الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابه: يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري، وهو في غاية الاحتياج والفاقة. وكان من أهل الصفة فقيرا لا يملك شيئا، فقال صلى الله عليه وسلم:"أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة لإسلامه" ومعنى طلاع الأرض ملؤها حتى يطلع عنها ويسيل كما قاله ابن الأثير في النهاية. ولا يخفاك أن الفرق بين علي ومعاوية ليس أقل من الفرق بين عيينة وجعيل، بل الأمر أعظم والله أعلم.
فصل (قال الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (1) قال البيضاوي: وقرئ وهو أب لهم، أي في الدين، فإن كل نبي أب لأمته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية، ولذلك صار المؤمنون إخوة، ثم قال عند قوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} على الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها، {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} وكل رسول أبو أمته لا مطلقا بل من حيث أنه شفيق ناصح لهم واجب التوقير
(1) الأحزاب: 6
والطاعة عليهم. انتهى كلام البيضاوي.
إذا علمت ذلك تعلم أن عليا ومن بغى عليه من الصحابة وغيرهم من المؤمنين كلهم بمترلة أولاد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم لو وقع الخلاف بينهم في حياته وتحاكموا لديه لحكم لعلي عليهم ولكره محاربتهم له وخروجهم عليه؛ ولكنه مع ذلك لا يتبرأ منهم، لأن شفقته عليهم أعظم من شفقة آبائهم الحقيقيين، بل أعظم من شفقتهم على أنفسهم بنص الآية المذكورة:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} مع جزمنا بأنه يقدم عليا ويفضله لأسباب كثيرة. منها كونه أكثر منهم فضائل من وجوه شتى كالعلم والشجاعة وسبقه للإسلام وغير ذلك. ومنها كونه ابن عمه أبي طالب شقيق والده عبد الله الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم صغيرا ونصره على أعدائه كبيرا. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رباه في بيته صغيرا حتى كان بمترلة ولده. ومنها أنه زوجه ابنته سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة أحب أولاده إليه صلى الله عليه وسلم. ومنها أنه أبو سبطيه الحسن والحسين وجد ذريته
الطاهرة. ومنها أنه صاحب الحق في الخلافة ومن حاربوه كانوا بغاة عليه. ومنها أنهم بمحاربتهم له شغلوه وشغلوا أنفسهم وجميع الأمة إذ ذاك عن الجهاد في سبيل الله وتسببوا لقتل ألوف كثيرة من المسلمين من جماعتهم وجماعته، وهم كلهم مؤمنون بمترلة أولاده صلى الله عليه وسلم. فلا شك أن ما وقع منهم لا يرضيه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك فكل إنسان منصف إذا تصور حالة نفسه مع أولاده الذين يبغي بعضهم على بعض يتحقق أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن آلمه بغي بعض أصحابه على علي، فهو لا يريد هلاكهم بل يحب عفو الله عنهم وشمول مغفرته وسعة كرمه إياهم، وهذا مما لا شك فيه. ويدل عليه عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أعدائه نفسه الذين حاربوه ونصبوا له حبائل الكيد والمكر من أول بعثته إلى فتح مكة من صناديد قريش حتى أسلموا وتألفهم بما قدر عليه من اللطف والعطاء الكثير حتى حسن إسلامهم. وكان الله تعالى قبل الهجرة أرسل إليه ملكا فخيره في هلاكهم وهم كفار فلم يختر ذلك قائلا: "عسى أن يخرج الله من أصلابهم من