم مَا هُوَ أوثق من الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ سَمِعت أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ يَقُول أجسر النَّاس على الْفتيا أقلهم علما باخْتلَاف الْعلمَاء وَأمْسك النَّاس عَن الْفتيا أعلمهم باخْتلَاف الْعلمَاء قَالَ وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة الْعَالم الَّذِي يُعْطي كل حَدِيث حَقه وَعَن نعيم بن حَمَّاد

ص: 32

أَنه قَالَ سَمِعت ابْن عُيَيْنَة يَقُول أجسر النَّاس على الْفتيا أقلهم علما باخْتلَاف الْعلمَاء قَالَ الْحَرْث بن يَعْقُوب أَن الْفَقِيه كل الْفَقِيه من فقه فِي الْقُرْآن وَعرف مَكَائِد الشَّيْطَان

وروى عِيسَى بن دِينَار عَن ابْن الْقَاسِم قَالَ سُئِلَ مَالك قيل لَهُ لمن تجوز الْفَتْوَى قَالَ لَا تجوز الْفَتْوَى إِلَّا لمن علم مَا اخْتلف النَّاس فِيهِ قيل لَهُ اخْتِلَاف أهل الرَّأْي قَالَ لَا اخْتِلَاف أَصْحَاب مُحَمَّد ص وَعلم النَّاسِخ والمنسوخ من الْقُرْآن وَمن حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ يُفْتِي

قلت قَالَ ابْن الْقيم رحمه الله مُرَاد عَامَّة السّلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تَارَة وَهُوَ اصْطِلَاح الْمُتَأَخِّرين وَرفع دلَالَة الْعَام وَالْمُطلق وَالظَّاهِر وَغَيرهَا تَارَة إِمَّا بتخصيص أَو تَقْيِيد مُطلق وَحمله على الْمُقَيد وَتَفْسِيره وتبيينه حَتَّى أَنهم يسمون الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط وَالصّفة نسخا لتضمن ذَلِك رفع دلَالَة الظَّاهِر وَبَيَان المُرَاد فالنسخ عِنْدهم وَفِي لسانهم هُوَ بَيَان المُرَاد بِغَيْر ذَلِك اللَّفْظ بل بِأَمْر خَارج عَنهُ وَمن تَأمل كَلَامهم رأى من ذَلِك فِيهِ مَالا يُحْصى وَزَالَ عَنهُ بِهِ إشكالات أوجبهَا حمل كَلَامهم على الِاصْطِلَاح الْحَادِث الْمُتَأَخر انْتهى

وَقَالَ أَبُو عمر قَالَ عبد الملك بن حبيب سَمِعت ابْن الْمَاجشون يَقُول كَانُوا يَقُولُونَ لَا يكون إِمَامًا فِي الْفِقْه من لم يكن إِمَامًا فِي الْقُرْآن والْآثَار وَلَا يكون إِمَامًا فِي الْآثَار من لم يكن إِمَامًا فِي الْفِقْه قَالَ وَقَالَ لي ابْن الْمَاجشون كَانُوا يَقُولُونَ لَا يكون فَقِيها فِي الْحَادِث من لم يكن عَالما بالماضي وَقَالَ عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق سَمِعت عبد الله بن الْمُبَارك يسْأَل مَتى يسع الرجل أَن يُفْتِي قَالَ إِذا كَانَ عَالما بالأثر بَصيرًا بِالرَّأْيِ وَقَالَ يحيى بن سَلام لَا يَنْبَغِي لمن لَا يعرف الِاخْتِلَاف أَن يُفْتِي وَلَا يجوز لمن لَا يعلم الْأَقَاوِيل أَن يَقُول هَذَا أحب إِلَيّ وَقَالَ عبد الرحمن ابْن مهْدي لَا يكون إِمَامًا فِي الحَدِيث من يتبع شواذ الحَدِيث أَو حدث بِكُل مَا سمع أَو حدث عَن كل أحد وَقَالَ سعيد بن أبي عرُوبَة من لم يسمع الِاخْتِلَاف فَلَا تعده عَالما وَقَالَ قبيصَة بن عقبَة لَا يفلح من لَا يعرف اخْتِلَاف النَّاس وَقَالَ عبد الرحمن بن مهْدي لَا يكون إِمَامًا فِي الْعلم من أَخذ بالشاذ من الْعلم وَلَا يكون إِمَامًا فِي الْعلم من روى عَن كل أحد وَلَا يكون إِمَامًا فِي الْعلم من روى كل مَا سمع وروى مَالك بن أنس عَن سعيد بن الْمسيب بلغه عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول لَيْسَ من عَالم وَلَا شرِيف وَلَا ذِي فضل إِلَّا وَفِيه عيب وَلَكِن من كَانَ فَضله أَكثر من نَقصه ذهب نَقصه بفضله كَمَا أَنه من غلب عَلَيْهِ نقصانه ذهب فَضله وَقَالَ غَيره لَا يسلم الْعَالم من الْخَطَأ فَمن أَخطَأ قَلِيلا وَأصَاب كثيرا فَهُوَ عَالم وَمن اصاب قَلِيلا وَأَخْطَأ كثيرا فَهُوَ جَاهِل

ص: 33

بَاب فَسَاد التَّقْلِيد ونفيه وَالْفرق بَين التَّقْلِيد والاتباع

قد ذمّ الله تبارك وتعالى التَّقْلِيد فِي غير مَوضِع من كِتَابه فَقَالَ {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وَابْن عبد البر فِي كتاب الْعلم بأسانيدهما إِلَى حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضي الله عنه أَنه قيل لَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} أكانوا يَعْبُدُونَهُمْ فَقَالَ لَا وَلَكِن كَانُوا يحلونَ لَهُم الْحَرَام فيحلونه ويحرمون عَلَيْهِم الْحَلَال فيحرمونه فصاروا بذلك أَرْبَابًا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرُوِيَ هَذَا عَن عدي بن حَاتِم مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخبرنَا أَبُو عبد الله إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن يُوسُف السُّوسِي ثَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ ثَنَا عبد العزيز ثَنَا أَبُو غَسَّان وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ ح وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ أَنا ابْن عون مُحَمَّد بن أَحْمد ماهان بِمَكَّة ثَنَا عَليّ بن عبد العزيز ثَنَا ابْن الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ ثَنَا عبد السلام بن حَرْب قَالَ ثَنَا غطيف بن أعين من أهل الجزيرة عَن مُصعب بن سعد عَن عدي بن حَاتِم قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفِي عنقِي صَلِيب من ذهب فَقَالَ لي يَا عدي اطرَح هَذَا الوثن من عُنُقك قَالَ فَطَرَحته قَالَ وانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ يقْرَأ سُورَة بَرَاءَة وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّا لسنا نعبدهم فَقَالَ أَلَيْسَ يحرمُونَ مَا أحل الله فَتُحَرِّمُونَهُ وَيحلونَ مَا حرم الله فتستحلونه قَالَ قلت بلَى قَالَ فَتلك عِبَادَتهم هَذَا لفظ حَدِيث السُّوسِي وَفِي رِوَايَة الْحَافِظ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَلَيْسَ كَانُوا يحلونَ لكم الْحَرَام فَتحِلُّونَهُ ويحرمون عَلَيْكُم الْحَلَال فَتُحَرِّمُونَهُ قَالَ قلت بلَى قَالَ فَتلك عِبَادَتهم

قَالَ ابْن عبد البر ثَنَا عبد الوارث بن سُفْيَان ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا ابْن وضاح ثَنَا يُوسُف بن عدي ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أبي البخْترِي فِي قَوْله عز وجل {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} قَالَ أما أَنهم لَو أمروهم أَن يعبدوهم من دون الله مَا أطاعوهم وَلَكنهُمْ أمروهم فَجعلُوا حَلَال الله حَرَامًا وَحَرَامه حَلَالا فأطاعوهم فَكَانَت تِلْكَ الربوبية قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ أَيْضا {وَكَذَلِكَ مَا أرسلنَا من قبلك فِي قَرْيَة من نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مقتدون قَالَ أولو جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم} فَمَنعهُمْ الِاقْتِدَاء بآبائهم من قبُول الاهتداء {قَالُوا إِنَّا بِمَا أرسلتم بِهِ كافرون}

ص: 34

وَفِي هَؤُلَاءِ وَمثلهمْ قَالَ الله عز وجل {إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله الصم الْبكم الَّذين لَا يعْقلُونَ} وَقَالَ {إِذْ تَبرأ الَّذين اتبعُوا من الَّذين اتبعُوا وَرَأَوا الْعَذَاب وتقطعت بهم الْأَسْبَاب وَقَالَ الَّذين اتبعُوا لَو أَن لنا كرة فنتبرأ مِنْهُم كَمَا تبرؤوا منا كَذَلِك يُرِيهم الله أَعْمَالهم حسرات عَلَيْهِم وَمَا هم بِخَارِجِينَ من النَّار} وَقَالَ عز وجل عائبا لأهل الْكفْر وذاما لَهُم {مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون قَالُوا وجدنَا آبَاءَنَا لَهَا عابدين} وَقَالَ {إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} وَمثل هَذَا فِي الْقُرْآن كثير من ذمّ تَقْلِيد الْآبَاء والرؤساء وَقد احْتج الْعلمَاء بِهَذِهِ الْآيَات فِي إبِْطَال التَّقْلِيد وَلم يمنعهُم كفر أُولَئِكَ من الِاحْتِجَاج بهَا لِأَن التَّشْبِيه لم يَقع من جِهَة كفر أَحدهمَا وإيمان الْأُخَر وَإِنَّمَا وَقع التَّشْبِيه بَين التقليدين بِغَيْر حجَّة للمقلد كَمَا لَو قلد رجل فَكفر وقلد آخر فأذنب وقلد آخر فِي مسئلة دُنْيَاهُ فَأَخْطَأَ وَجههَا كَانَ كل وَاحِد ملوما على التَّقْلِيد بِغَيْر حجَّة لِأَن كل ذَلِك تَقْلِيد يشبه بعضه بَعْضًا وَإِن اخْتلفت الآثام فِيهِ

وَقَالَ الله عز وجل {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ دَلِيل على بطلَان التَّقْلِيد فَإِذا بَطل وَجب التَّسْلِيم لِلْأُصُولِ الَّتِي يجب التَّسْلِيم لَهَا وَهِي الْكتاب وَالسّنة أَو مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا بِدَلِيل جَامع بَين ذَلِك انْتهى

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب ثَنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان ثَنَا الشَّافِعِي قَالَ الْعلم من وَجْهَيْن يَعْنِي علم الشَّرِيعَة اتِّبَاع واستنباط فالاتباع اتِّبَاع كتاب الله فَإِن لم يكن فِيهِ فَسنة فَإِن لم يكن فَقَوْل عَامَّة من سلفنا لَا نعلم لَهُ مُخَالفا فَإِن لم يكن فَقِيَاس على كتاب الله وَإِن لم يكن فَقِيَاس على سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِن لم يكن فَقِيَاس على عَامَّة من سلفنا لَا نخالف وَلَا يجوز القَوْل بِالْقِيَاسِ إِلَّا فِي هَذِه الْحَالة وَقيل الَّذِي يطْلب الْعلم وَلَا حجَّة لَهُ كَمثل حَاطِب اللَّيْل يحمل حزمة حطب وَفِيه أَفْعَى تلدغه وَلَا يدْرِي

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا أُوتِيتُمْ من كتاب الله فَالْعَمَل بِهِ لَا عذر لأحد فِي تَركه فَإِن لم يكن فِي كتاب فَسنة مني مَاضِيَة فَإِن لم يكن سنة مني فَمَا قَالَ أَصْحَابِي إِن أَصْحَابِي بِمَنْزِلَة النُّجُوم من السَّمَاء فأيما أَخَذْتُم بِهِ اهْتَدَيْتُمْ وَاخْتِلَاف أَصْحَابِي لكم رَحْمَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا حَدِيث مَتنه مَشْهُورا وَأَسَانِيده ضَعِيفَة لم يثبت فِي هَذِه إِسْنَاد انْتهى

قَالَ ابْن عبد البر أخبرنَا عبد الوارث بن سُفْيَان ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا أَبُو بكر عبد الله بن عَمْرو بن مُحَمَّد العثماني بِالْمَدِينَةِ ثَنَا عبد الله بن مُسلم ثَنَا كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنِّي لأخاف على من بعدِي من أَعمال ثَلَاثَة قَالَ وَمَا هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ أَخَاف عَلَيْهِم من زلَّة الْعَالم وَمن حكم جَائِر وَمن

ص: 35

هوى مُتبع وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ تركت فِيكُم أَمريْن لن تضلو مَا تمسكتم بهما كتاب الله وَسنة رَسُوله وَأخرج بِسَنَدِهِ إِلَى عمر رضي الله عنه ثَلَاث يهدمن الدّين زلَّة عَالم وجدال مُنَافِق بِالْقُرْآنِ وأئمة مضلون

وَأخرج عَن معَاذ بن جبل أَنه كَانَ يَقُول فِي مَجْلِسه كل يَوْم قَلما يخطيه أَن يَقُول ذَلِك الله حكم قسط هلك المرتابون ان وراءكم فتنا يكثر فِيهَا المَال وَيفتح فِيهَا الْقُرْآن حَتَّى يَقْرَؤُهُ الْمُؤمن وَالْمُنَافِق وَالْمَرْأَة وَالصَّبِيّ وَالْأسود والأحمر فيوشك أحدهم أَن يَقُول قد قَرَأت الْقُرْآن فَمَا أَظن أَن يتبعوني حَتَّى أبتدع لَهُم غَيره فإياكم وَمَا ابتدع فَإِن كل بِدعَة ضَلَالَة وَإِيَّاكُم وزيغة الْحَكِيم فَإِن الشَّيْطَان قد يتَكَلَّم على لِسَان الْحَكِيم بِكَلِمَة الضَّلَالَة وَإِن الْمُنَافِق قد يَقُول كلمة الْحق فتلقوا الْحق عَمَّن جَاءَ بِهِ فَإِن على الْحق نورا قَالُوا وَكَيف زيغة الْحَكِيم قَالَ هِيَ الْكَلِمَة تروعكم وتنكرونها وتقولون مَا هَذِه فاحذروا زيغته وَلَا يصدنكم عَنهُ فَإِنَّهُ يُوشك أَن يفِيء وَيُرَاجع الْحق وَأَن الْعلم وَالْإِيمَان مكانهما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَمن ابتغاهما وجدهما

وَأخرج بِسَنَدِهِ إِلَى أبي الدَّرْدَاء إِنَّه قَالَ إِن فِيمَا أخْشَى عَلَيْكُم زلَّة الْعَالم وجدال الْمُنَافِق بِالْقُرْآنِ وَالْقُرْآن حق وعَلى الْقُرْآن منار كأعلام الطَّرِيق وَأخرج بِسَنَدِهِ إِلَى معَاذ بن جبل أَنه قَالَ يَا معشر الْعَرَب كَيفَ تَصْنَعُونَ بِثَلَاث دنيا تقطع أَعْنَاقكُم وزلة عَالم وجدال الْمُنَافِق بِالْقُرْآنِ فَسَكَتُوا فَقَالَ أما الْعَالم فَإِن اهْتَدَى فَلَا تقلدوا دينكُمْ وَإِن افْتتن فَلَا تقطعوا مِنْهُ أناتكم فَإِن الْمُؤمن يفتتن ثمَّ يَتُوب وَأما الْقُرْآن فَلهُ منار كمنار الطَّرِيق لَا يخفى على أحد فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَلَا تسألوا عَنهُ وَمَا شَكَكْتُمْ فِيهِ فكلوه إِلَى عالمه وَأما الدُّنْيَا فَمن جعل الله الْغنى فِي قلبه فقد أَفْلح وَمن لَا فَلَيْسَ بنافعته دُنْيَاهُ

وَأخرج بِسَنَدِهِ إِلَى سلمَان الْفَارِسِي أَنه قَالَ كَيفَ أَنْتُم عِنْد ثَلَاث زلَّة عَالم وجدال الْمُنَافِق بِالْقُرْآنِ وَدُنْيا تقطع أَعْنَاقكُم فَأَما زلَّة الْعَالم فَإِن اهْتَدَى فَلَا تقلدوه دينكُمْ وَأما مجادلة الْمُنَافِق بِالْقُرْآنِ فَإِن لِلْقُرْآنِ منارا كمنار الطَّرِيق فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَخُذُوهُ ومالم تعرفوه فكلوه إِلَى الله وَأما الدُّنْيَا تقطع أَعْنَاقكُم فانظروا إِلَى من هُوَ دونكم وَلَا تنظروا إِلَى من هُوَ فَوْقكُم وَشبه الْحُكَمَاء زلَّة الْعَالم بإنكسار السَّفِينَة لِأَنَّهَا إِذا غرقت غرق مَعهَا خلق كثير وَإِذا صَحَّ وَثَبت أَن الْعَالم يزل ويخطئ لم يجز لأحد أَن يُفْتِي ويدين بقول لَا يعرف وَجهه

وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود بِسَنَد رِجَاله ثقاة أَنه كَانَ يَقُول اغْدُ عَالما أَو متعلما وَلَا تغد إمعة فِيمَا بَين ذَلِك قَالَ ابْن وهب فَسَأَلت سُفْيَان عَن الإمعة فَحَدثني عَن أبي الزَّعْرَاء عَن ابي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا نَدْعُو الإمعة فِي الْجَاهِلِيَّة الَّذِي يدعى إِلَى طَعَام فَيذْهب مَعَه بآخر وَهُوَ

ص: 36

فِيكُم الْيَوْم المحقب دينه الرِّجَال قَالَ أَبُو عبيد أصل الإمعة هُوَ الرجل الَّذِي لَا رَأْي لَهُ وَلَا عزم فَهُوَ يُتَابع كل أحد على رَأْيه وَلَا يثبت على شَيْء والمحقب النَّاس دينه الَّذِي يتبع هَذَا وَهَذَا

وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ ويل للأتباع من عثرات الْعَالم قيل كَيفَ ذَلِك قَالَ يَقُول الْعَالم شَيْئا بِرَأْيهِ ثمَّ يجد من هُوَ أعلم برَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَيتْرك قَوْله ثمَّ تمْضِي الِاتِّبَاع وَقَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب لكميل بن زِيَاد النَّخعِيّ وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور عِنْد أهل الْعلم مُسْتَغْنى عَن الْإِسْنَاد لشهرته عِنْدهم يَا كميل إِن هَذِه الْقُلُوب أوعية فَخَيرهَا أوعاها للخير وَالنَّاس ثَلَاثَة فعالم رباني ومتعلم على سَبِيل نجاة وهمج رعاع أَتبَاع كل ناعق لم يستضيئوا بِنور الْعلم وَلم يلجئوا إِلَى ركن وثيق ثمَّ قَالَ إِن هَاهُنَا لعلما وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدره فَلَو أصبت لَهُ حَملَة بلَى لقد أصبت لقنا غير مَأْمُون يسْتَعْمل الدّين للدنيا ويستظهر بحجج الله على كِتَابه وبنعمه على مَعَاصيه أُفٍّ لحامل حق لَا بَصِيرَة لَهُ ينقدح الشَّك فِي قلبه بِأول عَارض من شُبْهَة لَا يدْرِي أَيْن الْحق إِن قَالَ أَخطَأ وَإِن أَخطَأ لم يدر شغوف بِمَا لَا يدْرِي حَقِيقَته فَهُوَ فتْنَة لمن فتن بِهِ وَإِن من الْخَيْر كُله من عرفه الله دينه وَكفى بِالْمَرْءِ جهلا أَن لَا يعرف دينه

وَعَن الْحَارِث الْأَعْوَر أَنه قَالَ سُئِلَ عَليّ بن أبي طَالب عَن مسئلة فَدخل مبادرا ثمَّ خرج فِي حذا ورداء وَهُوَ متبسم فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك كنت إِذا سُئِلت عَن مسئلة تكون فِيهَا كالمسلة المحماة قَالَ إِنِّي كنت حاقنا وَلَا رَأْي لحاقن ثمَّ أنشأ يَقُول

إِذا المشكلات تصدين لي

كشفت حقائقها بِالنّظرِ

فَإِن برقتْ فِي مخيل الصَّوَاب

عمياء لَا يجتليها الْبَصَر

مقنعة بغيوب الْأُمُور

وضعت عَلَيْهَا صَحِيح الْفِكر

لِسَانا كشقشقة الأرحبي

أَو كالحسام الْيَمَانِيّ الذّكر

وَقَلْبًا إِذا استنطقته الفنو

ن أبر عَلَيْهَا بواه دُرَر

وَلست بإمعة فِي الرجا

ل يسائل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر

ولكنني مذرب الأصغرين

أبين مَعَ مَا مضى مَا غبر

قَالَ أَبُو عَليّ المخبل السَّحَاب يخال فِيهِ الْمَطَر والشقشقة مَا يُخرجهُ الْفَحْل من فِيهِ عِنْد هياجه وَمِنْه قيل لخطباء الرِّجَال شقاشق وَأبر زَاد على مَا تستنطقه والإمعة الأحمق الَّذِي لَا يثبت على رَأْي وَاحِد والمذرب الحاد واصغراه قلبه وَلسَانه قَالَ أَبُو عمر من الشقاشق مَا رَوَاهُ بِسَنَد عَن أنس أَن عمر رأى رجلا يخْطب فَأكْثر فَقَالَ عمر إِن كثيرا من الْخطب من شقاشق الشَّيْطَان

ص: 37

وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ إيَّاكُمْ والاستنان بِالرِّجَالِ فَإِن الرجل يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة ثمَّ يَنْقَلِب لعلم الله فِيهِ فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فَيَمُوت وَهُوَ من أهل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار فينقلب لعلم الله فِيهِ فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فَيَمُوت وَهُوَ من أهل الْجنَّة فَإِن كُنْتُم وَلَا بُد فاعلين فبالأموات لَا بالأحياء وَقَالَ ابْن مَسْعُود أَلا لَا يقلدن أحدكُم دينه رجلا إِن آمن آمن وَإِن كفر كفر فَإِنَّهُ أُسْوَة فِي الشَّرّ

قَالَ ابْن عبد البر وَأنْشد الصولي عَن المراغي قَالَ أَنْشدني أَبُو الْعَبَّاس الطَّبَرِيّ عَن أبي سعيد الطَّبَرِيّ قَالَ أَنْشدني الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عمر بن عَليّ لنَفسِهِ وَكَانَ من أفضل أهل زَمَانه

تُرِيدُ تنام على ذِي الشّبَه

وعلك إِن نمت لم تنتبه

فَجَاهد وقلد كتاب الْإِلَه

لتلقى الْإِلَه إِذا مت بِهِ

فقد قلد النَّاس رهبانهم

وكل يُجَادِل عَن راهبه

وللحق مستنبط وَاحِد

وكك يرى الْحق فِي مذْهبه

فَفِيمَا أرى عجب غير أَن

بَيَان التَّفَرُّق من أعجبه

وَثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ يذهب الْعلمَاء ثمَّ يتَّخذ النَّاس رؤسا جُهَّالًا يسئلون فيفتون بِغَيْر علم فيضلون ويضلون وَهَذَا كُله نفي للتقليد وَإِبْطَال لَهُ لمن فهمه وَهدى لرشده وَقَالَ أَيُّوب لَيْسَ تعرف خطأ معلمك حَتَّى تجَالس غَيره

وَقَالَ عبيد الله بن المعتز لَا فرق بَين بَهِيمَة تنقاد وإنسان يُقَلّد وَهَذَا كُله لغير الْعَامَّة فَإِن الْعَامَّة لَا بدل لَهَا من تَقْلِيد علمائها عِنْد النَّازِلَة تنزل بهَا لِأَنَّهَا لَا تتبين موقع الْحجَّة وَلَا تصل لعدم الْفَهم إِلَى علم ذَلِك لِأَن الْعلم دَرَجَات لَا سَبِيل مِنْهَا إِلَى أَعْلَاهَا إِلَّا بنيل أَسْفَلهَا وَهَذَا هُوَ الْحَائِل بَين الْعَامَّة وَبَين طلب الْحجَّة وَالله تَعَالَى أعلم وَلم يخْتَلف الْعلمَاء أَن الْعَامَّة عَلَيْهَا تَقْلِيد علمائها وَأَنَّهُمْ المرادون بقول الله عز وجل {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} واجمعوا على أَن الْأَعْمَى لَا بُد لَهُ من تَقْلِيد غَيره مِمَّن يَثِق بِخَبَرِهِ بالقبلة إِذا أشكلت عَلَيْهِ فَكَذَلِك من لَا علم لَهُ وَلَا بصر بِمَعْنى مَا يدين لَا بُد لَهُ من تَقْلِيد عَالم انْتهى كَلَام الْحَافِظ أبي عمر بن عبد البر

قَالَ شيخ مَشَايِخنَا مُحَمَّد حَيَاة السندي نَاقِلا عَن خزانَة الرِّوَايَات المُرَاد بالعامي هُنَا هُوَ الْعَاميّ الصّرْف الْجَاهِل الَّذِي لَا يعرف معنى النُّصُوص وَالْأَحَادِيث وتأويلاتها وَأما الْعَالم الَّذِي يعرف معنى النُّصُوص وَالْأَخْبَار وَهُوَ من أهل الدِّرَايَة وَثَبت عِنْده صِحَّتهَا من الْمُحدثين أَو من كتبهمْ الموثوقة الْمَشْهُورَة المتداولة فَيجوز لَهُ الْعَمَل عَلَيْهَا وَإِن كَانَ مُخَالفا لمذهبه إِلَى أَن قَالَ وَأما قَول أبي يُوسُف أَنه يجب على الْعَاميّ الِاقْتِدَاء بالفقهاء فَمَحْمُول على الْعَاميّ الصّرْف الَّذِي لَا يعرف معنى الْأَحَادِيث وتأويلاتها لِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحب الْهِدَايَة بقوله لعذر عدم الاهتداء إِلَى معرفَة

ص: 38

الْأَحَادِيث وَكَذَا قَوْله وَإِن عرفت تَأْوِيله يجب الْكَفَّارَة يُشِير إِلَى أَن المُرَاد بالعامي غير الْعَالم وَفِي الْحميدِي الْعَاميّ مَنْسُوب إِلَى الْعَامَّة وهم الْجُهَّال فَعلم من هَذِه الأشارات أَن مُرَاد أبي يُوسُف بالعامي الْجَاهِل الَّذِي لَا يعرف معنى النَّص انْتهى مُلَخصا

قلت فِي كَلَام الْحَافِظ أبي عمر من الْآثَار الْمُتَقَدّمَة فِي هَذَا الْبَاب وَفِي بَاب ذمّ الرَّأْي مَا يدل على أَن المُرَاد بالعامي الْجَاهِل الصّرْف فَهُوَ ظَاهر لمن تَأمل فِيهِ وَقَول الْحَافِظ أبي عمر بن عبد البر لم يخْتَلف الْعلمَاء أَن الْعَامَّة عَلَيْهَا تَقْلِيد علمائها وَأَنَّهُمْ المرادون بقول الله عز وجل {فاسألوا أهل الذّكر} الخ فِيهِ نظر فَإِن دَعْوَى الْإِجْمَاع فِيهِ غير مُسلم فقد نقل الْأَصْفَهَانِي فِي تَفْسِيره عَن الإِمَام ابْن دَقِيق الْعِيد مَا ملخصه أَن اجْتِهَاد الْعَاميّ عِنْد من قَالَ بِهِ من الْعلمَاء هُوَ أَنه إِذا سُئِلَ فِي هَذِه الْأَعْصَار الَّتِي غلب فِيهَا الْفَتْوَى بالاختيارات البشرية غير المعصومة بل الْمُخْتَلفَة المتضادة أَن يَقُول للمفتي هَكَذَا أَمر الله تَعَالَى وَرَسُوله فَإِن قَالَ نعم أَخذ بقوله وَلم يلْزمه أَكثر من هَذَا الْبَحْث وَلَا يلْزم الْمُفْتِي أَن يذكر لَهُ الْآيَة والْحَدِيث وَمَا دلا عَلَيْهِ واستخرج مِنْهَا بطرِيق الْأُصُول الصَّحِيح وَإِن قَالَ لَهُ هَذَا قولي أَو رَأْيِي أَو رَأْي فلَان أَو مذْهبه فعين وَاحِدًا من الْفُقَهَاء أَو انتهره أَو سكت عَنهُ فَلهُ طلب عَالم غَيره حَيْثُ كَانَ يفتيه بِحكم الله تَعَالَى وَحكم نبيه مُحَمَّد ص فِي ذَلِك وَمَا يجب فِي دين الْإِسْلَام فِي تِلْكَ المسئلة وَمن تَأمل أَقْوَال السّلف وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي الْحَث على أَن لَا يستفتى إِلَّا الْعَالم بِالْكتاب وَالسّنة عرف مصداق مَا ذَكرْنَاهُ وَقد قَالَ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد قلت لأبي الرجل تنزل بِهِ النَّازِلَة وَلَيْسَ يجد إِلَّا قوما من أَصْحَاب الحَدِيث وَالرِّوَايَة لَا علم لَهُم بالفقه وقوما من أَصْحَاب الرَّأْي لَا علم لَهُم بِالْحَدِيثِ قَالَ يسْأَل أَصْحَاب الحَدِيث وَلَا يسْأَل أَصْحَاب الراي ضَعِيف الحَدِيث خير من الرَّأْي إِلَى أَشْيَاء كَثِيرَة فِي هَذَا الْبَاب لَا نطول بذكرها وَلَيْسَ للفتى أَن يَقُول هَذَا حكم الله أَو حكم رَسُوله ص إِلَّا إِذا كَانَ منطوقا بِهِ أَو مستخرجا بِوَجْه مجمع عَلَيْهِ أَو قوي الدّلَالَة جدا بِحَسب وَسعه واستعداده وَأما إِذا أفتاه باستحسان أَو بمصالح مُرْسلَة أَو بقول صَحَابِيّ أَو بتقليد أَو قِيَاس فَلَا يجوز أَن يَقُول لَهُ هَذَا حكم الله أَو حكم رَسُوله ص وَفِي الصَّحِيح قَوْله ص وَإِذا حاصرت أهل حصن فأرادوا مِنْك أَن تنزلهم على حكم الله فأنزلهم على حكمك أَنْت فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا حكم الله فيهم أَو كَمَا قَالَ ص هَذَا مَعَ أَن ذَلِك الحكم قد يكون مَنْصُوصا عَلَيْهِ إِمَّا بِاللَّفْظِ القرآني أَو النَّبَوِيّ أَو الْعَمَل الصَّحِيح من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مغازيه بل هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ فَكيف بِالْقِيَاسِ وَنَحْوه من الْأُمُور المتعارضة الَّتِي لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهَا من مُعَارضَة مَا هُوَ أقوى مِنْهُ قَالَ وَأَخْبرنِي بِهِ صاحبنا الْفَقِيه الْعَلامَة كَمَال الدّين جَعْفَر بن ثَعْلَب الأدفوي عَن أبي الْفَتْح الْعَلامَة الْمُجْتَهد تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَإنَّهُ طلب مِنْهُ وَرقا نَحْو خَمْسَة عشر كراسا وكتبها فِي مرض مَوته وَجعلهَا تَحت فرَاشه فَلَمَّا مَاتَ أخرجناها فَإِذا هِيَ فِي

ص: 39

تَحْرِيم التَّقْلِيد مُطلقًا انْتهى قلت وَقَول الْحَافِظ أبي عمر وَأَنَّهُمْ المرادون فِي قَوْله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَفِي دَعْوَى لإِجْمَاع على ذَلِك نظر فَإِن ابْن جرير وَالْبَغوِيّ وَأكْثر الْمُفَسّرين قَالُوا إِن الْآيَة فِي مُشْركي مَكَّة حَيْثُ أَنْكَرُوا نبوة مُحَمَّد ص وَقَالُوا الله أعظم من أَن يكون رَسُوله بشرا فَهَلا بعث إِلَيْنَا ملكا فَقَالَ الله تَعَالَى ردا عَلَيْهِم فاسئلوا أهل الذّكر يَعْنِي أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يُرِيد أهل الْكتاب فَإِنَّهُم لَا يُنكرُونَ أَن الرُّسُل كَانُوا بشرا وَإِن أَنْكَرُوا نبوة مُحَمَّد ص وَأمر الْمُشْركين بمساءلتهم لأَنهم إِلَى تَصْدِيق من لم يُؤمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أقرب مِنْهُم إِلَى تَصْدِيق من آمن وَقَالَ ابْن زيد أَرَادَ الذّكر الْقُرْآن أَرَادَ فاسئلوا الْمُؤمنِينَ الْعَالمين من أهل الْقُرْآن إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ انْتهى

قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما بعث الله تَعَالَى مُحَمَّدًا رَسُولا أنْكرت الْعَرَب ذَلِك أَو من أنكر مِنْهُم فَقَالُوا الله أعظم من أَن يكون رَسُوله بشرا مثل مُحَمَّد فَأنْزل الله تَعَالَى {أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم} وَقَالَ {وَمَا أرسلنَا قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} يَعْنِي فاسئلوا أهل الْكتب الْمَاضِيَة أبشرا كَانَ الرُّسُل الَّتِي أتتكم أم مَلَائِكَة أتتكم وَإِن كَانُوا بشرا فَلَا تنكروا أَن يكون رَسُولا ثمَّ قَالَ {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل الْقرى} أَي لَيْسُوا من السَّمَاء كَمَا قُلْتُمْ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا} قَالَ قَالَت الْعَرَب لَوْلَا أنزل علينا مَلَائِكَة قَالَ الله تَعَالَى وَمَا أرْسلت إِلَّا بشرا فاسئلوا يَا معشر الْعَرَب أهل الذّكر وهم أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذين جَاءَتْهُم الرُّسُل قبلكُمْ إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ أَن الرُّسُل الَّذين كَانُوا قبل مُحَمَّد ص كَانُوا بشرا مثله فَإِنَّهُم سيخبرونكم أَنهم كَانُوا بشرا مثله انْتهى

قلت وَكَلَام هَؤُلَاءِ الْمُفَسّرين وَغَيرهم صَرِيح بِأَن المُرَاد بقوله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر} مشركو الْعَرَب يسْأَلُون أهل الْكتاب من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ليخبروهم ان الرُّسُل الَّذين أرْسلُوا قبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانُوا من الْبشر مثله وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل على وجوب تَقْلِيد الْعَوام آراء الرّحال واتخاذهم الراي دينا ومذهبا ومرجعا بل فِي كَلَامهم الْإِشَارَة إِلَى مَا قَالَه الْأَصْفَهَانِي وَهُوَ أَن وَظِيفَة الْجَاهِل بمعاني الْكتاب وَالسّنة إِذا نزلت عَلَيْهِ النَّازِلَة أَن يفزع إِلَى الْعَالم بِالْكتاب وَالسّنة فيسأله عَن حكم الله تَعَالَى وَرَسُوله فِي هَذِه النَّازِلَة فَإِذا أخبرهُ عَالم بِحكم الله تَعَالَى وَرَسُوله ص فِي هَذِه النَّازِلَة يعْمل بِمَا أخبرهُ مُتبعا لكتاب الله وَسنة رَسُوله ص فِي الْجُمْلَة مُصدقا للْعَالم بهما فِي أخباره فِي الْجُمْلَة وَإِن لم يكن عَالما بِوَجْه الدّلَالَة فَلَا يصير بِهَذَا الْمِقْدَار مُقَلدًا أَلا ترى لَو ظهر لَهُ أَن مَا أخبرهُ الْعَالم غير مُوَافق لكتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 40

لرجع اليها وَلَا يتعصب لهَذَا الْمخبر بِخِلَاف الْمُقَلّد فانه لَا يسْأَل عَن حكم الله وَرَسُوله وَإِنَّمَا يسْأَل عَن مَذْهَب إِمَامه وَلَو ظهر لَهُ أَن مَذْهَب امامه مُخَالف لكتاب الله وَسنة رَسُوله لم يرجع اليهما والمتبع إِنَّمَا يسْأَل عَن حكم الله وَرَسُوله وَلَا يسْأَل عَن رَأْي آخر ومذهبه وَلَو وَقعت لَهُ نازلة أُخْرَى لَا يلْزمه أَن يسْأَل الْعَالم الأول عَنهُ بل أَي عَالم لقِيه وَلَا يلْتَزم أَن يتعبد بِرَأْي الأول بِحَيْثُ لَا يسمع رَأْي غَيره ويتعصب للْأولِ وينصره بِحَيْثُ لَو علم أَن نَص الْكتاب أَو السّنة خَالف مَا أفتاه بِهِ لَا يلْتَفت اليه فَهَذَا هُوَ الْفرق بَين التَّقْلِيد الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ وَبَين الأتباع الَّذِي عَلَيْهِ السّلف الصَّالح الماضون وَالله تَعَالَى أعلم وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا نَقله الْحَافِظ أَبُو عمر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من الْإِجْمَاع غير مُسلم قَالَ الامام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْمقري فِي قَوَاعِده حذر الناصحون من أَحَادِيث الْفُقَهَاء وتحميلات الشُّيُوخ وتخريجات المتفقهين واجماعات الْمُحدثين وَقَالَ بَعضهم احذر أَحَادِيث عبد الْوَهَّاب وَالْغَزالِيّ واجماعات ابْن عبد الْبر واتفاقات ابْن رشد واحتمالات الْبَاجِيّ واختلافات اللَّخْمِيّ انْتهى

قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر لم يخْتَلف الْعلمَاء أَن الْعَامَّة لَا يجوز لَهَا الْفتيا وَذَلِكَ وَالله تَعَالَى أعلم لجهلها بالمعاني الَّتِي مِنْهَا يجوز التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم وَالْقَوْل فِي الْعلم وَقد نظمت فِي التَّقْلِيد وموضعه أبياتا رَجَوْت فِي ذَلِك جزيل الْأجر لما علمت أَن من النَّاس من يسْرع اليه حفظ المنظوم ويتعذر عَلَيْهِ المنثور وَهِي من قصيدة لي

يَا سائلي عَن مَوضِع التَّقْلِيد خُذ

عني الْجَواب بفهم لب حَاضر

واصخ إِلَى قولي وَدَن بنصيحتي

واحفظ عَليّ نوادري وبوادري

لَا فرق بَين مقلد وبهيمة

تنقاد بَين جنادل ودعاثر

تَبًّا لقاض أَو لمفت لَا يرى

عللا وَمعنى للمقال السائر

وَإِذا إقتديت فبالكتاب وَسنة ال

مَبْعُوث بِالدّينِ الحنيف الظَّاهِر

ثمَّ الصَّحَابَة عِنْد عدمك سنة

فاولاك أهل نهى وَأهل بصائر

وَكَذَلِكَ اجماع الَّذين يَلُونَهُمْ

من تابعيهم كَابِرًا عَن كَابر

اجماع امتنا وَقَول نَبينَا

مثل النُّصُوص لَدَى الْكتاب الزَّاهِر

وَكَذَا الْمَدِينَة حجَّة ان أَجمعُوا

مُتَتَابعين أوائلا بأواخر

وَإِذا الْخلاف أَتَى فدونك فاجتهد

وَمَعَ الدَّلِيل فمل بفهم وافر

وعَلى الْأُصُول فقس فروعك لَا تقس

فرعا بفرع كالجهول الحائر

وَالشَّر مَا فِيهِ فديتك أُسْوَة

فَانْظُر وَلَا تحفل بزلة ماهر

ص: 41

واخرج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ عَليّ مَا لم أقل فليتبوء مَقْعَده من النَّار وَمن أفتى بِغَيْر علم كَانَ إثمه على من أفتاه وَمن أَشَارَ على أَخِيه بِأَمْر وَهُوَ يعلم أَن غَيره أرشد مِنْهُ فقد خانه وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَقد احْتج جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَأهل النّظر على إبِْطَال التَّقْلِيد بحجج نظرية عقلية بَعْدَمَا تقدم فَأحْسن مَا رَأَيْت من ذَلِك قَول الْمُزنِيّ رحمه الله وانا اورده

قَالَ يُقَال لمن حكم بالتقليد هَل من حجَّة فِيمَا حكمت بِهِ فَإِن قَالَ نعم ابطل التَّقْلِيد لِأَن الْحجَّة اوجبت ذَلِك عِنْده لَا التَّقْلِيد وَإِن قَالَ حكمت فِيهِ بِغَيْر حجَّة قيل لَهُ فَلم أرقت الدِّمَاء وأبحت الْفروج وأتلفت الْأَمْوَال وَقد حرم الله تَعَالَى ذَلِك إِلَّا بِحجَّة قَالَ الله تَعَالَى {إِن عنْدكُمْ من سُلْطَان بِهَذَا} أَي من حجَّة بِهَذَا قَالَ فَإِن قَالَ أَنا أعلم أَنِّي قد أصبت وَإِن لم أعرف الْحجَّة لِأَنِّي قلدت كَبِيرا من الْعلمَاء وَهُوَ لَا يَقُول إِلَّا بِحجَّة خفيت عَليّ قيل لَهُ إِذا جَازَ لَك تَقْلِيد معلمك لِأَنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا بِحجَّة خفيت عَلَيْك فتقليد معلم معلمك أولى لِأَنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا بِحجَّة خفيت على معلمك كَمَا لم يقل معلمك إِلَّا بِحجَّة خفيت عَلَيْك فَإِن قَالَ نعم ترك تَقْلِيد معلمه إِلَى تَقْلِيد معلم معلمه وَكَذَلِكَ من هُوَ أَعلَى حَتَّى يَنْتَهِي الْأَمر إِلَى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِن أَبى ذَلِك نقض قَوْله وَقيل لَهُ كَيفَ يجوز تَقْلِيد من هُوَ أَصْغَر مِنْك وَأَقل علما وَلَا تجوز تَقْلِيد من هُوَ أكبر وَأكْثر علما وَهَذَا تنَاقض فَإِن قَالَ لِأَن معلمي وَإِن كَانَ أَصْغَر فقد جمع علم من هُوَ فَوْقه إِلَى علمه فَهُوَ أبْصر بِمَا أَخذ وَأعلم بِمَا ترك قيل لَهُ وَكَذَلِكَ من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وَعلم من فَوْقه إِلَى علمه فيلزمك تَقْلِيده وَترك تَقْلِيد معلمك وَكَذَلِكَ أَنْت أولى أَن تقلد نَفسك من معلمك لِأَنَّك جمعت علم معلمك وَعلم من هُوَ فَوْقه إِلَى علمك فَإِن أعَاد قَوْله جعل الْأَصْغَر وَمن يحدث من صغَار الْعلمَاء أولى بالتقليد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ الصاحب عِنْده يلْزمه تَقْلِيد التَّابِع وَالتَّابِع من دونه فِي قِيَاس قَوْله وَإِلَّا على الْأَدْنَى أبدا وَكفى بقول يؤل إِلَى هَذَا قبحا وَفَسَادًا

قَالَ أَبُو عمر وَقَالَ أهل الْعلم وَالنَّظَر حد الْعلم التَّبْيِين وَإِدْرَاك الْمَعْلُوم على ماهو بِهِ فَمن بَان لَهُ الشَّيْء فقد علمه قَالُوا والمقلد لَا علم لَهُ وَلم يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِك وَمن هَاهُنَا وَالله تَعَالَى أعلم قَالَ البحتري

عرف الْعَالمُونَ فضلك بالعل

م وَقَالَ الْجُهَّال بالتقليد

وَأرى النَّاس مُجْمِعِينَ على

فضلك من بَين سيد ومسود

وَقَالَ أَبُو عبد الله بن خويز منداد الْبَصْرِيّ الْمَالِكِي التَّقْلِيد مَعْنَاهُ فِي الشَّرْع الرُّجُوع إِلَى قَول لَا حجَّة لقائله عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَمْنُوع عَنهُ فِي الشَّرِيعَة والاتباع مَا ثَبت عَلَيْهِ حجَّة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر

ص: 42

من كِتَابه كل من اتبعت قَوْله من غير أَن يجب عَلَيْك قَوْله لدَلِيل أوجب ذَلِك فَأَنت مقلده والتقليد فِي دين الله غير صَحِيح وكل من أوجب عَلَيْك دَلِيل اتِّبَاع وَقَوله فَأَنت متبعه والاتباع فِي الدّين مسوغ والتقليد مَمْنُوع

وَذكر مُحَمَّد بن حَارِث فِي أَخْبَار سَحْنُون بن سعيد عَن سَحْنُون قَالَ كَانَ مَالك بن أنس وعبد العزيز بن أبي سَلمَة وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار وَغَيرهم يَخْتَلِفُونَ إِلَى ابْن هُرْمُز فَكَانَ إِذا سَأَلَهُ مَالك وعبد العزيز أجابهما وإذاسأله ابْن دِينَار وذووه لَا يُجِيبهُمْ فتعرض لَهُ ابْن دِينَار يَوْمًا فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بكر بِمَا تستحل مني مَالا يحل لَك قَالَ لَهُ يَا ابْن أخي وَمَا ذَاك قَالَ يَسْأَلك مَالك وعبد العزيز فتجيبهما واسألك أَنا وَذَوي فَلَا تجيبنا فَقَالَ أوقع ذَلِك يَا ابْن أخي فِي قَلْبك قَالَ نعم قَالَ إِنِّي كَبرت سني ورق عظمي وَأَنا أَخَاف أَن يكون خالطني فِي عَقْلِي مثل الَّذِي خالطني فِي بدني وَمَالك وعبد العزيز عالمان فقيهان إِذا سمعا مني حَقًا قبلاه وَإِذا سمعا خطأ تركاه وَأَنت وذووك مَا أجبتكم قبلتموه فَقَالَ مُحَمَّد ابْن حَارِث هَذَا وَالله هُوَ الدّين الْكَامِل وَالْعقل الرَّاجِح لَا كمن يَأْتِي بالهذيان وَيُرِيد أَن ينزل من الْقُلُوب منزلَة الْقُرْآن وَقد أجمع الْعلمَاء أَن مالم يتَبَيَّن ويستيقن فَلَيْسَ بِعلم وَإِنَّمَا هُوَ ظن وَالظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا وَقد مضى فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَلَا خلاف بَين أَئِمَّة الْأَمْصَار فِي فَسَاد التَّقْلِيد فأغنى ذَلِك عَن الْإِكْثَار

وبسندنا إِلَى أبي عمر بن عبد البر حَدثنَا عبد الرحمن بن يحيى ثَنَا أَحْمد بن سعيد ثَنَا إِسْحَق بن ابراهيم بن نعْمَان ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن مَرْوَان حَدثنَا أَبُو حَفْص حَرْمَلَة بن يحيى ثَنَا عبد الله بن وهب حَدثنَا يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي أَبُو عُثْمَان بن سنة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْعلم بَدَأَ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا كَمَا بَدَأَ فطوبى يَوْمئِذٍ للغرباء

قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن مران وحَدثني سعيد بن دَاوُد بن أبي زنبر ثَنَا مَالك بن أنس عَن زيد بن أسلم فِي قَول الله عز وجل {نرفع دَرَجَات من نشَاء} قَالَ بِالْعلمِ وبسندنا إِلَى أبي عمر ثَنَا خلف بن قَاسم ثَنَا الْحسن بن رَشِيق ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يُونُس ثَنَا عَليّ بن عبد العزيز ثَنَا زَكَرِيَّا بن عبد الله حَدثنَا الحنيني عَن كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا كَمَا بدأفطوبى للغرباء قيل يَا رَسُول الله وَمن الغرباء قَالَ الَّذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله وَكَانَ يُقَال الْعلمَاء غرباء لِكَثْرَة الْجُهَّال انْتهى كَلَام الْحَافِظ أبي عمر بن عبد البر بِطُولِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَقَاصِد إِن شَاءَ الله تَعَالَى مزِيد بَيَان لفساد التَّقْلِيد ولنختم الْمُقدمَة بِبَاب الحض على لُزُوم السّنة والاقتصار عَلَيْهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 43

تركت فِيكُم اثْنَتَيْنِ لن تضلوا مَا تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي

وَأخرج الْحَافِظ أَبُو عمر عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ إِن أحسن الحَدِيث كتاب الله وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَشر الْأُمُور محدثاتها إِنَّمَا توعدون لآت وَمَا أَنْتُم بمعجزين وَعنهُ أَنه كَانَ يقوم يَوْم الْخَمِيس قَائِما فَيَقُول إِنَّمَا هما اثْنَان الْهَدْي وَالْكَلَام فأفضل الْكَلَام أَو أصدق الْكَلَام كَلَام الله وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد ص وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل محدثة بِدعَة إِلَّا لَا يَتَطَاوَلْنَ عَلَيْكُم الأمد فتقسوا قُلُوبكُمْ وَلَا يلهينكم الأمل فَإِن كل مَا هُوَ آتٍ قريب إِلَّا أَن بَعيدا مَا لَيْسَ إتياه وَعَن عرباض بن سَارِيَة بِسَنَد رِجَاله رجال الصَّحِيح قَالَ وعظنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب فَقُلْنَا يَا رَسُول الله إِن هَذِه لموعظة مُودع فَمَاذَا تعهد إِلَيْنَا قَالَ تركتكم على الْبَيْضَاء لَيْلهَا كنهارها لَا يزِيغ بعدِي عَنْهَا إِلَّا هَالك وَمن يَعش مِنْكُم فسيرى اخْتِلَافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِمَا عَرَفْتُمْ من سنتي وَسنة الْخُلَفَاء المهديين الرَّاشِدين وَعَلَيْكُم بِالطَّاعَةِ وَإِن كَانَ عبدا حَبَشِيًّا عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ فَإِنَّمَا الْمُؤمن كَالْجمَلِ الْأنف كلما قيد انْقَادَ وَعنهُ أَيْضا بِرِجَال الصَّحِيح قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَلَاة الصُّبْح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت منا الْقُلُوب فَقيل يَا رَسُول الله كَأَنَّهَا موعظة مُودع فأوصنا قَالَ عَلَيْكُم بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَإِن كَانَ عبدا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم فسيرى اخْتِلَافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل بِدعَة ضَلَالَة وَفِي رِوَايَة إيَّاكُمْ ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار حَدِيث الْعِرْبَاض بن سَارِيَة فِي الْخُلَفَاء الرَّاشِدين حَدِيث ثَابت صَحِيح وَهُوَ أصح إِسْنَادًا من حَدِيث حُذَيْفَة اقتدوا باللذين من بعدِي لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِي إِسْنَاده ومتكلم فِيهِ من أجل مولى ربعى وَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم قَالَ أَبُو عمر هُوَ كَمَا قَالَ الْبَزَّار حَدِيث عرباض حَدِيث ثَابت وَحَدِيث حُذَيْفَة حَدِيث حسن وَقد رُوِيَ عَن مولى ربعى عبد الملك بن عُمَيْر وَهُوَ كَبِير وَلَكِن الْبَزَّار وَطَائِفَة من أهل الحَدِيث يذهبون إِلَى أَن الْمُحدث إِذا لم يرو عَنهُ رجلَانِ فَصَاعِدا فَهُوَ مَجْهُول وَحَدِيث حُذَيْفَة الَّذِي اشار إِلَيْهِ هُوَ مَا سَاقه أَبُو عمر بأسانيد إِلَى قبيصَة بن عقبَة الْكُوفِي وَمُحَمّد بن كثير والْحميدِي قَالَ أَلا وَلِأَن عَن سُفْيَان بن سعيد عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن مولى ربعى بن حِرَاش عَن ربعي عَن حُذَيْفَة وَقَالَ الثَّالِث حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة ثَنَا زَائِدَة بن قدامَة عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن مولى لربعى عَن ربعى عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر واهتدوا بِهَدي عمار وتمسكوا بِهَدي ابْن أم عبد وَهَذَا لفظ حَدِيث الْحميدِي قَالَ أَبُو عمر رَوَاهُ جمَاعَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن ربعى عَن حُذَيْفَة هَكَذَا لم يذكرُوا مولى ربعى وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ من رِوَايَة الْحميدِي عَنهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْريّ وَهُوَ أحفظ وأتقن عِنْدهم

ص: 44

حَدثنَا خلف بن الْقَاسِم ثَنَا أَبُو طَالب مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بِبَيْت الْمُقَدّس ثَنَا أَبُو عمرَان مُوسَى بن نصر الْبَغْدَادِيّ ثَنَا مُصعب بن عبد الله الزبيرِي ثَنَا إِبْرَاهِيم بن سعد ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن هِلَال مولى ربعى بن حِرَاش عَن ربعى عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وَأخرج عَن عرباض بن سَارِيَة قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم ثمَّ أقبل علينا فوعظنا موعظة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب فَقَالَ قَائِل يَا رَسُول الله كَأَن هَذِه موعظة مُودع فَمَاذَا تعهد إِلَيْنَا قَالَ أوصيكم بتقوى الله والسمع وَالطَّاعَة وَإِن كَانَ عبدا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم فسيرى اخْتِلَافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الخفاء المهديين الرَّاشِدين تمسكوا بهَا وعضوا عَلَيْهَا بالنواجذ وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة

قَالَ أَبُو عمر الْخُلَفَاء الراشدون المهديون أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وهم أفضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول كَلَام الحرورية ضَلَالَة وَكَلَام الشِّيعَة مهلكة قَالَ ابْن عَبَّاس وَلَا أعرف الْحق إِلَّا فِي كَلَام قوم فَوضُوا أُمُورهم إِلَى الله تَعَالَى وَلم يقطعوا بِالذنُوبِ الْعِصْمَة من الله وَعَلمُوا أَن كلا مُقَدّر الله وَعَن سفينة قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ يكون ملكا ثمَّ قَالَ أمسك خلَافَة أبي بكر سنتَانِ وَعمر عشر وَعُثْمَان اثْنَتَا عشرَة وَعلي سِتّ ثمَّ قَالَ عَليّ بن الْجَعْد قلت لحماد سفينة الْقَائِل السعيد قَالَ نعم قَالَ أَبُو عمر قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل حَدِيث سفينة فِي الْخلَافَة صَحِيح وَإِلَيْهِ أذهب فِي الْخُلَفَاء قَالَ مُحَمَّد بن مظفر سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل عَن التَّفْضِيل فَقَالَ نقُول أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ونقف على حَدِيث ابْن عمر وَمن قَالَ عَليّ لم أعنفه ثمَّ ذكر حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن سعيد بن جمْهَان عَن سفينة فِي الْخلَافَة فَقَالَ أَحْمد عَليّ عندنَا من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين وَحَمَّاد بن سَلمَة عندنَا الثِّقَة الْمَأْمُون وَلَا نزداد كل يَوْم فِيهِ إِلَّا بَصِيرَة قَالَ أَبُو عمر قد روى عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَسَلَمَة بن شبيب وَطَائِفَة عَن أَحْمد بن حَنْبَل مثل رِوَايَة مُحَمَّد بن مظفر الْفرق بَين التَّفْضِيل والخلافة على حَدِيث ابْن عمر وَحَدِيث سفينة وروت عَنهُ طَائِفَة تَقْدِيم الْأَرْبَعَة وَالْإِقْرَار لَهُم بِالْفَضْلِ والخلافة وعَلى ذَلِك جمَاعَة أهل السّنة وَلم يخْتَلف قَول أَحْمد فِي الْخلَافَة وَالْخُلَفَاء وَإِنَّمَا اخْتلف قَوْله فِي التَّفْضِيل قَالَ أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد بن اللَّيْث الرَّازِيّ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل من تفضل قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وهم الْخُلَفَاء قلت يَا أَبَا عبد الله إِنَّمَا أَسأَلك عَن التَّفْضِيل من تفضل قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وهم الْخُلَفَاء المهديون الراشدون ورد الْبَاب فِي وَجْهي قَالَ أَبُو عَليّ ثمَّ قدمت الرّيّ فَقلت لأبي زرْعَة سَأَلت أَحْمد وَذكرت لَهُ الْقِصَّة فَقَالَ لَا نبالي من خَالَفنَا فَقَوْل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي فِي الْخلَافَة والتفضيل جَمِيعًا هَذَا ديني الَّذِي أدين

ص: 45

الله بِهِ وَأَرْجُو أَن يقبضني الله عَلَيْهِ قَالَ سَلمَة بن شبيب كتبت إِلَى إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه من تقدم من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكتب إِلَيّ لم يكن بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الأَرْض أفضل من أبي بكر وَلم يكن بعده أفضل من عمر وَلم يكن بعده أفضل من عُثْمَان وَلم يكن بعد عُثْمَان على الأَرْض خير وَلَا أفضل من عَليّ

قَالَ الشَّافِعِي أَقُول فِي الْخلَافَة والتفضيل بِأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ يحيى بن معِين من قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَسلم لعَلي سابقته فَهُوَ صَاحب سنة وَمن قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَسلم لعُثْمَان سابقته فَهُوَ صَاحب سنة وَذكرت لَهُ هَؤُلَاءِ الَّذين يَقُولُونَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ويسكتون فَتكلم بِكَلَام غليظ

وَعَن الحكم بن أبان أَنه سَأَلَ عِكْرِمَة عَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد فَقَالَ هن أَحْرَار قلت بِأَيّ شَيْء قَالَ بِالْقُرْآنِ قلت بِأَيّ شَيْء فِي الْقُرْآن قَالَ قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} وَكَانَ عمر من أولي الْأَمر قَالَ عتقت وَلَو بسقط

وَعَن مَالك بن أنس أَنه قَالَ قَالَ عمر بن عبد العزيز سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الْأَمر من بعده سنة الْأَخْذ بهَا تَصْدِيق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وَقُوَّة على دين الله من عمل بهَا مهتد وَمن استنصر بهَا مَنْصُور وَمن خالفها اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ وولاه الله مَا تولى وصلاه جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا

وَقَالَ ابْن كيسَان اجْتمعت أَنا وَالزهْرِيّ وَنحن نطلب الْعلم فَقُلْنَا نكتب السّنَن فكتبنا مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ نكتب مَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة فَإِنَّهُ سنة وَقلت أَنا لَيْسَ بِسنة وَلَا نَكْتُبهُ قَالَ فَكَتبهُ الزُّهْرِيّ وَلم أكتبه قَالَ فانجح وضيعت

وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب لما قدم الْمَدِينَة قَامَ خَطِيبًا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس أَنه قد سنت لكم السّنَن وفرضت لكم الْفَرَائِض وتركتم على الْوَاضِحَة إِلَّا أَن تضلوا بِالنَّاسِ يَمِينا وَشمَالًا وروى الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن عمر أَنه خطب النَّاس فَقَالَ ردوا الجهالات إِلَى السّنة وَعَن مَسْرُوق حب أبي بكر وَعمر وَمَعْرِفَة فضلهما من السّنة وَعَن ذِي النُّون الْمصْرِيّ أَنه قَالَ ثَلَاث من أَعْلَام السّنة الْمسْح على الْخُفَّيْنِ والمحافظة على صَلَاة الْجمع وَحب السّلف رحمهم الله وَكَانَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يَقُول اللَّهُمَّ اعصمني بِدينِك وبسنة نبيك من الِاخْتِلَاف فِي الْحق وَمن اتِّبَاع الْهوى وَمن سبل الضَّلَالَة وَمن شُبُهَات الْأُمُور وَمن الزيغ والخصومات وَعَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ الْقَصْد فِي السّنة خير من الِاجْتِهَاد فِي الْبِدْعَة ثمَّ علم أَن السّنة مبينَة للْكتاب قَالَ الله تَعَالَى {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم}

وَأخرج الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد البر بِسَنَد صَحِيح عَن عَلْقَمَة قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود

ص: 46

لعن الله الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ الْمُغيرَات خلق الله قَالَ فَبلغ ذَلِك امْرَأَة من بني أسيد يُقَال لَهَا أم يَعْقُوب فَقَالَت يَا ابا عبد الرحمن بَلغنِي أَنَّك لعنت كَيْت وَكَيْت فَقَالَ وَمَالِي لَا ألعن من لَعنه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمن هُوَ فِي كتاب الله مَلْعُون قَالَت إِنِّي لأقرأ مَا بَين اللَّوْحَيْنِ فَمَا أَجِدهُ قَالَ إِن كنت قارئة قد وجدتيه أما قَرَأت {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} قَالَت بلَى قَالَ فَإِنَّهُ قد نهى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَت إِنِّي لأَظُن أهلك يَفْعَلُونَ بعض ذَلِك قَالَ فاذهبي فانظري قَالَ فَدخلت فَلم تَرَ شَيْئا قَالَ فَقَالَ عبد الله لَو كَانَت كَذَلِك لم نجامعها

وَعَن عبد الرحمن بن يزِيد أَنه رأى محرما عَلَيْهِ ثِيَاب فَنهى الْمحرم وَقَالَ ائْتِنِي بِآيَة من كتاب الله تنْزع ثِيَابِي قَالَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَعَن هِشَام بن حُجَيْر قَالَ كَانَ طاؤس يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس اتركهما اتركهما فَقَالَ إِنَّمَا نهى عَنْهُمَا أَن تتخذا سنة فَقَالَ ابْن عَبَّاس قد نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن صَلَاة بعد صَلَاة الْعَصْر فَلَا أَدْرِي أتعذب علينا أم تؤجر لِأَن الله تبارك وتعالى قَالَ {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} وَعَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُوشك بأحدكم يَقُول هَذَا كتاب الله مَا كَانَ فِيهِ من حَلَال أحللناه وَمَا كَانَ فِيهِ من حرَام حرمناه إِلَّا من بلغه عني حَدِيث فكذب بِهِ فقد كذب الله وَرَسُوله وَالَّذِي حَدثهُ

وَعَن الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُوشك رجل مِنْكُم مُتكئا على أريكته يحدث بِحَدِيث عني فَيَقُول بَيْننَا وَبَيْنكُم كتاب الله فَمَا وجدنَا فِيهِ من حَلَال استحللناه وَمَا وجدنَا فِيهِ من حرَام حرمناه إِلَّا من بلغه عني حَدِيث فكذب بِهِ فقد كذب الله وَإِنَّمَا حرم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الَّذِي حرم الله قَالَ أَبُو عمر قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا تركت شَيْئا مِمَّا أَمركُم الله بِهِ إِلَّا وَقد أَمرتكُم بِهِ وَلَا تركت شَيْئا مِمَّا نهاكم الله عَنهُ إِلَّا وَقد نَهَيْتُكُمْ عَنهُ رَوَاهُ الْمطلب بن حنْطَب وَغَيره عَنهُ ص وَالْبَيَان مِنْهُ صلى الله عليه وسلم على ضَرْبَيْنِ بَيَان الْمُجْمل فِي الْكتاب الْعَزِيز كالصلوات الْخمس فِي مواقيتها وسجودها وركوعها وَسَائِر أَحْكَامهَا وكبيانه لمقدار الزَّكَاة وَحدهَا ووقتها وَمَا الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ من الْأَمْوَال وَبَيَانه لمناسك الْحَج قَالَ ص إِذْ حج بِالنَّاسِ خُذُوا عني مَنَاسِككُم لِأَن الْقُرْآن إِنَّمَا ورد بجملة فرض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج دون التَّفْصِيل والْحَدِيث مفصل وَبَيَان هُوَ زِيَادَة على حكم الْكتاب كتحريم نِكَاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وخالتها وكتحريم الْحمر الْأَهْلِيَّة وكل ذِي نَاب من السبَاع إِلَى أَشْيَاء يطول ذكرهَا وَقد أَمر الله تَعَالَى بِطَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم واتباعه أمرا مُطلقًا مُجملا لم يُقيد بِشَيْء كَمَا أمرنَا بِاتِّبَاع الْكتاب وَلم يقل مَا وَافق كتاب

ص: 47

الله كَمَا قَالَ بعض أهل الزيغ

وَقَالَ عبد الرحمن بن مهْدي الزَّنَادِقَة والخوارج وضعُوا ذَلِك الحَدِيث يَعْنِي مَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ مَا أَتَاكُم عني فاعرضوه على كتاب الله فَإِن وَافق كتاب الله فَأَنا قلته وَإِن خَالف كتاب الله فَلم أَقَله أَنا وَكَيف أُخَالِف كتاب الله وَبِه هَدَانِي الله وَهَذِه الْأَلْفَاظ لَا تصح عَنهُ ص عِنْد أهل الْعلم بِصَحِيح النَّقْل من سقيمه وَقد عَارض هَذَا الحَدِيث قوم من أهل الْعلم وَقَالُوا نَحن نعرض هَذَا الحَدِيث على كتاب الله قبل كل شَيْء ونعتمد على ذَلِك قَالُوا فَلَمَّا عرضناه على كتاب الله وَجَدْنَاهُ مُخَالفا لكتاب الله لأَنا لم نجد فِي كتاب الله أَن لَا يقبل من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَا وَافق كتاب الله بل وجدنَا كِتَابه يُطلق التأسي بِهِ وَالْأَمر بِطَاعَتِهِ ويحذر الْمُخَالفَة عَن أمره جملَة على كل حَال قَالَ الشَّافِعِي رحمه الله مَا روى فِي هَذَا أحد يثبت حَدِيثه فِي شَيْء كَبِير وَلَا صَغِير وَقَالَ هِيَ رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول قَالَ الْبَيْهَقِيّ أسانيده كلهَا ضَعِيفَة لَا يحْتَج بِمثلِهِ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر هَذَا خبر بَاطِل انْتهى قَالَ أَبُو عمر وروى الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ كَانَ الْوَحْي ينزل على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويحضره جِبْرَائِيل بِالسنةِ الَّتِي يُفَسر ذَلِك وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الْكتاب أحْوج إِلَى السّنة من السّنة إِلَى الْكتاب قَالَ أَبُو عمر يُرِيد أَنَّهَا تقضي عَلَيْهِ وَتبين المُرَاد مِنْهُ وَهَذَا نَحْو قَوْلهم تركت الْكتاب موضحا للسّنة وَتركت السّنة موضحا للرأي وَعَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ قَالَ يحيى ين كثير السّنة قاضية على الْكتاب وَلَيْسَ الْكتاب قَاضِيا على السّنة

وَقَالَ الْفضل بن زِيَاد سَمِعت أَبَا عبد الله يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل وَسُئِلَ عَن الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ أَن السّنة قاضية على الْكتاب فَقَالَ ماأجسر عَليّ هَذَا أَن أقوله وَلَكِنِّي أَقُول إِن السّنة تفسر الْكتاب وتبينه قَالَ أَبُو عمر الْآثَار فِي بَيَان السّنة لمجملات التَّنْزِيل قولا وَعَملا أَكثر من أَن تحصى وَفِيمَا لوحنا بِهِ كِفَايَة وهداية وَالْحَمْد لله قَالَ أَبُو عمر أهل الْبدع أجمع أَعرضُوا عَن السّنَن وتأولوا الْكتاب على غير مَا بَينته السّنة فضلوا وأضلوا نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان

وَأخرج عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول هَلَاك أمتِي فِي الْكتاب وَاللَّبن فَقيل يَا رَسُول الله وَمَا الْكتاب وَاللَّبن قَالَ يتعلمون الْقُرْآن ويتأولونه على غير مَا أنزل الله وَيُحِبُّونَ اللَّبن فَيدعونَ الْجَمَاعَات وَالْجمع ويبدون وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَن أخوف مَا أَخَاف على أمتِي ثِنْتَانِ الْقُرْآن وَاللَّبن أما الْقُرْآن فيتعلمه المُنَافِقُونَ ليجادلوا بِهِ الْمُؤمنِينَ وَأما اللَّبن فيتبعون الرِّيف يتبعُون الشَّهَوَات ويتركون الصَّلَاة

وَعَن ابْن مَسْعُود سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يدعونكم إِلَى كتاب الله وَقد نبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ فَعَلَيْكُم بِالْعلمِ وَإِيَّاكُم والبدع وَإِيَّاكُم والتنطع وَعَلَيْكُم بالعنق وَعَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ قَالَ

ص: 48

عمر إِنَّمَا أَخَاف عَلَيْكُم رجلَيْنِ رجل يتَأَوَّل الْقُرْآن على غير تَأْوِيله وَرجل ينافس الْملك على أَخِيه

وَعَن رَجَاء بن حَيْوَة عَن رجل قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْد مُعَاوِيَة فَقَالَ إِن أغرى الضَّلَالَة لرجل يقْرَأ الْقُرْآن فَلَا يفقه فِيهِ فيعلمه الصَّبِي وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَالْأمة فيجادلون بِهِ أهل الْعلم

وَعَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ ان هَذَا الْقُرْآن قد اخلق فِي صُدُور كثير من النَّاس فالتمسوا مَا سواهُ من الْأَحَادِيث وان مِمَّن يَبْتَغِي هَذَا الْعلم يَتَّخِذهُ بضَاعَة ليلتمس بِهِ الدُّنْيَا وَمِنْهُم من يتعلمه ليماري بِهِ وَمِنْهُم من يتعلمه ليشار اليه وَخَيرهمْ الَّذِي يتعلمه فيطيع الله فِيهِ قَالَ أَبُو عمر وَمعنى قَوْله ان هَذَا الْقُرْآن قد اخلق وَالله أعلم أَي اخلق علم تَأْوِيله من تِلَاوَته إِلَّا بالأحاديث عَن السّلف الْعَالمين بِهِ فبالأحاديث الصِّحَاح عَنْهُم يُوقف على ذَلِك لَا بِمَا سولته النُّفُوس وتنازعته الآراء كَمَا صنع أهل الْأَهْوَاء وَقَالَ الْحسن عمل قَلِيل فِي سنة خير من كثير فِي بِدعَة

وَعَن صَفْوَان بن مُحرز الْمَازِني أَنه سَأَلَ عبد الله بن عمر عَن الصَّلَاة فِي السّفر فَقَالَ رَكْعَتَانِ من خَالف السّنة كفر وَعَن بكير بن الْأَشَج أَن رجلا قَالَ للقاسم بن مُحَمَّد عجبا من عَائِشَة كَيفَ كَانَت تصلي فِي السّفر أَرْبعا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ يَا ابْن أخي عَلَيْك بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ وَجدتهَا فان من النَّاس من لَا يعاب وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ تمتّع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُرْوَة نهى أَبُو بكر وَعمر عَن الْمُتْعَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا تَقول يَا عُرْوَة قَالَ يَقُولُونَ نهى أَبُو بكر وَعمر عَن الْمُتْعَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس أَرَاهُم سيهلكون أَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُونَ قَالَ أَبُو بكر وَعمر قَالَ أَبُو عمر يَعْنِي مُتْعَة الْحَج وَهُوَ فسخ الْحَج فِي عمْرَة وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء من يعذرني من مُعَاوِيَة أحدثه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني بِرَأْيهِ لَا أساكنك بِأَرْض أَنْت بهَا وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت مثل ذَلِك بِمَعْنَاهُ وَعَن عَمْرو بن دِينَار عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ عمر إِذا رميتم الْجَمْرَة سبع حَصَاة وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شَيْء إِلَّا الطّيب وَالنِّسَاء قَالَ سَالم وَقَالَت عَائِشَة أَنا طيبت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِحلِّهِ قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ قَالَ سَالم سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَق أَن تتبع وَعَن بِلَال بن عبد الله بن عمر أَن أَبَاهُ عبد الله بن عمر قَالَ يَوْمًا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تمنعوا النِّسَاء حظوظهن من الْمَسَاجِد قَالَ فَقلت أَنا أما أَنا فسأمنع أَهلِي فَمن شَاءَ فليسرح أَهله فَالْتَفت إِلَيْهِ وَقَالَ لعنك الله لعنك الله لعنك الله تسمعني أَقُول إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر أَن لَا يمنعن وَقَامَ مغضبا

وَرُوِيَ عَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ قَرَأت فِي سبعين كتابا أَن جَمِيع مَا أعطي النَّاس من بَدْء الدُّنْيَا إِلَى انقطاعها من الْعقل فِي جنب عقل مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين ص كحبة رمل وَقعت من جَمِيع رمل الدُّنْيَا وأجده مَكْتُوبًا أرجحهم عقلا وأفضلهم رَأيا قَالُوا وَلم يبْعَث الله نَبيا حَتَّى

ص: 49