الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء " الآية.
وجه الدلالة: قوله تعالى " وذريته " فإن الذرية لا تطلق إلا على من يولد حقيقة، وأما من يباض فيقال فيه فراخ لا ذرية، فإن قيل: من أين لك هذا؟ قلت: من استقراء كلامهم.
الثانية عشرة بعد المائة: كرامات الأولياء هل هي جائزة، وهل تقدح في معجزات الأنبياء، وما الفرق بين المعجزة والكرامة
؟
الجواب: قال شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني فسح الله تعالى في أجله، في كتابه " منهج أصول الدين ": مسألة في إثبات الكرامة وتمييزها عن المعجزة (19/و) الذي صار إليه أهل الحق جواز انخراق العادة للأولياء والفرق بينها وبين المعجزة: أن مع المعجزة دعوى النبوة بخلاف الكرامة.
ومال الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني إلى منع الكرامة، وهذا يرده المنقولات الثابتة في قصص متعددة، والمجوزون اختلفوا فمنهم من شرط في الكرامة الخارقة للعادة أن تجري من غير اختيار من الولي، وهذا فرق ما بين المعجزة والكرامة عند هؤلاء، وجوز غيرهم وقوع الكرامة اختياراً من الولي؛ لكن لا يدعي بها الولاية، وهذا فرق ما بينها وبين المعجزة عندهم، وقال آخرون لا يمتنع ظهور خارق للعادة مع دعوى الولاية. انتهى
وهاهنا أمر مهم ينبغي أن نتنبه له وهو: أن هذه الأمور وهي خرق العادات وإن كان قد يكون صاحبها وليَّا لله تعالى فقد يكون عدوا لله تعالى فإن هذه الخوارق تكون لكثير من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدعة وتكون من الشياطين ولا يجوز أن نظن أن كل من كان له شيئ من هذه الأمور أنه وليُّ الله تعالى، بل يعتبر أولياء الله تعالى بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دلَّ عليها الكتاب والسنة ويُعرفون بنور الإيمان (19/ظ) والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة، ويعرفون أيضا باعتصامهم بالكتاب والسنة مع أنه ليس فيهم معصوم يُسوَّغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة، وهو مما اتفق عليه أولياء الله تعالى، ومن خالف في هذا فليس من أولياء الله تعالى الذين أمر الله تعالى باتباعهم، بل إما أن يكون كافرا وإما أن يكون مفرطا في الجملة وهذا كثير في كلام المشايخ، كقول الشيخ أبي سليمان الداراني: إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين الكتاب والسنة.
وقال الجنيد بن محمد: عِلْمُنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا.
وقال أبو عثمان النيسابوري: من أمرَّ السنة على نفسه قولا
وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمرَّ الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول " وإن تطيعوه تهتدوا " وكثير من الناس تغلط في مثل هذا الموضع فيظن في شخص أنه وليُّ الله تعالى، ويظن أن وليَّ الله تعالى يقبل منه كلما يقوله، ويسلم إليه كلما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة فيوافق ذلك الشخص ويخالف ما (20/و) بعث الله به رسوله الذي فرض على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر، فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين المفلحين وعباده الصالحين، ومن لم يتابعه كان من أعداء الله الخاسرين فتجرُّه مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولاً إلى البدعة والضلالة، وأخيراً إلى الكفر والنفاق، ويكون له نصيب من قوله تعالى " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا " ولهذا قيل في مثل هؤلاء: إنما حرموا الوصول بتضييع الأصول، فإن أصل الأصول تحقيق الإيمان بالله تعالى ورسوله وكل من خالف شيئا مما جاء به الرسول مقلدا في ذلك لمن يظن أنه وليُّ الله تعالى فإنه بنى أمره على أنه وليُّ الله تعالى، وأن ولي الله تعالى لا يخالف في شيئ ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله تعالى لم يقبل منه إذا خالف الكتاب والسنة فكيف إذا لم يكن كذلك، وتجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في (20/ظ) اعتقاد كونه وليُّ الله تعالى أنه صدر عنه مكاشفة في بعض الأحوال وبعض القصيَّات الخارقة
للعادة مثل أن يطير في الهواء إلى مكة، أو يمشي على الماء أو ما أشبه ذلك، وليس في شيئ من هذه الأمور ما يدل أن صاحبها ولي الله تعالى، بل قد اتفق أولياء الله تعالى على ان الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يعتد به حتى تنظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره
واجتنابه نهيه، وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور؛ ولكن قد توجد في أشخاص لا يتوضأ احدهم ولا يصل الصلوات المكتوبة بل يكون ملابسا للنجاسات معاشرا للكلاب يأوي القمامين والمزابل ورائحته كريهة وما أشبه ذلك، فهذه العلامات وما أشبهها هي علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن، إذا تقرر ذلك فخيار أولياء الله تعالى كراماتهم لحجة في الدين أو لحاجة بالمسلمين مثل ما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وتسبيح الحصا في كفه وإتيان الشجر وحنين الجذع إليه (21/و) ونحو ذلك وقد جمعت نحو ألف معجزة، وكرامات الصحابة والتابعين وسائر الصالحين كثيرة جدا فلنذكر طرفا منها:
فمن ذلك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أرسل جيشا وأمَّر عليه رجلا يسمى سارية فبينما عمر بن الخطاب يخطب فجعل يصيح على المنبر: يا ساري الجبل يا ساري الجبل، فقدم رسول
الجيش فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا فإذا بصائح: يا ساري الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله تعالى.
ومن ذلك: أن سلمان الفارسي وأبا الدرداء كانا يأكلان في صحفة فسبح ما فيها أو سبحت.
ومن ذلك: أن أسيد بن حضير كان يقرأ سورة الكهف فينزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت تسمع القرآن.
ومن ذلك: أن الملائكة كانت تسلم على عمران بن حصين.
ومن ذلك: أن أم أيمن لما خرجت مهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معها ماء ولا زاد فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت .... على رأسها فرفعته فإذا دلو .... أبيض فشربت منه حتى رويت، وما عطشت بقية عمرها، إلى غير ذلك من الكرامات الثابتة، وبالجملة إن كرامات أولياء الله تعالى (21/ظ) إنما حصلت لهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي داخلة تحت معجزاته فكيف يتوهم أو يقال إنها تقدح فيها.