المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة طالما حاول كثير من علماء السوء وبعض المتصيدين لأخطاء وعثرات - حكم الغناء في مذهب المالكية

[مصطفى باحو]

الفصل: ‌ ‌خاتمة طالما حاول كثير من علماء السوء وبعض المتصيدين لأخطاء وعثرات

‌خاتمة

طالما حاول كثير من علماء السوء وبعض المتصيدين لأخطاء وعثرات العلماء إيهام الناس أن تحليل الغناء هو مذهب مالك، والمالكية، وتطايروا بقول بعض العلماء الأفاضل، كالشوكاني في نيل الأوطار (8/ 83) إن مذهب المدنيين جواز الغناء والسماح بآلات اللهو وغيرها، وبالتالي فإن المسألة خلافية بين الفقهاء.

فهذه هي أقوال المالكية في الغناء، وهذا مذهبهم، وهذه نصوصهم، وهذه فتاويهم، وهي تقطع بما لا مجال فيه للشك أن المذهب الصحيح المقطوع به عند المالكية هو حرمة الغناء وآلاته، وحرمة بيعها وشرائها وبطلان العقد بذلك، ووجوب كسرها وإزالتها من الأسواق، وسقوط شهادة فاعله والمستمع له. إلا ما تقدم استثناؤه، كغناء في عرس ونحوه بدف أو كبر.

ص: 55

إذا علمت هذا فارجع البصر إلى فتاوى من سموا أنفسهم مالكية من أهل هذا الزمان، هل ترى عندهم لهذا الحكم من تحرير، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.

ولا يسعني إلا أن أقول لهم ما قاله أحد العلماء المتأخرين، كما نقل صاحب الزجر والإقماع (202)، في حق من يحضر مجالس العود والرباب من العلماء: وإن من كان يحضر مجلسا فيه ذلك من أهل تلك الطبقة وغيرها، إما رجل لم ينفعه الله بعلمه، إن كان يعتقد ما يعتقده العوام من كون هذا الغناء من المختلف فيه، أو رجل يرتكب ما هو أعظم من الغناء من المحرمات ولا يبالي، وألقى جلباب الحياء عن وجهه، أو رجل أراد قرب السلاطين ..

وقال (203): وإنما أردت إيقاظ أهل زماني وإلا فالتآليف في هذا كثيرة، لا سيما في المغرب والأندلس، فإنه لما أظهر السلاطين حب الغناء وشغفوا به وعملوا المغنيات وقربوا المغنين على أئمة المصلين، انتصر للدين طائفة من العلماء

ص: 56

العاملين وردوا على العلماء المبطلين الذين يفتون السلاطين لأجل الدنيا بما يشتهون. انتهى.

هذا، وقد يرى المطالع للمعيار أو بعض شروح خليل أو شروح الرسالة كشرح ابن ناجي وزروق وغيرها أو بعض الكتب المفردة في إجازة ذلك، كمواهب الأرب لابن جعفر الكتاني، نصوصا توهم غير ما قررته أو بالأحرى قرره أئمة المالكية، في هذه الرسالة، فليعلم أن من حكى عن الإمام مالك أو المالكية إجازة الغناء فهو أحد رجلين:

1 -

إما واهم في نقله.

2 -

وإما رجل أشرب الغناء في قلبه فصار يبحث عن كل خيط عنكبوت ليتشبث به معرضا عن النصوص المحكمة عن أئمة المذهب، معولا على نصوص لبعض المتأخرين في ذلك.

فضلا على أن بعض العلماء يطلقون الغناء على ما تجرد عن الآلات الموسيقية، فيحكون فيه الخلاف كما تقدم.

ورحم الله أبا الحسن الصغير القائل في رسالته في إنكار البدع والسماع (المخطوطة بالخزانة الحسنية رقم 12226)،

ص: 57

(الصفحة 6): وما يذكرون أن جماعة من التابعين كانوا يفعلونه فلم يبلغ أن أحدا من السلف الصالح فعله، ولم يثبت في كتب الأئمة كمالك والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي ويحيى بن يحيى الأصيلي والليث بن سعد وغيرهم رضي الله عنهم، وكتبهم خالية مما عليه هذه الطائفة، وهي مصنفات المسلمين التي يحتج بها، وكذلك مصنفات الشافعية والحنفية والحنبلية، رضي الله عنهم، فكتبهم مشحونة بتفسيق أهل السماع، وكذلك مصنفات مالك وأتباعه رضي الله عنهم، ومن فعله من المتأخرين فقد أخطأ ولا يقتدى به، وإنما يقتدى بما في كتب الأئمة الراشدين.

وقال أبو عبد الله الساحلي الأندلسي المالكي (ت: 754) في بغية السالك في أشرف المسالك (2/ 607)، بعد كلام طويل حول مفاسد الغناء: والحق الذي لا ريب فيه أن هذه الملاهي قادحة في آداب العبودية، ناقضة لعرى الخضوع والافتقار، ومضادة لمعنى التدبر بعيدة من الحق، قريبة من الباطل،

ص: 58

يجب تنزيه جانب النبي صلى الله عليه وسلم وجانب أصحابه والسلف الصالح عن ذلك وأمثاله.

وأقبح شيء في هذه المسألة: التعامي عن جميع ما ذكر، والميل إلى الاستدلال بفعل المتأخرين على جواز ذلك، كيف يجمل نبذ ما تقدم ذكره، والتغافل عنه استنادا إلى فعل بعض المتأخرين، ومن لم تثبت عصمته لا يؤمن زلله، وقد قال مالك رحمه الله: من كل القول مأخوذ ومتروك، إلا ما قاله صاحب هذا القبر، يشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (1)

وغير بعيد أن يكون المتأخر قد التبس عليه الحق، وجهله في هذه المسألة، فليس إلا الكتاب والسنة وفعل السلف، فهم أقرب عهدا بزمان النبوءة وأشد فهما لمعاني الكتاب والسنة، وأشد متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما بعد زمن النبوة حدث التغيير والتبديل. انتهى.

(1) رواه ابن عبد البر في جامع البيان (2/ 91).

ص: 59