المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتوى أبي حنيفة - ثمرات الأوراق في المحاضرات - جـ ١

[الحموي، ابن حجة]

الفصل: ‌فتوى أبي حنيفة

دفنت مالك تحت الشجرة فنسيت فتذكره إذا رأيت الشجرة فمضى الرجل مسرعا فقال إياس للرجل المدعى عليه اقعد حتى يرجع خصمك فجلس وإياس يقضي بين الناس ونظر إليه بعد ذلك ثم قال له يا هذا أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكرها قال لا فقال له والله يا عدو الله أنك لخائن فقال أقلني أقالك الله يا أمير المؤمنين فأمر من يحتفظ به حتى جاء الرجل فقال إياس قد أقر بحقك فخذه.

ومن لطائف المنقول من كتاب الأذكياء أن

‌يحيى بن أكثم القاضي

ولِّي القضاء بالبصرة وسنه عشرون سنة فاستصغره أهل البصرة فقال أحدكم كم سن القاضي فعلم يحيى أ، هـ استصغره فقال أنا أكبر من عتاب بن أسيد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل مكة يوم الفتح وأنا أكبر من معاذ بن جبل حين وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل اليمن وأنا أكبر من كعب بن سور حين ولاه عمر بن الخطاب قاضيا على أهل البصرة قال فعظم في أعين أهل البصرة وهابوه.

‌فتوى أبي حنيفة

ومن المنقول من كتاب الأذكياء أن بعض اللصوص دخل بيتا ومعه جماعة تحت أمره ونهيه في القتل والسرقة فظفروا بصاحب البيت وأوقفوه للقتل فتدخل عليهم في إبقاء مهجته وأخذ ما في البيت بكماله فقال كبيرهم حلفوه بالطلاق الثلاث وعلى المصحف أنه لا يعلم بهم أحدا فاصبح الرجل يرى اللصوص يبيعون متاعه ولا

ص: 146

يقدر أن يتكلم لأجل اليمين فجاء إلى أبي حنيفة وأعلمه بحاله فقال له احضر أكابر حيك وأدين جيرانك وإمام جماعتك فلما حضروا قال لهم أبو حنيفة هل تحبون أن يرد الله على هذا الرجل متاعه قالوا نعم فقال اجمعوا داعريكم فادخلوهم الجامع ثم أخرجوهم واحدا واحدا وكلما خرج منهم واحد قولوا هذا لصك فإن كان ليس بلصه قال لا وإن كان لصه فليسكت فإذا سكت فاقبضوا عليه ففعلوا ذلك فرد الله عليه ما سرق له.

ومنه أن الربيع صاحب المنصور كان يعادي أبا حنيفة فحضر يوما عند أمير المؤمنين فقال الربيع يا أمير المؤمنين إن أبا حنيفة يخالف جدك ابن عباس وكان جدك يقول إذا حلف الرجل على شيء ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو بيومين كان ذلك جائزا وأبو حنيفة لا يجوز ذلك إلا متصلا باليمين فقال أبو حنيفة يا أمير المؤمنين إن الربيع يزعم أن ليس لك في رقاب جندك عهد قال كيف ذلك قال يحلفون لك ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم فضحك المنصور وقال يا ربيع لا تتعرض لأبي حنيفة.

ومنه أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه قال دخلت البادية فاحتجت إلى الماء فجاءني أعرابي ومعه قربة ملآنة فآبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم فدفعتها له ثم أخذت القربة فقلت ما رأيك يا أعرابي في السويق فقال هات فأعطيته سويقا ملتوتا بزيت فجعل يأكل حتى أمتلأ ثم عطش فقال علّي بشربة فقلت بخمسة دراهم

ص: 147

على قدح من ماء فاسترددت الخمسة وبقي الماء.

ومنه أنه استودع رجل بالكوفة رجلا مالا وحج ورجع فطلبه فجحده وجعل يحلف له فانطلق الرجل إلى أبي حنيفة فخلا به وأخبره بذلك فقال له الإمام لا تكلم أحدا بجحوده وكان الرجل يجالس أبا حنيفة فقال له وقد خلا لهم المكان إن هؤلاء بعثوا يستشيرونني في رجل يصلح للقضاء وقد اخترتك فأنصرف من عند الإمام فجاء صاحب الوديعة فقال له الإمام أرجع إلى صاحبك وذكره لاحتمال أن يكون ناسيا فذهب إليه وسأله فلم يحتج معه إلى علامة بل دفع إليه متاعه وتوجه بعد ذلك إلى أبي حنيفة فقال له أبو حنيفة إني نظرت في أمرك فأردت أن أرفع قدرك ولا أسميك حتى يحضر ما هو أنفس من هذا.

ومنه أنه كان بجوار أبي حنيفة شاب يغشى مجلسه فقال له يوما من الأيام يا إمام أريد التزويج إلى فلانة من أهل الكوفة وقد خطبتها من وليها فطلب مني من المهر فوق وسعي وطاقتي فقال أبو حنيفة: فاستخر الله تعالى وأعطهم ما طلبوه فلما عقدوا النكاح جاء إلى أبي حنيفة فقال إني سألتهم أن يأخذوا مني البعض ويدعوا البعض عند الدخول فأبوا فما ترى قال احتل واقترض حتى تدخل بأهلك فإن الأمر يكون أسهل عليك من تعقيدهم ففعل ذلك فلما زفت إليه دخل بها قال له أبو حنيفة ما عليك أن تظهر الخروج بأهلك عن هذا البلد إلى موضع بعيد فاكترى الرجل جملين وأحضر آلة السفر وما يحتاج إليه وأظهر أنه يريد

ص: 148

الخروج من البلد في طلب المعاش وأن يصحب أهله معه فأشتد ذلك على أهل المرأة وجاءوا إلى أبي حنيفة يستشيرونه فقال لهم أبو حنيفة له أن يخرجها إلى حيث شاء فقالوا لم نصبر على ذلك فقال أرضوه بأن تردوا عليه ما أخذتم منه فأجابوه إلى ذلك فقال أبو حنيفة للفتى إن القوم قد سمعوا وأجابوا إلى أن يردوا عليك ما أخذوا منك من المهر ويبروك فقال الفتى لا بد من زيادة آخذها منهم فقال أبو حنيفة أيما أحب إليك أن ترضى بما بذلوا لك وإلا أقرت المرأة لرجل بدين عليها ولا يمكنك حملها ولا السفر بها حتى يقضى ما عليها من الدين قال فقال الفتى الله الله يا إمام لا يسمع أحد منهم بذلك ثم أجاب وأخذ ما بذلوه من المهر.

ومنه أن رجلا جاء إلى أبي حنيفة وقال يا إمام دفنت مالا مدة طويلة ونسيت الموضع الذي دفنته فيه فقال الإمام ليس في هذا فقه فأحتال لك ولكن أذهب فصل الليلة إلى الغداة فإنك ستذكره إن شاء الله تعالى ففعل. فلم يمض إلا أقلب من ربع الليل حتى ذكر الموضع الذي دفن فيه فجاء إلى أبي حنيفة فأخبره فقال قد علمت أن الشيطان لا يدعك تصلي الليل كله فهلا أتممت ليلتك كلها شكراً لله.

ومنه أن بعضهم كانت له زوجة جميلة وكان يحبها حباً شديداً وتبغضه بغضاً شديداً ولم تزل المنافرة بينهما البتة وأضجره ذلك وطالت مدة تجرؤها عليه في الكلام فقال لها يوما أنت طالق ثلاث بتاتاً إن خاطبتني بشيء ولم أخاطبك بشيء مثله فقالت له في الحال أنت طالق ثلاثاً بتاتاً فابلس

ص: 149