الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقوى بحسب درجاتهم على الجميع بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ولم يستثن أهل البيت الكرام ولا غيرهم من الأنام.
إذا علمت ذلك تعلم أنه يجوز أن يكون في كل عصر بعض المسلمين من أهل التقوى أكرم عند الله تعالى من بعض أهل البيت الذين قصروا عنهم في تقوى الله تعالى، ولا مانع من ذلك شرعا ولا عقلا لهذه الآية الصريحة التي يجب على كل مؤمن قبولها والإذعان لها والتصديق بها لأنها من كلام الله المجيد الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (1) وقد خاطب الله تعالى بها جميع المؤمنين من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة. وإذا كان الأمر كذلك فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تشرفوا بصحبته وشاهدوا أنوار طلعته وبذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل نصرته وتأييد دينه وملته هم أولى وأحرى بأن يشملهم هذا التشريف الذي شرف الله به المتقين بقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} المؤيد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى» .
فصل (قد أثنى الله في آيات كثيرة على الأصحاب)
قد أثنى الله
(1) فصلت: 42
تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة من القرآن. منها قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (1) ومنها قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (2) ومنها قوله تعالى: {لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} (3) ومنها قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (4) ومنها قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (5) ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (6) ومنها قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
(1) آل عمران: 110
(2)
البقرة: 143
(3)
التحريم: 8
(4)
الفتح: 18
(5)
التوبة: 100
(6)
الانفال: 64
غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1) ومنها قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (2) ومنها قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3)
واعلم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم داخلون بيقين في جميع هذه الآيات القرآنية وغيرها مما ذكر في القسم السابق التي أثنى الله بها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها داخلة أيضا بيقين في أكثرها مما لم يختص بالرجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما
(1) الحشر: 8 - 10
(2)
الفتح: 29
(3)
المائدة: 54
لا شك أنهما داخلان في كثير منها مما لم يختص بالسابقين إلى الإسلام من الصحابة رضي الله عنهم. فيا ليت شعري إذا صرح الملك لجميع رعاياه برضاه عن طائفة منهم وخاطبهم بمدح تلك الطائفة والثناء الجميل عليها، أتراهم إذا أبغضوا تلك الطائفة التي صرح لهم الملك برضاه عنها، وإذا ذموها بعد أن سمعوا منه الثناء الجميل عليها يكونون قد استحقوا بذلك رضا الملك أم سخطه؟ لا شك أنهم يكونون بذلك مستحقين لسخطه التام، ولا يرتاب في هذا أحد من ذوي الأحلام. هذا لو كان ذلك الملك مخلوقا مثل رعاياه، ويجوز عليه أن يكون مخطئا في رضاه عن تلك الطائفة وثنائه عليها بأن يكون صدر ذلك منه لأغراض وافقت هوى نفسه، وهي في الحقيقة غير مستحقة لرضاه وثنائه فيخالفونه لعلمهم من عيوبها وموجبات بغضها وذمها ما لم يعلمه ذلك الملك. فما بالك بملك الملوك رب العالمين وخلاق البرايا أجمعين إذا صرح برضاه عن طائفة من عبيده وأثنى عليها الثناء الجميل هل يمكن أن يكون مخطئا برضاه عنها وثنائه عليها؟ وهل يجب على عبيده تعالى أن يتبعوه بمحبة تلك الطائفة والرضا عنها والثناء عليها؟ أو يجوز لهم بوجه من الوجوه
أو سبب من الأسباب أن يبغضوها بعد أن صرح لهم سبحانه وتعالى برضاه عنها، ويذموها بعد أن سمعوه بمدحها بأبلغ المدح ويثني عليها بأجمل الثناء؟ هذا مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يحبهم ومن يبغضهم، فمن أي الفريقين تحب أن تكون أيها المسلم الذي يريد نجاة نفسه. أما السني فلا يرد عليه هذا السؤال. وأما الشيعي فلا جواب له عنه بحال من الأحوال إلا بمجرد المكابرة والجدال.
وإذا قال الشيعي أنا أحب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبغض أصحابه الذين تعدوا عليهم وسلبوهم حقوقهم وأذمهم لأتقرب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأستجلب رضاه ومحبته لي بمحبتي لأهل بيته وبغضي لمن سلبوهم حقوقهم. أقول في الجواب عن ذلك: قد أعلمتك بنص القرآن الصريح أن الله تعالى قد رضي عنهم وأثنى عليهم الثناء الجميل، وما رضي عنهم إلا لطاعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم ومبايعتهم، أي معاهدتهم إياه على الموت في سبيل نصرته على أعدائه صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهم الثناء الجميل في كتابه المجيد، الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ
تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فكيف حينئذ يمكن بعد ما ذكر أن يرضى الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم عمن يبغضهم ويذمهم مهما فعلوا ومهما كان منهم على فرض صحة ما نسب إليهم؟ هذا مستحيل عقلا ونقلا، لأن الرضا عنهم والثناء عليهم من الله تعالى قد ثبت ثبوتا أبديا في كلامه القديم الذي لا ينسخه كلام على ممر الليالي والأيام. والحق سبحانه وتعالى لا يخفى عليه ما سيصدر منهم من الأفعال مدة حياتهم، ومع ذلك فقد صرح بالرضا عنهم والثناء الجميل عليهم، فيلزمنا أن نقلد الله تعالى بالرضا عنهم والثناء الجميل عليهم ونعتقد أن ما صدر منهم على فرض صدوره هو من الذنوب الداخلة في سعة رحمة الله تعالى ومغفرته، أو نؤول ذلك بما يصرف أفعالهم المعترضة عن ظواهرها كما فعل علماء السنة من السلف والخلف. ويؤيد ذلك الحديث الصحيح الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق أهل بدر الذين من جملتهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وكثير ممن تبغضهم الروافض، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال لهم:
افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وورد عنه صلى الله عليه وسلم في حق عثمان بخصوصه مثل ذلك يوم جهز جيش العسرة بسبعمائة جمل بحمولها وأحضر ألف دينار صبها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فصار يقلبها بيديه الشريفتين ويقول: "غفر الله لك يا عثمان"، «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» وهذا من الأمور التي جرت بها العادة، فإنه إذا فعل إنسان فعلا جميلا عظيما عند آخر يصرح له بأنه قد رضي عنه ولا يسخط عليه أبدا في مقابلة ذلك الفعل الجميل حتى يجرون ذلك مع البهائم. قال الشاعر:
وإذا المطي بنا بلغن محمدا * فظهورهن على الرجال حرام
قربننا من خير من وطئ الثرى * فلها علينا حرمة وذمام
وإذا وقع ذلك من كرام الناس في حق البهائم فضلا عن الآدميين، فما بالك برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكرم ولد آدم وسيد الخلق أجمعين؟ وما بالك بكرم الله تعالى وسعة فضله الذي لا تدرك حد سعته الأحلام ولا يمكن التعبير عن حقيقته بالألسنة والأقلام، وقد صرح تعالى برضاه عن هؤلاء القوم
الذين صدقوا في خدمته وتأييد دينه وملته ومبايعة نبيه على الموت في نصرته وثنائه عليهم الثناء الجميل في معيته. وقد ذكر صفاتهم الجميلة التي استوجبوا بها الثناء الجميل منه تعالى، وابتدأها بقوله:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} فقد ابتدأها بالجهاد أيضا لما فيه من المشقات العظيمة التي كانوا يحملونها في حب الله تعالى ورسوله، أتراه سبحانه وتعالى بعد أن صرح لهم برضاه عنهم وشرفهم بذلك وبالثناء عليهم في كلامه القديم يخالف ذلك في المستقبل وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين؟ أو تراه يرضيه أن يخالف تشريفه لهم بذلك أحد من الخلق أجمعين، سبحانه وتعالى عما يقوله الجاهلون ويعتقده المبطلون، و {إنا لله وإنا إليه راجعون} . ونعوذ بالله تعالى من الخذلان ومن أن نكون منقادين إلى الشيطان وإخوانه من الإنس والجان.
وأما قولك أيها الشيعي: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبوا أهل بيته حقوقهم؛ فهذا اعتقدته أنت بحسب ما بلغك من الرواة الذين قد يزيدون وينقصون، وبحسب ما فسره لك قوم غافلون أو متغافلون. ومع ذلك نحن لم
ندّع فيهم العصمة من الخطأ والذنوب، ولكن نقول: إن الله تعالى أخبرنا في كتابه الحق الذي اتفق جميع المسلمين من أهل السنة والشيعة على أنه كما قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} بأنه قد رضي سبحانه وتعالى عنهم وقد أثنى عليهم فيه الثناء الجميل، فإذا وقع منهم بعد ذلك بحسب بشريتهم وعدم عصمتهم كالأنبياء شيء من الذنوب يرجى من كرمه تعالى أن يغفره لهم، بل يتعين ذلك فضلا منه تعالى في حق أهل بيعة الرضوان الذين صرح برضاه عنهم وهم أكثر المهاجرين والأنصار، وفي حق أهل بدر منهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، فلا يجوز لك أيها الشيعي أن تذمهم وتسخط عليهم بعد تعريف الله تعالى لك بأنه قد رضي عنهم وثنائه الجميل عليهم، ولو فرضنا صحة ما بلغك عنهم من الخطإ والذنوب التي هي إن شاء الله تعالى على فرض صحتها مغفورة، لا سيما وقد صح عنهم عندك وعند جميع المسلمين والناس أجمعين ما بذلوه في تأييد الدين المبين ونصرة سيد المرسلين -صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه أجمعين- من الأفعال المشكورة المبرورة، التي منها بذل الأرواح والأموال ومعاداة الأهل والعيال، وارتكاب المشقات التي لا تتحملها الجبال، فهل لا يستحقون بعدها غفران الذنوب وستر العيوب من الكبير المتعال؟ فأنصف أيها الرجل وانتبه رحمك الله، واعرف لذوي الحقوق حقوقهم، ولا تغتر بزخرفة الألفاظ وتنميق الأكاذيب التي أوحاها الشيطان إلى إخوانه وأعوانه حتى فرقوا كلمة الأمة المحمدية وأوقعوا بينها العداوة التي لا يقدر على إزالتها إلا الله تعالى. وأنت على يقين من أنا معاشر المسلمين جميعا من أهل السنة والشيعة عبيد الله تعالى يجب علينا أن نرضى لرضاه ونسخط لسخطه تعالى، ولا نجعل لهوانا على ديننا وعقلنا سبيلا. ونجزم ونعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضيه إلا ما يرضى الله تعالى. وقد بلغنا صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه رضي عن أهل بيعة الرضوان، وهم جل أو كل أصحابه المهاجرين والأنصار وقتئذ، فهل يمكن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى عليهم أو على أحد منهم مهما فعلوا بعد أن بلغنا عن ربه عز وجل رضاه المطلق
عنهم الذي لم يقيده بشرط من الشروط ولا زمان من الأزمان. وهل يجوز لنا بعد أن تحققنا رضى الله ورسوله عنهم على هذا الوجه الثابت المحقق الذي لا يتحول ولا يتزلزل أن نسخط عليهم وقد رضي الله ورسوله عنهم ونذمهم وقد أثنى الله ورسوله عليهم؟ أنصف أنت من نفسك أيها المسلم العاقل وافعل ما يقربك إلى مولاك والله يتولى هداك.
أما أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة رضي الله عنهم، فهم مثل أصحابه عليه الصلاة والسلام يجوز عليهم الخطأ واقتراف الذنوب، فإنهم مثلهم غير معصومين. ولا يغرك زعم العصمة فيهم عند الشيعة لأن العصمة قد خصها الله تعالى بالنبيين والمرسلين لكونهم مشرعين ومبلغين الدين وأحكامه عن الحق إلى الخلق، فلو لم يكونوا معصومين لجاز عليهم وقوع الخطإ في تبليغ شرائع الله تعالى إلى عباده فيختل حينئذ ذلك الدين ولا يوثق بصحته وبأنه دين الله الحق الذي شرعه لعباده، ولهذا كانت عصمتهم واجبة لازمة لا بد منها. وأما غيرهم من أتباع الأنبياء فليسوا متصفين بهذه الصفة حتى يلزم اعتقاد العصمة فيهم، ولكنهم مهما عظم شأنهم وارتفعت مترلتهم في الفضل والتقوى
والكمال فهم محل للخطأ واقتراف الذنوب بحسب بشريتهم، ولكن الله تعالى من فضله وكرمه يغفر لهم ذنوبهم ويستر لهم عيوبهم. وأولى الناس بمغفرته تعالى آل بيت نبيه وأصحابه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في آل البيت:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (1) ولثنائه الجميل على الصحابة ورضاه عنهم بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (2) وكما يجوز عقلا وشرعا وقوع التعدي من بعض الصحابة على بعض أهل البيت يجوز التعدي من بعض أهل البيت على بعض الصحابة، كما أنه يجوز الخطأ على هؤلاء وهؤلاء بمقتضى البشرية وعدم العصمة. ونحن معاشر المسلمين الواجب علينا محبة الفريقين لنفوز إن شاء الله تعالى بالحسنيين، وننظر بعين الإنصاف إلى ما بلغنا من أحوالهم جميعا وآثارهم في الدين ونفعهم للمسلمين وطاعتهم لرب العالمين وخدمتهم لسيد المرسلين -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- وما كان أمرهم عليه في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ما تحققناه من النقول الصحيحة، ونجعل محط نظرنا رضا الله تعالى ورسوله ونزيل عن قلوبنا وعقولنا حجاب الهوى والميل بمجرد
(1) الأحزاب: 33
(2)
الفتح: 18