الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عثمان على ما نقل في القصة من كلام الأشتر النخعي إن صح ذلك والله أعلم. انتهى كلام الكمال بن الهمام مع قليل من شرحه للكمال بن أبي شريف الشافعي.
الإمام القطب الشعراني
قال رحمه الله تعالى في المنن الكبرى: ومما أنعم الله تبارك وتعالى به علي رؤيتي أولاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين التي كنت أرى بها والدهم لو أدركته، حتى كأني بحمد الله صحبت جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفاوت حياتهم مع تفاوت مراتبهم التي ظهرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما يقع في نفوسنا نحن من التعظيم، فربما أدخل علينا العصبية في محبتنا، بخلاف من كان محبته للصحابة تبعا لما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون سالما من العصبية في عقيدته.
وحكى عن المحب الطبري مفتي الحرمين أن الشريف أبا نمي قال له: بأي طريق قدمتم أبا بكر على علي مع غزارة علمه وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له: يا سيدي، إننا لم نقدم أبا بكر برأينا وما لنا في ذلك أمر، وإنما جدك صلى الله عليه وسلم قال: «سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي
بكر» وقال صلى الله عليه وسلم: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» وقرأنا هذا الحديث بالسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الصحابة:"من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمه لديننا قدمناه ورضيناه لدنيانا" فقال الشريف أبو نمي: نعم، فعمر؟ فقال المحب الطبري: وأما عمر فإن أبا بكر عند موته اختاره للمسلمين، قال الشريف: نعم، فعثمان؟ فقال المحب الطبري: إن عمر جعل الأمر شورى بين من توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فقدموا عثمان، فقال الشريف: فمعاوية؟ فقال المحب الطبري: هو مجتهد كما أن عليا مجتهدا، فقال الشريف: فتقاتل مع من لو كنت أدركتهما؟ فقال: مع علي رضي الله عنه، فقال الشريف: فجزاك الله تعالى عنا خيرا.
قال الإمام الشعراني: فانظر يا أخي هذا الكلام النفيس من هذا العالم الذي لا يخرج عن التبعية في شيء، فإنه لم يجعل لنفسه اختيارا في ذلك كله، فعلم أن الواجب علينا أن نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحب أولادهم كذلك لحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا بحكم الطبع، ونقدم أولاد فاطمة على أولاد أبي بكر الصديق كما كان أبو بكر يقدمهم على أولاده عملا بحديث:«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين» وقيل مرة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم قدموا عليك أبا بكر وعمر؟ فقال: إن الله هو الذي قدمهما علي لقوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} وقد ركن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وعمر وتزوج ابنتيهما، ولو كانا ظالمين لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيهما ولا ركن إليهما.
ثم قال الإمام الشعراني: وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: لا يكفي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحبهم المحبة العادية إنما الواجب علينا أن لو كنا نعذب من جهتهم لمحبتنا لهم لا نرجع عن محبتهم كما لا نرجع عن محبة إيماننا بالتعذيب كما وقع لبلال وصهيب وعمار وكما وقع للإمام أحمد بن حنبل في مسئلة خلق القرآن، فمن لا يحتمل في حب الصحابة مثل ما حمل هؤلاء فمحبته مدخولة.
انتهى.
وقال الإمام الشعراني في كتاب اليواقيت والجواهر: المبحث الرابع والأربعون في بيان وجوب الكف عما شجر بين الصحابة ووجوب اعتقاد أنهم مأجورون، وذلك لأنهم كلهم عدول باتفاق أهل السنة سواء من لابس الفتن ومن لم يلابسها كفتنة عثمان ومعاوية ووقعة الجمل، كل ذلك وجوبا لإحسان الظن بهم وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد، فإن تلك أمور مبناها عليه، وكل مجتهد مصيب أو المصيب واحد والمخطئ معذور بل مأجور. قال ابن الأنباري: وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم وإنما المراد قبول رواياتهم لنا أحكام ديننا من غير تكلف ببحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، ولم يثبت لنا إلى وقتنا هذا شيء يقدح في عدالتهم ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره بعض أهل السير فإن ذلك لا يصح وإن صح فله تأويل صحيح. وما أحسن قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تلك دماء طهر الله تعالى منها سيوفنا فلا نخضب بها ألسنتنا. وكيف يجوز الطعن
في حملة ديننا وفيمن لم يأتنا خبر عن نبينا إلا بواسطتهم؟ فمن طعن في الصحابة فقد طعن في نفس دينه، فيجب سد الباب جملة واحدة لا سيما الخوض في أمر معاوية وعمرو بن العاص وأضرابهما. ولا ينبغي الاغترار بما نقله بعض الروافض عن أهل البيت من كراهيتهم، فإن مثل هذه المسئلة منزعها دقيق ولا يحكم فيها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها مسئلة نزاع بين أولاده وأصحابه. وقال الكمال بن أبي شريف: وليس المراد بما شجر بين علي ومعاوية المنازعة في الإمارة كما توهمه بعضهم، وإنما المنازعة كانت بسبب تسليم قتلة عثمان إلى عشيرته ليقتصوا منهم، لأن عليا رضي الله عنه رأى أن تأخير تسليمهم أصوب إذ المبادرة بالقبض عليهم مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة العامة، فإن بعضهم عزم على الخروج على الإمام علي وعلى قتله لما نادى يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان، ورأى معاوية أن المبادرة إلى تسليمهم للاقتصاص منهم أصوب. فكل منهما مجتهد مأجور. فهذا هو