الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العولمة في الخطاب العربي:
يكاد يجمع المفكرون العرب المعاصرون المتزنون بمذاهبهم المختلفة وتياراتهم المتعددة على صياغة خطاب سلبي ضد العولمة، حتى ولو ذهب بعضهم إلى ضرورة التفاعل معها تفاعلا إيجابيا، بمعنى الاستفادة من منجزاتها العلمية الهائلة، غير أن خطابهم يتضمن تحديد العولمة على أنها نوع من الاستعمار الجديد الذي يسعى إلى الهيمنة الشاملة على العالم كله وإخضاع البشرية كلها لنظام واحد في الفكر والسياسة والاقتصاد والفن وغيرها، يقول حسن حنفي:" العولمة هي أحد الأشكال المعروفة للهيمنة الغربية، ليس عن طريق الجيش والعسكر وليس فقط عن طريق الاقتصاد بل عن طريق السوق ". ويضيف: فالعولمة ليست فقط تغريب العالم، بمعنى أن ينتشر الغرب من المركز إلى المحيط إلى الأطراف، وليست فقط أمركة، لأن أمريكا هي التي تتصدر العالم الآن لكونها القطب الوحيد الموجود، ولكنها أخطر من ذلك فهي سيطرة اتجاه واحد، رأي واحد، فكر واحد، وكل دولة تتجرأ على أن تخرج من بيت الطاعة. . . . سيكون العدوان العسكري لها بالمرصاد ". (1)
(1) حسن حنفي من حوار له نشر في موقع قنطرة الإليكتروني.
ويقول هشام غصيب من وجهة نظر يسارية: " لكل عصر وثنه، ووثن عصرنا هو العولمة، والوثن ليس واقعا بقدر ما هو وهم إيديولوجي، وقفص فكري للجم الفعل والممارسة وتقييدهما.
ومن وجهة نظر علمانية يقول نصر حامد أبو زيد: لقد كشفت حرب الخليج الثانية أن القوتين السياسية والعسكرية هما الوسيلة التي ستحقق من خلالها هيمنة الحياة الأمريكية على العالم، إنها ليست قوة الحضارة باتصالها الحر المنظم مع الحضارات الأخرى وإنما هي القوة السياسية والعسكرية التي تفرض نوعا بعينه من أسلوب المعيشة والقيم الحضارية على الآخرين، ولا حاجة لتوضيح أن القوة السياسية والعسكرية قائمة على القوة الاقتصادية المتزايدة في إطار عملية العولمة ". (1)
ومن منظور إسلامي يقول محمد محفوظ: إن مشروع العولمة لا يمكن فصله بأي شكل من الأشكال عن المشروع الثقافي الغربي، إذ هو إحدى إستراتيجياته. . . . إن القيم التي تبثها وسائل ومؤسسات العولمة، والسلوكيات التي تعطى لها الأولوية، هي قيم وسلوكيات لا تنسجم والمعايير والقيم العليا التي تنادي بها الثقافة العربية والإسلامية ". (2)
(1) من مقال لنصر حامد أبو زيد منشور في موقع قنطرة الإليكتروني.
(2)
محمد محفوظ. الحضور والمثاقفة. المركز الثقافي العربي. بيروت الدار البيضاء. ط. 1. 2000. ص. 115.
ولعل أبرز المتحمسين للعولمة الكاتب اللبناني على حرب الذي يعد العولمة فتحا حضاريا، وينتقد بكثير من الحدة المتحفظين على خطابها. (1)
وسيكون من الصعب أن نستعرض بالتفصيل نصوصا لمفكرين آخرين، يكفي أن نقول: إن الخطاب العربي المعاصر الإسلامي والقومي واليساري، باستثناء بعض المفكرين العلمانيين، يقف ضد مشروع العولمة ويقدمها بوصفها مشروعا استعماريا هداما ينبغي الوعي بأهدافه في الهيمنة وإلغاء الهويات والخصوصيات الذاتية.
هذا الموقف العربي يؤكد أن العولمة تمارس عنفا واضحا ضد الثقافات، عنفا لا يدخل في الحوار الحضاري الذي كان شعار الخطاب العربي المعاصر، وما يزال خطابه.
(1) علي حرب، حديث النهايات، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، وينظر خصوصا نقده لمحمد عابد الجابري.