المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السمة السادسةافتقار العبد إلى ربه وشعوره بالحاجة إليه - حينما يعتكف القلب

[عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل]

الفصل: ‌السمة السادسةافتقار العبد إلى ربه وشعوره بالحاجة إليه

‌السِّمةُ السادسة

افتقارُ العبدِ إلى ربِّه وشعورُه بالحاجةِ إليه

إنَّ الاعتكافَ في بيتٍ مِن بيوتِ الله، اعتكاف قلب، صورة حية لمشهد ذُلِّ العبدِ وافتقارِه لمولاه، ولا تتم العبوديَّة إلا «بتكميلِ مقام الذل والانقياد، وأكملُ الخلق عبوديةً أكملُهم ذلًّا لله وانقيادًا وطاعة، والعبد ذليلٌ لمولاه الحق بِكلِّ وجه مِن وجوه الذل، فهو ذليل لعزه، وذليل لقهره، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانِه إليه وإنعامه عليه»

(1)

.

إنَّ العبدَ كلما انكسر بين يدي مولاه كان قريبًا مِن الله، ومِن رحمته ونصره وعطاياه، يُوفقه ويَهديه ويجبر كسر قلبه «فما أقربَ الجبر مِن هذا القلبِ المكسور! وما أدنى النصر والرحمة والرزق منه! وما أنفع هذا المشهد له وأجداه عليه! وذَرةٌ مِن هذا ونَفَسٌ منه أحبُّ إلى اللهِ

(1)

مفتاح دار السعادة (1/ 289).

ص: 30

مِن طاعاتٍ أمثال الجبال مِن المُدِلِّين

(1)

المُعجبين بأعمالهِم وعلومِهم وأحوالهِم، وأحبُّ القلوبِ إلى الله سبحانه قلبٌ قد تمكنت منه هذه الكسرة، وملكته هذه الذلة، فهو ناكسُ الرأسِ بين يدي ربِّه، لا يرفعُ رأسَه إليه حياءً وخجلًا مِن الله»

(2)

.

إنَّ الله سبحانه يُحب مِن عبدِه أنْ يكونَ منكسرًا بين يديه، ملازمًا لحالةِ الذُّل له، مفتقرًا دومًا إليه، بل إنَّ القلبَ لا تستقيمُ له حال إلا بالافتقارِ إلى الله الذي هو لُبُّ العبودية وروحُها، «فالقلبُ لا يصلح ولا يفلح، ولا يَلتذ، ولا يُسر، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به مِن المخلوقات لم يطمئن، ولم يسكن، إذ فيه فقر ذاتي إلى ربِّه، مِن حيث هو معبوده، ومحبوبه، ومطلوبه»

(3)

.

وكلما تعمق شعور العبد بحاجتِه إلى الله، دفعه إلى الإنابة، واستكانة القلب، وعكوفه على محبة الله وكثرة ذكره وشكره وحمده

(1)

الإدلال: المنُّ بالعطاء. ينظر: تهذيب اللغة (14/ 48)، لسان العرب (11/ 248).

(2)

مدارج السالكين (1/ 428).

(3)

مجموع الفتاوى (10/ 194).

ص: 31

وتمجيده والثناء عليه، وهذه سمة المؤمن في حياته، وفي سائر أوقاته، وحال بيعه وشرائه، ومع أهله وخلانه، فكيف به وهو في صلب ميدان المنافسة، وفي ليالي الرحمات، وتنزل الهبات، وهو عاكف بقلبه وجسده على طاعة ربه، حينما يصل إلى «صفاء العبودية، وعمارة السر بينه وبين الله، وخلوص الود؛ فيُصبح ويُمسي ولا هَمَّ له غير ربه، فقد قطَع همُّه بربِّه عنه جميعَ الهموم، وعطلت إراداته جميع الإرادات، ونسخت محبته له من قلبه كل محبة لسواه»

(1)

.

إنَّ المؤمنَ حينما يتيقن حاجته إلى ربه، ويستشعر أنها أهم الضروريات، يصل إلى نقاءِ العبودية، وإلى لذةِ الخلوة بالله.

إنه حينما يستشعر فقره إلى الله، ومسيس الحاجةِ إلى التذللِ بين يديه، ويندفع إلى ذلك بصدقٍ وجمعيةِ قلب؛ سيجد عالمًا آخر مِن نعيم الأرواح، ولذة النفس، وقُرة العين، نعيمًا للعبادة «لا ينالُه الوصف، ولا يدركُه مَنْ ليس له نَصيبٌ منه، وكلُّ مَنْ كان به أقوم

(1)

طريق الهجرتين ص (17).

ص: 32

كان نصيبُه مِن الالتذاذِ به أعظم»

(1)

، «والقلبُ إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له، لم يكنْ عنده شيء قط أحلى مِن ذلك ولا ألذ ولا أطيب»

(2)

.

إذن فَسِرُّ الاعتكاف لزوم الافتقار والانكسار والتذلل لله، والانطراح على عتبات عبوديته سبحانه.

(1)

طريق الهجرتين ص (59).

(2)

مجموع الفتاوى (10/ 187).

ص: 33