المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الشبهة السادسة: زعموا أن حديث عائشة موقوف عليها وهي صادقة فيما - الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية

[حسام الدين عفانة]

الفصل: ‌ ‌الشبهة السادسة: زعموا أن حديث عائشة موقوف عليها وهي صادقة فيما

‌الشبهة السادسة:

زعموا أن حديث عائشة موقوف عليها وهي صادقة فيما تقول وكلامها هذا على حد علمها برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أكثر من أربع نسوة وكانت خديجة قبل عائشة رضي الله عنهن، فكيف تكون قد عرفت السابق واللاحق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون إخبارها، ولو أخبرها لقالت أخبرني أو قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك فقولها رضي الله عنها موقوف عليها. (1)

والجواب: إن هذا الكلام فيه مغالطات وأخطاء واضحة ويشم منه سوء الأدب مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبيان ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن الزعم بأن حديث عائشة موقوف عليها زعم خاطئ ودعوى باطلة، ويعلم ذلك المبتدئون في دراسة علم الحديث، فضلاً عن علماء الحديث. ولنرجع إلى أقوال أهل هذا الشأن لنقف على حقيقة الموقوف.

قال الإمام النووي: [الموقوف: وهو المروي عن الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أو نحوه]. (2)

وقال الباجي: [الموقوف: ما وقف به على الراوي ولم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى ذلك أنه وقف على الصحابي رضي الله عنه أو غيره من رواته فجعل من قوله

الخ]. (3)

(1) الخلاص ص 60 - 61.

(2)

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/ 184.

(3)

الحدود ص 63.

ص: 41

وقال الجرجاني: [الموقوف من الحديث: ما روي عن الصحابة من أحوالهم وأقوالهم فيتوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]. (1)

والسؤال الآن: هل تنطبق هذه التعريفات للموقوف على حديث عائشة رضي الله عنها؟

إنها تقول: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك قال لهن رسول الله: انطلقن فقد بايعتكن) ثم تقول: (لا والله ما مست يد رسول الله امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام) وتقول أيضاً: (وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً) فهل حديث عائشة هو قول لها؟ أو هل هو فعل لها؟ حتى يكون موقوفاً إنه مرفوع قولي ومرفوع فعلي ومن قال أنه يشترط في الحديث حتى يعد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الصحابي الذي روى الحديث أخبرني رسول الله أو قال لي رسول الله، ولو قلنا بهذا الاشتراط الوهمي لخرجت جملة كثيرة من الأحاديث النبوية عن كونها مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإليك بعض الأمثلة التي تبطل زعمهم:

هل يعد من الموقوف حديث ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه) رواه مسلم.

وهل يعد من الموقوف حديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله) رواه البخاري ومسلم.

(1) التعريفات ص 123.

ص: 42

وهل يعد موقوفاً حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع - مزدلفة -

) رواه البخاري ومسلم.

ولا أدري ما هو الفارق من حيث الرواية بين حديث عائشة: (ما مست يد رسول الله يد امرأة قط) وبين حديث ابن مسعود: (ما رأيت رسول الله صلى صلاة لغير وقتها

الخ) من الواضح أنه لا فرق بينهما، وبهذا تبطل دعواهم بأن حديث عائشة موقوف عليها.

الوجه الثاني:

إن زعمهم السابق يحمل في طياته سوء أدب مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إن لم نقل أنه يحمل تكذيباً لها وجرأة وقحة على أم المؤمنين. انظر إلى قول قائلهم: [فكيف تكون عرفت السابق واللاحق عن رسول الله دون إخبارها].

إن هذا الكلام لا يصدر عن مسلم تقي عرف للصحابة حقوقهم، وقد أمرنا الإسلام باحترامهم وتقديرهم وإجلالهم، فهم الجيل الأول من المسلمين، وهم أول من آمن برسول

الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ونصروا رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلينا أن نتذكر قول الله سبحانه وتعالى فيهم:(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (1)

(1) سورة التوبة آية 100.

ص: 43

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم. (1)

وقوله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ومسلم. (2)

وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في فضل الصحابة. فهل يجوز لأحد بعد ذلك أن يتطاول على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ويقول أن ذلك مبلغ علمها أو على حد علمها أو كيف عرفت السابق واللاحق. فمن أعلم من أم المؤمنين عائشة بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل عائشة رضي الله عنها تفتي بغير علم؟ وهل عائشة رضي الله عنها تقسم بالله وهي غير متيقنة مما تقول؟ وهل عائشة تقسم بالله قائلة: (لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط) وهي تعلم أنه صلى الله عليه وسلم صافح النساء؟! وهل تأويلكم الفاسد لحديث أم عطية أقوى حجة ودلالة من حديث عائشة؟ وهل من جاء بعد أربعة عشر قرناً من الزمان أعلم بأحوال رسول الله من أم المؤمنين عائشة؟!

سبحانك هذا بهتان عظيم!!!

(1) صحيح البخاري مع الفتح 8/ 33، صحيح مسلم مع شرح النووي 16/ 92.

(2)

صحيح البخاري مع الفتح 8/ 4، صحيح مسلم مع شرح النووي 16/ 84.

ص: 44