المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابعأدلة العلماء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية - الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية

[حسام الدين عفانة]

الفصل: ‌المبحث الرابعأدلة العلماء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية

‌المبحث الرابع

أدلة العلماء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية

بعد أن ذكرت أقوال أهل العلم من السلف والخلف التي وقفت عليها في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية أسوق أدلتهم على ذلك:

أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ

) الخ الآية. قالت: من أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة (1) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن. لا والله ما مست

يد رسول الله يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما (2).

وفي رواية للبخاري عن عائشة قالت: (فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاماً. لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك). (3)

(1) فسر ابن عباس رضي الله عنهما المحنة بقوله: [وكانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبت من أرض إلى أرض ولا التماس دنيا ولا عشقاً لرجل منا بل حباً لله ولرسوله] تفسير القرطبي 18/ 62.

(2)

صحيح البخاري مع فتح الباري 11/ 345 - 346، صحيح مسلم بشرح النووي 13/ 10.

(3)

المصدر السابق 10/ 261.

ص: 20

وفي رواية أخرى لحديث عائشة عند ابن ماجة: [ولا مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً). (1)

قال الحافظ بن حجر: [قوله قد بايعتك كلاماً أن يقول ذلك كلاماً فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة]. (2)

وقال الإمام النووي [قولها: (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه وأن صوتها ليس بعورة وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبيب وفصد]. (3)

ثانياً: عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: [أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلن نبيعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيما استطعتن وأطقتن)، قالت: فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله. فقال: (إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة)] رواه

الترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد وابن حبان والدارقطني (4).

(1) صحيح سنن ابن ماجة رقم 2324.

(2)

فتح الباري 10/ 261.

(3)

شرح النووي على مسلم 13/ 10.

(4)

سنن الترمذي 4/ 151 - 152، سنن النسائي 7/ 149، سنن ابن ماجة 2/ 959، الموطأ ص 538، مسند أحمد 6/ 357، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 10/ 417.

ص: 21

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1)

وقال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد صحيح. (2)

وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: إسناده صحيح. (3)

وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. (4)

وفي رواية أخرى عند الترمذي: (فقلت: يا رسول الله بايعنا - قال سفيان تعني صافحنا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة). (5)

وفي رواية أخرى عند عبد الرزاق: (قالت فقلنا ألا نصافحك يا رسول الله فقال: إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة كقولي لمئة امرأة). (6)

وفي رواية أخرى: (قالت: ولم يصافح رسول الله منا امرأة) رواه احمد والحاكم بسند حسن كما قال الشيخ الألباني. (7)

وهذا الحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة وهو نص صريح في ذلك، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة فمن باب أولى أنه لم يصافح النساء في غير البيعة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم مع عصمته ترك مصافحة النساء، فعلينا أن نترك ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أسوتنا وقدوتنا.

(1) سنن الترمذي 4/ 152.

(2)

تفسير ابن كثير 4/ 352.

(3)

سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 529 المجلد الثاني.

(4)

الإحسان 10/ 417.

(5)

المصنف لعبد الرزاق 6/ 7 حديث رقم 9826.

(6)

سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 529 المجلد الثاني.

(7)

المصدر السابق.

ص: 22

ثالثاً: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان لا يصافح النساء في البيعة) رواه الإمام أحمد في المسند. (1)

ونقل المناوي قول الهيثمي إسناده حسن. (2)

وقال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي: [وحسنه الحافظ السيوطي]. (3)

وقال الشيخ الألباني: [وهذا إسناد حسن على ما تقرر عند العلماء من الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كأحمد والبخاري والترمذي وغيرهم]. (4)

رابعاً: روى الإمام الترمذي قال معمر فأخبرني ابن طاووس عن أبيه قال: [ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يد امرأة يملكها] وقال الشيخ الألباني صحيح. (5)

وفي رواية عن ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ عليهن ويقول: لا أصافح النساء) رواه عبد الرزاق. (6)

خامساً: روى أبو نعيم في المعرفة من حديث نُهَيّة بنت عبد الله البكرية قالت: وفدت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فبايع الرجال وصافحهم وبايع النساء ولم يصافحهن). (7)

(1) المسند 2/ 213.

(2)

فيض القدير 5/ 186.

(3)

الفتح الرباني 17/ 351.

(4)

سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الثاني حديث رقم 530.

(5)

سنن الترمذي 3/ 117 حديث رقم 2634.

(6)

المصنف لعبد الرزاق 6/ 8 حديث رقم 9831.

(7)

التلخيص الحبير 4/ 169.

ص: 23

سادساً: عن عقيله بنت عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أمس أيدي النساء) رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. (1)

وهذه الرواية وما قبلها تشهد لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة وهي تؤكد أن عائشة رضي الله عنها لم تنفرد في روايتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء وأن ذلك مبلغ علم عائشة كما زعم بعض الناس، وسيأتي توضيح ذلك عند إبطال شبهات القول الشاذ في هذه المسألة.

سابعاً: عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لإن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني والبيهقي.

قال المنذري: [رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح]. (2)

وقال الشيخ الألباني: [رواه الروياني في مسنده، وهذا سند جيد رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن

والمِخيَط بكسر الميم وفتح الياء ما يخاط به كالإبرة والمسله ونحوهما وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك]. (3)

(1) صحيح الجامع الصغير 2/ 1205، حديث رقم 7177.

(2)

الترغيب والترهيب 3/ 39.

(3)

سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد الأول، الحديث رقم 326

ص: 24

ثامناً: روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محاله، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه). (1)

قال الإمام النووي: [معنى الحديث أن ابن آدم قُدر عليه نصيب من الزنا فمنهم من يكون زناه حقيقياً، بإدخال الفرج بالفرج الحرام. ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنى وما يتعلق بتحصيله أو بالمس بأن يمس بيده أجنبية أو يقبلها أو بالمشي بالرجل إلى الزنى أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك]. (2)

تاسعاً: إن الإسلام حرم النظر إلى الأجنبية بغير سبب مشروع (3) بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حث المسلم على أن يصرف بصره إذا وقع على امرأة أجنبية فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري). (4)

وعن بريده رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أحمد

وأبو داود والترمذي والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال الألباني حسن. (5)

(1) صحيح مسلم مع شرح النووي 16/ 205 - 206.

(2)

شرح النووي على مسلم 16/ 206.

(3)

انظر المغني لابن قدامة 7/ 102.

(4)

صحيح مسلم مع شرح النووي 14/ 139.

(5)

سنن أبي داود 2/ 246، سنن الترمذي 5/ 101، المسند 5/ 353، المستدرك 3/ 194، حجاب المرأة المسلمة ص 23، صحيح الجامع الصغير 2/ 1317 حديث رقم 7953.

ص: 25

قال الشوكاني: [وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمد لا يوجب إثم الناظر لأن التكليف به خراج عن الاستطاعة وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعمد أو ترك صرف البصر بعد نظر الفجأة]. (1)

والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب مشروع كثيرة، وإذا كان النظر محرماً فمن باب أولى اللمس، لأن اللمس أعظم أثراً في النفس من مجرد النظر حيث أن اللمس أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعياً إلى الفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك كما قال العلامة الشنقيطي. (2)

وقال الإمام النووي: [وقد قال أصحابنا كل من حرم النظر إليه حُرّم مسه، بل المس أشد فإنه يحل النظر إلى أجنبية إذا أراد أن يتزوجها وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك ولا يجوز مسها في شيء من ذلك]. (3)

(1) نيل الأوطار 6/ 127.

(2)

أضواء البيان 6/ 603 نقلاً عن أدلة التحريم ص 14.

(3)

الأذكار ص 228.

ص: 26

هذه أهم الأدلة على حرمة مصافحة المرأة الأجنبية وإن الناظر المخلص في هذه الأدلة ليطمئن إلى صحتها وقوتها في إثبات هذا الحكم الشرعي ويدفعه ذلك إلى العمل به إقتداءً بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأما من كان صاحب هوى أو عصبية ويدعو إلى التحلل والتنصل من أحكام الشرع فلا تعجبه هذه الأدلة وقد جئناه بها ساطعة واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار وسيحاول بشتى الطرق والوسائل أن يتمحل في التحلل من هذا الحكم الشرعي الثابت، تارة بالتأويل الفاسد، وأخرى بالاستدلال الباطل، وثالثة باسم الضرورة أو المصلحة أو نحو ذلك من التعليلات الفاسدة والتخريجات الساقطة كما سنرى فيما بعد.

ص: 27