المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كسر حرف المضارعة ليعلم أن ثاني الفعل الماضي مكسور - حركة حروف المضارعة

[عبد الله القرني]

الفصل: ‌كسر حرف المضارعة ليعلم أن ثاني الفعل الماضي مكسور

بالضَّم لغة1. فكسر حرف المضارعة في القراءة المذكورة على اللغة الفصيحة، وبهذا يتّفق مع داعي الكسر المذكور في كلام أهل اللّغة.

ومثلها قراءةَ {تمِسَّنَا النَّارُ} 2 بكسر التَّاء3.

ضَلَّ اللغة الفصيحة في هذا الفعل فَعَل يفعِل وعلى هذا ليس جاريًا على قاعدة كسر حرف المضارعة، وفي قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي

} 4 قُرئ: {إضَلُّ} بكسر الهمزة وفتح الضَّاد5، وهذا على أنَّ الفعل من قولهم: ضَلِلت أَضَلُّ وذلك على لغة أهل الحجاز6.

ومثل ذلك ما جاء في اللِّسان: " وكان ينشد [أي: ابن دريد] هذا البيت:

كان لنا وهو فُلُوٌّ نِربَبُه

ص: 468

‌كَسَرَ حرف المضارعة ليعلم أنّ ثاني الفعل الماضي مكسور

7.

وذكر الجندي أنه قرئ {وَنِقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} . بكسر النون8 ولم يعزه

1 اللسان (مسس) .

2 سورة البقرة: 80.

3 إعراب القراءات الشَّواذ 1 / 181.

4 سبأ: 50.

5 نسب ابن خالويه هذه القراءة لعبد الرّحمن المقرئ، وكذا أبوحيَّان في البحر.انظر مختصر ابن خالويه 123، والبحر المحيط 7 / 292. وذكرها الزّمخشري في الكشَّاف 3 / 295 بدون نسبة.

6 انظر اللّسان (ضلل) .

7 اللِّسان: ربب.

8 اللهجات العربية في التراث: 1/393. والآية من سورة الحج (5) .

ص: 468

إلى مصدر معين، ولم أقف عليه فيما رجعت إليه من مصادر، فإن صح ما ذكر فذلك غير ممتنع ـ لغةً ـ ويدخل في باب المضاعف.

جـ الصَّحيح المهموز:

أَمِنَ فعل صحيح مهموز، ورد كسر حرف المضارعة منه في قراءة ابن وثاب1 وأبي رزين2 في قول الله تعالى:{مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} 3 إذ قرآ "مالك لاتيمنا" بكسر التَّاء مع الإدغام. وفي مصحف ابن مسعود: {تِيمنه. وكذلك في مصحف أبيّ بن كعب: {تِئمنه} 4.

ألم أَلِمَ يأْلَمُ على فَعِل يفعَل. ولذا جاء كسر حرف المضارعة فيه في قراءة يحيى بن وثاب: {فإنَّهم ييلمون كما تيلمون} وذلك من قول الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ

} 5 بكسر حرفي المضارعة الياء والتَّاء.

وقد استوقفت هذه القراءة ابن جنِّي من حيث إنَّ أحد الحرفين الياء. يقول ابن جنِّي في هذه القراءة: "العرف في نحو هذا أن من قال: أنت تِئمن وتِئلف وإيلف، فكسر حرف المضارعة في نحو هذا إذا صار إلى الياء فتحها ألبتة،

1 تقدّمت ترجمته.

2 مسعود بن مالك، ويقال ابن عبد الله أبوزيد الكوفي، لم يحفظ ابن الجزري سنة وفاته. غاية النّهاية في طبقات القرّاء لابن الجزري 2 / 296.

3 سورة يوسف: 11.

4 اللهجات العربية في التراث 1 / 389.

5 النِّساء: 104. وقرأ ذلك بالكسر ابن وثاب وابن المعتمر. انظر المحتسب 1 / 198، وشرح التسهيل 3 / 448، والبحر 3 / 343.

ص: 469

فقال: يألف، ولايقول: هو ييلف، استثقالاً للكسرة في الياء "1. أمَّا كسر التَّاء فهو جارٍ على نظائره، وذكر النَّحاس أنَّها قراءة عبد الرَّحمن الأعرج، وقال: "ولايجوز عند البصريين في تألمون كسر التاء لثقل الكسر فيها "2. ومراده أنَّ الثقل نشأ من تتابع الكسرة والياء، لا أن الكسرة مستثقلة على التاء.

أذن الفعل أذن صحيح مهموز وهو من باب فعِل يفعَل وقد ورد كسر حرف المضارعة منه في قراءةٍ شاذَّة في قول الله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} 3 إذ قرئت إيذن بكسر الهمزة وياءٍ بعدها ووجهه أنَّه كسر حرف المضارعة فصارت الألف ياءً 4.

ومن ذلك ماجاء في قول منصور بن مرثد5 الأسدي:

قلتُ لبوابٍ لديه دارُها

تِئذن فإني حَمْؤُها وجارُها

بكسر التَاء. وإن كان جُعِل كسر حرف المضارعة هنا بسبب حذف لام الأمر، إذ الأصل: لتئذن، إلَاّ أنِّي أرى أنَّه من باب كسر حرف المضارعة لأنَّ الفعل أذِن يأذن على فعِل يفعَل فقد توافرت فيه شرائط كسر حرف المضارعة. وممَّا يقوّي القول بأنَّه من قبيل كسر حرف المضارعة قول ابن مالك: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: ايذن6.

كما أنَّ كون الشَّاعر من بني أسد التي تُسْلَكُ في القبائل التي تكسر حرف المضارعة يؤيد ذلك والله أعلم.

1 المحتسب 1 / 198.

2 إعراب القرن 1 / 486.

3 الأعراف: 123.

4 إعراب القراءات الشواذ 1 / 554.

5 إصلاح المنطق ص 340، والمغني ص 298.

6 انظر شرح الكافية الشَّافية 3 / 1570، والمغنى 298.

ص: 470

أثم من الصّحيح المهموز وهو من باب فعِل يفعَل، تقول: أَثِمَ يأثم. ومن ثم جاء كسر حرف المضارعة فيه وذلك في قول الراجز:

لو قُلتَ مافي قومها لم تِيثم يفضلها في حسب وميسم1

فنجد أنَّه كسر حرف المضارعة في الفعل تأثم وأبدل الهمزة ياءً لمناسبة الكسر لها، وبهذا يتبيّن أنَّ أقسام الصَّحيح في كسر حرف المضارعة سواء إذا توافرت أسباب ذلك.

أمَّا المعتلّ فهو أقسام أربعة: مثال، وأجوف، وناقص، ولفيف. فالمثال ما اعْتَلَّتْ فاؤه، والأجوف ما اعتلت عينه، والنَّاقص ما اعتلت لامه، واللفيف ما كان فيه حرفا علة سواء كانا متتابعين أو فرق بينهما حرف صحيح.

د المثال:

الفعل وجل فعل مثال لأنَّ فاءه حرف عِلَّةٍ، وقد ورد كسر حرف المضارعة منه في كلام العرب. يقول سيبويه: "وأمَّا وجِل يوجَل ونحوه فإنَّ أهل الحجاز يقولون: يوجَل فيجرونه مُجْرَى علمت. وغيرهم من العرب سوى أهل الحجاز يقولون في تَوْجل: هي تِيجلُ، وأنا إيجل، ونحن نِيجل. وإذا قلت: يفعَل فبعض العرب يقولون يَيْجل كراهية الواو مع الياء، شبهوا ذلك بأيام ونحوها.

وقال بعضهم: ياجَل، فأبدلوا مكانها ألفًا كراهية الواو مع الياء كما يبدلونها من الهمزة السَّاكنة.

وقال بعضهم: يِيجل، كأنَّه لمَّا كره الياء مع الواو كسر الياء ليقلب الواو ياءً؛ لأنَّه قد علم أنَّ الواو السَّاكنة إذا كانت قبلها كسرة صارت ياءً، ولم تكن عنده الواو التي تقلب مع الياء حيث كانت الياء التي قبلها متحرّكة، فأرادوا أن

1 الكتاب 2/345، والخصائص 2/370 بدون نسبة، ونسبه ابن يعيش إلى أبي الأسود الحماني، انظر شرح المفصل 3/61، ونسبه البغدادي إلى حكيم بن مُعَيَّة انظر الخزانة 2/311.

ص: 471

يقلبوها إلى هذا الحد، وكره أن يقلبها على ذلك الوجه الآخر "1.

فتجد أنَّ سيبويه نصَّ على أنَّ من العرب من يكسر حروف المضارعة الثَّلاثة ـ الهمزة والتاء والنون ـ أمَّا مع الياء فورد عن بعضهم، ولكنَّه التمس له تعليلاً غير ماكان لغيرها.

وصرَّح الأخفش بأنَّ كسر الياء في باب وجل لأنَّ الواو قد تحوَّلت إلى الياء مع التاء والنُّون والألف، فلو فتحوها استنكروا الواو، ولو فتحوا الياء لجاءت الواو، فكسروا الياء فقالوا: يِيجل ليكون الذي بعدها ياء، وكانت الياء أخفَّ مع الياء من الواو مع الياء؛ لأنَّه يُفَرُّ إلى الياء من الواو، ولا يُفرُّ إلى الواو من الياء2.

وكسر حروف المضارعة الثَّلاثة في وجل جعله ابن مالك مطلقًا إذ قال: "

ويكسره غير الحجازيين مالم يكن ياءً إن كسر ثاني الماضي أو زيد أوله ياء معتادة أو همزة وصل؛ ويكسرونه مطلقًا في مضارع أبى ووجل ونحوه "3.

وقال أبوحيان: "فإن كان مثل وجل مما هو مكسور العين وفاؤه واو فمضارعه على يَفعَلُ بفتحِ العين، وهي لغةُ قريشٍ وكنانة. فأهل الكسر مختلفون، فمنهم من يكسر مطلقًا، وهي لغة تميم، فتنقلب تلك الواو ياءً، ومنهم من يكسر إلَاّ في الياء فيفتح وهي لغة بني عامر

"4.

وبهذا يتضح لنا حكم كسر حروف المضارعة في الفعل المثال.

1 الكتاب 4 / 111 - 112.

2 معاني القرآن 2 / 412.

3 التسهيل 197.

4 ارتشاف الضرب 1/ 88، 89.

ص: 472