الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(عَطفُ البيانِ)
عطفُ البيانِ هو تابعٌ جامدٌ، يُشبهُ النّعتَ في كونه يكشفُ عن المراد كما يكشفُ النّعتُ. ويُنزّلُ من المتبوع مَنزلةَ الكلمةِ الموضّحة لكلمةٍ غريبةٍ قبلها، كقول الراجز "أقسمَ باللهِ أبو حَفصٍ عُمَر".
(فعمر عطف بيان على "أبو حفص"، ذُكر لتوضيحه والكشف عن المراد به، وهو تفسير له وبيان، وأراد به سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه .
وفائدته إيضاحُ متبوعهِ، إن كان المتبوعُ معرفةً، كالمثال السابق، وتخصيصه إن كان نكرةً، نحو "اشتريتُ حُلِيّاً سِواراً". ومنه قولهُ تعالى "أو كفّارةٌ طَعامُ مَساكينَ".
ويجبُ أن يُطابقَ متبوعَهُ في الإعرابِ والإفرادِ والتّثنيةِ والجمع والتّذكير والتأنيث والتعريفِ والتنكير.
ومن عطفِ البيان ما يقعُ بعد "أَيْ وأنْ" التّفسيريتينِ. غيرَ أنَّ "أَيْ" تُفسّرُ بها المُفرداتُ والجُمَلُ، و"أَنْ" لا يفسَّر بها إلا الجُمل المشتملةُ على معنى القول دونَ أحرفهِ. تقول "رأيتُ ليثاً، أي أَسداً" و"أشرتُ إليهِ، أي اذهبْ". وتقولُ "كتبتُ إليهِ، أنْ عَجَّلْ بالحضور.
وإذا تضمّنتْ "إذا" معنى "أي" التفسيريَّةِ، كانت حرفَ تفسيرٍ مثلها،
نحو "تقولُ امتطيتُ الفرسَ إذا ركبتَه". وسيأتي لهذا البحث فضلُ بيانٍ في باب الحروف.
أَحكامٌ تَتَعَلَّقُ بِعَطْفِ البَيَان
1-
يجبُ أن يكون عطفُ البيان أوضح من متبوعهِ وأشهر، وإلا فهو بدلٌ نحو "جاءَ هذا الرجل"، فالرجلُ. بدلٌ من اسم الإشارة، وليس عطفَ بيان، لأنَّ اسمَ الإشارةِ أوضح من المعرَّف بأل. وأجازَ بعضُ النّحويين أن يكونَ عطفَ بيان، لأنهم لا يشترطون فيه أن يكون أوضعَ من المتبوع. وما هو بالرأي السديد، لأنه إنما يُؤتى به للبيان والمبيِّنُ يجبُ أن يكونَ أوضحَ من المُبيَّن.
2-
الفرقُ بين البدلِ وعطف البيان أنَّ البدلَ يكونُ هو المقصودَ بالحكم دُون المُبدلِ منه. وأمّا عطفُ البيان فليس هو المقصودَ، بل إنَّ المقصود بالحُكم هو المتبوعُ، وإنما جيءَ بالتابع (أي عطف البيان) تَوضيحاً له وكشفاً عن المراد منه.
3-
كلُّ ما جازَ أن يكونَ عَطفَ بيانٍ جازَ أن يكونَ بدلَ الكلِّ من الكلِّ، إذا لم يُمكن الاستغناءُ عنه أو عن متبوعهِ، فيجبُ حينئذٍ أن يكون عطفَ بيان. فمثالُ عدمِ جواز الاستغناء عن التابع قولكَ "فاطمةُ جاء حسينٌ أخوها"، لأنكَ لو حذفتَ "أخوها" من الكلام لفسد التركيبُ. ومثالُ عدَم جواز الاستغناءِ عن المتبوعِ قولُ الشاعر [من الوافر]
أَنا بانُ التَّارِكِ الْبَكْرِيِّ بِشْرٍ
…
عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ وقُوعا
فبشر عطفُ بيانٍ على "البكري"، لا بدلٌ منه، لأنكَ لو حذفت
المتبوعَ، وهو "البكري" لوجب أن تضيفَ "التّارك" إلى "بشر"، وهو ممتنعٌ، لأنّ إضافةَ ما فيه "ألْ" إذا كان ليس مُثنى أو مجموعاً جمعَ مذكرٍ سالماً، إلى ما كان مُجرَّداً عنها غيرُ جائزة، كما علمتَ في مبحث الإضافة.
ومن ذلك قول الآخر [من الطويل]
أَيا أَخَوَيْنا، عَبْدَ شَمْسٍ ونَوْفَلاً
…
أُعِيذُ كُما بِاللهِ أَنْ تُحْدِثا حَربا
فعبدَ شمس معطوفٌ على "أخوينا" عطفَ بيان، و"نوفلاً" معطوف بالواو على "عبد شمس"، فهو مثله عطف بيان. ولا تجوزُ البدليَّةُ هنا، لأنه لا يُستغنى عن المتبوع، إذ لا يصحُّ أن يقال "أيا عبدَ شمسٍ ونوفلاً"، بل يجبُ أن يقال "ونوفلُ" بالنباءِ على الضم، لأن المنادى إذا عُطف عليه اسمٌ مُجرَّد من "ألْ" والإضافة، وجبَ بناؤه، لأنك إن ناديتَهُ كان كذلك، نحو "يا نوفلُ". كما عرفتَ ذلك في مبحث "أحكام توابع المنادى".
ومن ذلكَ أن تقول "يا زيدُ الحارث". فالحارث عطفُ بيان على "زيد". ولا يجوز أن يكون بدلاً منه، لأنك لو حذفتَ المتبوع، وأحللتَ التابعَ محلَّهُ، لقلتَ "يا الحارثُ". وذلك لا يجوز، لأنَّ "يا" و"أل" لا يجتمعان إلا في لفظ الجلالة.
4-
يكونُ عطفُ البيان جملةً، كقوله تعالى {فَوَسوسَ إليه الشيطانُ