الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّ العرب تباينت في النّطق بها، وإليك تفصيل ذلك:
ما يكسر من حروف المضارعة وما يمتنع كسره:
سبق أن بيَّنَّا أن حروف المضارعة أربعة: الهمزة، والنّون، والتَّاء، والياء، فهل يصح لنا أن نكسر شيئًا منها؟
يقول سيبويه:" هذا باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء كما كسرت ثاني الحرف حين قلت: فَعِل، وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز، وذلك قولهم: أنت تِعْلم ذاك، وأنا إعلم، وهي تِعْلم، ونحن نعلم ذلك، وكذلك كل شيء فيه فَعِل من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لام أو عين، والمضاعف، وذلك قولهم: شقيت فأنت تِشْقَى، وخشيتُ فأنا إخشى، وخلنا فنحن نِخال، وعَضضْتُنَّ فأنتنَّ تِعْضَضْنَ وأنت تِعَضِّين "1.
وبتأمّل هذا النَّصِّ نلحظ أنَّ الحروف التي تكسر من حروف المضارعة ثلاثة: الهمزة، والتَّاء، والنّون، وكسر هذه الحروف لايكون في صيغ الأفعال كلّها، وإنَّما يكون في مضارع فَعِل مكسور العين. وهذا معنى قوله:"كما كَسَرْتَ ثاني الحرف حين قلت: فَعِل ".
والمراد بذلك ما جاء على فَعِل يفعَل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع.
و"ما ورد من فَعِل يفْعِل بكسر العين في الماضي والمضارع لا يكسر منه حرف المضارعة عند أحد من العرب. وأمَّا ما سمع بالوجهين فيكسر فيه حرف المضارعة على لغة الفتح لا على لغة الكسر "2.
وبهذا يتبين أنَّ ما كان على فعِل يفعِل لا يكسر منه حرف المضارعة.
1 الكتاب 4 / 110.
2 المغني في تصريف الأفعال ص 145.
وعلة ذلك ثقل الكسر بعد الكسر؛ ولأنَّ العلَّة في كسر حرف المضارعة فيما كان ماضيه على فعِل التنبيه على كسر العين منه، قال سيبويه:"وإنَّما كسروا هذه الأوائل؛ لأنَّهم أرادوا أن تكون أوائلها كثواني فَعِل كما ألزموا الفتح ما كان ثانيه مفتوحًا في فَعَل وكان البناء عندهم على هذا أن يجروا أوائلها على ثواني فعِل منها "1.
ولما كانت العلّة هذه لم يُكْسَرْ في الباب شيء كان ثانيه مفتوحًا نحو ضرب وذهب وأشباههما 2.
أمَّا الياء الدَّالة على الغائب من حروف المضارعة فإنَّا نجدها تخرج من هذا، وتسلم من الكسر. يقول الرّضي:"وتركوا الكسر؛ لأنَّ الياء من حروف المضارعة يُستثقل عليها، وكسر حروف المضارعة ـ إلَاّ الياء ـ لغة غير الحجازيين إذا كان الماضي مكسور العين "3. وقال أيضًا: "واعلم أنَّ جميع العرب ـ إلَاّ أهل الحجاز ـ يجوزون كسر حروف المضارعة سوى الياء في الثلاثي المبني للفاعل، إذا كان الماضي على فعِل بكسر العين فيقولون: أنا إعلم، ونحن نِعلم وأنت تِعلم
…
"4.
وبهذا يتبيّن أنَّ الياء ليست ممَّا يكسر من حروف المضارعة إلَاّ في حالات نادرة، كأن تكون بعدها ياء أخرى. قال الرَّضي:"ويكسرون الياء أيضًا إذا كانت بعدها ياءٌ أخرى"5.
1 الكتاب 4 / 110.
2 المصدر السَّابق.
3 شرح الكافية: 2 / 228.
4 المصدر السابق: 1 / 141.
5 المصدر السابق: 2 / 228.
أمَّا تعليل إخراجها من دائرة الكسر عن مثيلاتها فهو الثّقل النَّاشئ عن ذلك؛ لأنَّ الياء ثقيلة والكسرة ثقيلة، ولذلك لم ترد مكسورة في أوَّل الأسماء إلَاّ في كلمات معدودة، ذكرها ابن جنِّي في منصفه وعلَّل ذلك بالثّقل إذ قال:"وليس في كلام العرب اسم في أوَّله ياء مكسورة إلَاّ قولهم في اليد اليسرى: يِسار بكسر الياء والأفصح يَسار بفتحها. وقالوا أيضًا في جمع يقظان: يِقاظ وفي جمع يَعْرٍ وهو الجدي يِعَرَة وفي جمع يابس: يِباس. وإنَّما تنكَّبوا ذلكَ عنديَ استثقالاً للكسرة في الياء، وليست كالواو التي إذا انضمَّت هُمِزَتْ هربًا من الضَّمَّة فيها. فلمَّا لم يكن فيها القلب لم يستجيزوا كسرها أولاً "1.
ولأجل هذه العلَّة تركت بعض القبائل التي تكسر حروف المضارعة الكسر في الياء. قال سيبويه: "وجميع هذا إذا قلت فيه يفعل فأدخلت الياء فتحت؛ وذلك أنَّهم كرهوا الكسرة في الياء حيث لم يخافوا انتقاض معنًى فيحتمل ذلك
…
"2.
وقال ابن جنِّي: "وتَقِلُّ الكسرة في الياء نحو يِعلم، ويِركب استثقالاً للكسرة في الياء
…
"3.
وتعبير ابن جنِّي بالقلَّة احتراز ممَّا وقع في لغة بعض القبائل من الكسر حتَّى في الياء، كبعض كلب إذ تكسر فيها وفي غيرها.ذكر ذلك أبوحيَّان فقال:" وغيرهم من العرب [أي: الحجازيين] قيس وتميم وربيعة ومن جاورهم تكسر إلَاّ في الياء فتفتح، إلَاّ بعض كلب فتكسر فيها وفي غيرها من الثَّلاثة"4. على أنَّه وجد غير كلب يكسر في الجميع في بعض الأفعال خاصَّة، كما تفعل تميم في مثل وجل إذ تكسر مطلقًا. وسيأتي بيان ذلك ـ إن شاء الله.
1 المنصف: 1 / 117.
2 الكتاب 4 / 110.
3 المحتسب 1 / 330.
4 ارتشاف الضرب 1 / 88.
ويرى بعض الباحثين المعاصرين أنَّه " لا يستبعد أن تلحق الكسرة الياء كما لحقت غيرها من حروف المضارعة؛ لأنَّ الكسرة أنسب للياء من الفتحة أو الضَّمَّة فهما من مخرج واحد"1. وهذا ناتج عن تعليل سبب الكسر بأنَّه من قبيل ميل القبائل البدويَّة إلى الكسر، بسبب طبيعة التعجل عندهم 2.
الأفعال التي تكسر فيها حروف المضارعة:
حدد علماء العربية القدماء نوع الأفعال التي تكسر فيها حروف المضارعة فجعلوه من الثلاثي ما جاء على فِعل يفعَل ومن غيره ما كان مبدوءاً بهمزة وصل أو تاء زائدة. وجعلوا علة ذلك الإشارة إلى كسر العين في فَعِل 3 ثم شبهوا ما كان في ماضيه ألف وصل بما كان الماضي منه على فَعِل لاجتماعهما في كسرة ألف الوصل أولاً، وكسرة عين فِعل ثانياً، وكرهواً كسر الحرف الثاني من مستقبل فعِل لأن صفته السكون، وكرهوا كسر الثالث لئلا يلتبس يفعَل بـ يفعِل فوجب كسر الأول. ثم شبهوا مستقبل ما ماضيه ألف الوصل بمستقبل فعِل فكسروا أوله 4 ثم حملوا عليه ما بدئ بتاءٍ زائدة لأنه كان في الأصل مما ينبغي أن يكون أوله ألف موصولة، لأن معناه معنى الانفعال، وهو بمنزلة انفتح وانطلق، ولكنهم لم يستعملوه استخفافاً5 هذه تعليلات القدماء، وهي تعليلات مقبولة، استنتجوها من طبيعة اللغة والنظر في قوانينها وإن لم تقصدها العرب حين تكلمت بهذه الأفعال.
وحين تحدث علماء العربية المحدثون عن هذه القضية جعلها بعضهم من
1 اللهجات في الكتاب لسيبويه 161.
2 انظر المرجع السَّابق.
3 شرح الشافية 1/141.
4 المخصص 14/218.
5 المصدر السابق.
قبيل ميل القبائل البدوية إلى الكسر بسبب طبيعة التعجل عندهم1.
وذهب الدكتور غالب المطلبي إلى أن تعليل القدماء ليس صحيحاً بسبب وجود أمثلة من غير باب فعِل يفعَل من نحو أبي، وركن، وخال2 وصنع. ومال إلى أن كسر حروف المضارعة في الأصل متعلق بصيغة يفعَل المفتوحة العين بغض النظر عن حركة العين في الماضي، وجعل ذلك ظاهرة لغوية سامية قديمة، إذ إنه اطرد في لغتين ساميتين غربيتين هما العبرية والسريانية 3.
ونلحظ هنا أن تعليل المحدثين أغفل المبدوء بهمزة الوصل والتاء الزائدة، مما يجعل الأمر يحتاج إلى نظر، على أن كل ما ذكروه لا يمكن الجزم به لافتقاره إلى الأدلة القاطعة التي تبرهن على صحته، وفساد ما ذهب إليه القدماء ـ في نظرهم ـ ومن ثم أرى تعليل القدماء يبقى الأصل، ولا يقبل الحكم بعدم صحته إلا إذا توصل الباحثون إلى تعليل تعضده الأدلة، وتُعَيِّنُ القول به البراهينُ، وقد أشار الدكتور المطلبي إلى عدم توافر هذا فقال:"ولكننا لا نستطيع أن نذهب مذهباً يُطمأنُ إليه لاندثار هذه اللغات، وعدم وجود أدلة جازمة فيه "4.
أما الأفعال التي تجري فيها هذه الظاهر فيمكن تناولها على النحو التالي:
1-
ما كان الكسر فيه تنبيهًا على كسر عين الفعل الماضي منه، وذلك في كل فعل ماضيه على فَعِل سالمًا كان، أو مضاعفًا، أو أجوف أو ناقصًا5، أو مهموزًا، أو مثالاً أو لفيفًا، وكان مبنيًّا للفاعل.
1 اللهجات في الكتاب 163.
2 سيأتي الحديث عن هذه الأفعال وما رآه القدماء بشأنها.
3 في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد العربية 190.
4 المرجع السابق.
5 اللهجات في الكتاب ص 156.
2-
ما كان مبدوءًا بهمزة وصل مكسورة.
3-
ما كان مبدوءًا بتاءٍ معتادة ممَّا يكون على وزن تفعّل أو تفاعل أو تفعلل وإليك بيان هذه الأحكام بالتَّفصيل:
ما كان الكسر فيه تنبيهًا على كسر عين الفعل الماضي منه، ويكون ذلك في الفعل الصَّحيح والمعتلّ على السَّواء وفق التَّفصيل التَّالي:
أالصَّحيح السَّالم:
من المعلوم أنَّ الصَّحيح هو ما خلت حروفه الأصول من أحرف العلَّة الألف والياء والواو. والسَّالم ما سلم من الهمز والتَّضعيف، وهذا النَّوع من الأفعال ممَّا يكسر فيه حرف المضارعة إذا كان ماضيه على فَعِل ومضارعه على يفعَل.
وقد مرَّ بنا آنفًا تمثيل سيبويه بالفعل عَلِم الذي توافرت فيه شروط كسر حرف المضارعة منه. وجاء عند ابن جنِّي قوله: "هذه لغة تميم أن تكسر أوَّل مضارع ما ثاني ماضيه مكسور نحو: علمت تِعْلم، وأنا إعلم، وهي تِعْلم ونحن نِرْكَب "1.
وقد وردت شواهد في القراءات الشَّاذَّة والشّعر والنَّثر على هذا. منها: ما نقله أبو حيَّان أنَّ أبا عمرو قرأ: {وَلا تِِرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2 بكسر التَّاء على لغة تميم3. والفعل ركن يأتي على فعِل وفَعَل فيقال: رَكِن إلى الشَّيء ورَكَن يَرْكَنُ ويَرْكُنُ 4. فكسر التَّاء هنا على أنَّه من رَكِنَ يَرْكَنُ.
1 المحتسب 1 / 330.
2 هود: 113.
3 البحر المحيط 5 / 269.
4 لسان العرب (ركن) .
ومثل ذلك عهد إذ ورد في ذلك كسر حرف المضارعة في قراءة يحيى بن وثاب1 في قوله تعالى: {أَلَمْ إِعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ
…
} 2.
قال الزَّمخشري: "وقرئ إعهد بكسر الهمزة، وباب فَعِل كلّه يجوز في حروف مضارعته الكسر إلَاّ في الياء، وأعهد بكسر الهاء.."3.
ومن ذلك في النَّثر ماذكره أبو حاتم السّجستاني من أنَّه سمع حترش بن ثمال ـ وهو عربي فصيح ـ يقول في خطبته: "الحمد لله إحمده وإستعينه وإتوكل عليه" فيكسر الألفات كلّها4. وكذلك ما ذكره ابن خالويه من قولهم: "ربِّ اغفر وارحم، واعف عمَّا تِعلم إنَّك أنت الأعزُّ الأكرم"5، فاتَّضح ممَّا سبق أنَّ كسر حرف المضارعة من الصَّحيح السَّالم وارد في لهجات العرب إذا كان الماضي على فعِل بكسر العين.
ومثلها قراءة من قرأ {تِعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا إِعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك} 6 بكسر حرفي المضارعة7 و {تِقْرَبَا} بكسر التَّاء أيضًا8؛ لأنَّه من قَرِبْتُ أقْرَبُ.
1 يحيى بن وثَّاب الأسدي الكوفي القارئ العابد، تابعيّ ثقة مقرئ الكوفة. توفي سنة ثلاث ومائة. معرفة القراء الكبار 1 / 64، 65.
2 يس: 6.
3 الكشَّاف 3 / 327.
4 انظر اللهجات العربية في التراث 1 / 389.
5 ليس في كلام العرب ص 102 - 103 وبغية الآمال ص152.
6 المائدة: 114.
7 نسبها ابن خالويه في المختصر ص 42 إلى الأعمش.
8 من قول الله تعالى: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} . سورة البقرة: 35. وقراءة الكسر لابن وثاب. انظر مختصر ابن خالويه ص 12، وإعراب القراءات الشَّواذ 1 /149.
ب المضاعف [مضاعف الثلاثي] :
المضاعف يقصد به ما كانت عينه ولامه من جنس، مثل شدَّ ومدَّ؛ إذ أصلهما شَدَد ومَدَدَ، جرى فيهما وفي أمثالهما إدغام لكون الحرفين من مخرج واحد بلا فصل بينهما.
وهذا النَّوع من الأفعال هو ما عناه سيبويه في الكتاب بقوله: "وعَضِضْتُن فأنتن تِعْضضن وأنت تِعَضِّين "1.
فالفعل عَضَّ من باب فَعِل يَفْعَل تقول: قد عَضِضْتُه أَعَضُّهُ. جرى فيه كسر حرف المضارعة، ومن ذلك قراءة يحيى2 والأعمش3 وطلحة4 بخلاف. ورواه إسحاق الأزرق5 عن حمزة6:{فَتِمَسَّكُمُ النَّارُ} 7. وذلك من قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتِمَسَّكُمُ النَّارُ} 8.
والفعل مَسَّ على فَعِل ومضارعه على يفعل. تقول: مَسِسْتُه بالكسر أَمَسُّه مَسًّا ومَسِيسًا: لَمَسْتُه، هذه اللّغة الفصيحة. ومَسَسْتُه بالفتح أمُسُّه
1 الكتاب 4 / 110.
2 ابن وثاب وتقدمت ترجمته.
3 الأعمش سليمان بن مهران أبومحمّدالكوفي، مولى بني أسد ت 148?. انظر معرفة القراء الكبار للذّهبي 1/96.
4 طلحة بن مصرف أبو محمّد الهمذاني الكوفي، تابعيّ كبير، له اختيار في القراءة ينسب إليه، توفي سنة 112?، انظر سير أعلام النّبلاء 5 / 191 - 193.
5 ابن يوسف الواسطي، كان فيمن أخذوا القراءةعن حمزة. توفي 195?. انظرطبقات القراءلابن الجزري1/158.
6 ابن حبيب الزّيات، أحد القرّاء السّبعة توفّي 156?. انظر معرفة القراء الكبار 1/ 118.
7 المحتسب 1 / 330.
8 هود: 113.