المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إيديولوجيا العولمة: - ثقافة العولمة بوصفها خطابا متطرفا

[عبد الله العشي]

الفصل: ‌ ‌إيديولوجيا العولمة:

‌إيديولوجيا العولمة:

ص: 15

تعتمد العولمة على نوع من الوثنية المعاصرة، فهي تدعو إلى نوع من التعامل على أساس المصلحة (الاقتصادية والسياسية والعلمية) ، وعدم إيلاء القيم الخلقية والدينية أي اهتمام، لأن هذه القيم في اعتقادها تعيق التواصل الكوني كما تراه، كما تعيق تسويق مشروعها " الحضاري " ذلك أنها تسعى إلى هيمنة حضارية، أو إلى بناء حضارة واحدة يتبعها الجميع، وقد استقام لها ذلك عقب سقوط القطب الآخر الذي كان بمثابة الكابح لهذا الحمق. لذا فهي تعتمد إستراتيجية الإقصاء والإلغاء والتهميش، تلك الإستراتيجية التي انتقلت إليها من المركزية الغربية التي تنهج سياسة المركز في مواجهة الأطراف، والأغرب (ولعله لا غرابة في الأمر) . أن يصرح الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قائلا:" إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزاما مقدسا لتحويل العالم إلى صورتنا ". (1) ولعل أهم سلاح تستعمله للتغلب على قيم الأطراف هو إستراتيجية الاتهام بالإرهاب أولا، والمروق الدولي ثانيا، فكل منظومة سياسية أو ثقافية أو دينية تعد في مشروع العولمة إرهابا إلا إذا تمت إزالتها والتخلي عنها في المؤسسات السياسية

(1) عن مجلة البيان.

ص: 16

والتعليمية بل والدينية أيضا، لأنها تريد دينا بلا دين، وتستعمل من أجل إنجاح هذه الإستراتيجية كل الوسائل الضاغطة من البيانات السياسية المتهمة إلى الحصار الاقتصادي إلى الصواريخ العابرة للقارات، ولسنا ببعيدين عما حدث في عالمنا العربي والإسلامي.

وأكثر من هذا فإن ثقافة العولمة تسعى إلى تهميش المؤسسات الدولية أو تحويلها إلى مؤسسات تابعة تخدم مشروعها، وليست مؤسسات لكل الدول ومن أجل مصالح الدول كلها، لقد تحول الكل الآن وأصبح الجزء هو الكل وأصبحت الدولة الواحدة هي كل العالم، وما العالم إلا محافظات خاضعة لها، وهكذا تم التضييق على منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها وخصوصا مجلس الأمن الذي حولته أو على الأقل تسعى إلى تحويله إلى مؤسسة تابعة لها. في منطق العولمة والأجهزة التي تسيرها ينبغي أن يكون الكل تابعا، ولن يسمح بالخروج على الصف وإلا كان ذلك مروقا أو إرهابا أو نحو ذلك. " ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا - وبالدرجة الأولى - إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم"(1) من خلال ترسانة من الوسائل المختلفة.

(1) محمد عابد الجابري، مجلة فكر ونقد، موقع الجابري الإليكتروني.

ص: 17