الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكِتَابِ وَسُورَةً وَيَتَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ فِي آخِرِهِنَّ، ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِائَةَ مَرَّةٍ وَيَسْتَغْفِرُ مِائَةَ مرّة وَيُصلي على النَّبِي مِائَةَ مَرَّةٍ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ مَا شَاءَ وَيُصْبِحُ صَائِمًا فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُ كُلَّهُ إِلا أَنْ يَدْعُوَ فِي مَعْصِيَةٍ.
أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ من طَرِيق عِيسَى غُنْجَارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ وَهُوَ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ بِالْكَذِبِ عَنْ أَبَانٍ وَهُوَ أَيْضًا مُتَّهَمٌ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَأَدْخَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَبْيِنِ الْعجب فِي الموضوعات.
حَدِيث صَلاةِ الرَّغَائِبِ
وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ غَوْثُ الثَّقَلِّينَ فِي غِنْيَةِ الطَّالِبِينَ بِقَوْلِهِ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْبَرَكَاتِ هِبَةُ اللَّهِ السَّقْطِيُّ، أَنَا الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى بْنُ كَمَالٍ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَزْرِيُّ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَهْضَمٍ الْهَمْدَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: أَنَا خَلَفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ حُمَيْدِ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ، قَالَ رَسُول الله: رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ وَشَعْبَانُ شَهْرِي وَرَمَضَانُ شَهْرُ أُمَّتِي. قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِكَ شَهْرُ اللَّهِ قَالَ لأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمَغْفِرَةِ وَفِيهِ تُحْقَنُ الدِّمَاءُ وَفِيهِ تَابَ اللَّهُ عَلَى أنبيائه وَفِيه أنقذ أوليائه مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِ، مَنْ صَامَهُ واستوجب عَلَى اللَّهِ ثَلاثَةَ أَشْيَاءَ، مَغْفِرَةً لِجَمِيعِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَعِصْمَةً فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ يَأْمَنُ مِنَ الْعَطَشِ يَوْمَ الْعَرْضِ الأَكْبَرِ، فَقَامَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَعْجَزُ عَنْ صِيَامِهِ كُلِّهِ، فَقَالَ صُمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ وَأَوْسَطَ يَوْمٍ مِنْهُ وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْهُ فَإِنَّكَ تُعْطَى ثَوَابَ مَنْ صَامَ كُلَّهُ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا وَلَكِنْ لَا تَغْفُلُوا عَنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فِي رَجَبٍ فَإِنَّهَا لَيْلَةٌ تُسَمِّيهَا الْمَلائِكَةُ لَيْلَةَ الرَّغَائِبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ لَا يَبْقَى مَلَكٌ من جَمِيع السَّمَوَات وَالْأَرضين
إِلا وَيَجْتَمِعُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَحَوَالَيْهَا فَيَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ اطِّلاعَةً فَيَقُولُ: مَلائِكَتِي سَلُونِي مَا شِئْتُمْ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا حَاجَتُنَا أَنْ تَغْفِرَ لِصُوَّامِ رَجَبٍ فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَصُومُ أَوَّلَ خَمِيسٍ مِنْ رَجَبٍ ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يَعْنِي لَيْلَة الْجُمُعَة اثْنَتَيْ عشر رَكْعَةً يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَة الْكتاب مرّة وَإِن أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ثَلاثَ مَرَّات وَقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ صَلَّى عَلَيَّ سَبْعِينَ مَرَّةً يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَةً يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ سَبْعِينَ مَرَّةً ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الأَعْظَمُ سَبْعِينَ مَرَّةً ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ فِي الأولى يسْأَل الله حَاجَتَهُ فِي سُجُودِهِ فَإِنَّهَا تُقْضَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ وَلا أَمَةٍ صَلَّى هَذِهِ الصَّلاةَ إِلا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زبد البجر وَعَدَدِ الرَّمْلِ وَوَزْنِ الْجِبَالِ وَعَدَدِ قَطْرِ الأَمْطَارِ وَوَرَقِ الأَشْجَارِ وَشُفِّعَ يَوْم الْقِيَامَة فِي سَبْعمِائة مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ فِي قَبْرِهِ جَاءَ ثَوَابُ هَذِهِ الصَّلاةِ بِوَجْهٍ طَلْقٍ وَلِسَانٍ زَلَقٍ فَيَقُولُ لَهُ: يَا حَبِيبِي أَبْشِرْ فَقَدْ نَجَوْتَ مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ؟ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَحْسَنَ وَجها من وَجهك وَلا سَمِعْتُ كَلامًا أَحْلَى مِنْ كَلامِكَ وَلا شَمِمْتُ رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَتِكَ فَيَقُولُ لَهُ: يَا حَبِيبِي أَنَا ثَوَابُ تِلْكَ الصَّلاةِ الَّتِي صَلَّيْتَهَا فِي لَيْلَةِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا جِئْتُ اللَّيْلَةَ لأَقْضِيَ حَاجَتَكَ وَآنِسَ وَحْدَتَكَ وَأَدْفَعَ عَنْكَ وَحْشَتَكَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ أَظْلَلْتُكَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ عَلَى رَأْسِكَ فَأَبْشِرْ فَلَنْ تَعْدَمَ الْخَيْرَ مِنْ مَوْلاكَ أَبَدًا.
وَذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إِحْيَاءِ الْعُلُومِ.
هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَرُواةِ السَّنَدِ الْمَذْكُورِ فِي الغنية وَغَيرهَا كُلُّهُمْ سِوي حُمَيْدٍ وَأَنَسٍ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَجْهُولُونَ وَبَعْضُهُمْ كَذَّابَونَ كَمَا سَنَقِفُ عَلَيْهِ مُفَصَّلا. قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيج
أَحَادِيثِ الإِحْيَاءِ أَوْرَدَهُ رَزِينٌ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ. انْتَهَى.
وَأخرجه ابْن الْجَوْزِيّ قَائِلا: أخبرنَا مُحَمَّد بْن نَاصِر الْحَافِظ، أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم بْن مَنْدَه، أَنبأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله بْن جَهْضَم بِمثل مَا فِي الغنية سندا ومتنا.
وَقَالَ: اتهموا بِهِ ابْن جَهْضَم وَسمعت شَيخنَا عبد الْوَهَّاب يَقُول: رِجَاله مَجْهُولُونَ وَقد فتشت عَلَيْهِم جَمِيع الْكتب فَمَا وَجَدتهمْ انْتهى.
وَقَالَ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي تَبْيِين الْعجب قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَلَقَد أبدع من وَضعهَا فَإِنَّهُ يحْتَاج من يُصليهَا إِلَى أَن يَصُوم وَرُبمَا كَانَ النَّهَار شَدِيد الْحر فَإِذا صَامَ لم يتَمَكَّن من الْأكل حَتَّى يصلى الْمغرب ثُمَّ يقف فِيهَا وَيَقَع فِي ذَلِكَ التَّسْبِيح الطَّوِيل وَالسُّجُود الطَّوِيل فَيَتَأَذَّى غَايَة الْإِيذَاء وَإِنِّي لأغار لرمضان ولصلاة التَّرَاوِيح كَيفَ رحم بِهَذِهِ الصَّلَاة بل هَذِه عِنْد الْعَوام أعظم وَأجل فَإِنَّهُ يحضرها من لَا يحضر الْجَمَاعَات.
قلت: وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز الْكِنَانِي فِي كتاب فضل رَجَب لَهُ فَقَالَ ذكر على بْن مُحَمَّد سعيد الْبَصْرِيّ، أَنا أبي فَذكره بِطُولِهِ واخطأ عبد الْعَزِيز فِي هَذَا فَأَنَّهُ أوهم أَن الحَدِيث عِنْده عَن غير عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَهْضَم وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَخذه عَنهُ فَحَذفهُ لشهرته بِوَضْع الحَدِيث وارتقى إِلَى شَيْخه مَعَ إِن شَيْخه مَجْهُول وَكَذَا شيخ شَيْخه وَكَذَا خلف انْتهى كَلَامه.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي ميزَان الِاعْتِدَال فِي نقد الرِّجَال على بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَهْضَمٍ الزَّاهِد أَبُو الْحسن شيخ الصُّوفِيَّة بحرم مَكَّة ومصنف كتاب بهجة الْأَسْرَار مُتَّهم بِوَضْع الحَدِيث. وروى عَن أبي الْحسن على بْن إِبْرَاهِيم وَأحمد بن عُثْمَان الْآدَمِيّ والخلدي وطبقتهم. قَالَ ابْن خيرون تكلم فِيهِ قَالَ
وَقيل إِنَّه يكذب وَقَالَ غَيره اتَّهَمُوهُ بِوَضْع صَلَاة الرغائب توفى سنة 414 انْتهى.
زَاد الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي لِسَان الْمِيزَان الْقَائِل بذلك هُوَ ابْن الْجَوْزِيّ مَعَ أَن فِي الْإِسْنَاد إِلَيْهِ مَجَاهِيل. وَقد رُوِيَ عَنِ ابْنِ سهل بْن زِيَاد أَحْمد بْن الْحسن الرَّازِيّ وَعبد الرَّحْمَن بْن حمدَان وَطَائِفَة وَخلق كثير قَالَ شيرويه: كَانَ ثِقَة صَدُوقًا عَاملا زاهدا حسن الْمُعَامَلَة حسن الْمعرفَة وَقَالَ المُصَنّف أَي الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ الْإِسْلَام لقد أَتَى بمصائب فِي كِتَابه بهجة الْأَسْرَار يشْهد الْقلب ببطلانها وروى عَن أبي بكر النجار عَنِ ابْنِ أبي الْعَوام، عَن أبي بكر الْمروزِي فَأتى بعجائب وقصص لَا يشك من لَهُ أدني ممارسة ببطلانها وَهِي شَبيهَة بِمَا وَضعه البلوي فِي محبَّة الشَّافِعِي، وَكَانَ شيخ الْحرم وإمامه انْتهى كَلَامه.
قَالَ التقي الفاسي فِي العقد الثمين من تَارِيخ الْبَلَد الْأمين عَليّ بْن عبد الله بْن الْحسن بْن جَهْضَم بْن سعيد الْهَمدَانِي الصُّوفِي أَبُو الْحسن نزيل مَكَّة صَاحب كتاب بهجة الْأَسْرَار حدث عَن أبي الْحسن على بْن إِبْرَاهِيم ابْن سَلمَة الْقطَّان وَأبي عَليّ بن زِيَاد الْقطَّان وَأحمد بن الْحسن بن عتبَة الزازي وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن عَطِيَّة الْحداد وَأحمد بْن عُثْمَان الْآدَمِيّ وَعبد الرَّحْمَن بْن حمدَان وَعلي بْن أبي الْعقب وَأبي بكر بْن دُجَانَة وجمح بْن الْقَاسِم الْمُؤَذّن وَطَائِفَة. وروى عَنهُ عبد الْغَنِيّ بْن سعيد الْحَافِظ وَإِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الحنائي وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بْن سَلامَة الْقُضَاعِي وَأَبُو على الْأَهْوَازِي وَأَبُو الْحسن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد وَخلق كثير من المغاربة وَالْحجاج وصنف بهجة الْأَسْرَار فِي أَخْبَار الصُّوفِيَّة قَالَ ابْن خيرون تكلم فِيهِ. قَالَ قيل إِنَّه يكذب وَقَالَ غَيره شيرويه الديلمي كَانَ ثِقَة صَدُوقًا عَالما زاهدا حسن الْمُعَامَلَة مَذْكُورا فِي الْبلدَانِ حسن الْمعرفَة. انْتهى.
وَذكره صَاحب الْمرْآة وَقَالَ ذكره جدي فِي المنتظم قَالَ، وَقد ذكرُوا أَنه كَانَ كَاذِبًا وَيُقَال إِنَّه وضع حَدِيث صَلَاة الرغائب وَذكر أَن جده ذكر
الحَدِيث فِي الموضوعات وَذكر أَنه مَاتَ بِمَكَّة سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة. وَهَكَذَا ذكر وَفَاته الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ الْإِسْلَام وَمِنْه كتبت أَكثر هَذِه التَّرْجَمَة وَأورد فِي تَرْجَمته حَدِيث صَلَاة الرغائب وَقَالَ لَا يعرف إِلَّا من رِوَايَته واتهموه بِوَضْعِهِ وَكَذَا ذكر وَفَاته الذَّهَبِيّ فِي العبر وترجمة بشيخ الصُّوفِيَّة فِي الْحرم انْتهى.
قلت قد توهم بعض أَبنَاء عصرنا بمطالعة الْمِيزَان وَلسَانه إِن وَاضع حَدِيث صَلَاة الرغائب هُوَ مؤلف بهجة الْأَسْرَار الَّذِي هُوَ عُمْدَة الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي مَنَاقِب السَّيِّد عبد الْقَادِر الجيلاني وَغَيره من الأكابر وَهُوَ توهم فَاسد فَإِن ابْن جَهْضَم الَّذِي اتهمَ بِوَضْع ذَلِكَ الحَدِيث تقدم على السَّيِّد الجيلاني مندرج فِي سلسلة أسانيده كَمَا مر منا نَقله وَهُوَ من رجال الْمِائَة الْخَامِسَة ومؤلف بهجة الْأَسْرَار الْمُشْتَمل على مَنَاقِب السَّيِّد الجيلاني وَغَيره من الْأَبْرَار من رجال الْمِائَة السَّابِعَة مُتَأَخّر عَن السَّيِّد الجيلاني كَمَا لَا يخفى على من طالع الْبَهْجَة فَإِن كَانَ مُرَاد الذَّهَبِيّ من بهجة الْأَسْرَار هُوَ هَذَا فَهُوَ غلط فَاحش مِنْهُ، وَإِن كَانَ مُرَاده غَيره فَتوهم من توهم الِاتِّحَاد خبط مِنْهُ.
وَقد ذكر فِي كشف الظنون أَن بهجة الْأَسْرَار ومعدن الْأَنْوَار فِي مَنَاقِب السَّادة الأخيار من المشائخ الْأَبْرَار أَوَّلهمْ الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَآخرهمْ الإِمَام احْمَد بْن حَنْبَل للشَّيْخ نور الدَّين أبي الْحسن على بن يُوسُف اللَّخْمِيّ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن جَهْضَم الْهَمدَانِي مجاور الْحرم أَلفه فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة وَجعل على أحد وَأَرْبَعين فصلا الأول فِي مَنَاقِب الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَهُوَ طَوِيل جدا يتنصف الْكتاب بِهِ أَوله استفتح بَاب العون بأيدي محامد الله أَلفه لما سُئِلَ عَن قَول شَيْخه قدمي هَذِه على رَقَبَة كل ولي الله فَجمع مَا وَقع لَهُ مَرْفُوع الْأَسَانِيد وَفصل بِذكر أَعْيَان الْمَشَايِخ وأفعالهم وأقوالهم، ثُمَّ اخْتَصَرَهُ بعض الْمَشَايِخ بِحَذْف الْأَسَانِيد. قَالَ الشَّيْخ عمر بْن عبد الْوَهَّاب الفرضي الْحلَبِي فِي ظهر نُسْخَة من نسخ الْبَهْجَة. ذكر ابْن الوردي فِي تَارِيخه إِن فِي الْبَهْجَة أمورا لَا تصح ومبالغات فِي شَأْن الشَّيْخ عبد الْقَادِر لَا تلِيق إِلَّا بالربوبية انْتهى. أَي كَلَام ابْن الوردي وبمثله نقل عَن الشهَاب ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي.
وَأَقُول مَا المبالغات الَّتِي عزيت إِلَيْهِ مِمَّا لَا يجوز على مثله، وَقد تتبعتها فَلم أجد فِيهَا نقلا إِلَّا وَله فِيهِ متابعون وغالب مَا أوردهُ فِيهَا نَقله اليافعي فِي أسى المفاخر وفى نشر المحاسن وَروض الرياحين وشمس الدَّين الزكي الْحلَبِي أَيْضا فِي كتاب الْأَشْرَاف وَأعظم شَيْء نقل عَنهُ إِنَّه أحيي الْمَوْتَى كإحيائه الدَّجَاجَة، ولعمري أَن هَذِه الْقِصَّة نقلهَا تَاج الدَّين السُّبْكِيّ، وَنقل أَيْضا عَنِ ابْنِ الرِّفَاعِي وَغَيره وَأَنِّي لغبي جَاهِل حَاسِد ضيع عمره فِي فهم مَا من السطور وقنع بذلك عَن تَزْكِيَة النَّفس وإقبالها على الله أَن يفهم مَا يُعْطي الله أولياءه من التصريف فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلِهَذَا قَالَ الْجُنَيْد: التَّصْدِيق بطريقتنا ولَايَة انْتهى. أَي كَلَام الْحلَبِي انْتهى.
وَذكر مؤلف زبدة الْآثَار منتخب بهجة الْآثَار أَن كتاب بهجة الْأَسْرَار كتاب عَظِيم شرِيف مَشْهُور ومصنفة من عُلَمَاء الْقِرَاءَة وَقد ذكره الذَّهَبِيّ فِي طَبَقَات الْقُرَّاء بقوله: على بْن يُوسُف بن جرير اللَّخْمِيّ الشطنوفي، الإِمَام الأوحد المقرئي نور الدَّين شيخ الْقُرَّاء بالديار المصرية أَبُو الْحسن أَصله من الشَّام ومولده بِالْقَاهِرَةِ سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وتصدر للإقراء والتدريس بالجامع الْأَزْهَر، وَذكر الذَّهَبِيّ أَيْضا إِنِّي حضرت مجْلِس إقرائه فَأَعْجَبَنِي سمته وسكوته وَكَانَت لَهُ غَايَة غرام وعشق بالشيخ عبد الْقَادِر وَقد جمع فِي أخباره ومناقبه انْتهى كَلَام الذَّهَبِيّ بمحصله. وَذكر مؤلف الْحصن الْحصين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْجَزرِي فِي تذكرة الْقُرَّاء أَن مؤلف بهجة الْأَسْرَار كَانَ من أجلة مَشَايِخ مصر وَكَانَ من بَينه وَبَين الشَّيْخ عبد الْقَادِر واسطتان انْتهى مَا فِي الزبدة معربا.
وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي حسن المحاضرة بأخبار مصر والقاهرة عِنْد ذكر الْقُرَّاء الَّذين كَانُوا بِمصْر على بْن يُوسُف بن جرير اللَّخْمِيّ الشطنوفي الْأَمَام الأوحد نور الدَّين أَبُو الْحسن شيخ الْقُرَّاء بالديار المصرية ولد بِالْقَاهِرَةِ سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقَرَأَ على التقي الجرائدي والصفي خَلِيل وَسمع من النجيب عبد اللَّطِيف وتصدر للإقراء بالجامع الْأَزْهَر وتكاثر عَلَيْهِ الطّلبَة مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة انْتهى.
وَقَالَ السُّيُوطِيّ أَيْضا فِي بغية الوعاة فِي طَبَقَات النُّحَاة على بن يُوسُف بن جرير بْن معضاد بْن فضل اللَّخْمِيّ الشطنوفي نور الدَّين أَبُو الْحسن المقرئي النَّحْوِيّ كَذَا ذكره الأدفوي. وَقَالَ: قَرَأَ الْقرَاءَات على التقي يَعْقُوب والنحو على الضياء صَالح بْن إِبْرَاهِيم إِمَام جَامع الْحَاكِم، وَسمع من النجيب وَتَوَلَّى التدريس بالجامع الطولوني وتصدر للإقراء بِجَامِع الْحَاكِم وَكَانَ كثير من النَّاس يَعْتَقِدهُ والقضاة تكرمه. مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ يَوْم السبت تَاسِع عشر من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة. وَقَالَ ابْن مَكْتُوم كَانَ رَئِيس المقرئين بالديار المصرية ومعدودا فِي الْمَشَايِخ من النُّحَاة وَله الْيَد الطولي فِي علم التَّفْسِير وعلق فِيهِ تَعْلِيقا وَله كتاب فِي مَنَاقِب الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني مولده سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة انْتهى.
وَقَالَ اليافعي فِي مرْآة الْجنان فِي حوادث سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فِيهَا توفّي الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن جَهْضَم الْهَمدَانِي شيخ الصُّوفِيَّة بِالْحرم الشريف ومؤلف كتاب بهجة الْأَسْرَار فِي التصوف انْتهى.
فَعلم من هَذِه الْعبارَات أَن ابْن جَهْضَم وَاضع حَدِيث صَلَاة الرغائب غير مؤلف بهجة الْأَسْرَار فِي مَنَاقِب السَّيِّد الجيلاني وَغَيره وَأَن بهجة الْأَسْرَار الَّذِي هُوَ من تأليف ابْن جَهْضَم غَيره فاحفظ هَذِه الْفَائِدَة الغريبة وانظمها فِي سلك النفائس العجيبة.
ولنرجع إِلَيّ مَا كُنَّا بصدده فَأعْلم أَنه قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي لِسَان الْمِيزَان على بْن مُحَمَّد بْن سعيد الْبَصْرِيّ شيخ لعلى بْن جَهْضَم عَنهُ عَن أَبِيه عَن خَلَفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ عَن حميد عَن أنس رَفعه ذكر صَلَاة الرغائب فِي أول لَيْلَة من رَجَب أخرجه أَبُو موسي فِي وظائف الْأَوْقَات وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات. قَالَ أَبُو موسي غَرِيب لَا أعلم أَنِّي كتبته إِلَّا من رِوَايَة ابْن جَهْضَم وَرِجَاله غير معروفين إِلَى حميد وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ
اتهموا بِهِ ابْن جَهْضَم انْتهى. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان هبة الله بْن الْمُبَارك السَّقطِي أَبُو البركات رَحل إِلَى أَصْبَهَان وَحصل وَجمع مُعْجَمه فِي مُجَلد قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ غير أَنه ادّعى السماع من شُيُوخ لم يرهم قَرَأت فِي مُعْجَمه أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَهَذَا محَال فَإِنَّهُ مَا لحقه وَلَا مِنْهُ يحْتَملهُ. وَقَالَ ابْن نَاصِر لَيْسَ بِثِقَة ظهر كذبه. مَاتَ سنة تسع وَخَمْسمِائة انْتهى. وَقَالَ ابْن حجر فِي لِسَانه اسْم جده موسي بْن على بْن تَمِيم بْن خَالِد كَانَ قَلِيل الإتقان ضَعِيفا لَا يوثق بِهِ وَرَأَيْت بِخَط السلَفِي خبر هَذَا الرجل مفتعل، وَأَسَانِيده مركبة وَلم أجد فِيهِ إِسْنَادًا صَحِيحا بل كُله ظَاهر الضعْف وَله مُعْجم فِي مُجَلد ادّعى فِيهِ أَنه لَقِي أنَاس لم يدركهم وَلم يرهم. وَقَالَ شُجَاع الذهلي كَانَ ضَعِيفا وَمَعَ هَذَا، كَانَ فَاضلا عَارِفًا باللغة رَحل إِلَى أَصْبَهَان والكوفة وَالْبَصْرَة وواسط وتعب وَحصل وَخرج. رُوِيَ عَنهُ ابْنه أَبُو الْعَلَاء والمعتمر وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر وَآخَرُونَ انْتهى.
وفى لطائف المعارف فِيمَا لمواسم الْعَام من الْوَظَائِف لِابْنِ رَجَب الْحَنْبَلِيّ. أما الصَّلَاة فَلم تصح فِي شهر رَجَب صَلَاة مَخْصُوصَة تخْتَص بِهِ وَالْأَحَادِيث المروية فِي فضل صَلَاة الرغائب فِي أول لَيْلَة جُمُعَة من رَجَب كذب وباطل لَا تصح، وَهَذِه الصَّلَاة بِدعَة عَن جُمْهُور الْعلمَاء وَمِمَّنْ ذكر ذَلِكَ من أَعْيَان الْعلمَاء من الْمُتَأَخِّرين من الْحفاظ أَبُو إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وَأَبُو بكر السَّمْعَانِيّ وَأَبُو الْفضل ابْن نَاصِر وَأَبُو الْفرج بْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهم وَإِنَّمَا لم يذكرهَا المتقدمون لِأَنَّهَا أحدثت بعدهمْ وَإِنَّمَا أظهرت بعد الأربعمائة فَلذَلِك لم يعرفهَا المتقدمون وَلم يتكلموا فِيهَا انْتهى.
وَفِي الْإِيضَاح وَالْبَيَان لما جَاءَ فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان لِابْنِ حجر
الْمَكِّيّ الهيثمي عبارَة نووي إِمَام أَئِمَّتنَا الْمُتَأَخِّرين فِي أجل كتبه وَهُوَ شرح الْمُهَذّب، أما صَلَاة الرغائب وَهِي اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء لَيْلَة أول جُمُعَة من رَجَب، وَصَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان مائَة رَكْعَة فليستا بِسنتَيْنِ بل هما بدعتان قبيحتان مذمومتان وَلَا تغتر بِذكر أَبى طَالب الْمَكِّيّ لَهما فِي قوت الْقُلُوب وَلَا بِذكر حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ لَهما فِي إحْيَاء عُلُوم الدَّين وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فيهمَا فَإِن كل ذَلِكَ بَاطِل وَلَا تغتر أَيْضا بِبَعْض من اشْتبهَ عَلَيْهِ حكمهمَا من الْأَئِمَّة فصنف وَرَقَات فِي استحبابهما فَإِنَّهُ غالط فِي ذَلِك. وَقد صنف الْعِزّ بْن عبد السَّلَام كتابا نفسيا فِي إبطالهما فَأحْسن فِيهِ وأجاد. انْتهى.
وفى الْإِيضَاح وَالْبَيَان أَيْضا أَطَالَ النَّوَوِيّ فِي فَتَاوَاهُ الْكَلَام فِي ذمهما وتقبيحهما وإنكارهما فَقَالَ هِيَ أَي صَلَاة الرغائب بِدعَة مذمومة قبيحة مُنكرَة أَشد الْإِنْكَار مُشْتَمِلَة على مُنكرَات، فَيَنْبَغِي تَركهَا والإعراض عَنْهَا وَالْإِنْكَار على فاعلها وعَلى ولى الْأَمر وَفقه الله منع النَّاس من فعلهَا فَإِنَّهُ رَاع، وكل رَاع مسؤول عَن رَعيته. وَقد صنف الْعلمَاء كتبا فِي إنكارها وذمها وتسفيه فاعلها وَلَا تغتر بِكَوْن الفاعلين لَهَا فِي كثير من الْبلدَانِ وَلَا بِكَوْنِهَا مَذْكُورَة فِي قوت الْقُلُوب وإحياء عُلُوم الدَّين فَإِنَّهَا بِدعَة بَاطِلَة انْتهى.
وَفِيه أَيْضا اخْتلف فَتَاوَى ابْن الصّلاح فيهمَا وَقَالَ فِي آخر عمره هما وَإِن كَانَتَا بدعتين لَا مَانع مِنْهُمَا لدخولهما تَحت الْأَمر الْوَارِد بِمُطلق الصَّلَاة انْتهى. ورده عَلَيْهِ الإِمَام الْمُجْتَهد تَقِيّ الدَّين السُّبْكِيّ بِأَن مَا لم يرد فِيهِ إِلَّا مُطلق طلب الصَّلَاة وَأَنَّهَا خير مَوْضُوع، فَلَا يطْلب مِنْهُ شَيْء بِخُصُوصِهِ فَمن جعل شَيْئا مُقَيّدا بِزَمَان أَو مَكَان دخل فِي قسم الْبِدْعَة وَإِنَّمَا الْمَطْلُوب عُمُومه فيفعل لما فِيهِ من الْعُمُوم لَا لكَونه مَطْلُوبا بالخصوص انْتهى.
وَفِيه أَيْضا الْحق مَعَ ابْن عبد السَّلَام لَا مَعَ ابْن الصّلاح بل قد وجد مِنْهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة تحامل كثير على ابْن عبد السَّلَام لَيْسَ مِنْهُ فِي مَحَله وَمن ثُمَّ اضْطربَ كَلَامه وَاخْتلف فَتَاوَاهُ وَلم يثبت فِي ذَلِكَ على شَيْء وَاحِد بل وَافق ابْن عبد السَّلَام فِي بعض فَتَاوَاهُ ثُمَّ رَجَعَ لما تفاقم الْأَمر بَينهمَا وَاشْتَدَّ. وَلَقَد انصف الْعِزّ الْعلمَاء فِي عصرهما وَمن بعدهمَا فَشَهِدُوا لَهُ بِأَنَّهُ على الْحق وَإِن مخالفه غالط فِي جَمِيع مَا أبدأه وانتحله حَتَّى أخص جمَاعَة ابْن الصّلاح وتلامذته وَهُوَ الْعَالم الْكَبِير والحافظ الشهير الشَّيْخ أَبُو شامة الْمُقْرِئ الْمُحدث فَإِنَّهُ تعجب مِمَّا قَالَه شَيْخه ابْن الصّلاح وَبَالغ فِي تغليطه وإنكاره وَذكر الإِمَام الْمُجْتَهد تَقِيّ الدَّين بْن دَقِيق الْعِيد فِي شرح الْعُمْدَة أَن بعض الْمَالِكِيَّة مر على قوم فِي إِحْدَى ليَالِي الرغائب وهم يصلونها وَقوم آخَرين عاكفين على محرم فَحسن حَال هَؤُلَاءِ على أُولَئِكَ لآن هَؤُلَاءِ عالمون بارتكاب الْمعْصِيَة وترجى لَهُم التَّوْبَة وَأُولَئِكَ يَعْتَقِدُونَ أَنهم فِي طَاعَة فَلَا يتوبون. انْتهى.
وَفِيه أَيْضا أَن ابْن الصّلاح أفتى مرّة عَن سُؤال صورته، مَا تَقول السَّادة الْفُقَهَاء الْأَئِمَّة فِي الصَّلَاة المدعوة بِصَلَاة الرغائب هَل هِيَ بِدعَة أم لَا، وَهل ورد فِيهَا حَدِيث صَحِيح أم لَا؟ فَأجَاب بقوله: حَدِيثهَا مَوْضُوع، وَهِي بِدعَة حدثت بعد الأربعمائة من الْهِجْرَة ظَهرت بِالشَّام وانتشرت فِي سَائِر الْبِلَاد، وَلَا بَأْس أَن يُصليهَا الْإِنْسَان بِنَاء على أَن الْإِحْيَاء فِي مَا بَين العشاءين مُسْتَحبّ كل لَيْلَة وَلَا بَأْس بِالْجَمَاعَة بالنوافل مُطلقًا واتخاذ هَذِه الصَّلَاة من شَعَائِر الدَّين الظَّاهِرَة من الْبدع الْمُنكرَة مَا أسْرع النَّاس إِلَى الْبدع انْتهى. وَأفْتى مرّة أَيْضا بِنَحْوِ ذَلِك، فَإِنَّهُ سُئِلَ مَا تَقولُونَ فِيمَن يُنكر على من يصلى صَلَاة الرغائب وَنصف شعْبَان وَيَقُول إِن الزَّيْت الَّذِي يسْتَعْمل فيهمَا أَي فِي نَحْو مَسْجِد الْقُدس وَالْجَامِع الْأَزْهَر
حرَام وَيَقُول إِن ذَلِكَ بِدعَة وَلَا لَهَا فضل وَلَا ورد فِي الحَدِيث فِيهَا فضل وَشرف، فَهَل على الصَّوَاب أَو على الْخَطَأ. أفتونا مَأْجُورِينَ مثابين، فَأجَاب بِمَا لَفظه: أما الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة بِصَلَاة الرغائب فَهِيَ بِدعَة وحديثها مَوْضُوع وَمَا حدث إِلَّا بعد الأربعمائة من الْهِجْرَة وَلَيْسَ لليلتها تَفْضِيل على أشباهها من ليَالِي الْجمع وَأما لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فلهَا فَضِيلَة وإحياؤها بِالْعبَادَة مُسْتَحبّ وَلَكِن على الِانْفِرَاد من غير جمَاعَة واتخاذ النَّاس لَهَا وَلَيْلَة الرغائب موسما وشعارا بِدعَة مُنكرَة وَمَا يزِيدُونَ فِيهِ على الْعَادة من الوقيد غير مُوَافق للسّنة وَمن الْعجب حرص النَّاس على الْبدع فِي هَاتين الليلتين وتقصيرهم فِي المؤكدات الثَّابِتَة عَن رَسُول الله وَالله الْمُسْتَعَان وَهُوَ أعلم. انْتهى بِحُرُوفِهِ وَهُوَ الْحق الْوَاضِح الَّذِي مر عَن الْعلمَاء وَإِذا حفظته وتأملته بَان لَك واتضح أَن مَا وَقع لَهُ من الْإِنْكَار عَليّ سُلْطَان الْعلمَاء الْعِزّ حِين أفتى بِمَا يُوَافق افتائيه هذَيْن لَيْسَ فِي مَحَله وَلَا ينظر لإنكاره هَذَا وَلَا يعول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَفسه وَافق الْعلمَاء على أَن مَا يفعل فِي هَاتين الليلتين من الشعار المخترع بِدعَة وضلالة وَأَن حَدِيثهمَا باطلان موضوعان لَا أصل لَهما فَلَا يقبل مِنْهُ بعد ذَلِكَ الرُّجُوع لداع دعى إِلَيْهِ انْتهى.
وَفِيه أَيْضا نقلا عَن عز الدَّين بْن عبد السَّلَام أَن الْبدع عَليّ ثَلَاثَة أضْرب مُبَاح كالتوسع فِي المآكل والمناكح فَلَا بَأْس بِهِ وَحسن وَهُوَ كل مَا وَافق الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة وَلم يُخَالف شَيْئا مِنْهَا كَصَلَاة التَّرَاوِيح وَبِنَاء الرَّبْط والخانات والمدارس وَغير ذَلِكَ من أَنْوَاع الْبر الَّتِي لم تعهد فِي الصَّدْر الأول وَالضَّرْب الثَّالِث مُخَالف للشَّرْع صَرِيحًا واستلزاما كَصَلَاة الرغائب فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة وَكذب عَلَيْهِ ذكر ذَلِكَ أَبُو الْفرج بْن الْجَوْزِيّ وَكَذَا قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد الطرطوشي أَنَّهَا لم تحدث بِبَيْت الْمُقَدّس إِلَّا بعد ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة من الْهِجْرَة وَهِي مَعَ ذَلِكَ مُخَالفَة للشَّرْع يخْتَص الْعلمَاء بِبَعْضِهَا وَبَعضهَا يعم الْجَاهِل والعالم انْتهى مُلَخصا.
وَإِن شِئْت الإطلاع على مناظرة وَقعت بَين الْعِزّ بن عبد السَّلَام وَبَين ابْن الصّلاح وعَلى عباراتهما التَّامَّة وعَلى مَا رد السُّبْكِيّ وَغَيره على ابْن الصّلاح فَارْجِع إِلَى الرسَالَة الْمَذْكُورَة وَلَوْلَا خوف الإطالة لنقلتها بِالْكُلِّيَّةِ
وَإِنَّمَا اكتفيت على نقل قدر من عِبَارَات الْعِزّ وَابْن الصّلاح لحُصُول الْمَقْصُود بِهِ وَهُوَ كَون صَلَاة الرغائب مَوْضُوعَة وروايتها بَاطِلَة وَقد اتَّضَح مِمَّا ذكرنَا أَن الْمُحدثين كلهم اتَّفقُوا على كَون حَدِيثهَا مَوْضُوعا ثُمَّ مِنْهُم وهم الْجُمْهُور من منع عَنْهَا قطعا وَجعل أداءها بِدعَة وضلالا وَمِنْهُم من جوز أداءها لمن شَاءَ من غير اعْتِقَاد صِحَة حَدِيثهَا وَالْحق مَعَ الْجُمْهُور وَهُوَ قَول الْمَنْصُور.
وفى الْمدْخل لِابْنِ الْحَاج الْمَالِكِي عِنْد ذكر المواسم الَّتِي نسبوها إِلَى الشَّرْع وَلَيْسَت مِنْهُ بعد ذكر مَا أحدثوه من أول لَيْلَة من رَجَب وَمن الْبدع الَّتِي أحدثوها فِي هَذَا الشَّهْر الْكَرِيم أَن أول لَيْلَة جُمُعَة مِنْهُ يصلونَ فِي الْجَوَامِع والمساجد صَلَاة الرغائب ويجتمعون فِي جَوَامِع الْأَمْصَار ومساجدها ويظهرونها فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات بِإِمَام وَجَمَاعَة كَأَنَّهَا صَلَاة مَشْرُوعَة وانضم إِلَى هَذِه الْبِدْعَة مفاسد مُحرمَة وَهِي اجْتِمَاع النِّسَاء وَالرِّجَال فِي اللَّيْل على مَا علم مَا اجتماعاتهم وَأَنه لَا بُد أَن يكون مَعَ ذَلِكَ مَا لَا يَنْبَغِي مَعَ زِيَادَة وقود الْقَنَادِيل وَغَيرهَا، وفى زِيَادَة وقودها إِضَاعَة المَال لَا سِيمَا إِذا كَانَ الزَّيْت من الْوَقْف فَيكون ذَلِكَ جرحه فِي حق النَّاظر لَا سِيمَا إِن كَانَ الْوَاقِف لم يذكرهُ، وَإِن ذكره لم يعْتَبر شرعا، وَزِيَادَة الْوقُود مَعَ مَا فِيهِ من إِضَاعَة المَال سَبَب لِاجْتِمَاع من لَا خير فِيهِ. وَقد ذكر الإِمَام أَبُو بكر الفِهري الْمَعْرُوف بالطرطوشي تقبيح اجْتِمَاعهم وفعلهم صَلَاة الرغائب فِي جمَاعَة وَأعظم النكير على فَاعل ذَلِكَ، وَقَالَ فِي كِتَابه أَنَّهَا بِدعَة قريبَة الْعَهْد حدثت فِي زَمَانه وَأول مَا حدثت فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى أحدثها فلَان سَمَّاهُ فالتمسه هَذَا قَوْله فِيهَا وَهِي على دون مَا يَفْعَلُونَهُ الْيَوْم فَإِن قَالَ قَائِل قد ورد الحَدِيث عَن النَّبِي فِي النّدب إِلَى الصَّلَاة ذكره أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ فِي كتاب الْإِحْيَاء لَهُ.
فَالْجَوَاب أَن الْكَلَام إِنَّمَا وَقع فِي فعلهَا فِي الْمَسَاجِد وإظهارها فِي الْجَمَاعَات وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَأما الرجل يَفْعَلهَا فِي خَاصَّة نَفسه فيصليها سرا كَسَائِر النَّوَافِل فَلهُ ذَلِكَ، وَيكرهُ لَهُ أَن يتخذها سنة دائمة لَا بُد من فعلهَا لآن هَذِه الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي فَضَائِل الْأَعْمَال بالسند الضَّعِيف قد قَالَ الْعلمَاء فِيهَا أَنه يجوز الْعَمَل بهَا وَلكنهَا لَا تفعل على الدَّوَام انْتهى كَلَامه.
قلت؛ لقد تساهل فِي آخر كَلَامه، فَإِن حَدِيث صَلَاة الرغائب مَوْضُوع بِاتِّفَاق أَكثر الْمُحدثين أَو كلهم وَلَا عِبْرَة بِمن خالفهم كَائِنا من كَانَ وَلَا بِذكر من ذكره كَائِنا من كَانَ، والموضوع لَا يجوز الْعَمَل بِهِ على أَن الضَّعِيف الَّذِي صَرَّحُوا بِجَوَاز الْعَمَل بِهِ وقبوله هُوَ الَّذِي لَا يكون شَدِيد الضعْف بِأَن لَا يَخْلُو سَنَد من أسانيده من كَذَّاب أَو مُتَّهم أَو مَتْرُوك أَو نَحْو ذَلِكَ على مَا بسطته فِي رسالتي الأجوبه الفاضلة للأسئلة الْعشْرَة الْكَامِلَة والْحَدِيث الَّذِي نَحن فِيهِ إِن لم يكن مَوْضُوعا فَلَا شُبْهَة فِي كَونه شَدِيد الضعْف غير قَابل للاحتجاج بِهِ، فَلَا يجوز الْعَمَل بِهِ فِي فَضَائِل أَيْضا لأحد لَا فِي خَاصَّة نَفسه وَلَا بِأَمْر غَيره.
وَإِن شِئْت زِيَادَة التَّفْصِيل فِي هَذَا الْبَحْث الْجَلِيل فَارْجِع إِلَى تحفة الجنائب بِالنَّهْي عَن صَلَاة الرغائب وَإِلَى البزق اللموع لكشف الحَدِيث الْمَوْضُوع وَكِلَاهُمَا لقطب الدَّين مُحَمَّد الخيضري المتوفي على مَا قيل سنة 894 وَإِلَى الرَّد الصائب على مصلى الرغائب فِي فَضَائِل الْأَعْمَال لإِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي وَإِلَى التَّرْغِيب عَن صَلَاة الرغائب لخطيب جَامع دمشق عبد الْعَزِيز وَإِلَى غَيرهَا من رسائل الْفُضَلَاء.
وَقَالَ الشَّيْخ الدهلوي فِي رسَالَته مَا ثَبت بِالسنةِ فِي أَيَّام السّنة
بعد ذكر قدر من عِبَارَات النَّوَوِيّ وَغَيره وَهُوَ عشر عشير بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا نقلنا. قَالَ العَبْد الضَّعِيف أصلح الله حَاله وَجعل إِلَى كل خير مآله ، هَذَا مَا ذكره المحدثون على طريقتهم فِي تَحْقِيق الْأَسَانِيد وَنقد الْأَحَادِيث وعجبا مِنْهُم أَن يبالغوا فِي هَذَا الْبَاب هَذِه الْمُبَالغَة ويكفيهم أَن يَقُولُوا لم يَصح ذَلِكَ عندنَا وأعجب من الشَّيْخ مُحي الدَّين النَّوَوِيّ مَعَ سلوكه طَرِيق الْإِنْصَاف فِي الْأَبْوَاب الْفِقْهِيَّة وَعدم تعصبه مَعَ الْحَنَفِيَّة كَمَا هُوَ دأب الشَّافِعِيَّة فَمَا نَحن فِيهِ أولى بذلك لنسبته إِلَى الْمَشَايِخ الْعِظَام والمشايخ الْكِرَام، وَقد ذكر صَاحب جَامع الْأُصُول فِي كِتَابه حَدِيثا من كتاب رزين مَعَ أَن مَوْضُوع ذَلِكَ الْكتاب جمع أَحَادِيث الْكتب السِّتَّة الْمُسَمَّاة بالصحاح السِّت وَإِذا لم يجد فِي هَذِه الْكتب حَدِيثا فِي ذَلِكَ أوردهُ من كتاب آخر اسْتِيفَاء وتكميلا، وَقَالَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ الله ذَكَرَ صَلاةَ الرَّغَائِبِ وَهِيَ أَوَّلُ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ يُصَلِّي فِيهَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء اثْنَتَيْ رَكْعَةً بِسِتِّ تَسْلِيمَاتٍ كُلُّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَة الْكتاب وَالْقدر ثَلَاثًا وَقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِي الْأُمِّي ولعلى آلِهِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ سَبْعِينَ مَرَّةً ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ سَبْعِينَ مَرَّةً ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الأَعْظَمُ، وَفِي أُخْرَى الأَعَزُّ الأَكْرَمُ سَبْعِينَ مَرَّةً ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ فِي السَّجْدَةِ الأُولَى، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَاجَتَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرُدُّ سَائِلَهُ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الأُصُولِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ رَزِينٍ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَالْحَدِيثُ مَطْعُونٌ فِيهِ انْتَهَى. أَيْ كَلامُ صَاحِبِ جَامِعِ الأُصُولِ وَقد وَقع فِي كِتَابه بَهْجَةِ الأَسْرَارِ ذَكَرَ لَيْلَةَ الرَّغَائِبِ فِي ذِكْرِ سَيِّدِنَا وَشَيْخِنَا الْقُطْبِ الرَّبَّانِيِّ وَالْغَوْثِ الصَّمَدَانِيِّ الشَّيْخِ مُحْيِ الدِّينِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْحَسَنِيِّ الْجِيلانِيِّ، وَقَالَ: اجْتَمَعَ الْمَشَايِخُ وَكَانَتْ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ إِلَى آخِرَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْحِكَايَةِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ نَقَلَ عَنِ الشَّيْخَيْنِ الْقُدْوَتَيْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْوَهَّاب وَالشَّيْخ عبد الرَّزَّاق أَنَّهُمَا قَالَا
بَكَّرَ الشَّيْخُ بَقَا بْنُ بُطُو صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمْعَةِ الْخَامِسِ مِنْ رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة إِلَى مَدْرَسَةِ َوالِدِنَا الشَّيْخِ مُحْيِ الدِّينِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَقَالَ لَنَا: أَلا سَأَلْتُمُونِي عَنْ سَبَبِ بُكُورِي الْيَوْمَ إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ نُورًا أَضَاءَتْ بِهِ الآفَاقُ وَعَمَّ أَقْطَارَ الْوُجُودِ رَأَيْتُ أَسْرَارَ ذَوِي الأَسْرَارِ فَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا لَهُ مَانِعٌ مِنَ الاتِّصَالِ بِهِ وَمَا اتَّصل بِهِ سِرٌّ إِلا تَضَاعَفَ نُورُهُ فَتَطَلَّبْتُ يَنْبُوعَ ذَلِكَ النُّورِ فَإِذَا هُوَ صَادِرٌ عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ فَأَرَدْتُ الْكَشْفَ عَنْ حَقِيقَتِهِ فَإِذَا هُوَ نُورٌ شُهُودٌ قَابَلَ نُورَ قَلْبِهِ وَتَقَادَحَ هَذَانِ النُّورَانِ واَنْعَكَسَ ضِيَاؤُهُمَا عَلَى مِرْآةِ حَالِهِ وَاتَّصَلَتْ أَشِعَةُ الْمُقَادَحَاتِ مِنْ مَحَطِّ جَمْعِهِ إِلَى وَصْفِ تَفْرِقَةٍ فَأَشْرَقَ بِهَا الْكَوْنُ وَلَمْ يَبْقَ مَلَكٌ نَزَلَ اللَّيْلَةَ إِلا أَتَاهُ وَصَافَحَهُ وَاسْمُهُ عِنْدَهُمُ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ. قَالَ فَأَتَيْنَاهُ رضي الله عنه وَقُلْنَا لَهُ: أَصَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ صَلاةَ الرَّغَائِبِ؟ فَأَنْشَدَ:
(إِذَا نَظَرَتْ عَيْنِي وُجُوهَ جَبَائِبَ
…
فَتِلْكَ صَلاتِي فِي لَيَالِي الرَّغَائِبِ)
(وُجُوهٌ إِذَا مَا اسْتَبْصَرْتَ عَنْ جَمَالِهَا
…
أَضَاءَتْ بِهَا الأَكْوَانُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ)
(وَمَنْ لَمْ يُوَفِّ الْحُبَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ
…
فَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِ قَطُّ بِوَاجِبِ)
انْتَهَى كَلامُ الدَّهْلَوِيُّ.
قُلْتُ: ذَكَرَ لَيْلَةَ الرَّغَائِبِ فِي بَهْجَةِ الأَسْرَارِ وغَيْرُهُ لَا يُثْبِتُ إِلا فَضْلَهَا، وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ هُوَ أَدَاءُ صَلاةِ الرَّغَائِبِ فِيهَا أَخْذًا بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا وَلا اعْتِبَارَ لِوُقُوعِ حَدِيثِهَا فِي الْغِنْيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الصُّوفِيَّةِ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِي بَابِ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ هُوَ نَقْدُ الرِّجَالِ لَا كَشْفُ الرِّجَالِ وَمُبَالَغَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاقِعٍ فِي مَوْضِعِهَا فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا شُيُوعَ هَذِهِ الصَّلاةِ فِيمَا بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ وَظَنُّهُمْ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ عَنْ سَيِّدِ الأَنَامِ عليه الصلاة والسلام وَجَبَ عَلَيْهِمْ ذِكْرُ وَضْعِ حَدِيثِهَا وَشَنَاعَتِهَا وَلَوْلا ذَلِك لَا غتر كَثِيرٌ مِنَ الْخَوَاصِّ فَضْلا عَنِ الْعَوَامِّ بِوُقُوعِ ذِكْرِهَا فِي كُتُبِ الصُّوفِيَّةِ الْكِرَامِ وَأَمَّا ذِكْرُ صَاحِبِ جَامِعِ الأُصُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِهِ فَلا يَنْفَعُ شَيْئًا بَعْدَ قَوْله إِنَّه مطعون فِيهِ.