الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدَّمة
الحمد لله والصَّلاة والسَّلامُ على رَسولِ اللهِ.
وَبَعْد؛ فقد اهتمَّ علماء العربيّة بلغتهم، ووضعوا نحوها وصرفها ولغتها على نحوٍ منضبط، بهر من جاء بعدهم لدقّتهم البالغة، وسرعة استواء هذه العلوم على سوقها.
وكان في جملة اهتماماتهم الكلمة المفردة، إذ تناولوها من جهة نوعها، وبنيتها، ومدلولها.
فأمَّا نوعها فقسموها إلى ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف. وأمّا بنيتها فصنفوا جميع أبنية العربيّة على اختلاف هيئاتها وأحوالها.
وأمّا مدلولها: فصنّفوا في ذلك الموسوعات الحاوية لمعاني ألفاظ العربيّة.
وكان في جملة بيانهم انقسامَ الكلمة إلى اسم وفعل وحرف انقسامُ الفعل إلى ثلاثة أيضًا: ماضٍ ومضارع وأمر. فإن قال قائل: لم كانت الأفعال ثلاثة: ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً؟ قيل: لأنّ الأزمنة ثلاثة، ولمّا كانت ثلاثة وجب أن تكون الأفعال ثلاثة: ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً1.
ولكلِّ نوعٍ منها علاماته التي يعرف بها، وميزاته التي ينفرد بها عن نظيريه.
فالفعل المضارع قسم من أقسام الفعل، ونوع من أنواعه، شُغِلَ به النّحويّون والصّرفيّون واللّغويّون.
فالنحويون تناولوا المضارع بالدراسة من حيث علامته المميزة له، وإعرابه أو بناؤه، وانتهوا إلى أمور، منها:
علامته المميزة له نوعان:
1-
نوع يرجع إلى ما يدخل عليه من عوامل، وهي صلاحيته لأن يلي
1 انظر شرح المفصّل 7 / 4.
لم نحو: لم يقم زيد ولم يشم1.
2-
وآخر يرجع إلى صيغة أوزان المضارع، وهي افتتاحه بحرف من حروف نأيت. قال الزمخشري في تعريفه: "وهو ما يعقب في صدره الهمزة والنون والتاء والياء
…
"2.
وليس هذه العلامة في قوة السابقة لها؛ لأنها ليست علامةً قاطعةً، وإنما هي مساعدة.
إعرابه:
يقرر النحويون أن حق الفعل المضارع الإعراب لمشابهته للاسم، وبهذا أعرب، واستحق التقديم على أخويه2.
واستثنوا من ذلك حالتين هما:
1-
إذا اتصلت به نون التوكيد، فإنه يبنى معها على الفتح بشرط أن تكون مباشرة للفعل، لم يفصل بينها وبينه فاصلٌ، ظاهراً كان ـ كألف الاثنين ـ أو مقدراً ـ كواو الجماعة وياء المخاطبة ـ وإلا كان معرباً.
2-
إذا اتصلت به نون النسوة، فإنه يبنى معها على السكون، كما في قوله جل وعلا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ
…
} 3.
أمَّا الصرفيُّون فقد شغلتهم حركة عين المضارع؛ ذلك لاختلافها باختلاف الماضي ونوعه من حيث التجرُّد والزِّيادة، ومن حيث نوعيّة حروفه في بعض الأحيان.
1 أوضح المسالك: 1/27.
2 أوضح المسالك: 1/27. والمقصود بأخويه الماضي والأمر..
3 سورة البقرة: 228.
فالمعروف أنَّ أبواب الماضي الثّلاثي المجرّد ثلاثة: فَعَل وفعِل وفعُل وهذا التَّقسيم ناتج من تغيّر حركة العين، ذلك أنَّ الفعل ـ كما ترى ـ ثلاثة أحرف. فالأوَّل منها متحرّك دائمًا إذ لايُبْدَأ بساكن [وحركته الفتحة] واختيرت من بين الحركات لخفَّتِها، وآخره مبنيٌّ على الفتح لفظًا أو تقديرًا، ولم يكن ساكنًا؛ لأنَّه يتَّصل به الضَّمائر، وبعضها ملازم للسُّكون كواو الجماعة، وألف الاثنين. والعين لا تكون إلَاّ متحرّكة لئلَاّ يلزم التقاء السَّاكنين إذا سكن آخر الفعل لاتِّصاله بضمير رفع متحرِّك. والحركات ثلاث: فتحة وكسرة وضمَّة؛ لذلك انحصرت أوزانه في هذه الصِّيغ الثَّلاث 1.
أمَّا الرُّباعي المجرَّد فله وزن واحد هو فَعْلَل نحو: دحرج لأن الرُّباعي أثقل من الثُّلاثي، فوجب أن يكون فيه سكون ليُخَفِّفَ ثقَله؛ ولأنَّه لو كانت حروفه كلُّها متحرِّكة كالثُّلاثي لزم اجتماع أربعة متحرِّكات متوالية في الكلمة الواحدة، وهذا مما رفض في كلام العرب للاستثقال.
وأما اللغويون فكان من جملة الأحكام التي يطالعها دارس العربيَّة في دراساتهم حركة حرف المضارعة، فاشتُهِر أنَّ حكمها دائر بين حالتين:
الأولى: حالة الفتح، وذلك إذا كان ماضي الفعل ثلاثيًّا أو خماسيًّا أو سداسيًّا.
والأخرى: حالة الضَّم، وتختصّ بما كان ماضيه على أربعة أحرف.
ولا يذكر مع هاتين الحالتين حالة ثالثة. ولكنَّا نجد في كتاب سيبويه مبحثًا مستقلاًّ عنوانه كسر حروف المضارعة2 وذلك يشعر بخروج هذه الحالة عن القاعدة العامَّة، ذلك أنَّ النُّحاة بنوا قواعدهم على ما اطَّرد من قواعد
1 المغني في تصريف الأفعال ص 98.
2 انظر الكتاب: 4/110.
العربيَّة، مستندًا إلى قياس صحيح، أو رَكَنَ إلى سماعٍ فصيح.
وكسر حروف المضارعة ليس مطردًا في لغة العرب، غير أنَّها وجدت لهجات عربية تكسرها.
ولما كان الأمر كذلك أردت أن أقف عندها، جامعًا كلام العلماء فيها ليسهل النَّظر في هذه الحالة، وليطلع دارسو العربيَّة على آراء العلماء فيها.
وذكرت معها نبذة عن حروف المضارعة من حيث، عددها، ومكان زيادتها، ولماذا كانت دون غيرها، وهل زيادتها في أوائل الفعل المضارع دون غيره من الأسماء والأفعال؟
أرجو أن أكون قد حقَّقت المقصود، ووصلت إلى المراد، والله الهادي إلى سواء السَّبيل.