المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حروف المضارعة حروف المضارعة هي الهمزة والنون والتاء والياء التي تكون - حركة حروف المضارعة

[عبد الله القرني]

الفصل: ‌ ‌حروف المضارعة حروف المضارعة هي الهمزة والنون والتاء والياء التي تكون

‌حروف المضارعة

حروف المضارعة هي الهمزة والنون والتاء والياء التي تكون في صدر الفعل المضارع، وزيادتها في أوله لازمة، بل هي جزء من تعريفه. قال الزّمخشري في تعريفه:"وهو ما يعقب في صدره الهمزة والنّون والتّاء والياء. وذلك في قولك للمخاطب أو الغائبة: تفعل. وللغائب: يفعل. وللمتكلّم: أفعل. وله إذا كان معه غيره واحدًا أو جماعة: نفعل. وتسمّى الزّوائد الأربع، ويشترك فيه الحاضر والمستقبل...."1. فإن سألت عن أصل هذه الحروف ومن أين جاءت؟ أجابك السّهيلي في نتائجه بقوله: "وإن كان المعنى الزّائد أولاً كانت الزّيادة المنبئة عنه أولاً، مسبقة على حروف الكلمة، كهذه الزّوائد الأربع، فإنّما تنبئ أنّ الفعل لم يحصل بعد لفاعله، وأن بينه وبين تحصيله جزءًا من الزّمان، فكان الحرف الزَّائد السَّابق للفظ الفعل مشيرًا في اللِّسان إلى ذلك الجزء من الزَّمان، مرتَّبًا في البيان على حسب ترتُّب المعنى في الجنان "2.

فإن سألت: لم كانت هذه الأحرف الأربعة دون غيرها من حروف الهجاء؟ أجابك بقوله: " إنَّ الأصل في هذه الزّوائد الياء، بدليل كونها في الموضع الذي لا يحتاج فيه إلى الفرق بين مذكّر ومؤنّث، وهو فعل جماعة النِّساء.

دليل آخر: وهو أنَّ أصل الزِّيادة لحروف المدّ واللِّين، والواو لا تزاد أولاً كيلا تشبه واو العطف، ولعلّة أخرى تذكر في باب التّصريف3، والألف لا

1 المفصّل في علم العربيّة ص 244.

2 نتائج الفكر ص 117.

3 قال ابن جني في سر صناعة الإعراب 2/595: "ولم تزد الواو أولاً ألبتة، وذلك أنها لو زيدت لم تخل من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، فلو زيدت أولاً مضمومة لاطّرد فيها الهمز كما همز نحو (أّقتت) و (أُعِد زيد) ولو زيدت مكسورة لكان قلبها أيضاً جائزاً وإن لم يكن في كثرة همز المضمومة وذلك نحو (إسادة)

ولو زيدت أولاً مفتوحة لم تحل من أن تزاد في أول اسم أو فعل

فلو زيدت في أول الاسم مفتوحة لكنت متى صغرت ذلك الاسم فضممتها مُمَكَّناً من همزها.. ولو كانت في أول فعل لكنت متى بنيته للمفعول ولم تسم فاعله وجب أن تضمها لجاز أيضاً همزها

".

ص: 455

تزاد أولاً لسكونها، فلم يبق إلَاّ الياء فهي أصل هذا الباب. فلمَّا أرادوا الفرق كانت الهمزة بفعل المتكلّم أولى، لإشعارها بالضَّمير المستتر في الفعل، إذ هي أول حروف ذلك الضَّمير إذا برز، فلتكن مشيرةً إليه إذا أرز. وكانت النّون بفعل المتكلّمين أولى بوجودها في أول لفظ الضَّمير الكامن في الفعل إذا ظهر، فلتكن دالّة عليه إذا خفي واستتر، وكانت التّاء من تفعل للمخاطب؛ لوجودها في ضميره المستتر فيه، وإن لم تكن في أوّل لفظ الضَّمير ـ أعني أنت ـ ولكنَّها في آخره، ولم يخصّوا بالدّلالة عليه ما هو في أوّل لفظه ـ أعني الهمزة ـ لمشاركته للمتكلّم فيها وفي النّون، فلم يبق من لفظ الضَّمير إلَاّ التَّاء، فجعلوها في أوَّل الفعل علمًا عليه، وإيماءً إليه.

فإن قيل: فكان يلزم على هذا أن تكون الزِّيادة في فعل الغائب هاءً، لوجودها في لفظ الضَّمير الغائب إذا برز؟

فالجواب: أنَّه لا ضمير في فعل الغائب في أصل الكلام وأكثر موضوعه؛ لأنَّ الاسم الظَّاهر يغني عنه، ولا يستتر ضمير الغائب حتَّى يتقدّمه مذكور يعود عليه، وليس كذلك فعل المتكلّم والمخاطب والمخبرين عن أنفسهم

1.

ويقول الكيشيُّ عن هذه الأحرف: "وإنَّما اختصّت الحروف الأربع بالمضارع لأنَّ حروف المدّ هي التي تزاد للمعاني، لكونها ناشئة من الحركات الدَّالَّة على المعاني الإعرابيّة، وحرك الألف للابتداء به فصارت همزة؛ لقرب المخرج، فأبدل من الواو تاءً كتراث وتجاه وتقًى؛ لأنَّ الواو لا تزاد أولاً بمقتضى التَّصريف،

1 نتائج الفكر ص117.

ص: 456

واضطروا إلى حرف رابع فتعيَّن النّون، لما فيه من الغنّة الشَّبيهة بالمدّ "1.

فيرى الكيشي أنَّهم لمَّا احتاجوا إلى أحرف تدلُّ على المعاني الزَّائدة في الفعل كان الأولى بذلك حروف المدّ الثَّلاثة: الألف والواو والياء، فأبدل من الألف الهمزة للعلّة التي ذكر، ومن الواو التَّاء؛ لأنَّه لا تزاد أولاً، والياء بقيت على طبيعتها، فلمَّا اضطروا إلى حرف رابع كان النّون.

وزيادة هذه الأحرف ليست خاصة بالفعل المضارع، ولذلك لا يذكرها النحويون لتعريفه بها؛ لأنَّها ليست علامة قاطعة، وإنَّما هي مساعدة. ولذلك قال ابن هشام فيها:"وإنَّما ذكرت هذه الأحرف بساطًا وتمهيدًا للحكم الذي يأتي بعدها، لا لأُعرِّف بها الفعل المضارع؛ لأنَّا وجدناها تدخل في أوَّل الفعل الماضي، نحو: أكرمت زيدًا وتعلّمت المسألة ونرجست الدَّواء إذا جعلت فيه نرجسًا، ويرنأت الشَّيب إذا خضبته باليُرَنَّاً، وهو الحنّاء، وإنَّما العمدة في تعريف المضارع دخول لم عليه"2. ونجد أنَّ هذه الأحرف تدخل أيضًا على الأسماء، وتجيء في أوَّلها، ويفسِّر ابن جنِّي ذلك بقوله: "فإن قلت: فهلا قُصِرَت حروف المضارعة على الأفعال كما قصرت الميم على الأسماء، وقد سمعناهم يقولون: أفْكَلٌ، وأَيْدَعٌ، وتَنْضُبٌ، وتَتْفلٌ3 وغير ذلك ممَّا في أوَّله الهمزة والنّون والتَّاء والياء؟

قيل: إنَّما زيدتْ هذه الحروف التي بابها الأفعال في أوائل الأسماء، لقوَّة الأسماء وتمكّنها، وغلبتها للأفعال فشاركت الأسماءُ في هذا الموضع الأفعالَ،

1 الإرشاد إلى علم الإعراب ص 439.

2 شرح قطر النَّدى وبلّ الصَّدى ص 37.

3 الأفكل، على أفعل: الرعدة: ولا يبنى منه فعل. والأيدع: صبغ أحمر، وقيل: هو خشب البقم، وقيل غير ذلك. والتنضب: شجر ينبت بالحجاز، واحدته تنضبة. والتتفل: الثعلب، ونبات أخضر، وقيل شجر. انظر ذلك في اللسان (فكل، يدع، نضب، تفل) . .

ص: 457

لقوّتها

ويدلّك على أنَّ أصل هذه الزِّيادات ـ أعني: الحروف المضارعة ـ أن تكون في أوَّل الأفعال أنَّ الأسماء التي جاءت على أفعل أكثرها صفات نحو: أحمر، وأصفر، وأخضر، وأسود، وأبيض، والأسماء التي في أوَّلها الهمزة على هذا البناء من غير الصِّفات قليلة. ألا ترى أنَّ باب: أحمر، وأصفر، وأسود، وأبيض أكثر من باب أَيْدَعٍ، وَأَزْمَلٍ، وَأَفْكَلٍ، فلمَّا أرادوا أن يكثر هذا المثال الذي في أوّله الهمز جعلوه صفات؛ لقرب مابين الصّفة والفعل. ألا ترى أنَّ كلَّ واحدٍ منهما ثانٍ للاسم، وأنَّ الصِّفة تحتاج إلى الموصوف كما أنَّ الفعل لابدَّ له من فاعلٍ "1.

ولذلك يقرر النحويون أنَّ علامة الفعل المضارع صحة دخول لم الجازمة على الفعل دون اختلال في التّركيب. أمَّا أحرف المضارعة فهي قابلة للدّخول على الماضي والأسماء.

الفتح والضم في أحرف المضارعة:

شغل اللغويون بالمضارع من حيث حركة حرف المضارعة. فقد اشتهر في لغة أهل الحجاز أنَّه إذا بني المضارع من ماضٍ رباعي ـ سواء أكان رباعي الأصول أم رباعيًّا بالزِّيادة ـ كانت حركة حرف المضارعة منه الضَّم. فتقول: أكرم يُكرم، قطَّع يقطِّع، دحرج يُدحرج.

وإذا جاء ما يشعر بمخالفته ذلك فعلى اعتبار آخر، وعليه يمكن تفسير قراءة أبي رجاء العطاردي2 {فَاتَّبِعُونِي يحَْبِبْكُمُ اللَّهُ} 3 بفتح الياء.قال

1 المنصف 1 / 272.

2 عمران بن تيم البصري أخذ القراءة عرضًا على ابن عبَّاس رضي الله عنهما وتَلَقَّنَ القرآن على أبي موسى، ولقي أبا بكر رضي الله عنهما. قال ابن معين:" مات سنة خمس ومائة وله مائة وسبع وعشرون سنة ". معرفة القراء الكبار 58 - 59.

3 آل عمران: 31.

ص: 458

الكسائي:" يقال يَحِبُّ وتَحِبُّ وأَحِبُّ

والفتح لغة تميم وأسد وقيس. وهي على لغة من قال: حَبَّ وهي لغة قد ماتت "1.

فنلحظ هنا أنَّ الفتح على اعتبار أنَّ الفعل ثلاثي الماضي، وليس أحبَّ الرّباعي. وهو رأي وجيه ارتضاه النَّحاس. إذ قال:"فأمَّا فتحها فمعروف يدل عليه محبوب"2. وهذا إشارة إلى اسم المفعول من الثّلاثي الذي يأتي على وزن مفعول؛ كما تقتضيه القواعد الصَّرفيَّة.

وإذا بني المضارع من ثلاثي أو خماسي أو سداسي كانت حركة حرف المضارعة الفتح. فإن قيل: فلم فتحوا حرف المضارعة في الثّلاثي، وضمُّوه من الرُّباعي؟ قيل: لأنَّ الثَّلاثي أكثر من الرُّباعي، والفتحة أخفُّ من الضَّمة، فأعطوا الأكثر الأخف، والأثقل الأقل ليعادلوا بينهما.

فإن قيل: فالخماسي والسُّداسي أقلُّ من الرُّباعي فهلا وجب ضَمُّهُ؟ قيل: إنَّما وجب فتحه لوجهين:

الأوَّل: أنَّ النَّقل من الثّلاثي أكثر من الرّباعي، فلمَّا وجب الحمل على أحدهما كان الحمل على الأكثر أولى من الحمل على الأقلّ.

والآخر: أنَّ الخماسي والسُّداسي ثقيلان لكثرة حروفهما، فلو بنوهما على الضَّمِّ لأدَّى ذلك إلى أن يجمعوا بين كثرة الحروف، وثقل الضَّم، وذلك لايجوز فأعطوها أخفّ الحركات وهو الفتح3.

وهذا ما اشتهر في المسألة، وعليه الاعتماد في التعليم والتقعيد. غير أنَّه قد جاءت لغات تخالف هذا المشهور، من ذلك كسر حروف المضارعة.

وهذه المسألة ـ أعني: كسر حروف المضارعة ـ هي التي شغلت اللغويين؛

1 إعراب القرآن للنَّحاس 1 / 367.

2 إعراب القرآن للنَّحاس 1 / 367.

3 أسرار العربية للأنباري ص 404 - 405.

ص: 459