المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العاشر في ذكر خوف المحبين العارفين وفضله على خوف سائر الخائفين - استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس - جـ ٣

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌محتويات الكتاب

- ‌الباب الأول في لزوم محبة الملك القدوس وتقديمها عَلَى حب الأموال والأولاد والنفوس

- ‌فصل محبة الله عَلَى درجتين: 1 - فرض لازم 2 - درجة السابقين

- ‌الباب الثاني في بيان أن من أعظم المطالب وأهمها سؤال الله تعالى محبته عَلَى أكمل الوجوه وأتمها

- ‌الباب الثالث في بيان الأسباب التي تستجلب بها محبة رب الأرباب

- ‌فصل "الأسباب الجالبة لمحبة الله

- ‌الباب الرابع في علامات المحبة الصادقة

- ‌فصل "بعض الآثار عن الحب

- ‌الباب الخامس في استلذاذ المحبين بكلام محبوبهم وأنه غذاء قلوبهم وغاية مطلوبهم

- ‌الباب السادس في أنس المحبين بالله وأنه ليس لهم مقصود من الدُّنْيَا والآخرة سواه

- ‌فصل "هم العارفين رؤية ربهم

- ‌الباب السابع في سهر المحبين وخلوتهم بمناجاة مولاهم الملك الحق المبين

- ‌الباب الثامن في شوق المحبين إِلَى لقاء رب العالمين

- ‌الباب التاسع في رضا المحبين بمر الأقدار وتنعمهم ببلاء من يخلق ما يشاء ويختار

- ‌فصل ["انكسار قلوبهم بحب ربهم"] (1)

- ‌الباب العاشر في ذكر خوف المحبين العارفين وفضله عَلَى خوف سائر الخائفين

- ‌فصل ["الحياء والخوف من الله

- ‌الباب الحادي عشر في شرف أهل الحب وأن لهم عند الله أعلى منازل القرب

- ‌الباب الثاني عشر في نبذ من كلام أهل المحبة وتحقيقهم تقوى به القلوب عَلَى سلوك طريقهم

- ‌[الخوف والحب]

- ‌[مفهوم جيد]

- ‌فصل[الخاتمة]

الفصل: ‌الباب العاشر في ذكر خوف المحبين العارفين وفضله على خوف سائر الخائفين

‌الباب العاشر في ذكر خوف المحبين العارفين وفضله عَلَى خوف سائر الخائفين

قال الله -تعالى- في حق الفجار: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين: 14 - 17] فوصفهم بأن كسبهم ران عَلَى قلوبهم، والران هو ما يعلو [عَلَى](1) القلب من الذنوب من ظلمة المعاصي وقسوتها، ثم ذكر جزاءهم عَلَى ذلك، وهو ثلاثة أنواع: الحجاب عن ربهم، ثم صلي الجحيم، ثم التوبيخ.

فأعظم عذاب أهل النار حجابهم عن ربهم عز وجل، ولما كانت قلوبهم في الدُّنْيَا مظلمة قاسية، لا يصل إليها شيء من نور الإيمان وحقائق العرفان كان جزاؤهم عَلَى ذلك في الآخرة حجابهم عن رؤية الرحمن.

قال بعض العارفين: "من عرف الله في الدُّنْيَا، عرفة بقدر تعرفه إِلَيْهِ، وتجلى له في الآخرة بقدر معرفته إياه في الدُّنْيَا، فرآه في الدُّنْيَا رؤية الأسرار، ويراه في الآخرة رؤية الأبصار؛ فمن لا يراه في الدُّنْيَا بسره، لا يراه في الآخرة بعينه" انتهى.

فخوف العارفين في الدنيا من احتجابه عن بصائرهم، وفي الآخرة من احتجابه عن أبصارهم ونواظرهم.

وكتب الأوزاعي إِلَى أخ له: "أما بعد؛ فإنَّه [قد](1) أحيط بك من كل

(1) من المطبوع.

ص: 370

جانب، واعلم أنَّه يسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به، والسلام".

وكان عتبة الغلام يبكي بالليل ويقول: "قطع ذكر العرض عَلَى الله أوصالَ المحبين. ثم يحشرج البكاء حشرجة الموت ويقول: تراك يا مولاي تعذب (محبيك) (1) وأنت الحي الكريم. وبات ليلة بالساحل قائمًا يردد هذه الكلمات لا يزيد عليها ويبكي حتى أصح: إن تعذبني فإني لك مُحبُّ، وإن ترحمني فإني لك محبٌّ! ".

وكان كهمس يقول في الليل: "أتراك تعذبني وأنت قرة عيني يا حبيب قلباه؟! ".

وكان أبو سليمان [يبكي](2) ويقول: "لئن طالبني بذنوبي لأطالبنه بعفوه، ولئن طالبني ببخلي لأطالبنه بجوده، ولئن أدخلني النار، لأخبرن أهل النار أني كنت أحبه".

وأخذ هذا المعنى بعض [الشعراء](2) المتأخرين فَقَالَ:

وحقك لو أدخلتني النار قلت للـ

ذين بها قد كنتُ ممن (أحبه)(3)

وآيةُ حبِّ الصبِّ أن يَعْذُبَ الأسى

إذا كان من يهوى عليهم (يصيبه)(4)

كان بعض المحبين عند قوم يبكون من الخوف، فأنشد:

كلهم يعبدون من خوف نار

ويرون النجاة فضلا جزيلا

أو بأن يسكنوا الجنان فيعطوا

روضة من رياضها سلسبيلا

ليس لي في الجنان والنار رأيٌ

أنا لا أبتغي بحبي بديلا

(1) في المطبوع: "محبك".

(2)

من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "يحبه".

(4)

فى المطبوع: "يَصُبُّه".

ص: 371

فقِيلَ لَهُ: لو طردوك، ما كنت تصنع؟ فَقَالَ:

أنا إن لم أجد من الحب وصلا

رُمتُ في النار منزلا ومقيلا

ثم أزعجت أهلها بندائي

بكرةً في عراصها وأصيلا

معشر المشركين نوحوا على من

يدعي أنَّه يحبُّ الجليلا

لم يكن في الَّذِي ادّعاه محقًا

فجزاه به العذاب الطويلا

وقد سبق قول رقية الموصلية: "إلهي وسيدي ومولاي، لو أنك عذبتني بعذابك كله، كان ما فاتني من قربك أعظم عندي من العذاب".

وقال ذو النون: "خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي".

وكان الشبلي يهيج في داره وينشد:

عَلَى بعدك لا يصبر

من عادته القرب

ولا يقوى عَلَى حجبك

من تيَّمَه الحب

فإن لم ترك العين

فقد يبصرك القلب

***

ص: 372