الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من رفعٍ أو نصبٍ أو خفض أو جزم.
وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه مُفصلاً في أَوائل الجزء الأول من هذا الكتاب.
(عمل المصدر والصفات التي تُشْبِهُ الفِعْل)
وهذا الفصل يشتملُ على خمسة مباحث
1- عَمَلُ الْمَصْدَرِ وَاسمِ الْمَصْدَرِ
يعملُ المصدرُ عَمَلَ فعلهِ تَعدِّياً ولزوماً.
فإن كان فعلهُ لازماً، احتاجَ إلى الفاعلِ فقط، نحو "يُعجبُني اجتهادُ سعيدٍ".
وإن كان مُتعدِّياً احتاجَ إلى فاعلٍ ومفعولٍ بهِ. فهو يتعدَّى إلى ما يتعدَّى إليه فعلُه، إمّا بنفسهِ، نحو "ساءَني عصيانُك أباكَ"، وإمّا بحرف الجرِّ، نحو "ساءَني مُرورُكَ بمواضعِ الشُّبهةِ". واعلم أن المصدرَ لا يعملُ عملَ الفعلِ لشبههِ به، بل لأنهُ أَصلُهُ.
ويجوزُ حذفُ فاعلهِ من غيرِ أن يتحمّلَ ضميرَهُ، نحو "سرَّني تكريم
العاملينَ". ولا يجوزُ ذلكَ في الفعل، لأنهُ إن لم يَبرُز فاعلُهُ كان ضميراً مستتراً، كما تقدَّم في باب الفاعل.
ويجوزُ حذفُ مفعوله، كقوله تعالى {وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلا عن موعِدةٍ وَعدَها إياهُ} ، أَي استغفار إبراهيمَ رَبّهُ لأبيه.
وهو يعملُ عملَ فعلهِ مضافاً، أو مجرَّداً من "أَلْ" والإضافةِ، أو مُعرَّفاً بأل، فالأولُ كقوله تعالى {ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضِ} . والثاني كقوله عز وجل {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسبغةٍ يَتيماً ذا مقربةٍ أو مِسكيناً ذا مَترَبَةٍ} . والثالثُ إِعمالُه قليلٌ، كقولِ الشاعر [من الطويل]
لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغيرَةِ أَنَّني
…
كَرَرْتُ، فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعا
وَشُرِط لإعمال المصدر أن يكون نائباً عن فعلهِ، نحو "ضرباً اللصَّ"، أو أن يصحَّ حُلولُ الفعل مصحوباً بأنْ أو "ما" المصدريتين مَحلَّهُ. فإذا قلتَ "سرَّني فَهمُكَ الدَّرسَ"، صحَّ أن تقول "سرَّني أن تفهمَ الدرسَ". وإذا قلتَ "يَسرُّني عملُكَ الخيرَ"، صحَّ أن تقول "يَسُرُّني أن تعملَ الخيرَ". وإذا قلتَ "يُعجبُني قولكَ الحقَّ الآن"، صحَّ أن تقولَ "يعجبني ما تقولُ الحقَّ الآن". غيرَ أنهُ إذا أُريدَ به المُضيُّ أو الاستقبالُ قُدِّرَ بأنْ، وإذا أريدَ به الحالُ قُدِّرَ بِمَا، كما رأيتَ.
لذلك لا يعملُ المصدرُ المؤكّدُ، ولا المُبيّنُ للنوع، ولا المُصغّرُ، ولا ما لم يُرَدْ به الحَدَثُ. فلا يُقالُ "علَّمتُهُ تعليماً المسألةَ"، على أنَّ "المسألة منصوبةٌ بتعليماً" بل بعلَّمتُ، ولا "ضربتُ ضربةً وضربتينِ اللصَّ"، على نصب اللص بضربة أوضربتينِ، بل بضربتُ، ولا "يُعجبني ضُرَيْبكَ اللصَّ"، ولا "لسعيدٍ صَوْتٌ صوْتَ حَمامٍ"، على نصب "صوت" الثاني بصوت الأول بل يفعل محذوف، أو يُصَوتُ صوتَ حمام، أي يُصَوِّتُ تصويتَهُ. ويجوز أن يكونَ مفعولاً به لفعلٍ محذوف، أي يُشبهُ صوتَ حمامٍ.
ولا يجوز تقديمُ معمولِ المصدر عليه، إلا إذا كانَ المصدرُ بدلاً من فعلهِ نائباً عنه، نحو "عملَكَ إتقاناً"، أو كان معمولهُ ظرفاً أو مجروراً بالحرف، كقوله تعالى {فلمّا بلغَ معهُ السَّعيَ} ، وقولهِ {ولا تأخذكم به رأفةٌ} .
ويُشترطُ في إعمالهِ أن لا يُنعتَ قبلَ تمامِ عملهِ، فلا يُقالُ "سرَّني إكرامُكَ العظيمُ خالداً"، بل يجبُ تأخيرُ النَّعتِ، فتقولُ "سرَّني إكرامُكَ خالداً العظيمُ"، كما قال الشاعر [من الخفيف]
إنَّ وَجْدي بِكِ الشَّديدَ أَراني
…
عاذراً مَنْ عَهِدْتُ فيكِ عَذولاً
وإذا أُضيفَ المصدرُ إلى فاعله جَرَّهُ لفظاً، وكان مرفوعاً حكماً (أي في محلِّ رَفعٍ) ، ثمَّ يَنصبُ المفعولَ به، نحو "سرَّني فهمُ زُهيرٍ الدرسَ".
وإذا أُضيفَ إلى مفعولهِ جَرَّهُ لفظاً، وكان منصوباً حُكماً (أي في محلِّ نصبٍ) ، ثم يَرفعُ الفاعلَ، نحو "سرَّني فَهمُ الدرسِ زُهيرٌ".
وإذا لحقَ الفاعلَ المضافَ إلى المصدرِ، أو المفعولَ المضافَ إليهِ، أحدُ التوابعِ جازَ في التابعِ الجرُّ مراعاةً للَّفظِ، والرفعُ أو النصبُ مراعاةً للمحلِ، فتقولُ في تابعِ الفاعلِ "سَرَّني اجتهادُ زُهيرٍ الصغيرِ، أو الصغيرُ" و"ساءَني إهمالُ سعيدٍ وخالدٍ، أو خالدٌ". وتقولُ في تابعِ المفعول "يُعجبُني إكرامُ الأستاذِ المُخلصِ، أو المُخلصَ، تلاميذُهُ" و"ساءَني ضرب خالد وسعيدٍ، أو وسعيداً، خليلٌ".
والمصدرُ الميميُّ كغير الميميّ، في كونهِ يعملُ عملَ فعلهِ، نحو مُحتمَلُك المصائبَ خيرٌ من مَركبِكَ الجَزَعَ". ومنه قول الشاعر [من الكامل]
أَظَلومُ، إنَّ مَصابَكُمْ رَجُلاً
…
أَهدَى السَّلامَ تَحِيَّةً، ظُلْمُ!
واسمُ المصدرِ يعملُ عملَ المصدرِ الذي هو بمعناهُ، وبِشروطهِ، غيرَ أنّ عملَهُ قليلٌ، ومنه قولُ الشاعر [من الوافر]
أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي
…
وَبَعْدَ عَطائِكَ الْمِئَةَ الرِّتاعا