المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العلم بوجود الصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة - آل رسول الله وأولياؤه

[محمد بن عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌أولياء محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌عقائد الصحابة والقرابةوموقف أهل السنة والشيعة منها

- ‌عقائد الصحابة رضي الله عنهم

- ‌عقائد أئمة أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌التوحيد - أقسامه الثلاثة

- ‌مذهب السلف في توحيد الأسماء والصفات

- ‌وفي القرآن

- ‌وفي الرؤية

- ‌ في عامة أصولهم التي فارقوا فيهاأهل السنة والجماعة

- ‌متأخرو الرافضة أشبهوا النصارى في الشرك

- ‌القدرالإيمان به، ومذهب أهل السنة وأهل البيت الشامل فيه

- ‌اختلاف الشيعة في القدر

- ‌اختلاف القدرية في الظلم والعدل. والتحقيق فيه

- ‌النبوةعصمة الأنبياء، وغلو الرافضة الإمامية فيها

- ‌الرافضة أشبهوا النصارى في تفضيل أئمتهموتسليم الدين لهم

- ‌طاعة أهل السنة لولاة الأمور مقيدة

- ‌اشتراط العصمة في الأئمة ليس بمقدورولا مأمور

- ‌ضمان العصمة للأمة

- ‌ولم يشتغل بدفن النبي عن الإمامة

- ‌لم يكن أبو بكر في جيش أسامة لئلا ينازع عليًا

- ‌مذهب الزيدية في إمامة علي ومن بعده

- ‌ولا نص على بقية الاثني عشر

- ‌والثاني عشر منهم مفقود فامتنع أن يكون إمامًا

- ‌(مقاصد الإمامة: السلطان، والعلم)

- ‌(فضائل الصحابة والقرابة)(وموقف أهل السنة والشيعة منها)

- ‌الثناء في القرآن بالإيمان والأعمال، لا بمجردالنسب والمصاهرة

- ‌حق آل محمد صلى الله عليه وسلم على الأمةزيادة المحبة والموالاة عن غيرهم

- ‌رعاية الخليفتين أبي بكر وعمر لحقوق قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ولفاطمة

- ‌محبة أهل السنة لعلي رضي الله عنه

- ‌طعن الرافضة على أبي بكر وعمر وسائر الصحابةوالأمة سوى طائفتهم

- ‌من يطعن على أبي بكر وعمر

- ‌جميع ما يطعن به فيهم أكثره كذب

- ‌الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة في الآية

- ‌خذلان الشيعة لأهل البيت (علي والسبطين)

- ‌رميهم عائشة رضي الله عنها وامرأة نوح

- ‌قدحهم في فاطمة رضي الله عنها

- ‌رأس مال الرافضة التقية وهي النفاق

- ‌كذب الرافضة على الله وعلى رسوله وعلى الصحابة والقرابة

- ‌من كذب الرافضة على الله وتحريفهم للقرآن

- ‌كذبهم في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة

- ‌كذبهم على الصحابة والقرابة وعلى أبي ذر وسلمان وعمار

- ‌تعصب الرافضة، وحماقاتهم

- ‌قصدهم من إقامة المآتم والنياحة على الحسين

- ‌ما يروى في مصرعه من الكذب

- ‌مَنْ أمر بقتل الحسين

- ‌مَنْ نكت في ثناياه

- ‌ قُتل مظلومًا

- ‌الشيعة: نشأة الشيعة وانقسامها إلى رافضة وزيدية

- ‌لا يعرف في علماء الحديث من يفضل عليًا على أبي بكر وعمر

- ‌عدد فرق الشيعة

- ‌الزيديةمذهبهم في التفضيل والخلافة والخروج على الأئمة وفي الأحكام

- ‌الخوارج أئمة هؤلاء، والرافضة شر منهم إذا تمكنوا

- ‌الشيعة أساس كل فتنة وشر

- ‌شيوخ الرافضة ليس فيهم إمام في شيء من علوم الإسلام

- ‌لا يوجد في الملوك ولا في الوزراء الذين نصروا الإسلام رافضي

- ‌مذهب الاثني عشرية جمع عظائم البدع المنكرة

- ‌أول من ابتدع الرفض كان منافقًا زنديقًا أراد إفساد الإسلام

- ‌غلاة الشيعة:

- ‌الإسماعيلية

- ‌ النصيرية

- ‌القرامطة الباطنية

- ‌التعطيل أعظم من الشرك

- ‌العلم بوجود الصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة

- ‌أصول فقه الشيعة

- ‌الرافضة لهم في دينهم عقليات وشرعيات

- ‌عمدتهم في التفسير

- ‌عمدتهم في الحديث

- ‌عمدتهم في الفقه

- ‌أهل السنة هم الذين حفظ الله بهم الدين

- ‌فقه الشيعة

- ‌زيادتهم في الأذان حي على خير العمل

- ‌ذكر غير الشهادتين في الأذان من أعظم الضلال

- ‌تخصيص علي بالصلاة عليه دون غيره خطأ

- ‌الترضي عن علي وحده أو الاثني عشر بدعة منكرة

- ‌ما كان مشروعًا لم يترك لأجل فعل أهل البدعلا الرافضة ولا غيرهم

- ‌فقهاء أهل البيت

- ‌علماء أهل البيت أئمة أهل السنة أيضًا

- ‌مما روي في علمه

- ‌الحسن والحسين رضي الله عنهما: روايتهما: وعلمهما، وزهدهما

- ‌محمد بن علي الباقر: مَنْ أخذ عنه،ومَنْ روى عنه، وعلمه

- ‌علي بن محمد الهادي ويقال له العسكري

- ‌خلاصة

- ‌الشافعي المطلبي

الفصل: ‌العلم بوجود الصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة

‌العلم بوجود الصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة

كل من العلم بوجود الصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة متعددة، أما إثبات الصانع فطرقه لا تحصى؛ بل الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري ضروري معروف في الجبلَّة.

وأيضًا فنفس حدوث الإنسان يعلم به صانعه، وكذلك حدوث كل ما يشاهد حدوثه. وهذه الطريقة المذكورة في القرآن.

وأما حدوث العالم فيمكن أن يستدل عليه بالسمع وبالعقل، فإنه يمكن العلم بالصانع إما بالضرورة والفطرة وإما بمشاهدة حدوث المحدثات وإما بغير ذلك ثم يعلم صدق الرسول بالطرق الدالة على ذلك وهي كثيرة.

ودلالة المعجزات طريق من الطرق.

وطريق التصديق لا ينحصر في المعجزات.

ثم يعلم بخبر الرسول حدوث العالم.

وإما بالعقل فمثل أن يقال: لا ريب أنا نشهد الحوادث كحدوث السحاب والمطر والزرع والشجر وحدوث الشمس وحدوث الإنسان وغيره من الحيوان وحدوث الليل والنهار وغير ذلك- ومعلوم بضرورة العقل أن المحدَث لابد له من مُحدِث وأنه يمتنع تسلسل المحدِثات بأن يكون للمحدِث محدث وللمحدث محدث إلى غير نهاية وهذا يسمى تسلسل المؤثرات والعلل والفاعلية وهو ممتنع باتفاق العقلاء.

وكذلك إذا قيل: الموجود إما أن يكون مخلوقًا وإما أن لا يكون

ص: 146

مخلوقًا والمخلوق لابد له من موجود غير مخلوق، فثبت وجود الموجود الذي ليس بمخلوق على التقديرين.

وكذلك إذا قيل: الموجود إما غني عن غيره وإما فقير إلى غيره والفقير المحتاج إلى غيره لا تزول حاجته وفقره إلا بغني عن غيره، فيلزم وجود الغني على التقديرين.

وكذلك إذا قيل: الحي إما حي بنفسه وإما حي حياته من غيره وما كانت حياته من غيره فذلك الغير أولى بالحياة، فثبت وجود الحي بنفسه على التقديرين.

وكذلك إذا قيل: العالم إما عالم بنفسه وإما عالم علَّمه غيره ومن علَّم غيره فهو أوْلى أن يكون عالمًا وإذا لم يتعلم من غيره كان عالمًا بنفسه فثبت وجود العالم بنفسه على التقديرين الحاصرين فإنه لا يمكن سوى هذين التقديرين والقسمين.

فإذا كان لا يمكن إلا أحدهما وعلى كل تقدير العالم بنفسه موجود والحي بنفسه موجود والغني بنفسه موجود والقديم الواجب بنفسه موجود لزم وجوده في نفس الأمر وامتنع عدمه في نفس الأمر وهو المطلوب (1) .

المطر معروف عند السلف والخلف أن الله يخلقه من الهواء ومن البخار المتصاعد- لكن خلقه للمطر من هذا كخلق الإنسان من نطفة وخلقه للشجرة والزرع من الحب والنوى فهذا معرفته بالمادة التي خلق منها ونفس المادة لا توجب ما خلق منها باتفاق العقلاء؛

(1) ج (1) ص (281- 284)(وانظر مجموع الفتاوى) ج (2) ص (446، 447) والفهارس العامة لمجموع الفتاوى ج (1) ص (21- 31) .

ص: 147

بل لابد مما به يخلق تلك الصورة على ذلك الوجه وهذا هو الدليل على القادر المختار الحكيم الذي يخلق المطر على قدر معلوم وقت الحاجة إليه.

والبلد الجرز يسوق إليها الماء من حيث أمطر كما قال تعالى:

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} فالأرض الجرز لا تمطر ما يكفيها كأرض مصر لو أمطرت المطر المعتاد لم يكفها فإنها أرض إبليز (1) وإن أمطرت مطرًا كثيرًا مثل مطر شهر خربت المساكن فكان من حكمة الباري ورحمته أن أمطر أرضًا بعيدة ثم ساق ذلك الماء إلى أرض مصر.

فهذه الآية يستدل بها على علم الخالق وقدرته ومشيئته وحكمته وإثبات المادة التي خلق منها المطر والشجر والإنسان والحيوان (2) .

(1) الإبليز وطين الإبليز: طين مصر الذي يتركه النيل بعد انسحابه من الأرض يونانية (منجد) وانظر المعجم الوسيط قلت: وكلام ابن تيمية واضح في وصفه.

(2)

ج (3) ص (111) .

ص: 148

الفرقة الناجية وصف أهل السنة والجماعة

لا وصف الرافضة ولا غيرها من الفرق

حديث الفرقة الناجية رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجه، ورواه أهل الأسانيد كالإمام أحمد وغيره (1) .

والحديث روي تفسيره فيه من وجهين: أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم سُئل عن الفرقة الناجية فقال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» ، والرواية الأخرى قال:«هم الجماعة» .

وكل من التفسيرين يناقض قول الإمامية، ويقتضي أنهم خارجون عن الفرقة الناجية، فإنهم خارجون عن جماعة المسلمين يكفرون أو يفسقون أئمة الجماعة كأبي بكر وعمر وعثمان دع معاوية وملوك بني أمية وبني العباس، وكذلك يكفرون أو يفسقون علماء الجماعة وعبادهم كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء.

(1) رواية أبي داود عن معاوية رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة» أخرجه أبو داود برقم (4596) في السنة باب شرح السنة، والترمذي برقم (2642) في الإيمان وفي رواية الترمذي عن عمرو بن العاص «كلها في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي» أخرجه الترمذي برقم (2643) . وأخرجه في مسند الإمام أحمد ج (2) ص (332) وانظر «كنز العمال» رقم (1053، 1055، 1057، 1059، 1060) .

ص: 149

وهم أبعد الناس عن معرفة سير الصحابة والاقتداء بهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا لا يعرفه إلا أهل العلم بالحديث والمنقولات والمعرفة بأخبار الثقات.

وهم من أعظم الناس جهلاً بالحديث لفظًا له ومعاداة لأهله.

فإذا كان وصف الفرقة الناجية اتباع الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك شعار السنة والجماعة كانت الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة.

فالسنة ما كان صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه عليها في عهده مما أمرهم به أو أقرهم عليه أو فعله هو.

وأما الجماعة فهم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعًا.

وأما الذين فرقوا دينهم وكانوا خارجين عن الفرقة الناجية قد برأ الله نبيه منهم.

فعلم بذلك أن هذا وصف أهل السنة والجماعة لا وصف الرافضة، وأن الحديث وصف الفرقة الناجية باتباع السنة التي كان عليها هو وأصحابه وبلزوم جماعة المسلمين.

فإن قيل: فقد قال في الحديث: «على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» فمن خرج عن تلك الطريقة بعده لم يكن على طريقة الفرقة الناجية، وقد ارتد ناس بعده فليسوا من الفرقة الناجية.

قلنا نعم. وأشهر الناس بالردة خصوم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأتباعه كمسيلمة الكذاب وأتباعه وغيرهم. وهؤلاء تتولاهم الرافضة، ويقولون إنهم كانوا على الحق وأن الصديق قاتلهم بغير حق.

ثم أظْهَرُ الناس ردةً الذين حرقهم علي رضي الله عنه بالنار لما

ص: 150

ادعوا فيه الإلهية وهم السبأية أتباع عبد الله بن سبأ الذين أظهروا سب أبي بكر وعمر.

وأول من ظهر عنه دعوى النبوة من المنتسبين إلى الإسلام المختار بن أبي عبيد وكان من الشيعة.

فعلم أن أعظم الناس ردة هم في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف، ولهذا لا تعرف ردة أسوأ حالاً من ردة الغالية كالنصيرية ومن ردة الإسماعيلية الباطنية ونحوهم.

فدل على أن المرتدين الذين لم يزالوا مرتدين على أعقابهم هم بالرافضة أوْلى منهم بأهل السنة والجماعة إن كان فيهم مرتد.

ويدل الحديث على أنه لابد أن تفارق هذه الواحدة سائر الثنتين والسبعين.

ويدل على مفارقة الثنتين والسبعين بعضها بعضًا كما فارقت هذه الواحدة. فليس في الحديث ما يدل على اشتراك الثنتين والسبعين في أصول العقائد؛ بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين كل طائفة للأخرى. وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جه ذم لا جهة مدح؛ فإن الله أمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف فقال تعالى:

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1) .

وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (2) الآيات.

(1) سورة آل عمران آية: (103) .

(2)

سورة آل عمران آية: (105- 107) ،

ص: 151

وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقًا في نفسها أوْلى الطوائف بالذم؛ وأقلها افتراقًا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق.

وإذا كانت الإمامية أوْلى بمفارقة سائر الطوائف فهم أبعد من الحق لا سيما وهم في أنفسهم أكثر اختلافًا من جميع فرق الأمة حتى يقال إنها ثنتان وسبعون فرقة.

وقد صنف الحسن بن موسى النوبختي وغيره في تعديد فرق الشيعة.

وأما أهل الجماعة فهم أقل اختلافًا في أصول دينهم من كل طائفة إلى ضدها فهم الوسط في أهل الإسلام، كما أن أهل الإسلام هم الوسط في أهل الملل.

وهم في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل وأهل التمثيل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خير الأمور أوساطها» وحينئذ أهل السنة والجماعة خير الفرق.

وفي باب القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به.

وفي باب الأسماء والأحكام بين الوعيدية والمرجئة.

وفي باب الصحابة بين الغلاة والجفاة.

فلا يغلون في علي غلو الرافضة، ولا يكفرونه تكفير الخوارج.

ولا يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان كما تفكرهم الرافضة.

ولا يكفرون عثمان وعليًا كما تكفرهما الخوارج.

وأبعد الناس عن هذه الطائفة المهدية المنصورة هم الرافضة لأنهم أجهل وأظلم طوائف أهل الأهواء المنتسبين إلى القبلة

ص: 152

فليس الضلال والبغي في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في الرافضة، كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة الذين لا ينتصرون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم خاصته وهو إمامهم المطلق الذين لا يغضبون لقول غيرهم إلا إذا اتبع قوله، ومقصودهم نصر الله ورسوله.

وإن كان الصحابة ثم أهل الحديث والسنة المحضة أوْلى بالهدى ودين الحق أبعد الطوائف عن الضلال والبغي فالرافضة بالعكس.

ودعوى الرافضة أو غيرهم من أهل الأهواء الكفر في كثير ممن سواهم كالخوارج وكثير من المعتزلة والجهمية أنهم هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من سواهم كقول اليهود والنصارى:

{لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1) وهذا عام لكل من عمل لله بما أمره الله فالعمل الصالح هو المأمور به، وإسلام الوجه لله إخلاص وجهه.

ولفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة.

وقد يراد به أهل الحديث وأهل السنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول إن القرآن غير مخلوق وأن الله يُرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة (2) .

(1) سورة البقرة الآيتان: (111، 112) .

(2)

ج (2) ص (125- 129، 140) ج (3) ص (241، 242) ج (1) ص (272) ج (4) .

ص: 153

حكم الفرق الثنتين والسبعين إذا لم تقع في كفر أو شرك (1)

ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة كانوا يصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضًا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري (2) ، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان ومازالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين قالتهم الصديق رضي الله عنه.

هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة

وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

وليس قوله: «ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة» (3) بأعظم من قوله تعالى:

(1) أما إذا وقع منهم كفر أو شرك فحكمهم فيه حكم أمثالهم، وتقدم تحريق عليّ رضي الله عنه الغالية فيه، وبسط العلماء في (باب حكم المرتد) المسائل التي يكفر بها ومنها الشرك بالله.. إلخ ويأتي في كلام المؤلف أقسام الردة وأنواع المرتدين.

(2)

ذكره مسلم في صحيحه في كتاب (الجهاد والسير) . ولم أجد الحديث في البخاري.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 154

{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (1) وقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (2) وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار.

ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب أو كانت له حسنات ماحية أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك.

الرافضة كثير منهم ليسوا منافقين ولا كفارًا؛ بل بعضهم له إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يرجى له مغفرة الله، لكن الجهل بمعنى القرآن والحديث شامل لهم كلهم؛ فليس فيهم إمام من أئمة المسلمين في العلم والدين.

الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق كثير مسلمون ظاهرًا وباطنًا ليسوا زنادقة منافقين لكنهم جهلوا واتبعوا أهواءهم.

والردة قد تكون عن أصل الإسلام كالغالية من النصيرية والإسماعيلية فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة.. وقد تكون الردة عن بعض الدين كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم. والله تعالى يقيم قومًا يحبهم ويحبونه يجاهدون من ارتد عن الدين أو بعضه كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين في كل زمان (3) .

(1) سورة النساء آية: (10) .

(2)

سورة النساء آية: (30) .

(3)

ج (3) ص (208) ج (3) ص (62، 63) ج (4) ص (60) .

ص: 155

أهل البدع أهل الشبهات

أهل البدع ابتدعوا بدعًا خلطوها بما جاءت به الرسل، وفرقوا دينهم وكانوا شيعًا، فكان في كل فريق منهم حق وباطل، وهم يكذبون بالحق الذي مع الفريق الآخر، ويصدقون بالباطل الذي معهم، وبسبب ذلك وقعت الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد. وهذا حال أهل البدع كلهم فإن معهم حقًا وباطلاً فهم فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل فريق يكذب بما مع الآخر من الحق بما معه من الباطل كالخوارج والشيعة.

والخوارج يكذبون بما ثبت من فضائل أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه؛ ويصدقون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويصدقون بما ابتدعوه من تكفيره وتكفير من يتولاه ويحبه.

والشيعة يصدقون بما روي في فضائل عليّ رضي الله عنه. ويكذبون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويصدقون بما ابتدعوه من التكفير والطعن في أبي بكر وعمر وعثمان.

وأهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع أمورهم، فهم في علي وسط بين الخوارج والروافض، وكذلك في عثمان هم وسط بين المروانية والزيدية، وكذلك في سائر الصحابة وسط بين الغلاة فيهم والطاعنين عليهم (1) .

(1) ج (3) ص (40 - 46) .

ص: 156