الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3
المبدوء بتاءٍ زائدة معتادة:
يقصد بالتاء المعتادة الاحتراز من التاء المزيدة في أول الماضي شذوذًا ـ كتَرْمَسَ الشيء من رمسه بمعنى ستره.
وهذا النَّوع من الأفعال ممَّا ورد فيه كسر المضارع. قال سيبويه ـ بعد بيان كسر حرف المضارعة فيما أوله همزة وصل: "وكذلك كل شيء من تفعّلت أو تفاعلت أو تَفَعْلَلْت يجري هذا المجرى، لأنَّه كان عندهم في الأصل ممَّا ينبغي أن تكون أوّلَهُ ألفٌ موصولة؛ لأنَّ معناه معنى الانفعال، وهو بمنزلة انفتح وانطلق، ولكنّهم لم يستعملوه استخفافًا في هذا القبيل
…
"1.
وقال الرَّضيُّ: "ثمَّ شبَّهوا مافي أوّله تاء زائدة من ذوات الزّوائد، نحو تَكَلَّمَ وَتَغافَلَ وتَدَحْرَجَ بباب انفعل، لكون ذي التاء مطاوعًا في الأغلب كما أنَّ انفعل كذلك، فتفعَّلَ وتَفاعَلَ وتَفَعْلَلَ مطاوع فعَّلَ وفَاعَلَ وفَعْلَلَ، فكسروا غير الياء من حروف مضارعاتها، فكلُّ ماأوّل ماضيه همزة وصل مكسورة أو تاء زائدة يجوز فيه ذلك"2.
ومن هنا يتضح أنَّ ما كان مبدوءًا بتاء زائدة معتادة صحَّ فيه كسر حرف المضارعة، مع أنَّ التاء غير مكسورة تشبيهًا لتلك الأفعال بما في أوّله همزة وصل من حيث إنَّها في الأغلب تكون مطاوعة.
4 ما جاء على وجه شاذ:
وردت بعض النّصوص مشيرة إلى كسر حرف المضارعة في أفعال لا تندرج تحت القواعد المتقدمة. من ذلك:
جاء في أبى تِئْبَى قال سيبويه: "وقالوا: أبى فأنت تِئْبَى، وهو يِئْبَى،
1 الكتاب 4 / 112.
2 شرح الشَّافية 1 / 143.
وذلك أنَّه من الحروف التي يستعمل يفعل فيها مفتوحًا وأخواتها، وليس القياس أن تفتح، وإنَّما هو حرف شاذ، فلمَّا جاء مجيء ما فَعَلَ منه مكسور فعلوا به مافعلوا بذلك، وكسروا في الياء فقالوا: يئْبَى، وخالفوا به في هذا الباب فعِل كما خالفوا به بابه حين فتحوا
…
"1.
فالفعل أبى من باب فَعَلَ يفعَل مفتوح العين في الماضي والمضارع، وكل ماكانت عينه مفتوحة في الماضي والمضارع، فهو حلقي العين أو اللام. وماجاء منه بدون حرف حلقي فشاذ، ومنه أبى يأبى والأصل كسر العين في الماضي، ولكنَّهم قلبوه فتحة تخفيفًا. وهذا معنى كلام سيبويه المتقدّم.
ويقول ابن جنِّي: " فأمَّا قولهم: أبيت تِئْبى فإنَّما كسر أوّل مضارعه وعين ماضيه مفتوحة من قبل أنَّ المضارع لما أتى على يفعَل بفتح العين صار كأنَّ ماضيه مكسور العين حتَّى كأنَّه أَبِيَ
…
"2.
وفسر ذلك أبوحيان بأنَّه " يمكن أن يكون من باب الاستغناء بمضارعه عن مضارع المفتوح العين في الماضي "3.
ومن هذا نلحظ أمرين:
أوّلهما: كسر حرف المضارعة فيه مع أنَّه ليس من باب فعِل يفعَل وذلك لمجيء مضارعه مجيءَ ما ماضيه مكسور.
والآخر: أنَّه بتقدير ان يكون من باب فعِل فحقُّه ألَاّ تكسر الياء فيه، إلَاّ أنَّهم لما خالفوا به في كونه مفتوحًا وكان حقُّه أن يكسر لأجل فتح مضارعه خالفوا به في كسر يائه أيضًا؛ تشبيهًا له بـ وَجِل ييجل.
1 الكتاب 4 / 110، 111.
2 المحتسب 1 / 330 وانظر المخصص 14/216.
3 ارتشاف الضرب 1 / 89.
ولم يذكر العلماء الأقدمون غير هذا الفعل إلى أن جاء اللبلي فذكر فعلاً آخر معه، هو اِحب يقول مشيراً إلى الفعل أبي:" هذا الحرف استثناه النحويون من الباب فقط، ولم أر أحداً استثنى شيئاً سواه، مع طول بحثي عن ذلك، ووجدت أنا آخر، وهو: حَبَبت الرجل إِحبُّهُ ـ بكسر الهمزة ـ حكاه الإمام أبو عبد الله محمد بن أبان بن سَيِّد القرطبيُّ في كتابه المسمى بالسماء والعالم"1.
ومن الأشياء الشَّاذَّة أفعال ورد فيها كسر حرف المضارعة وليست منطبقة عليها قواعد الكسر مثل: تِذْهب، تلحن، وإضرب.
فالمشهور أنَّ مثل هذه الأفعال لايكسر فيها حرف المضارعة مطلقًا، نصَّ على ذلك سيبويه فقال:"ولايكسر في هذا الباب شيءٌ كان ثانيه مفتوحًا، نحو ضرب، وذهب وأشباههما "2.
إلَاّ أنَّ الكسائي حكى أنَّه سمع بعض بني دُبَيْرٍ يقول: أنت تِلحن وتِذهب3.
وهذا شيءٌ مخالف لما نقله العلماء من قواعد، فلا يتعدى به محلّه.
وحكى اللحياني عن الكسائي أن ذلك في التاء والنون والألف من كل فعلٍ كان على يفعَل بفتح الماضي والمستقبل معاً وأنشد:
ذروني إذهبْ في البلاد وريقتي تسوغ وحلقي لين ولساني
لكسر الهمزة في إذهب4.
ويأتي من هذا الشذوذ نفرغ في قراءة عيسى الثقفي5 {سنفرغ
1 بغية الآمال ص151.
2 الكتاب 4 / 110.
3 انظر ارتشاف الضرب 1 / 88، 89 وبغية الأمال ص152.
4 انظر بغية الأمال ص152.
5 أحد أئمة القراءة والعربية – توفي سنة 149هـ. إنباه الرواة 2/374.
لكم} 1 بكسر النون وفتح الراء. فالفعل فرغ يفرغ ويفرغ ومع ذلك كسرت النون.
ومثله {وإنصح} لكم بكسر الهمزة، وذلك ورد في قراءة يحيى بن وثاب وطلحة، لقول الله تعالى {أبلغكم رسالات ربي وإنصح لكم} 2.
والفعل نصح ينصح بالفتح في الماضي والمضارع ومع ذلك كسر حرف المضارعة منه.
وشذ أيضا ما ورد في أفعال من باب فعل يفعل إذ ورد على ذلك قراءة زيد بن علي ويحيى بن وثاب وعبيد بن عمير الليثي: {نِعبد} بكسر النّون3 وهذا من أشدّ أنواع الشّذوذ في هذا الباب إذ الماضي منه مفتوح العين والمضارع مضموم.
وأشذّ من ذلك كلّه قراءة من قرأ {نِعيده} بكسر النّون4. لأنَّ الفعل من أعاد وهو رباعي حقُّه ضمّ حرف المضارعة.
1 سورة الرَّحمن: 31. والقراءة ذكرها ابن الجزري في غاية النِّهاية 2: 380.
2 الأعراف: 62 ونسب ابن خالويه في تختصره ص 50 هذه القراءة إلى
…
...
3 البحر المحيط 1 / 23، وانظر إعراب القراءات الشّواذ 1 / 96.
4 ارتشاف الضرب 1/89.والمراد قول الله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} الأنبياء.
ما جاء على فَعِلَ ولم يكسر منه حرف المضارعة:
عرض سيبويه لـ يسع ويطأ فقال: "وأمَّا يسع ويطأ فإنَّما فتحوا؛ لأنَّه فَعِلَ يَفْعِل، مثل: حَسِبَ يَحْسِبُ، ففتحوا [للهمزة] 5 والعين كما فتحوا للهمزة والعين حين قالوا: يقرأ ويفزع، فلمَّا جاء على مثال ما فَعَل منه مفتوح
5 في الأصل الهمزة.