الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: منافعهم وحرفهم:
ما من شك في أن للجن منافع سيّما المسلمين منهم وذلك أن المسلم الصالح يعين غيره على الخير ويدعوه إليه ويأمره به، لأنه مكلف بذلك شرعا فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكتوب عليهم كالإنس تماما، ولذلك كان قرين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكر إلا الخير، وقد انتفع بالمسلمين منهم النبي سليمان عليه السلام سخّرهم الله عز وجل ليستعملهم فيما شاء من أعماله، من غوص وبناء ونحت، وغير ذلك قال الله سبحانه وتعالى:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} (1)، وقال تعالى:{وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} (2)، فهم طوائف منهم ما هو مستعمل في
(1) الآية (13) من سورة سبأ.
(2)
الآية (37) من سورة ص.
الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر، وطائفة غواصون في البحار يستخرجون ما فيها من اللَالئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها، قال تعالى:{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (1)، أما المردة منهم فقد سلط الله عز وجل سليمان عليه السلام عليهم فهم في أغلال مقرونة أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل، وهم كل من تمرد وعصى وامتنع من العمل وأبى، أو أساء في صنيعه واعتدى {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} (2)، وقد جعل الله عز وجل هذا عطاء لسليمان عليه السلام وحده، فالبناة منهم يصنعون له محاريب وتماثيل، والغواصون يستخرجون له من كنوز البحار ما يشاء، والنحّاتون يصنعون له جفانا كبيرة كالحياض (3)، وقدورا عظيمة لا تحرك ولا
(1) الآية (82) من سورة الأنبياء.
(2)
الآية (38) من سورة ص.
(3)
في الآية كالجواب، وهو الحوض الكبير، قال الشاعر:
تروح على آل المحلق جفنة
…
كجابية السيح العراقي تفهق
يقول: إن جفنة هؤلاء القوم كبيرة واسعة كالماء الجاري على وجه الأرض، المفهق الواسع الممتليء (تفسير الطبري 19/ 232).
تنقل من موقعها لكبرها، أما المردة فهم في الأغلال مشدودة أيديهم إلى أعناقهم، وبفضل الله ثم بهذا التسخير انتقل سليمان عرش بلقيس، بعد أن عرض عليه عفريت من الجن أن يأتيه به قبل أن يقوم من مقامه، وكان عرشها في اليمن وسليمان في الشام، فاستبقه الذي عنده علم من الكتاب، فأحضر لسليمان ما طلب
…
{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (1)، وقد يتعلم منهم الإنسي ما ينفعه كما حدث لأبي هريرة رضي الله عنه، في القصة المتقدم ذكرها، وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لقي رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجلا من لجن، فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلا شخيتا، كأن ذريعتيك ذريعتا كلب، فكذلك أنتم يا
(1) الآية (40) من سورة النمل.