المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تأثيرات العولمة في المنطقة العربية: - ثقافة العولمة بوصفها خطابا متطرفا

[عبد الله العشي]

الفصل: ‌تأثيرات العولمة في المنطقة العربية:

‌تأثيرات العولمة في المنطقة العربية:

ومن المؤسف أن تكون مجتمعاتنا العربية من أوائل المجتمعات التي تنعكس عليها آثار العولمة، بحكم العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بينها وبين أوروبا والولايات المتحدة، وبحكم القرب الجغرافي، وربما العلاقات التاريخية أيضا، لقد بدأت ضغوط العولمة تؤثر في اقتصاديات المنطقة وثقافتها وسياستها، وأصبحت ملفات المشكلات المحلية والإقليمية في يد الولايات المتحدة، وأصبحت الحلول تصنع في مؤسسات العولمة عن طريق أجهزتها النافذة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية:(الجات) وغيرها. وأصبحت المبادرات الأمريكية لإيجاد حلول لمشكلاتنا القومية أو الوطنية تتداول في الصحافة العربية أكثر مما تتداول الحلول المحلية.

ص: 29

لكن أبرز الأخطار التي تواجهنا بها ثقافة العولمة هي ما يأتي: إن العولمة تنطلق من وضع الهويات بين قوسين، أو بعبارة أخرى وضع الهويات جانبا والدخول في حركية العالم بهوية دون هوية، أي إلغاء المرجعية الدينية والأخلاقية والقومية أو ما إلى ذلك، وباستدعاء كلمة الرئيس الأمريكي السابقة، سوف يكون البديل الفكري هو "القيم الأمريكية الصالحة لكل الشعوب"، إن العولمة تريد تجميع العالم على شيء واحد ولن يتم ذلك إلا بالبدء بإلغاء الهويات المحلية لأنها العائق أمام تحقق المشروع العولمي، ونحن لا نستطيع أن نكون نحن، عربا مسلمين إلا بهويتنا، ولن يكون الأمر سهلا أن نحافظ على هويتنا ونحن لا نملك وسائل الدفاع أو المحافظة عليها، الوسائل العلمية والسياسية والاقتصادية وغيرها. وقد تناول الجابري مسألة العلاقة بين الهوية الثقافية والعولمة حين كتب:

"لا تكتمل الهوية الثقافية، ولا تبرز خصوصيتها الحضارية، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية، على الأخذ والعطاء، إلا إذا تجسدت مرجعيتها في كيان مشخص تتطابق فيه ثلاثة عناصر: الوطن والأمة والدولة.

ص: 30

الوطن: بوصفه "الأرض والأموات"، أو الجغرافية والتاريخ وقد أصبحا كيانا روحيا واحدا، يعمر قلب كل مواطن. الجغرافيا وقد أصبحت معطى تاريخيا. والتاريخ وقد صار موقعا جغرافيا.

الأمة: بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة: وقوامها ذاكرة تاريخية وطموحات تعبر عنها الإرادة الجماعية التي يصنعها حب الوطن، أعني الوفاء ل "الأرض والأموات"، للتاريخ الذي ينجب، والأرض التي تستقبل وتحتضن.

الدولة: بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة، والجهاز الساهر على سلامتهما ووحدتهما وحماية مصالحهما، وتمثيلهما إزاء الدول الأخرى، في زمن السلم كما في زمن الحرب. ولا بد من التمييز هنا بين "الدولة" التي هي كيان مشخص ومجرد في الوقت نفسه، كيان يجسد وحدة الوطن والأمة، من جهة، وبين الحكومة أو النظام السياسي الذي يمارس السلطة ويتحدث باسمها من جهة أخرى. وواضح أننا نقصد هنا المعنى الأول.

وإذن، فكل مس بالوطن أو بالأمة أو بالدولة هو مس بالهوية الثقافية، والعكس صحيح أيضا: كل مس بالهوية الثقافية هو في الوقت نفسه مس بالوطن والأمة وتجسيدهما التاريخي: الدولة. (1)

(1) محمد عابد الجابري، فكر ونقد، العدد السادس من موقع الجابري الإليكتروني.

ص: 31

والعولمة تقوم أساسا على ضرب هذه العناصر الثلاثة، فليس في فلسفة العولمة مكان لمثل هذه المصطلحات في الفكر ولا في الواقع، فالعولمة تروج مقولة " أن الدولة القومية فقدت التأييد الرأسمالي لوجودها. . . وأصبحت عبئا على الاقتصاد الرأسمالي تسعى الرأسمالية إلى تفكيكه وإزالته " وهذا ما قاله الكاتب الياباني كينيشي أوهماي: إن مرحلة الدولة قد انتهت، فالدول اليوم أصبحت مجرد نسج من الخيال ". (1)

وهذا هو الواقع اليوم، لقد فقدت أنظمة العالم الثالث جزءا من سيادتها على دولها، بحكم التدخل السافر لمؤسسات النظام العالمي الجديد، وأصبح التعريف القانوني للدولة يفتقر إلى عنصر السيادة على كل الكيان المسمى دولة. فكيف يمكن التعامل مع هذه العولمة وما أفضل الطرق لمقاومة ليست معرضة للانكسار؟

(1) انظر عالم جامح. ص: 27.

ص: 32