الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليها، فقال أبو عثمان هذا الكتاب يشتمل على ثلثمائة حديث وكذا آية من كتاب الله ولست أرى أن أمكن منها ذميا غيرة على كتاب الله تعالى وحمية له،
غناء جارية ولحنها بين يدي الواثق
قال فاتفق أن غنت جارية بحضرة الواثق من شعر العرجي:
أظلوم إن مصابكم رجلاً
…
أهدى السلام تحيةً ظلمُ
فاختلف من بالحضرة في إعراب رجلا فمنهم من نصبه وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب فأمر الواثق بإشخاصه قال أبو عثمان فلما مثلت بين يديه قال ممن الرجل؟ قلت: من مازن يا أمير المؤمنين قال أي الموازن قلت من مازن ربيع فكلمني بكلام قومي وقال بااسمك لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما إذا كانت في أو الأسماء فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجه بالمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لما قصدته وأعجبه مني ذلك، ثم قال: ما تقول في قول الشاعر:
أظلوم إن مصابكم رجلا
…
أهدى السلام تحية ظلم
أترفع رجلا أم تنصبه فقلت الوجه النصب يا أمير المؤمنين قال ولم ذلك فقلت إن مصابكم مصدر بمعنى إصابتكم فأخذ الزيدي في معارضتي فقلت هو بمنزلة قولك: إن ضربك زيداً ظلم فالرجل مفعول مصابكم ومنصوب به والدليل عليه، أن الكلام متعلق إلى أن تقول ظلم فيتم فاستحسنه الواثق وأمر له بألف دينار. قال أبو العباس المبرد فلما عاد أبو عثمان إلى البصرة قال لي كيف رأيت رددنا لله مائة فعوضنا ألفاً.
ونقلت من درة الغواص أيضاً أن حامد بن العباس سأل علي بن عيسى في ديوان الوزارة ما دواء الخمار وكان قد علق به فأعرض عن كلامه وقال: ما أنا وهذه المسألة؟ فخجل حامد منه والتفت إلى قاضي القضاة أبي عمر فسأله عن ذلك فتنحنح لإصلاح صوته ثم قال: قال الله تعالى: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وقال النبي:" استعينوا على كل صنعة بصالح أهلها "، والأعشى وهو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية قال:
وكأس شربتُ على لذةٍ
…
وأخرى تداويتُ منها بها
ثم تلاه أبو نواس في الإسلام فقال:
دع عنك لومي فأن اللومَ إغراءُ
…
وداوني بالتي كانت هي الداءُ
فأسفر حينئذ وجه حامد وقال لابن عيسى ما ضرك يا بارد أن تجيب ببعض ما أجاب به مولانا قاضي القضاة؟ وقد استظهر في جواب المسألة بقول الله تعالى أولاً، ثم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ثانياً وأدى المعنى وخرج من العهدة فكان خجل ابن عيسى أكثر من خجل حامد لما ابتدأ بالمسألة، انتهى.
ويضارع هذه الحكاية في لين بعض القضاة المتقشفين وإذعانهم مع الزهد والتقشف للمستفتين، ما نقلته من درة الغواص للحريري أيضاً، قال: اجتمع قوم على شراب فتغنى مغنيهم بشعر حسان:
إن التي ناولتني فرددتُها
…
قُتِلتْ قتلتَ فهاتها لم تُقتلِ
كلتاهما حلب العصير فعاطني
…
بزجاجةٍ أرخاهما للمفصلِ
فقال بعضهم امرأتي طالق، إن لم أسأل الليلة عبيد الله بن الحسن القاضي عن علة هذا الشعر كيف قال إن التي فوحد
ثم قال كلتاهما فثنى فأشفقوا على صاحبهم وتركوا ما كانوا فيه ومضوا يتخبطون القبائل إلى بني شقرة فوجدوا عبيد الله بن الحسن يصلي فلما فرغ من صلاته قالوا له: قد جئناك في أمر دعتنا إليه الضرورة وشرحوا له الخبر وسألوه الجواب فقال مع زهده وتقشفه: إن التي ناولتني فرددتها عني بها الخمرة الممزوجة بالماء ثم قال كلتاهما حلب العصير يريد الخمرة المتحلبة من العنب والماء المتحلب من السحاب المكنى عنه بالمعصرات انتهى قال الحريري وقد بقي في الشعر ما يحتاج إلى تفسيره أما قوله إن التي ناولتني فرددتها قتلت قتلت فإنه خاطب به الساقي الذي ناوله كأساً ممزوجة لأنه يقال قتلت الخمرة إذا مزجتها فأراد أن يعلمه أنه فطن لما فعله ثم ما اقتنع بذلك منه حتى دعا عليه بالقتل في مقابلة المزج ثم إنه عقب الدعاء عليه بأن استعطى منه ما لم تقتل يعني الصرف التي لم تمزج وقوله أرخاهما للمفصل يعني به اللسان وسمي
مفصلاً فالكسر لأنه يفصل بين الحق والباطل قال الحريري وليس على ما اعتمده القاضي عبيد الله من الاستماح وخفض الجناح ما يقدح في نزاهته ويغض من نبله ونباهته والله أعلم.
ونقلت من درة الغواص أن عروة بن أذينة الشاعر وفد على هشام بن عبد الملك في جماعة من الشعراء فلما دخلوا عليه عرف عروة فقال له ألست القائل:
لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلقي
…
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إلهي فيعييني تطلبهُ
…
ولو قعدت أتاني لا يعنيني
وأراك قد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق فقال له يا أمير المؤمنين زادك الله بسطة في العلم والجسم ولا رد وافدك خائبا والله لقد بالغت في الوعظ وأذكرتني ما أنسانيه الدهر وخرج من فوره إلى راحلته فركبها وتوجه راجعا إلى الحجاز فلما كان في الليل ذكره هشام وهو في فراشه فقال رجل من قريش قال حكمة ووفد إلي فجبهته ورددته عن حاجته وهو مع ذلك
شاعر لا آمن ما يقول فلما أصبح سأل عنه فأخبر بانصرافه وقال: لا جرم ليعلم أن الرزق سيأتيه ثم دعا مولى له وأعطاه ألفي دينار وقال الحق بهذه ابن أذينة وأعطه إياها قال: فلم أدركه إلا وقد دخل بيته فقرعت الباب عليه فخرج إلي فأعطيته المال فقال أبلغ أمير المؤمنين قولي سعيت فأكديت ورجعت إلى بيتي فأتاني رزقي ويضارع هذه الحكاية ما حكي عن هدبة بن خالد رحمه الله تعالى قال حضرت مائدة المأمون فلما رفعت المائدة جعلت ألتقط ما في الأرض فنظر إلّي المأمون فقال أما شبعت يا شيخ قلت بلى يا أمير المؤمنين ولكن حدثني حماد بن سلمة عن ثابت بن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من التقط ما تحت مائدته أمن من الفقر فنظر المأمون إلى خادم واقف بين يديه فأشار إليه فما شعرت أن جاءني ومعه منديل فيه ألف دينار فناولني إياه فقلت يا أمير المؤمنين وهذا من ذاك انتهى.
ومن لطائف ما جنيت
من ثمرات الأوراق أن رجلا من الحذاق كان يكتب كتاباً وإلى جانبه آخر فانتهى في كتابه إلى اسم عمرو فكتبه بغير واو فقال يا مولانا زدها واواً للفرق بينها وبين عمر فقال: والله لقد تفضل مولانا بزيادة الواو بمعنى تفوضل قلت وبعضهم يرى أن الواو تزاد بعد لا النافية في الجواب إذا قيل هل فعلت كذا وكذ فيقول لا وعافاك الله.
قال أبو الفرج بن الجوزي: روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل عربي أكان كذا وكذا فقال: لا أطال الله بقاءك فقال الإمام عمر رضي الله عنه: قد عُلمتم فلم تتعلموا هلا قلت: لا وعافاك الله.
وحكي عن الصاحب بن عباد أنه قال هذه الواو هنا أحسن من واوات الأصداغ في وجنات الملاح. قلت وهذه الواو أعني واو عمرو نظم فيها الشعراء كثيرا منهم أبو نواس قال يهجو أشجع السلمي.
قل لمن يدعي سُليمى سفاهاً
…
لست منها ولا قلامة ظفر
إنما أنت من سليمى كواوٍ
…
ألحقت في الهجاء ظلماً بعمرو
وقال أبو سعيد الرسمي وأجاد:
أفي الحق أن يُعطى ثلاثون شاعراً
…
ويحرم ما دون الرضا شاعرٌ مثلي
كما سامحوا عمراً بواوٍ مزيدةٍ
…
وضويق بسم الله في ألف الوصل
ومن لطائف المجتنى ما نقل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قيل إنه قال يوما للقاضي الفاضل لنا مدة لم نر فيها العماد الكاتب فلعله ضعيف، أمض إليه وتفقد أحواله فلما دخل الفاضل إلى دار العماد وجد أشياء أنكرها في نفسه مثل آثار مجالس أنس ورائحة خمر وآلات طرب فأنشد:
ما ناصحتك خبايا الود من رجلٍ
…
ما لم ينلك بمكروهٍ من العذل
محبتي فيك تأبى عن مسامحتي
…
بأن أراك على شيءٍ من الزلل
فلما قام من عنده نزع العماد عما كان فيه وأقلع ولم يعد إلى شيء من ذلك البتة.
ومن اللطائف ما نقل عن الملك الظاهر رحمه الله تعالى، قيل إنه لما استعرض الأمير بدر الدين بيلبك الخازندار ليشتريه قال له أنا حر يا مولانا السلطان وأحسن الكتابة فأحضرت له دواة فكتب يقول:
لولا الضرورةُ ما فارقتكم أبداً
…
ولا تنقلت من ناس إلى ناس
فأعجبه الاستشهاد بهذا البيت ورغبه ذلك في مشتراه ويضارعه ما حكي عن الصاحب كمال الدين ابن العديم قيل إن إنسانا رفع قصة إلى الصاحب المشار إليه فأعجبه خطها فأمسكها وقال لرافعها هذا خطك قال لا ولكن
حضرت إلى باب مولانا فوجدت بعض مماليكه فكتبها إلي فقال عليَّ به فلما حضر وجده مملوكه فقال هذا خطك قال نعم قال فهذه طريقتي من هو الذي أظهرك عليها فقال يا مولانا كنت إذا وقعت لأحد على قصة أخذتها منه وسألته المهلة حتى أكتب عليها سطرين أو ثلاثة فأمره أن يكتب بين يديه ليراه فكتب:
وما تنفع الآدابُ والعلمُ والحجى
…
وصاحبُها عند الكمال يموت
فكان إعجاب الصاحب الاستشهاد أكثر من الخط ورفع منزلته بعد ذلك وأذكرني اتفاق التورية في الكمال هنا ما حكي عن القاضي فخر الدين لقمان والقاضي تاج الدين أحمد بن الأمير رحمهما الله أنهما كانا صحبة السلطان على تل العجول ولفخر الدين مملوك اسمه الطنبا فاتفق أنه طلب مملوكه المذكور وناداه يا طنبا فقال: له نعم ولم يأته وكانت ليلة ممطرة مظلمة فأخرج فخر الدين ابن لقمان رأسه من الخيمة فقال تقول نعم ولم أرك فقال القاضي تاج الدين:
في ليلة من جمادى ذاتِ أنديةٍ
…
لا يبصرُ الكلبُ في أرجائها الطنبا
ومن اتفاق التورية أيضاً ما كتبه الشيخ شرف الدين بن عبد العزيز الأنصاري شيخ شيوخ حماة ملغزا في باب إلى والده:
ما واقفٌ في المخرج
…
يذهب طوراً ويجي
لست أخاف شره
…
ما لم يكن بمرتج
فكتب إليه والده في الجواب ذهاب وإياب وخوف وشر هذا باب خصومة والسلام.
قيل إن الصاحب جمال الدين بن مطروح كتب لبعض الرؤساء رقعة إلى صديق له يشفع فيها عنده. فكتب ذلك الرئيس هذا الأمر عليَّ فيه مشقة فكتب ابن مطروح في جوابه، لولا المشقة. فلما وقف عليها فهم الإشارة إلى قول المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهمُ
…
ألجودُ يفقر والإقدام قتَّالُ
وقضى الشغل على الفور انتهى.
قيل إن يوسف الصديق عليه السلام كتب على باب السجن لما خرج منه، هذا قبر الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء. وقال الشاعر:
دعوة الإخاء على الرخاءِ كثيرةٌ
…
بل في الشدائد تعرفُ الإخوانِ
والله در يزيد بن المهلب من ذي مروءة وسخاء وتصديق أهل فإن كان في سجن الحجاج يعذب فدخل عليه يزيد بن الحكم وقد حل عليه نجم وكانت نجومه في كل اسبوع ستة عشر الف درهم فقال له:
أصبح في قيدك السماحة وال
…
جودُ وفضلُ السلاح والحسبُ
لا تضجرن إن تتابعت نقمٌ
…
وصارفٌ في البلاء محتسبُ