المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقصد الثالث فيما قاله عالم قريش محمد بن إدريس الشافعي وما لأصحابه من الكلام الشافي من العي - إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار

[الفلاني]

فهرس الكتاب

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌الْمُقدمَة فِي وجوب طَاعَة الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وَاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وذم الرَّأْي وَالْقِيَاس على غير أُصُوله والتحذير من إكثار الْمسَائِل وَبَيَان أصُول الْعلم وَحده مقسوما ومحازا وَمن يسْتَحق أَن يُسمى فَقِيها أَو عَالما حَقِيقَة لَا مجَازًا وَبَيَان فَسَاد التَّقْلِيد فِي دين الله

- ‌الْمَقْصد الأول فِيمَا قَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه أهل المناقب المنيفة

- ‌الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا قَالَه مَالك بن أنس إِمَام دارالهجرة وَمَا ذكره أَتْبَاعه السَّادة المهرة

- ‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا قَالَه عَالم قُرَيْش مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَمَا لأَصْحَابه من الْكَلَام الشافي من العي

- ‌الْمَقْصد الرَّابِع فِي ذكر مَا نقل عَن نَاصِر السّنة أَحْمد بن حَنْبَل وَمَا لأَصْحَابه من الحض على الْعَمَل بِالسنةِ وَالْكتاب الْمنزل

- ‌الأَصْل الثَّانِي من أصُول فتاوي الإِمَام أَحْمد مَا أفتى بِهِ الصَّحَابَة

- ‌الأَصْل الثَّالِث من أُصُوله إِذا اخْتلف الصَّحَابَة

- ‌الأَصْل الرَّابِع الْأَخْذ بالمرسل والْحَدِيث الضَّعِيف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ

- ‌الأَصْل الْخَامِس وَهُوَ الْقيَاس

- ‌الخاتمة فِي إبِْطَال شبه المقلدين وَالْجَوَاب عَمَّا أوردوه على المتبعين أهل الْأَهْوَاء المتعصبين

- ‌ولنختم الخاتمة بفوائد تتَعَلَّق بالفتوى

الفصل: ‌المقصد الثالث فيما قاله عالم قريش محمد بن إدريس الشافعي وما لأصحابه من الكلام الشافي من العي

‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا قَالَه عَالم قُرَيْش مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَمَا لأَصْحَابه من الْكَلَام الشافي من العي

أخبرنَا شَيخنَا المعمر وبركتنا المدخر مُحَمَّد بن سنة عَن مَوْلَاهُ الشريف إجَازَة مُحَمَّد بن أركاش الْحَنَفِيّ عَن الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي عَن الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ عَن أبي الْفضل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْحَمَوِيّ عَن الْفَخر بن البُخَارِيّ عَن مَنْصُور بن عبد المنعم الفراوي عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي عَن الْحَافِظ أبي بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ ثَنَا أَبُو عَمْرو بن السماك مشافهة أَن ابا سعيد الخصاص حَدثهمْ قَالَ سَمِعت الرّبيع بن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي وَسَأَلَهُ رجل عَن مَسْأَلَة فَقَالَ يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ السَّائِل يَا أَبَا عبد الله أَتَقول بِهَذَا فارتعد الشَّافِعِي واصفر وَحَال لَونه وَقَالَ وَيحك وَأي أَرض تُقِلني وَأي سَمَاء تُظِلنِي إِذا رويت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئا وَلم أقل بِهِ نعم على الراس وَالْعين قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول مَا من أحد إِلَّا وَتذهب عَلَيْهِ سنة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عَنهُ فمهما قلت من قَول أَو أصلت من أصل فِيهِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلاف مَا قلت فَالْقَوْل مَا قَالَه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قولي قَالَ وَجعل يردد هذاالكلام

وَبِه إِلَى الْبَيْهَقِيّ قَالَ أخبرنَا أَبُو عبد الرحمن السّلمِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب يَقُول سَمِعت الرّبيع بن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقولو بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا مَا قلت فَهَذَا مذْهبه فِي اتِّبَاع السّنة

وَبِه إِلَى الْبَيْهَقِيّ حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَأَبُو سعيد قَالَا ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس حَدثنِي الرّبيع ثَنَا الشَّافِعِي قَالَ إِذا حدث الثِّقَة عَن الثِّقَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَهُوَ ثَابت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يتْرك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيث أبدا إِلَّا حَدِيث وجد عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَحَدِيث يُخَالِفهُ

وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا مُخَالف لَهُ عَنهُ وَكَانَ يرْوى عَمَّن دون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيث يُوَافقهُ لم يزده قُوَّة وَحَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم مستغن بِنَفسِهِ وَإِن كَانَ يرْوى عَمَّن دون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيث يُخَالِفهُ لم يلْتَفت إِلَى مَا خَالفه وَحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَق أَن يُؤْخَذ بِهِ وَلَو علم من روى عَنهُ خلاف سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اتبعها إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَبِه إِلَى الْبَيْهَقِيّ حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِي كتاب الرسَالَة الجديدة حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد

ص: 100

ابْن يَعْقُوب ثَنَا الرّبيع قَالَ قَالَ الشَّافِعِي فِي أقاويل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تفَرقُوا فِيهَا نصير إِلَى مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع أَو كَانَ أصح فِي الْقيَاس وَإِذا قَالَ الْوَاحِد مِنْهُم القَوْل لَا يحفظ عَن غَيره مِنْهُم فِيهِ لَهُ مُوَافقَة وَلَا خلاف صرت إِلَى اتِّبَاع قَول واحدهم إِذا لم أجد كتابا وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا شَيْئا فِي مَعْنَاهُ يحكم لَهُ بِحكمِهِ أَو وجد مَعَه قِيَاس

وَبِه إِلَيْهِ إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا أَبُو سعيد بن ابي عَمْرو فِي كتاب اخْتِلَاف مَالك وَالشَّافِعِيّ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس ثَنَا الرّبيع قَالَ قَالَ الشَّافِعِي مَا كَانَ الْكتاب وَالسّنة موجودين فالعذر على من سمعهما مَقْطُوع إِلَّا باتباعهما فَإِذا لم يكن ذَلِك صرنا إِلَى أقاويل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو واحدهم ثمَّ كَانَ قَول الْأَئِمَّة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا صرنا إِلَى التَّقْلِيد أحب إِلَيْنَا وَذَلِكَ إِذا لم نجد دلَالَة فِي الِاخْتِلَاف تدل على أقرب الِاخْتِلَاف من الْكتاب وَالسّنة فنتبع القَوْل الَّذِي مِنْهُ الدّلَالَة لِأَن قَول الإِمَام مَشْهُور بِأَنَّهُ يلْزم النَّاس وَمن لزم قَول النَّاس كَانَ أشهر مِمَّن يُفْتِي الرجل أَو النَّفر وَقد يَأْخُذ بفتياه أَو يَدعهَا وَأكْثر الْمُفْتِينَ يفتون الْخَاصَّة فِي بُيُوتهم ومجالسهم وَلَا تعنى الْعَامَّة بِمَا قَالُوا اعتناءهم بِمَا قَالَ الإِمَام وَقد وجدنَا الْأَئِمَّة يبتدءون فَيسْأَلُونَ عَن الْعلم من الْكتاب وَالسّنة فِيمَا أَرَادوا أَن يَقُولُوا فِيهِ وَيَقُولُونَ فيخبرون بِخِلَاف قَوْلهم فيقبلون من الْمخبر وَلَا يستنكفون أَن يرجِعوا لتقواهم الله وفضلهم فِي حالاتهم فَإِذا لم يُوجد عَن الْأَئِمَّة فأصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الدّين فِي وضع الْأَمَانَة أَخذنَا بقَوْلهمْ وَكَانَ اتباعهم أولى بِنَا من اتِّبَاع من بعدهمْ قَالَ وَالْعلم طَبَقَات الأولى الْكتاب وَالسّنة إِذا ثبتَتْ السّنة ثمَّ الثَّانِيَة الْإِجْمَاع فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كتاب وَلَا سنة وَالثَّالِثَة أَن يَقُول بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا يعلم لَهُ مُخَالف مِنْهُم وَالرَّابِعَة اخْتِلَاف أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْخَامِسَة الْقيَاس على هَذِه الطَّبَقَات وَلَا يُصَار إِلَى شييء غير الْكتاب وَالسّنة وهما موجودان وَإِنَّمَا يُؤْخَذ الْعلم من أَعلَى

وَذكر الشَّافِعِي فِي كتاب الرسَالَة الْقَدِيمَة بعد مَا ذكر الصَّحَابَة وَأثْنى عَلَيْهِم بِمَا هم أَهله قَالَ وهم فَوْقنَا فِي كل علم واجتهاد وورع وعقل وَأمر استدرك بِهِ علم واستنبط بِهِ وآراؤهم لنا أَحْمد وَأولى بِنَا من آرائنا عندنَا لأنفسنا وَالله تَعَالَى أعلم وَمن أدركنا مِمَّن أرْضى أَو حكى لنا عَنهُ ببلدنا صَارُوا فِيمَا لم يعلمُوا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ سنة إِلَى قَوْلهم إِن اجْتَمعُوا وَقَول بَعضهم إِن تفَرقُوا فَهَكَذَا نقُول إِذا اجْتَمعُوا أَخذنَا بإجماعهم وَإِن قَالَ وَاحِد مِنْهُم وَلم يُخَالِفهُ غَيره أَخذنَا بقوله وَإِن اخْتلفُوا أَخذنَا بقول بَعضهم وَلم نخرج من أقاويلهم كلهم

قَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ الرّجلَانِ مِنْهُم فِي شَيْء قَوْلَيْنِ مُخْتَلفين نظرت فَإِن كَانَ قَول أَحدهمَا أشبه بِكِتَاب الله تَعَالَى أَو أشبه بِسنة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بِهِ لِأَن مَعَه شَيْئا

ص: 101

يقوى بِمثلِهِ لَيْسَ مَعَ الَّذِي يُخَالِفهُ مثله فَإِن لم يكن على وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ دلَالَة بِمَا وصفت كَانَ قَول الْأَئِمَّة أبي بكر أَو عمر أَو عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أرجح عندنَا من أحد لَو خالفهم غير إِمَام

وَذكر فِي مَوضِع آخر من هَذَا الْكتاب وَقَالَ فَإِن لم يكن على القَوْل دلَالَة من كتاب وَلَا سنة كَانَ قَول أبي بكر أَو عمر أَو عُثْمَان أَو عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أحب إِلَيّ أَن أَقُول بِهِ من قَول غَيرهم أَن خالفهم من قبل أَنهم أهل علم وحكام ثمَّ سَاق الْكَلَام إِلَى أَن قَالَ فَإِن اخْتلف الْحُكَّام استدللنا بِالْكتاب وَالسّنة فِي اخْتلَافهمْ فصرنا إِلَى قَول الَّذِي عَلَيْهِ الدّلَالَة من الْكتاب وَالسّنة وقلما يَخْلُو اخْتلَافهمْ من دَلَائِل كتاب أَو سنة وَإِن اخْتلف الْمفْتُون يَعْنِي من الصَّحَابَة بعد الْأَئِمَّة بِلَا دلَالَة فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ نَظرنَا إِلَى الْأَكْثَر فَإِن تكافأوا نَظرنَا إِلَى أحسن أقاويلهم مخرجا عندنَا وَإِن وجدنَا للمفتين فِي زَمَاننَا وَقَبله إِجْمَاعًا فِي شَيْء لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ تَبِعْنَاهُ وَكَانَ أحد طرق الْأَخْبَار الْأَرْبَعَة وَهِي كتاب الله تَعَالَى ثمَّ سنة نبيه ص ثمَّ قَول بعض الصَّحَابَة ثمَّ إِجْمَاع الْفُقَهَاء فَإِذا نزلت نازلة لم نجد فِيهَا وَاحِدَة من هَذِه الْأَرْبَعَة الْأَخْبَار فَلَيْسَ السَّبِيل فِي الْكَلَام فِي النَّازِلَة إِلَّا اجْتِهَاد الرَّأْي

وَأخذ الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ من مذْهبه وَمذهب صَاحبه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَتَّى وقف عَلَيْهِ وعَلى مَا احتجا بِهِ ثمَّ ناظره فِيمَا كَانَ يرى خِلَافه فِيهِ وَكَانَ يَقُول مَا كلمت أسود الرَّأْس أَعقل من مُحَمَّد بن الْحسن وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحسن يعظمه ويجله وَرجع إِلَى قَوْله فِي مسَائِل مَعْدُودَة وَكَانَ من مضى من عُلَمَاء الْمَدِينَة لَا يعْرفُونَ مَذَاهِب أهل الْكُوفَة وَكَانَ أهل الْكُوفَة يعْرفُونَ مَذْهَب أهل الْمَدِينَة فَكَانُوا إِذا الْتَقَوْا وَتَكَلَّمُوا رُبمَا انْقَطع الْمدنِي فَكتب الشَّافِعِي مذاهبهم ودلائلهم وَلم يخالفهم إِلَّا فِيمَا قويت حجَّته عِنْده وضعفت حجَّة الْكُوفِيّين فِيهِ وَكَانَ تكلم مُحَمَّد بن الْحسن وَغَيره على سَبِيل النصفة وَكَانَ يَقُول مَا ناظرت أحدا قطّ إِلَّا على النَّصِيحَة وَكَانَ يَقُول مَا ناظرت أحدا قطّ فَأَحْبَبْت أَن يخطىء وَكَانَ يَقُول مَا كلمت أحدا الا وَلم ابل يبين الله الْحق على لِسَانه

وَكَانَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل يَحْكِي عَن أَبِيه قَالَ قَالَ الشَّافِعِي أَنْتُم أعلم بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال مني فَإِذا كَانَ الحَدِيث الصَّحِيح فأعلموني بِهِ أَي شَيْء يكون كوفيا أَو بصريا أَو شاميا حَتَّى أذهب إِلَيْهِ إِذا كَانَ صَحِيحا

قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَلِهَذَا كثر أَخذه بِالْحَدِيثِ وَهُوَ أَنه جمع علم أهل الْحجاز وَالشَّام واليمن وَالْعراق وَأخذ بِجَمِيعِ مَا صَحَّ عِنْده من غير مُحَابَاة مِنْهُ وَلَا ميل إِلَى مَا استحلاه من مَذْهَب أهل بَلَده مهما بَان لَهُ الْحق فِي غَيره وَمِمَّنْ كَانَ قبله من اقْتصر على مَا عهد من مَذَاهِب أهل بَلَده وَلم يجْتَهد فِي معرفَة صِحَة مَا خَالفه وَالله يغْفر لنا وَلَهُم

ص: 102

وَبِه إِلَى الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا سعيد بن ابي عَمْرو ثَنَا ابو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب ثَنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان ثَنَا الشَّافِعِي قَالَ لَيْسَ للْحَاكِم أَن يولي الحكم أحدا وَلَا لمولى الحكم أَن يقبله وَلَا لوال أَن يولي أحدا وَلَا يَنْبَغِي للمفتي أَن يُفْتِي حَتَّى يجمع أَن يكون عَالما علم الْكتاب وَعلم ناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه وفرضه وأدبه وعالما بسنن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل أهل الْعلم قَدِيما وحديثا عَالما بِلِسَان الْعَرَب عَاقِلا يُمَيّز بَين المشتبه وَيعْقل الْقيَاس فَإِن عدم وَاحِدَة من هَذِه الْخِصَال لم يحل لَهُ أَن يَقُول قِيَاسا وَكَذَلِكَ لَو كَانَ عَالما بالأصول غير عَاقل للْقِيَاس الَّذِي هُوَ الْفَرْع لم يجز أَن يُقَال لرجل قس وَهُوَ لَا يعقل الْقيَاس وَإِن كَانَ عَاقِلا للْقِيَاس وَهُوَ مضيع لعلم الْأُصُول أَو شَيْء مِنْهَا لم يجز أَن يُقَال لَهُ قس على مَالا تعلم

وَاعْتبر فِي كتاب الشَّهَادَات أَن يكون القَاضِي مَعَ هَذَا عدلا وَاعْتبر فِي الْقَدِيم مَعَ هَذَا أَن يكون عَاقِلا كَيفَ يَأْخُذ الْأَحَادِيث ومصححا لأخذها لَا يرد مِنْهَا ثَابتا وَلَا يثبت ضَعِيفا

وَبِه إِلَى الْبَيْهَقِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو سعيد بن أبي عَمْرو ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب ثَنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ قَالَ الشَّافِعِي حكم الله جلّ ثَنَاؤُهُ ثمَّ حكم رَسُوله ص ثمَّ حكم الْمُسلمين دَلِيل على أَنه لَا يجوز لمن استأهل أَن يكون حَاكما أَو مفتيا أَن يحكم وَلَا أَن يُفْتِي إِلَّا من جِهَة خبر لَازم وَذَلِكَ الْكتاب ثمَّ السّنة وَمَا قَالَ أهل الْعلم لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَو قِيَاس على بعض هَؤُلَاءِ وَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم وَلَا يُفْتِي بالاستحسان وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا ابو عبد الله الْحَافِظ وَأَبُو سعيد بن أبي عَمْرو قَالَا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ سَمِعت الرّبيع بن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقولُوا بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا مَا قلت قَالَ وَسمعت الرّبيع يَقُول وروى الشَّافِعِي حَدِيثا فَقَالَ لَهُ رجل تَأْخُذ بِهَذَا يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ مَتى رويت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثا صَحِيحا فَلم آخذ بِهِ فأشهدكم أَن عَقْلِي قد ذهب واشار بِيَدِهِ على رُءُوس الْجَمَاعَة وَقَالَ الشَّافِعِي أجمع النَّاس على أَن من استبانت لَهُ سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد وَقد صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ لَا قَول لأحد مَعَ سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم انْتهى كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله

وَقَالَ فِي أَعْلَام الموقعين وَقَالَ الْأَصَم أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ الشَّافِعِي أَنا أُعْطِيك جملَة تغنيك إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَا تدع لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثا أبدا إِلَّا أَن يَأْتِي عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيث خِلَافه فتعمل بِمَا قررت لَك فِي الْأَحَادِيث إِذا اخْتلف وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الجارودي سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول إِذا وجدْتُم سنة من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلاف قولي

ص: 103

فَإِنِّي أَقُول بهَا قَالَ أَحْمد بن عِيسَى بن ماهان الرَّازِيّ سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول كل مَسْأَلَة صَحَّ فِيهَا الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد أهل النَّقْل بِخِلَاف مَا قلت فَأَنا رَاجع عَنْهَا فِي حَياتِي وَبعد موتِي وَقَالَ حَرْمَلَة بن يحيى قَالَ الشَّافِعِي مَا قلت وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد قَالَ بِخِلَاف قولي فَمَا صَحَّ من حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم أولى وَلَا تقلدوني

وَقَالَ الْحميدِي سَأَلَ رجل الشَّافِعِي عَن مَسْأَلَة فأفتاه وَقَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الرجل أَتَقول بِهَذَا يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ الشَّافِعِي أَرَأَيْت فِي وسطي زنارا أَترَانِي خرجت من الْكَنِيسَة أَقُول قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَتقول لي أَتَقول بِهَذَا أروي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا أَقُول بِهِ وَقَالَ الرّبيع قَالَ الشَّافِعِي لم أسمع أحدا نسبته إِلَى الْعلم اَوْ نسبته الْعَامَّة إِلَى علم أَو نسب نَفسه إِلَى علم يحْكى خلافًا فِي أَن فرض الله تَعَالَى اتِّبَاع أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالتَّسْلِيم لحكمه فَإِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل لأحد بعده إِلَّا اتِّبَاعه وَأَنه لَا يلْزم قَول رجل قَالَ إِلَّا بِكِتَاب الله تَعَالَى أَو سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَن مَا سواهُمَا تبع لَهما وَأَن فرض الله تَعَالَى علينا وعَلى من بَعدنَا وَقَبلنَا قبُول الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا فرقة سأصف قَوْلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِي ثمَّ تفرق أهل الْكَلَام فِي تثبيت خبر الْوَاحِد عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تفَرقا متباينا وتفرق عَنْهُم مِمَّن نسبه الْعَامَّة إِلَى الْفِقْه فَامْتنعَ بَعضهم عَن التَّحْقِيق من النّظر وآثروا التَّقْلِيد والغفلة والاستعجال بالرياسة

وَقَالَ الإِمَام أَحْمد قَالَ لنا الشَّافِعِي إِذا صَحَّ عنْدكُمْ الحَدِيث فَقولُوا لي كي أذهب إِلَيْهِ

وَقَالَ الإِمَام أَحْمد كَانَ أحسن أَمر الشَّافِعِي عِنْدِي أَنه كَانَ إِذا سمع الْخَبَر لم يكن عِنْده قَالَ بِهِ وَترك قَوْله

قَالَ الرّبيع قَالَ الشَّافِعِي لَا نَتْرُك الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا يدْخلهُ الْقيَاس وَلَا مَوضِع لَهُ مَعَ السّنة قَالَ الرّبيع وَقد روى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأبي هُوَ وامي أَنه قضى فِي بروع بنت واشق ونكحت بِغَيْر مهر فَمَاتَ زَوجهَا فَقضى لَهَا بِمهْر مثلهَا وَقضى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَإِن كَانَ يثبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَهُوَ أولى الْأُمُور بِنَا وَلَا حجَّة فِي قَول أحد دون النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي الْقيَاس وَلَا شَيْء إِلَّا طَاعَة الله تَعَالَى بِالتَّسْلِيمِ لَهُ وَإِن كَانَ لَا يثبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يُمكن لأحد أَن يثبت عَنهُ مالم يثبت وَلم أحفظه من وَجه يثبت مثله هُوَ مرّة عَن معقل بن سِنَان وَمرَّة عَن معقل بن يسَار وَمرَّة عَن بعض بني أَشْجَع لَا يُسمى

ص: 104

قَالَ الرّبيع سَأَلت الشَّافِعِي عَن رفع الْأَيْدِي فِي الصَّلَاة فَقَالَ يرفع الْمُصَلِّي يَدَيْهِ اذا افْتتح الصَّلَاة حَذْو مَنْكِبَيْه واذا أَرَادَ أَن يرْكَع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما كَذَلِك وَلَا يفعل ذَلِك فِي السُّجُود قلت لَهُ فَمَا الْحجَّة فِي ذَلِك قَالَ أَنبأَنَا ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مثل قَوْلنَا قَالَ الرّبيع فَقلت فَإنَّا نقُول يرفع فِي الِابْتِدَاء ثمَّ لَا يعود قَالَ الشَّافِعِي أخبرنَا مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ اذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه واذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما قَالَ الشَّافِعِي وَهُوَ يَعْنِي مَالِكًا يروي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ اذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه واذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما كَذَلِك ثمَّ خالفتم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَابْن عمر فقلتم لَا يرفع يَدَيْهِ

ص: 105

إِلَّا فِي إبتداء الصَّلَاة وَقد رويتم أَنَّهُمَا رفعا فِي الِابْتِدَاء وَعند الرّفْع من الرُّكُوع أفيجوز لعالم أَن يتْرك فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَابْن عمر لرأي نَفسه أَو فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم لرأي ابْن عمر ثمَّ الْقيَاس على قَول ابْن عمر ثمَّ يَأْتِي مَوضِع آخر يُصِيب فِيهِ فَيتْرك على ابْن عمر مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَكيف لم ينْتَه بعض هَذَا عَن بعض أَرَأَيْت اذا جَازَ لَهُ أَن يروي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يرفع يَدَيْهِ فِي مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاث أَو عَن ابْن عمر فِيهِ اثْنَتَيْنِ وَيَأْخُذ بِوَاحِدَة أَو يجوز لغيره ترك الَّذِي أَخذ بِهِ وَأخذ الَّذِي ترك أَو يجوز لغيره ترك مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت لَهُ إِن صاحبنا قَالَ فَمَا معنى الرّفْع قَالَ مَعْنَاهُ تَعْظِيم الله وَاتِّبَاع لسنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمعنى الرّفْع فِي الأولى معنى الرّفْع الَّذِي خالفتم فِيهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد الرُّكُوع وَعند رفع الرَّأْس ثمَّ خالفتم فِيهِ روايتكم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَابْن عمر مَعًا ويروى ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة عشر رجلا ويروي عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم من غير وَجه وَمن تَركه فقد ترك السّنة

قلت وَهَذَا تَصْرِيح من الشَّافِعِي بَان تَارِك رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ تَارِك للسّنة وَنَصّ أَحْمد على ذَلِك أَيْضا فِي احدى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ

وَقَالَ الرّبيع سَأَلت الشَّافِعِي عَن الطّيب قبل الاحرام بِمَا يبْقى رِيحه بعد الاحرام أَو بعد رمي الْجَمْرَة والحلاق وَقبل الافاضة فَقَالَ جَائِز أحبه وَلَا أكرهه لثُبُوت السّنة فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ولإخبار غير وَاحِد من الصَّحَابَة فَقلت وَمَا حجتك فِيهِ فَذكر الْأَخْبَار والْآثَار ثمَّ قَالَ حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سَالم قَالَ قَالَ عمر من رمى الْجَمْرَة فقد حل لَهُ مَا حرم عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاء وَالطّيب قَالَ سَالم وَقَالَت عَائِشَة طيبت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِحلِّهِ قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَق أَن تتبع قَالَ الشَّافِعِي وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون الصالحون وَأهل الْعلم فَأَما مَا تذهبون إِلَيْهِ من ترك السّنة وَغَيرهَا وَترك ذَلِك الْغَيْر لرأي أنفسهم فالعلم اذا اليكم تأتون مِنْهُ مَا شِئْتُم وتدعون مَا شِئْتُم

وَقَالَ فِي كتاب الْقَدِيم رِوَايَة الزَّعْفَرَانِي فِي مَسْأَلَة بيع الْمَدِين فِي جَوَاب من قَالَ لَهُ

ص: 106

إِن بعض أَصْحَابك قَالَ خلاف هَذَا قَالَ الشَّافِعِي فَقلت لَهُ من تبع سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وافقته وَمن غلط فَتَركهَا خالفته صَاحِبي الَّذِي لَا أفارقه اللَّازِم الثَّابِت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِن بعد وَالَّذِي أفارقه من لم يقل بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِن قرب انْتهى كَلَام صَاحب أَعْلَام الموقعين

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي توالي التأسيس فِي معالي ابْن إِدْرِيس قد اشْتهر عَن شَافِعِيّ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي فرأت بِخَط تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ فِي مُصَنف لَهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا ملخصه اذا وجد الشَّافِعِي حَدِيثا صَحِيحا مُخَالفا لمذهبه ان كملت فِيهِ آلَة الِاجْتِهَاد فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة فليعمل بِالْحَدِيثِ بِشَرْط أَن لَا يكون الامام اطلع عَلَيْهِ وَأجَاب عَلَيْهِ وان لم تكمل وَوجد إِمَامًا من أَصْحَاب الْمذَاهب عمل بِهِ فَلهُ أَن يقلده فِيهِ وان لم يجد وَكَانَت الْمَسْأَلَة حَيْثُ لَا اجْتِمَاع قَالَ السُّبْكِيّ فَالْعَمَل بِالْحَدِيثِ أولى وان فرض الاجماع فَلَا

قلت ويتأكد ذَلِك اذا وجد الامام نَص الْمَسْأَلَة على خبر ظَنّه صَحِيحا وَتبين لَهُ أَنه غير صَحِيح وَوجد خَبرا صَحِيحا يُخَالِفهُ وَكَذَا اذا أطلع الامام عَلَيْهِ وَلكنه لم يثبت عِنْده مخالفه وَوجد لَهُ طَرِيقا ثَابتا وَقد أَكثر الشَّافِعِي تَعْلِيق القَوْل بالحكم على ثُبُوت الحَدِيث عِنْد أَهله كَمَا قَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ إِن صَحَّ الحَدِيث فِي غسل من غسل الْمَيِّت قلت بِهِ وَقَالَ فِي الْأُم إِن صَحَّ حَدِيث ضباعة فِي الِاشْتِرَاط قلت بِهِ إِلَى غير ذَلِك وَقد جمعت فِي ذَلِك كتابا سميته المنحة فِيمَا علق الشَّافِعِي القَوْل بِهِ على الصِّحَّة وَأَرْجُو الله تصيير تكملته إِن شَاءَ الله تَعَالَى انْتهى

قَالَ ابْن الْقيم فِي أَعْلَام الموقعين قَول الشَّافِعِي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي هَذَا صَرِيح

ص: 107

فِي مَدْلُوله وَإِن مذْهبه مَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث لَا قَول لَهُ غَيره وَلَا يجوز أَن ينْسب إِلَيْهِ مَا خَالف الحَدِيث فَيُقَال هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَلَا يحل الْإِفْتَاء بِمَا خَالف الحَدِيث على أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي وَلَا الحكم بِهِ صرح بذلك جمَاعَة من أَئِمَّة أَتْبَاعه حَتَّى كَانَ مِنْهُم من يَقُول للقارئ إِذا قَرَأَ عَلَيْهِ مَسْأَلَة من كَلَامه قد صَحَّ الحَدِيث بِخِلَافِهَا اضْرِب على هَذِه الْمَسْأَلَة فَلَيْسَتْ مذْهبه وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب قطعا لَو لم ينص عَلَيْهِ فَكيف إِذا نَص عَلَيْهِ وَأبْدى فِيهِ وَأعَاد وَصرح بِأَلْفَاظ كلهَا صَرِيحَة فِي مدلولها فَنحْن نشْهد بِاللَّه أَن مذْهبه وَقَوله الَّذِي لَا قَول لَهُ سواهُ مَا وَافق الحَدِيث دون مَا خَالفه وَمن نسب إِلَيْهِ خِلَافه فقد نسب إِلَيْهِ خلاف مذْهبه وَلَا سِيمَا إِذا ذكر هُوَ ذَلِك الحَدِيث وَأخْبر أَنه إِنَّمَا خَالفه لضعف فِي سَنَده أَو لعدم بُلُوغه لَهُ من وَجه يَثِق بِهِ ثمَّ ظهر للْحَدِيث سَنَد صَحِيح لَا مطْعن فِيهِ وَصَححهُ أَئِمَّة الحَدِيث من وُجُوه لم تبلغه فَهَذَا لَا يشك عَالم وَلَا يُمَارِي أَنه مذْهبه قطعا وَهَذَا كَمَسْأَلَة الجوائح فَإِنَّهُ علل حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِأَنَّهُ كَانَ رُبمَا ترك ذكر الجوائح وَقد صَحَّ الحَدِيث من غير طَرِيق سُفْيَان صِحَة لَا مرية فِيهَا وَلَا عِلّة وَلَا شُبْهَة بِوَجْه فمذهب الشَّافِعِي وضع الجوائح وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وَقد صرح بعض أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة بِأَن مذْهبه أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَأَن وَقت الْمغرب يَمْتَد إِلَى الشَّفق وَأَن من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه وَإِن أكل لُحُوم الْإِبِل ينْقض الْوضُوء وَهَذَا بِخِلَاف الْفطر بالحجامة وَصَلَاة الْمَأْمُوم قَاعِدا إِذا صلى الإِمَام كَذَلِك فَإِن الحَدِيث وَإِن صَحَّ فِي ذَلِك فَلَيْسَ بِمذهب لَهُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ وَعرف صِحَّته لَكِن خَالفه لاعْتِقَاده نسخه وَهَذَا شَيْء وَذَلِكَ شَيْء وَفِي هَذَا القسيم يَقع النّظر فِي النّسخ وَعَدَمه وَفِي الأول يَقع النّظر فِي صِحَة الحَدِيث وثقة السَّنَد فأعرفه انْتهى كَلَام ابْن الْقيم

قَالَ الْعِزّ بن عبد السلام فِي قَوَاعِده لَا طَاعَة لأحد من المخلوقين إِلَّا لمن أذن الله تَعَالَى فِي طَاعَته كالرسول صلى الله عليه وسلم وَالْعُلَمَاء وَالْأَئِمَّة والقضاة والولاة والآباء والأمهات والسادات والأزواج والمستأجرين فِي الْإِجَارَات على الْأَعْمَال والصناعات وَلَا طَاعَة لأحد فِي مَعْصِيّة الله عز وجل لما فِيهَا من الْمفْسدَة الموبقة فِي الدَّاريْنِ أَو فِي أَحدهمَا فَمن أَمر بِمَعْصِيَة فَلَا سمع وَلَا طَاعَة لَهُ إِلَّا أَن يكره إِنْسَان على أَمر الْإِكْرَاه فَلَا إِثْم على مطيعه وَقد تجب طَاعَته لَا لكَونه أمرا بل دفعا لمفسدة مَا تهدد بِهِ من قتل أَو قطع أَو جِنَايَة على بضع وَلَو أَمر الإِمَام أَو الْحَاكِم إنْسَانا بِمَا يعْتَقد الْآمِر حلّه والمأمور تَحْرِيمه فَهَل لَهُ فعله نظرا إِلَى رَأْي الْآمِر

ص: 108

أَو يمْتَنع فعله نظرا الى رَأْي الْمَأْمُور فِيهِ خلاف وَهَذَا مُخْتَصّ بِمَا لَا ينْقض حكم الْآمِر بِهِ فان كَانَ مِمَّا ينْقض حكمه فَلَا سمع وَلَا طَاعَة وَكَذَلِكَ لَا طَاعَة لجهلة الْمُلُوك والأمراء الا فِيمَا يعلم الْمَأْمُور أَنه مَأْذُون بِهِ فِي الشَّرْع وَتفرد الله تَعَالَى بِالطَّاعَةِ لاختصاصه عز وجل بنعم الانشاء والابقاء والتغذية وَالصَّلَاح الديني والدنيوي فَمَا من خير الا هُوَ جالبه وَمَا من ضرّ الا هُوَ سالبه وَلَيْسَ بعض الْعباد بِأَن يكون مُطَاعًا بِأولى من الْبَعْض إِذْ لَيْسَ لأحد مِنْهُم انعام بِشَيْء مِمَّا ذكرته فِي حق الاله سبحانه وتعالى وَلذَلِك لَا حكم الا لَهُ وَأَحْكَامه مستفادة من الْكتاب وَالسّنة والاجماع والاقيسة الصَّحِيحَة والاستدلالات الْمُعْتَبرَة فَلَيْسَ لأحد أَن يستحسن وَلَا أَن يسْتَعْمل مصلحَة مُرْسلَة وَلَا أَن يُقَلّد أحدا لم يُؤمر بتقليده كالمجتهد فِي تَقْلِيد الْمُجْتَهد أَو تَقْلِيد الصَّحَابَة وَفِي هَذِه الْمسَائِل اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء وَيرد على من خَالف ذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِن الحكم إِلَّا لله أَمر أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} وَيسْتَثْنى من ذَلِك الْعَامَّة فان وظيفتهم التَّقْلِيد لعجزهم عَن التَّوَصُّل الى معرفَة الاحكام بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَاف الْمُجْتَهد فانه قَادر على النّظر الْمُؤَدِّي الى الحكم وَمن قلد إِمَامًا من الْأَئِمَّة ثمَّ أَرَادَ تَقْلِيد غَيره فَهَل لَهُ ذَلِك فِيهِ خلاف وَالْمُخْتَار التَّفْصِيل فَإِن كَانَ الْمَذْهَب الَّذِي أَرَادَ الِانْتِقَال اليه مِمَّا ينْقض فِيهِ الحكم فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَال الى حكم يجب نقضه فَإِنَّهُ لم يجب نقضه الا لبطلانه فَإِن كَانَ المأخذان متقاربين جَازَ التَّقْلِيد والانتقال لِأَن النَّاس لم يزَالُوا من زمَان الصَّحَابَة الى أَن ظَهرت الْمذَاهب الْأَرْبَعَة يقلدون من اتّفق من الْعلمَاء من غير نَكِير من أحد يعْتَبر انكاره وَلَو كَانَ ذَلِك بَاطِلا لأنكروه وَكَذَلِكَ لَا يجب تَقْلِيد الْأَفْضَل وان كَانَ هُوَ الأولى لِأَنَّهُ لَو وَجب تَقْلِيده لما قلد النَّاس الْفَاضِل والمفضول فِي زمَان الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من غير نَكِير بل كَانُوا مسترسلين فِي تَقْلِيد الْفَاضِل وَالْأَفْضَل وَلم يكن الْأَفْضَل يَدْعُو الْكل الى تَقْلِيد نَفسه وَلَا الْمَفْضُول يمْنَع من سَأَلَهُ مَعَ وجود الْفَاضِل وَهَذَا مِمَّا لَا يرتاب فِيهِ عَاقل

وَمن الْعجب العجيب أَن الْفُقَهَاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مَذْهَب إِمَامه بِحَيْثُ لَا يجد لضَعْفه مدفعا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يقلده فِيهِ وَيتْرك من شهد الْكتاب وَالسّنة والاقيسة الصَّحِيحَة لمذهبه جمودا على تَقْلِيد امامه بل يتحيل لدفع ظواهر الْكتاب وَالسّنة ويتأولها بالتأويلات الْبَعِيدَة الْبَاطِنَة نضالا عَن مقلده وَقد رأيناهم يَجْتَمعُونَ فِي الْمجَالِس فاذا ذكر لأَحَدهم خلاف مَا وَطن نَفسه عَلَيْهِ تعجب فِيهِ غَايَة التَّعَجُّب من غير استرواح الى دَلِيل لما الفه من تَقْلِيد امامه حَتَّى ظن أَن الْحق منحصر فِي مَذْهَب امامه وَلَو تدبره لَكَانَ تعجبه من مَذْهَب الامام أولى من تعجبه من مَذْهَب غَيره والبحث مَعَ هَؤُلَاءِ ضائع مفض الى التقاطع والتدابر من غير فَائِدَة تجذبها وَمَا رَأَيْت أحدا رَجَعَ عَن مَذْهَب امامه اذا ظهر لَهُ الْحق فِي غَيره بل يصر عَلَيْهِ مَعَ علمه بضعفه وَبعده وَالْأولَى ترك الْبَحْث مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذين أذا عجز أحدهم عَن تمشية مَذْهَب امامه قَالَ لَعَلَّ امامي

ص: 109

وقف على دَلِيل لم اقف عَلَيْهِ وَلم أهتد اليه وَلَا يعلم الْمِسْكِين ان هَذَا مُقَابل بِمثلِهِ ويفضل لخصمه مَا ذكره من الدَّلِيل الْوَاضِح والبرهان اللائح فسبحان الله مَا أَكثر من أعمى التَّقْلِيد بَصَره حَتَّى حمله على مثل مَا ذكرته وفقنا الله تَعَالَى لاتباع الْحق ايْنَ مَا كَانَ وعَلى لِسَان من ظهر واين هَذَا من مناظرة السّلف ومشاورتهم فِي الاحكام ومسارعتهم إِلَى إتباع الْحق إِذا ظهر دَلِيل على لِسَان الْخصم وَقد نقل عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ مَا ناظرت أحدا إِلَّا قلت اللَّهُمَّ اجْرِ الْحق على قلبه وَلسَانه فان كَانَ الْحق معي اتبعني وان كَانَ الْحق مَعَه اتبعته انْتهى كَلَام الامام الْمُتَّفق على دينه وَعلمه الَّذِي قَالَ فِيهِ الامام ابْن عَرَفَة الْمَالِكِي لَا ينْعَقد للْمُسلمين اجماع بِدُونِ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام

وَقَالَ أَيْضا فِي قَوَاعِده وَلَو اجْتهد الْمُجْتَهد فِي حكم شَرْعِي ثمَّ بَان كذب ظَنّه فَإِن تبين ذَلِك بِظَنّ يُسَاوِيه أَو يتَرَجَّح عَلَيْهِ ادنى رُجْحَان فَإِن تعلق بِهِ حكم لم ينْتَقض حكمه وَبنى على اجْتِهَاده الثَّانِي فِيمَا عدا الاحكام المبنية على الِاجْتِهَاد الأول وَإِن تبَاعد المأخذان بِحَيْثُ تبعد إِصَابَته فِي الظَّن الأول نقض حكمه مثل أَن يكون اجْتِهَاده الأول مُخَالفا لنَصّ كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس جلي أَو للقواعد الْكُلية فانه ينْقض حكمه وَإِن لم يتَعَلَّق بِهِ حكم بنى على مَا أدّى اليه اجْتِهَاده ثَانِيًا إِلَّا أَن يَسْتَوِي الظنان فَيجب التَّوَقُّف على الْأَصَح انْتهى

وَقَالَ أَيْضا إِنِّي لَا أعتقد أَن أحدا من الْمُجْتَهدين انْفَرد بِالصَّوَابِ فِي كل مَا خُولِفَ فِيهِ أَكثر من خطاه بِالنِّسْبَةِ الى كل مَا خَالفه وَالشَّرْع ميزَان يُوزن بِهِ الرِّجَال والأقوال والأعمال والمعارف وَالْأَحْوَال فَمن رَجحه ميزَان الشَّرْع فَهُوَ أرجح وَلَا إِثْم على أحد من المخطئين إِذا قَامَ بِمَا أوجب الله عَلَيْهِ من الْمُبَالغَة فِي الِاجْتِهَاد وَفِي تَعْرِيف الاحكام لِأَنَّهُ أدّى مَا عَلَيْهِ فَمن أصَاب الْحق مِنْهُم أجر أَجْرَيْنِ أَحدهمَا على إجتهاده وَالثَّانِي على صَوَابه وَمن أَخطَأ بعد بذل الْجهد عُفيَ عَن خطأه وَأجر على قَصده على الصَّوَاب فِي مُقَدمَات اجْتِهَاده وَلَقَد أَفْلح من قَالَ بِمَا أَجمعُوا على وُجُوبه واجتنب مَا أَجمعُوا على تَحْرِيمه واستباح مَا أَجمعُوا على استباحته وَفعل مَا أَجمعُوا على اباحته واجتنب مَا اجْمَعُوا على كَرَاهَته وَمن أَخذ بِمَا اخْتلفُوا فِيهِ فَلهُ حالان أح على كَرَاهَته وَمن أَخذ بِمَا اخْتلفُوا فِيهِ فَلهُ حالان أَحدهمَا أَن يكون الْمُخْتَلف فِيهِ مِمَّا ينْقض الحكم بِهِ فَهَذَا لَا سَبِيل الى التَّقْلِيد فِيهِ لِأَنَّهُ خطأ مَحْض وَمَا حكم فِيهِ بِالنَّقْضِ الا لكَونه خطأ بَعيدا من نفس الشَّرْع وماخذه ورعاية حكمه الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون مِمَّا لَا ينْقض الحكم بِهِ فَلَا بَأْس بِفِعْلِهِ وَلَا بِتَرْكِهِ إِذا قلد فِيهِ بعض الْعلمَاء لِأَن النَّاس لم يزَالُوا على ذَلِك يسْأَلُون من اتّفق من غير تَقْيِيد وَلَا انكار على أحد من السَّائِلين الى أَن ظَهرت هَذِه الْمذَاهب ومتعصبوها من المقلدين فَإِن أحدهم يتبع امامه مَعَ بعد مذْهبه عَن الْأَدِلَّة مُقَلدًا لَهُ فِيمَا قَالَ كَأَنَّهُ نَبِي أرسل اليه وَهَذَا ناء عَن الْحق وبعيد عَن الصَّوَاب لَا يرضى بِهِ أحد من أولي

ص: 110

الْأَلْبَاب اللَّهُمَّ فارشدنا الى الْحق واهدنا الى الصَّوَاب انك أَنْت الْكَرِيم الْوَهَّاب

وعَلى الْجُمْلَة فالغالب على مجتهدي أهل الاسلام الصَّوَاب وهم متقاربون فِي مِقْدَار الْخَطَأ فَخَيرهمْ أقلهم خطأ ويليه الْمُتَوَسّط فِي الْخَطَأ ويليه أَكْثَرهم خطأ وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَأكْثر مَا يَقع الْخَطَأ من الْغَفْلَة عَن مُلَاحظَة بعض الْقَوَاعِد وملاحظة بعض الْأَركان والشرائط وملاحظة الْمعَارض ومطلوب الْكل التَّقَرُّب الى الله باصابة الْحق وَلَكِن

مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ

تجْرِي الرِّيَاح بِمَا لَا تشْتَهي السفن

وَقَالَ أَيْضا مُعظم النَّاس خاسرون وَأَقلهمْ رابحون فَمن أَرَادَ أَن ينظر فِي خسره وَربحه فليعرض نَفسه على الْكتاب وَالسّنة فَإِذا وافقهما فَهُوَ الرابح إِن صدق ظَنّه فِي موافقتهما وَإِن كذب ظَنّه فيا حسرة عَلَيْهِ وَقد أخبر الله تَعَالَى بخسارة الخاسرين وَربح الرابحين فأقسم بالعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا من جمع أَرْبَعَة أَوْصَاف أَحدهَا الْإِيمَان وَالثَّانِي الْعَمَل الصَّالح وَالثَّالِث التواصي بِالْحَقِّ وَالرَّابِع التواصي بِالصبرِ وَقد رُوِيَ أَن الصَّحَابَة كَانُوا إِذا اجْتَمعُوا لم يتفرقوا حَتَّى يَقْرَءُوهَا واجتماع هَذِه الْخِصَال فِي الْإِنْسَان عَزِيز نَادِر فِي هَذِه الزَّمَان وَكَيف يتَحَقَّق الْإِنْسَان أَنه جَامع لهَذِهِ الصِّفَات الَّتِي أقسم الله تَعَالَى بخسران من خرج عَنْهَا وَبعد مِنْهَا مَعَ علمه بقبح أَحْوَاله وَسُوء أَعماله وَكم من عَاص يظنّ أَنه مُطِيع وبعيد يظنّ أَنه قريب ومخالف يعْتَقد أَنه مُوَافق وَمن متهتك يعْتَقد أَنه متنسك وَمن مُدبر يعْتَقد أَنه مقبل وَمن هارب يعْتَقد أَنه طَالب وَمن جَاهِل يعْتَقد أَنه عَارِف وَمن آمن يعْتَقد أَنه خَائِف وَمن مراء يعْتَقد أَنه مخلص وَمن ضال يعْتَقد أَنه مهتد وَمن عَم يعْتَقد أَنه مبصر وَمن رَاغِب يعْتَقد أَنه زاهد كم من عمل يعْتَقد عَلَيْهِ الْمرَائِي وَهُوَ وبال عَلَيْهِ وَمن طَاعَة يهْلك بهَا المسمع وَهِي مَرْدُودَة إِلَيْهِ وَالشَّرْع ميزَان يُوزن بِهِ الرِّجَال وَبِه يتَبَيَّن الرِّبْح من الخسران فَمن رجح فِي ميزَان الشَّرْع كَانَ من أَوْلِيَاء الله وتختلف مَرَاتِب الرجحان فأعلاها مَرَاتِب الْأَنْبِيَاء فَمن دونهم وَلَا تزَال الرتب تتناقص إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى أقل مَرَاتِب الرجحان وَمن نقص فِي ميزَان الشَّرْع فَأُولَئِك أهل الخسران وتتفاوت خفتهم فِي الْمِيزَان فأخسها مرتبَة الْكفَّار وَلَا تزَال الْمَرَاتِب تتناقص حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى مرتبَة مرتكب أَصْغَر الصَّغَائِر فَإِذا رَأَيْت إنْسَانا يطير فِي الْهَوَاء أَو يمشي على المَاء أَو يخبر عَن المغيبات ثمَّ يُخَالف الشَّرْع بارتكاب الْمُحرمَات بِغَيْر سَبَب مُحَلل وَيتْرك الْوَاجِبَات بِغَيْر سَبَب مجوز فَاعْلَم أَنه شَيْطَان نَصبه الله فتْنَة للجهلة وَلَيْسَ ذَلِك بَعيدا من الْأَسْبَاب الَّتِي وَضعهَا الله تَعَالَى للضلال فَإِن الدَّجَّال يحيي وَيُمِيت فتْنَة لأهل الضلال وَكَذَلِكَ يَأْتِي الخزنة فتبثه كنوزها كيعاسيب النَّحْل وَكَذَلِكَ يظْهر للنَّاس أَن مَعَه جنَّة وَنَارًا وناره جنَّة وجنته نَار وَكَذَلِكَ من يَأْكُل الْحَيَّات وَيدخل النيرَان فَإِنَّهُ مرتكب لِلْحَرَامِ يَأْكُل

ص: 111

الْحَيَّات وفاتن للنَّاس بِدُخُول النَّار ليقتدوا بِهِ فِي ضلالته ويتابعوه على جهالته انْتهى كَلَام سُلْطَان الْعلمَاء

قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد حَيَاة وَنقل عَن شرح مُسلم أَن سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَوله الصَّحِيح أولى وَأفضل من قَول الْمُجْتَهد وَفِي شرح الْمُهَذّب للنووي إِذا ثَبت الحَدِيث على خلاف قَول الْمُقَلّد وفتشته فَلم تَجِد لَهُ مُعَارضا وَكَانَ المفتش لَهُ أَهْلِيَّة فَإِنَّهُ يتْرك قَول صَاحب الْمَذْهَب وَيَأْخُذ بِالْحَدِيثِ وَيكون حجَّة للمقلد فِي ترك مَذْهَب مقلده

وَفِي قوت الْقُلُوب وَمن محبَّة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم إِيثَار سنته على الرَّأْي والمعقول انْتهى

وَقَالَ الشعراني فِي الْمِيزَان فَإِن قلت فَمَا أصنع بالأحاديث الَّتِي صحت بعد موت إمامي وَلم يَأْخُذ بهَا فَالْجَوَاب يَنْبَغِي لَك أَن تعْمل بهَا فَإِن إمامك لَو ظفر بهَا وَصحت عِنْده لربما كَانَ أَمرك بهَا فَإِن الْأَئِمَّة كلهم أسرى فِي يَد الشَّرِيعَة وَمن فعل ذَلِك فقد حَاز الْخَيْر بكلتا يَدَيْهِ وَمن قَالَ لَا أعمل بِحَدِيث إِلَّا أَن أَخذ بِهِ إمامي فَاتَهُ خير كثير كَمَا عَلَيْهِ كثير من المقلدين لأئمة الْمذَاهب وَكَانَ الأولى لَهُم الْعَمَل بِكُل حَدِيث صَحَّ بعد إمَامهمْ تنفيذا لوَصِيَّة الْأَئِمَّة فَإِن اعتقادنا فيهم أَنهم لَو ظفروا بِتِلْكَ الْأَحَادِيث الَّتِي صحت بعدهمْ لأخذوا بهَا وَعمِلُوا بهَا وَيحْتَمل أَن الَّذِي أضَاف إِلَى الإِمَام أبي حنيفَة أَنه يقدم الْقيَاس على النَّص إِنَّمَا ظفروا بذلك فِي كَلَام مقلديه الَّذين يلتزمون الْعَمَل بِمَا وجدوه عَن إمَامهمْ من الْقيَاس ويتركون الحَدِيث الَّذِي صَحَّ بعد موت الإِمَام فالإمام مَعْذُور وَأَتْبَاعه غير معذورين وَقَوْلهمْ إِن إمَامهمْ لم يَأْخُذ بِهَذَا الحَدِيث لَا ينتهض حجَّة لاحْتِمَال أَنه لم يظفر بِهِ أَو ظفر بِهِ لكنه لم يَصح عِنْده وَقد تقدم أَن الْأَئِمَّة كلهم قَالُوا إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مَذْهَبنَا وَلَيْسَ لأحد قِيَاس وَلَا حجَّة إِلَّا طَاعَة الله تَعَالَى وَرَسُوله ص وَهَذَا الْأَمر الَّذِي ذَكرْنَاهُ يَقع فِيهِ كثير من النَّاس فَإِذا وجدوا عَن أَصْحَاب إِمَام مَسْأَلَة جعلوها مذهبا لذَلِك الإِمَام وَهُوَ تهور فَإِن مَذْهَب الإِمَام حَقِيقَة هُوَ مَا قَالَه وَلم يرجع عَنهُ إِلَى أَن مَاتَ لَا مَا فهم أَصْحَابه من كَلَامه فقد لَا يرى الإِمَام ذَلِك الْآمِر الَّذِي فهمه من كَلَامه وَلَا يَقُول بِهِ لَو عرض عَلَيْهِ فَعلم أَن من عزى إِلَى الإِمَام كل مَا فهم من كَلَامه فَهُوَ جَاهِل بِحَقِيقَة الْمذَاهب انْتهى

وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن يحيى الْمُزنِيّ فِي أول مُخْتَصره اختصرت هَذَا من علم الشَّافِعِي وَمن معنى قَوْله لأقربه على من أَرَادَهُ لإعلامه نَهْيه عَن تَقْلِيده وتقليد غَيره لينْظر فِيهِ لدينِهِ ويحتاط فِيهِ لنَفسِهِ انْتهى

ص: 112