الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث:
في ذكر نصوص أخرى للمالكية في تحريمه
ولنبدأ بثلاثة كتب من أمهات المختصرات المالكية، الرسالة، ومختصر خليل، والتلقين للقاضي عبد الوهاب.
- قال العلامة ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة (137): ولا تحضر من ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود أو شبهه من الملاهي الملهية إلا الدف في النكاح، وقد اختلف في الكبر.
- قال أبو العباس القلشاني في شرح الرسالة: ومثل ذلك ممنوع لأنه ليس من أخلاق ذوي الدين
…
(1).
(1) الزجر والإقماع (237)، وأبو العباس القلشاني هو أحمد بن محمد بن عبد الله القلشاني المغربي المالكي المتوفى سنة 863.
له ترجمة في الضوء اللامع (1/ 348) ونيل الابتهاج (1/ 116) وشجرة النور (258) والأعلام (1/ 229) وغيرها.
وقال عبد السميع الأبي الأزهري المالكي في شرحها الثمر الداني (394): فيمتنع حضور شيء من ذلك.
- وقال ابن أبي زيد أيضا في الرسالة (139): ولتجب إذا دعيت إلى وليمة العرس، إن لم يكن هناك لهو مشهور ولا منكر بين.
قال عبد السميع الأبي الأزهري المالكي في شرح الرسالة الثمر الداني (397): أي ممنوع، مثل آلات الطرب الممنوعة.
- قال العلامة أبو عبد الله محمد جسوس في شرحها: أي ممنوع كآلات الطرب الممنوعة، وهي ذوات الأوتار (1).
- وقال ابن أبي زيد أيضا (134): ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله .. ولا سماع شيء من الملاهي والغناء.
- وقال الشيخ يوسف بن عمر الأنفاسي الفاسي المالكي (ت761) في شرحها: قوله: "ولا سماع شيء من
(1) الزجر والإقماع (235) وجسوس من متأخري المالكية واسمه: محمد بن قاسم بن محمد جسوس أبو عبد الله المتوفى سنة 1182.
له ترجمة في الأعلام للزركلي (7/ 8) والفكر السامي (2/ 291) وشجرة النور (355).
الملاهي والغناء"، هذا من أنواع الباطل، فسماع الملاهي حرام، واستثنى أبو محمد الدف في النكاح كما يأتي، والملاهي هي مثل العود والمزمار وغير ذلك من الملاهي لأنها كثيرة.
وقوله: "والغناء"، هو من الباطل أيضا، سواء كان بآلة أو بغير آلة على المشهور، أما بآلة فهو حرام بإجماع، وبغير ءالة ذكر عن بعض أهل المدينة جوازه، وهو شاذ، ونسبه بعض الشافعية لمالك، وأنكر هذا عبد الوهاب، وقال: لا يصح هذا عن مالك ولا يليق به (1).
- وقال القاضي عبد الوهاب المالكي المتوفى سنة (422) في التلقين (188) عطفا على ما لايجوز: ولا حضور مواضع اللهو ولا سماع الملاهي كالطبل والزمر، ورخص في الدف وشبهه في النكاح.
- وقال الشيخ في مختصره (263): عطفا على ما يخل بالمروءة ويقدح في العدالة: وسماع غناء.
(1) الزجر والإقماع (230).
وقال أيضا في جامعه: ولا يصغي بسمعه إلى الملاهي والغناء وءالاته والنظر إلى ذلك كله حرام. الزجر والإقماع (230).
- وقال الدسوقي المالكي في حاشيته على شرح الدردير (2/ 339): وأما بقية الآلات من ذوات الأوتار فالراجح حرمتها حتى في النكاح.
- وقال الطرطوشي المالكي في تحريم الغناء والسماع (166): فأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق.
- وقال ابن عرفة المالكي: والغناء بآلة، فإن كانت ذات أوتار كالعود والطنبور والمعزفة والمزمار، فالظاهر عند العلماء حرمته، وأطلق ابن عبد الحكم أن سماع العود مكروه، وقد يريد به الحرمة. اهـ (1)
قلت: وفي المعيار (11/ 74) عن ابن عبد الحكم التصريح بالحرمة.
(1) الزجر والإقماع (172).
- وقال العلامة الشطيبي المالكي في شرح المباحث الأصلية بعد أن عدد بعض ءالات الغناء: وكل هذا بدعة وضلالة، إنما أباحه في السماع أرباب الأهواء، الذين تشيخوا بلا إذن وربوا بغير معرفة فضلوا وأضلوا لأنفسهم ولمن اقتدى بهم (1).
- وقال الرهوني في إمتاع الأسماع (20): وقال في جامع الإرشاد ما نصه: ويحرم حضور مجالس اللهو وأهل المنكر ولينه عنه، ويأمر بالمعروف.
- وقال أبو عبد الله الساحلي المالكي (ت: 754) في بغية السالك في أشرف المسالك (2/ 607)، بعد كلام طويل حول مفاسد الغناء: والحق الذي لا ريب فيه أن هذه الملاهي قادحة في آداب العبودية، ناقضة لعرى الخضوع والافتقار، ومضادة لمعنى التدبر، بعيدة من الحق، قريبة من الباطل، يجب تنزيه جانب النبي صلى الله عليه وسلم وجانب أصحابه والسلف الصالح عن ذلك وأمثاله.
(1) إبطال الشبه (64) والزجر والإقماع (226).
وأقبح شيء في هذه المسألة: التعامي عن جميع ما ذكر، والميل إلى الاستدلال بفعل المتأخرين على جواز ذلك، كيف يجمل نبذ ما تقدم ذكره، والتغافل عنه استنادا إلى فعل بعض المتأخرين، ومن لم تثبت عصمته لا يؤمن زلله، وقد قال مالك رحمه الله: من كل القول مأخوذ ومتروك، إلا ما قاله صاحب هذا القبر، يشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
وغير بعيد أن يكون المتأخر قد التبس عليه الحق، وجهله في هذه المسألة، فليس إلا الكتاب والسنة وفعل السلف، فهم أقرب عهدا بزمان النبوءة وأشد فهما لمعاني الكتاب والسنة، وأشد متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما بعد زمن النبوة حدث التغيير والتبديل.
وقال أيضا عن الغناء (2/ 611): ولم يجعله فضيلة إلا من عري عن العلم واتبع هواه.
(1) رواه ابن عبد البر في جامع البيان (2/ 91).
وقال أيضا فيها (2/ 598): وذلك أن السماع باعتبار أنواعه ثلاثة أقسام: قسم ممنوع باتفاق، وقسم جائز باتفاق، وقسم مختلف فيه.
فأما الممنوع باتفاق، فهو ما أضيفت إليه الملاهي، كالمزامير ونحوها
…
وقد حكى الطرطوشي الإجماع على تحريم السماع الجاري الآن. ووجه المنع في ذلك قوي
…
وأما القسم المختلف فيه من الغناء، وهو ما عرى عن الآلات الملهية، غير التصفيق بالأكف ونحوها
…
وأما القسم المتفق على جوازه من الغناء فهو ما كان من إيراد الأشعار ذوات المعاني الشرعية من غير ءالة مطربة، لا كف ولا غير، ولا تأنق نغمات، كالأناشيد والخبب والحذاء، ونحو ذلك مما تقرب نغماته وتسهل ألحانه، من غير أن يكون عادة وديدنا. انتهى.
- قال الرهوني في إمتاع الأسماع (34 - 35) عقب نقله هذا: أما القسم المحرم من الغناء اتفاقا أو على الراجح فلا
إشكال في وجوب التنزه عنه، لأنه مع كونه شاغلا عن ذكر الله معصية، وأما ما فيه الخلاف من غير ترجيح الحرمة فمع كونه شاغلا فهو من المشتبهات التي يطلب تركها بلا خلاف، فالراعي حول الحمى، الحديث. وأما غير ذلك ففيه الشغل عن ذكر الله وإضاعة العمر فيما لا يعود بنفع لا في العاجل ولا في الآجل.
- وقال العلامة ابن الحاجب المالكي في جامع الأمهات: ولا قطع في خمر ولا خنزير ولا طنبور وشبهه (1). إلخ.
قال خليل الجندي في شرحها التوضيح (2): هذا راجع لقوله: "ملكا محترما"، لأن هذه الأشياء لا حرمة لها، إذ لا يجوز
(1) الزجر والإقماع (241).
(2)
التوضيح لخليل الجندي هو شرح لجامع الأمهات لابن الحاجب. مخطوط في مجلدات.
تملكها ولا بيعها، قال في المدونة (1): ولا قطع في الخمر وشبهه كمزمار وعود وصليب وصور محرمة (2).
- وقال محمد البناني في حاشيته على الزرقاني بشرح خليل (4/ 54): فإن الذي نقله الحطاب عن القرطبي وصاحب المدخل وغيرهما حرمة ذي الصراصر، وهو الصواب، لما فيها من زيادة الإطراب.
ونقل هذا النص الدردير في شرحه على خليل (2/ 339).
- قال محمد العتبي في المستخرجة (5/ 114 - البيان والتحصيل): وقال أصبغ: ما جاز للنساء مما جوز لهن من الدف والكبر في العرس فلا يجوز للرجل عمله، وما لا يجوز لهم عمله فلا يجوز لهم حضوره، ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف، ولا
(1) لم أر في المدونة (4/ 418) إلا ذكر الخمر. فلعل ما بعده من كلام ابن الحاجب أو الشارح.
(2)
الزجر والإقماع (242).
غناء معهما ولا ضرب ولا برابط ولا مزمار، وذلك حرام محرم في الفرح وغيره. اهـ.
ونقله الحطاب المالكي في شرحه على خليل (4/ 8).
- وقال الإمام أبو عبد الله المازري: الغناء بغير آلة مكروه (1)، وبآلة ذات أوتار كالعود والطنبور ممنوع، وكذا المزمار، والظاهر عند العلماء أنه ملتحق بالحرمات، وإن أطلق محمد في سماع الغناء أنه مكروه، وقد يريد التحريم، ونص ابن عبد الحكم أن الشهادة ترد بسماع العود إلا أن يكون في عرس أو صنيع بلا شرب مسكر، فلا ترد به، وإن كان محرما على كل حال (2).
- وقال العلامة القلشاني في شرح الرسالة بعد نقله للقولين في السماع: مشهور المذهب المنع (3).
(1) وقد حمل في إبطال الشبه (95 ب) الكراهة هنا على التحريم.
(2)
المعيار (11/ 74) وإمتاع الأسماع للرهوني (3) وإبطال الشبه ورفع الإلباس (64 أ).
(3)
إبطال الشبه (64 أ).
وكل من حكى عن المذهب في السماع الخلاف فمراده ما تجرد عن آلات الملاهي والطرب، إلا الدف والكبر، وسيأتي تصريح الغالي اللجائي في إبطال الشبه (107) بذلك.
- قال في الزجر والإقماع (220): وفي روح البيان ما نصه: وكانوا يضربون في القرن الأول بالدف ولكن لم يكن فيه جلاجل، فما يفعلونه في هذا الزمان وقت العيد والختان وعند اجتماع الإخوان من ضرب المزمار وضرب الدف الذي فيه جلاجل ونحوها من ءالة اللهو ليس بمرخص، وقولهم:"إن في ديننا فسحة" إنما هو بالنسبة إلى الأمور المرخصة.
- وقال أبو عبد الله القرطبي في كشف القناع: ولا يلحق بالدف الطارات ذات الصلاصل والجلاجل لما فيها من زيادة الإطراب (1). اهـ.
- قال ابن المدني كنون بعد نقله هذا: ونقله الحطاب (2) ونحوه للشيخ زروق في شرح المباحث الأصلية، قال: وقد رام
(1) الزجر والإقماع (223).
(2)
في شرح خليل (4/ 7).
بعض الناس إباحته من ذلك، وهو بعيد لتخلف العلة الجامعة في الحكم. اهـ
إلى أن قال -أي كنون-: وإذا حرم ذو الصراصر، أي: الجلاجل، لما فيه من زيادة الإطراب، فالعود ونحوه أحرى لزيادة الإطراب فيه بمراتب، وبه تعلم أن من عبر في العود ونحوه بالكراهة كالزرقاني آخر فصل الوليمة (1) مراده بها الحرمة.
- وقال الرهوني في إمتاع الأسماع (33): وسئل أبو محمد صالح عن الصيارة هل تباح أو لا؟ فأجاب: هي من الغناء، والغناء كله باطل. اهـ.
قلت: وهذا النص في المعيار للونشريسي (11/ 77) وعنه في الزجر والإقماع (161).
- وقال أبو عبد الله السرقسطي: إن الرقص والغناء بدعة محدثة، لم تكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (2).
(1) في شرحه على خليل (4/ 54).
(2)
إبطال الشبه (92 ب).
- وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن ناصر الدرعي المالكي (ت1085) في رحلته المكية (1): وأما الدفوف والطنابير والمزامر والمزاهر والطرور، فكان شيخنا الإمام الوالد يضرب فيها بالعصا والنعل ويجلي فيها، وينفي متعاطيه ويغري عليهم ويبعث في نفيهم، ويبالغ في زجرهم، ولا يسكت عنهم بحال.
- وقال في الأجوبة الناصرية (2): وأما ضرب الرباب والعود وغيره من الآلات المعروفة عند المداحين والمتصوفة الجاهلة، فقد أنكره الشيخ رضي الله عنه غاية الإنكار. كذا في الزجر والإقماع (228).
- وقال أبو القاسم ابن جزي الغرناطي المالكي (ت758) في القوانين الفقهية (184): وإن كانت المنفعة لا تجوز فهي كالعدم كآلات اللهو. كذا في الزجر والإقماع (243).
(1) الرحلة المكية في جزئين طبعت على الحجر بفاس.
(2)
الأجوبة الناصرية في المسائل البادية، فتاوى لابن ناصر الدرعي من جمع محمد الصنهاجي طبعت على الحجر بفاس، وهي في الفقه المالكي، ونسخها كثيرة منها بالخزانة العامة 1111د- 1250د، وقد حققها بعضهم في دار الحديث الحسنية.
- وقال ابن رشد في المقدمات المهمات (3/ 462): ولا يجوز تعمد حضور شيء من اللهو واللعب ولا من الملاهي المطربة كالطبل والمزمر وما كان في معناه.
- ونقل ابن المدني كنون عمن لم يسمه قوله: أما الملاهي الملهية وهي ذوات الأوتار فحرام في الأعراس وغيرها، كما في باب الشهادة من التوضيح نقلا عن المازري، ونحوه لابن عرفة وصاحب المدخل، وهو المشهور في مذهب الشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل، ثم قال: ولم أر من صرح بالخلاف في ذلك من المالكية إلا من عبر في كراء المعازف بالكراهة، ومن عبر في العود والرباب بالكراهة أيضا كابن المواز وابن عبد الحكم، وقد يريد بالكراهة التحريم، كما في التوضيح (1).
- وقال أبو إسحاق الشاطبي المالكي في جواب له عن سؤال حول السماع الذي يفعله الصوفية، وأن فقيهين يحضران ذلك، منه قوله: أما الغناء والشطح فهو مذموم على ألسنة السلف الصالح
…
(1) الزجر والإقماع (223 - 224).
إلى أن قال: ولو فعلوه على جهة اللعب كما يفعله الصبي لكان أخف عليهم مع ما فيه من إسقاط الحشمة وإذهاب المروءة وترك هدي أهل الإسلام، وأرباب العقول، لكنهم يفعلونه على جهة التقرب إلى الله، والتعبد به، وأن فاعله أفضل من تاركه، هذا أدهى وأمر، حيث يعتقدون أن اللهو واللعب عبادة، وذلك من أعظم البدع والمحرمات، الموقعة في الضلالة الموجبة للنار، والعياذ بالله.
وأما ما ذكرتم من شأن الفقيهين الإمامين فليسا بفقيهين إذا كانا يحضران شيئا من ذلك، وحضورهما ذلك على الانتصاب إلى المشيخة قادح في عدالتهما، فلا يصلى خلف واحد منهما حتى يتوبا إلى الله من ذلك (1).
- وقال العلامة زروق المالكي المتوفى سنة (899) في عدة المريد الصادق (536): فصل في السماع والاجتماع، وهو مما تسرع إليه نفوس الجاهلين وتولع به قلوب الغافلين وتؤثره
(1) المعيار (11/ 41) وإمتاع الأسماع (27 - 28).
توجهات المبطلين، وينتفع به ضعفاء المشرفين، وتقف معه حقائق المجانين، وترتاح إليه أكباد المفتونين .. إلى آخر كلامه (1).
- وقال ابن المدني كنون المالكي في الزجر والإقماع (216) بعد نقله ردود العلماء على ابن حزم في تضعيف حديث المعازف: ومن توقف في التحريم بعد صحة الحديث فقد سلك في المعاندة سبيل الاجتراء والاجترام الخبيث، بل لا يقول بخلافه إلا سخيف وسفيه ولا يتعرض لنقضه إلا جاحد أو جاهل أو مقصر، لم يَصْف له من أصول الشريعة منهل من المناهل.
- وقال أبو علي اليوسي المالكي المتوفى سنة (1102): وأما السماع بالأغاني وإنشاد الأشعار فهو داخل في الابتداع وأحق بالاختراع، وهو معشش الوساويس ومغرس التخليط والتلبيس (2).
- وفي تعداد البدع من المعيار للونشريسي (2/ 498) ما نصه: ومنها متخذ الملاهي وأنواع الغناء المحرمات والآلات والمزامير صناعة وحرفة ويكتسبون بها ويستأجرون عليها عند
(1) ونقله صاحب إمتاع الأسماع (14) وإبطال الشبه (97 أ).
(2)
الزجر والإقماع (79).
السرور والحزن مثل الزفانين والمغنين وسائر ما لا يحل، فهم أعوان للشياطين في تحريك النفوس لكل شر، وترتيب أهل المعاصي على كل منكر، فيجب على القاضي ابتداء البحث والكشف عمن شهر بذلك وارتسم به، والقبض على من وجد منهم. اهـ
- وفي المدخل لابن الحاج (2/ 6) تشنيع عظيم على أهل الغناء والسماع، إلى أن قال: ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسيسة من اللعين، ألا ترى أن شارب الخمر إذا شربه أول ما تدب فيه الخمرة يحرك رأسه ساعة بعد ساعة، فإذا قويت عليه ذهب حياؤه ووقاره لمن حضره وانكشف ما كان يريد ستره عن جلسائه. فانظر رحمنا الله وإياك إلى المغني إذا غنى تجد من له الهيئة والوقار وحسن الهيئة والسمت ويقتدي به أهل الإشارات والعبارات والعلوم والخيرات يُسكت له ويُنصت، فإذا دب معه الطرب قليلا حرك رأسه كما يفعله أهل الخمرة سواء بسواء كما تقدم، ثم إذا تمكن الطرب منه ذهب حياؤه ووقاره كما سبق في الخمرة سواء بسواء فيقوم ويرقص ويعيط وينادي ويبكي ويتباكى
ويتخشع ويدخل ويخرج ويبسط يديه ويرفع رأسه نحو السماء كأنه جاءه المدد منها ويخرج الرغوة أي: الزبد، من فيه، وربما مزق بعض ثيابه وعبث بلحيته
…
- وقال الغالي اللجائي في إبطال الشبه (107) بعد حكايته على مالك قولين في السماع: عن الآلة بالمنع والكراهة: وهذا كله في الغناء المجرد عن الآلة والتصفيق والرقص، أما الغناء المقترن بذلك فحرام قطعا
…
وفرطت أجوبة المقلدين للإمام – أي مالك- بالمنع والتحريم والتفسيق لمرتكب ذلك.
- وقال الطرطوشي في تحريم الغناء والسماع (197): وأما من جهة الاستنباط، فإنه صنو الخمر ورضيعه وحليفه ونائبه
…
فبينما ترى الرجل عليه سمة الوقار، وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، كلامه حكمة، وسكوته عبرة، فإذا سمع الغناء نقص عقله وحياؤه، وذهبت مروءته وبهاؤه
…
فيميل برأسه ويهز بمنكبيه، ويدق الأرض برجليه، وهكذا تفعل الخمرة إذا مالت بشاربها.