الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد بما شجر بينهم. اه كلام الشعراني.
الإمام ابن حجر الهيتمي
قال رحمه الله تعالى في كتاب الزواجر: قال أبو أيوب السختياني من أكابر السلف: من أحب أبا بكر فقد أقام منار الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الخير في جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق. ومناقبهم وفضائلهم أكثر من أن تذكر. قال: وأجمع أهل السنة والجماعة على أن أفضلهم العشرة المشهود لهم بالجنة على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم في سياق واحد، وأفضل هؤلاء أبو بكر فعمر، قال أكثر أهل السنة: فعثمان فعلي. ولا يطعن في واحد منهم إلا مبتدع منافق خبيث. وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى التمسك بهدي هؤلاء الأربعة بقوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» والخلفاء الراشدون هم هؤلاء الأربعة بإجماع من يعتد به. اه
وقال في الزواجر أيضا:
قد نص الله تعالى على أنه رضي الله عن الصحابة في غير آية، قال تعالى:{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} (1) فمن سبهم أو واحدا منهم فقد بارز الله بالمحاربة، ومن بارز الله بالمحاربة أهلكه وخذله. ومن ثم قال العلماء: إذا ذكر الصحابة بسوء كإضافة عيب إليهم وجب الإمساك عن الخوض في ذلك، بل ويجب إنكاره باليد ثم اللسان ثم القلب على حسب الاستطاعة كسائر المنكرات، بل هذا من أشرها وأقبحها، ومن ثم أكد النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من ذلك بقوله:"الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" رواه الترمذي. أي احذروا الله أي عقابه وعذابه على حد قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} وكما تقول لمن تراه مشرفا على الوقوع في نار عظيمة: النار النار، أي احذرها. وتأمل أعظم فضائلهم ومناقبهم التي نوه بها صلى الله عليه وسلم
(1) التوبة: 100
حيث جعل محبتهم محبة له وبغضهم بغضا له، وناهيك بذلك جلالة لهم وشرفا، فحبهم عنوان محبته وبغضهم عنوان بغضه صلى الله عليه وسلم. وإنما يعرف فضائل الصحابة من تدبر سيرهم معه صلى الله عليه وسلم وآثارهم الحميدة في الإسلام في حياته وبعد مماته، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأكمله وأفضله، فقد جاهدوا في الله حق جهاده حتى نشروا الدين وأظهروا شرائع الإسلام، ولولا ذلك منهم ما وصل إلينا قرآن ولا سنة ولا أصل ولا فرع. فمن طعن فيهم فقد كاد أن يمرق من الملة لأن الطعن فيهم يؤدي إلى انطماس نورها، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} وإلى عدم الطمأنينة والإذعان لثناء الله ورسوله عليهم، وإلى الطعن في الله وفي رسوله إذ هم الوسائط بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. والطعن في الوسائط طعن في الأصل، والإزراء بالناقل إزراء بالمنقول عنه. وهذا ظاهر لمن تدبره وقد سلمت عقيدته من النفاق والغلول والزندقة. فالواجب على من أحب الله ورسوله حب من قام بما أمر الله ورسوله
به وأوضحه وبلغه لمن بعده وأداء جميع حقوقه، والصحابة هم القائمون بأعباء ذلك كله. اه
وقال في الزواجر أيضا: والأحاديث في ذلك كثيرة. وقد استوفيتها وما يتعلق بها في كتاب حافل لم يصنف في هذا الباب فيما أظن مثله، ومن ثم سميته: الصواعق المحرقة لإخوان الشياطين أهل الابتداع والضلال والزندقة، فاطلبه إن شئت لترى ما فيه من محاسن الصحابة وثناء أهل البيت عليهم لا سيما الشيخان، ومن افتضاح الشيعة والرافضة في كذبهم وتقولهم وافترائهم عليهم بما هم بريئون منه - رضوان الله عليهم أجمعين. انتهت عبارته في الزواجر.
وقد رأيت أنت أنتخب من كلامه في الصواعق جملا شاملة شافية ولفضل الصحابة والذب عنهم كافلة كافية.
قال رحمه الله تعالى في كتاب الصواعق: اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات من كتابه. منها قوله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس} فأثبت الله لهم
الخيرية على سائر الأمم ولا شيء يعادل شهادة الله لهم بذلك لأنه تعالى أعلم بعباده وما انطووا عليه من الخيرات وغيرها بل لا يعلم ذلك غيره تعالى فإذا شهد تعالى فيهم بأنهم خير الأمم وجب على كل أحد اعتقاد ذلك والإيمان به وإلا كان مكذبا لله في إخباره. ولا شك أن من ارتاب في حقية شيء مما أخبر الله أو رسوله به كان كافرا بإجماع المسلمين. ومنها قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} والصحابة في هذه الآية والتي قبلها هم المشافهون بهذا الخطاب على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة. فانظر إلى كونه تعالى خلقهم عدولا وخيارا ليكونوا شهداء على بقية الأمم يوم القيامة، وحينئذ فكيف يستشهد الله تعالى بغير عدول أو بمن ارتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو ستة أنفس منهم كما زعمته الرافضة قبحهم الله ولعنهم وخذلهم ما أحمقهم وأجهلهم وأشهدهم بالزور والافتراء والبهتان. ومنها قوله تعالى:{يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى يبن أيديهم وبأيمانهم} فأمنهم الله من خزيه ولا يأمن من خزيه في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله
سبحانه ورسوله عنهم راض، فأمنهم من الخزي صريح في موتهم على كمال الإيمان وحقائق الإحسان وفي أن الله لم يزل راضيا عنهم وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها قوله تعالى:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} فصرح تعالى برضاه عن أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة. ومن رضي الله عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر لأن العبرة بالوفاة على الإسلام، فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام. وأما من علم موته على الكفر فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه رضي عنه. فعلم أن كلا من هذه الآية وما قبلها صريح في رد ما زعمه وافتراه أولئك الملحدون الجاحدون حتى للقرآن العزيز إذ يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم وأنهم عدول أخيار وأن الله لا يخزيهم وأنه رضي عنهم. فمن لم يصدق بذلك فيهم فهو مكذب لما في القرآن، ومن كذب بما فيه مما لا يحتمل التأويل كان كافرا جاحدا ملحدا مارقا.
ومنها قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ولذين اتبعوهم بإحسان رضي
الله عنهم ورضوا عنه} وقوله تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} وقوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} . فتأمل ما وصفهم الله به من هذه الآية تعلم به ضلال من طعن فيهم من شذوذ المبتدعة ورماهم بما هم بريئون منه. ومنها قوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ
بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} فانظر إلى عظيم ما اشتملت عليه هذه الآية فإن قوله تعالى: {محمد رسول الله} جملة مبينة للمشهود به في قوله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا} ففيها ثناء عظيم على رسوله، ثم ثنى بالثناء على أصحابه بقوله:{والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} كما قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} فوصفهم الله تعالى بالشدة والغلظة على الكفار وبالرحمة والبر والعطف على المؤمنين والذلة والخضوع لهم، ثم أثنى عليهم بكثرة الأعمال مع الإخلاص وسعة الرجاء في فضل الله ورحمته بابتغائهم فضله ورضوانه وبأن آثار ذلك الإخلاص وغيره من أعمالهم الصالحة ظهرت على وجوههم حتى إن من نظر إليهم بهره حسن سمتهم وهديهم. ومن ثم قال مالك رضي الله عنه: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين
فتحوا الشام قالوا: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وقد صدقوا في ذلك فإن هذه الأمة المحمدية خصوصا الصحابة لم يزل ذكرهم معظما في الكتب كما قال الله تعالى في هذه الآية: {ذلك مثلهم} أي وصفهم في التوراة {ومثلهم} أي وصفهم {في الإنجيل كزرع أخرج شطأه} أي فراخه {فآزره} أي شده وقواه {فاستغلظ} أي شب فطال، فكذلك أصحاب محمد آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع {ليغيظ بهم الكفار} . ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك في رواية عنه قوله بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأن الصحابة يغيظونهم ومن غاظه الصحابة فهو كافر. وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الآية. ومن ثم وافقه الشافعي رضي الله تعالى عنهما في قوله بكفرهم ووافقه أيضا جماعة من الأئمة. والأحاديث في فضل الصحابة كثيرة.
قال: وقد قدمنا معظمها في أول هذا الكتاب -يعني الصواعق- ويكفيهم شرفا أي شرف ثناء الله عليهم في تلك الآيات كما ذكرناه وفي غيرها ورضاه عنهم وأنه تعالى وعدهم جميعهم
لا بعضهم إذ من في {منهم} لبيان الجنس لا للتبعيض {مغفرة وأجرا عظيما} ووعد الله صدق وحق لا يتخلف ولا يخلف، لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم.
قال رحمه الله تعالى: فعلم أن جميع ما قدمناه من الآيات هنا ومن الأحاديث الكثيرة الشهيرة في المقدمة يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق. على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام ببذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع من بعدهم. هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله. ولم يخالف فيه إلا شذوذ من المبتدعة الذين ضلوا وأضلوا فلا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم. وقد قال إمام عصره أبو زرعة الرازي من أجل شيوخ مسلم: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به
حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به ألصق والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق. وقال ابن حزم: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا، قال تعالى:{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} وقال تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} فثبت أن جميعهم من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية الأولى التي أثبت لكل منهم الحسنى وهي الجنة. اه
ثم قال الإمام ابن حجر: ومما يشهد لما عليه الجمهور من السلف والخلف من أنهم خير خلق الله وأفضلهم بعد النبيين وخواص الملائكة والمقربين ما قدمته من فضائل الصحابة ومآثرهم أول الكتاب وهو كثير فراجعه. ومنه حديث الصحيحين: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ما بلغ مثل أمد أح دهم ولا نصيفه» وروى الدارمي وابن عدي وغيرهما أنه قال: "أصحابي كالنجوم
بأيهم اقتديتم اهتديتم". ومن ذلك أيضا الخبر المتفق على صحته: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» . والقرن أهل زمن واحد متقارب اشتركوا في وصف مقصود والمراد بقرنه في هذا الحديث الصحابة. وآخر من مات منهم على الإطلاق بلا خلاف أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه وكان موته سنة مائة على الصحيح.
ثم قال الإمام ابن حجر: وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحب الله أحب القرآن ومن أحب القرآن أحبني ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي" رواه الديلمي. وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس احفظوني في أختاني وأصهاري وأصحابي لا يطالبنكم الله بمظلمة أحد منهم فإنها ليست مما يوهب" رواه الخلعي. وقال صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي من أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" رواه المخلص الذهبي. فهذا الحديث وما قبله خرج مخرج الوصية بأصحابه على طريق التأكيد والترغيب في حبهم والترهيب عن
بغضهم. وفيه أيضا إشارة إلى أن حبهم إيمان وبغضهم كفر لأن بغضهم إذا كان بغضا له كان كفرا بلا نزاع لخبر «لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه» . وهذا يدل على كمال قربهم منه من حيث أنزلهم منزلة نفسه حتى كأن أذاهم واقع عليه صلى الله عليه وسلم. وفيه أيضا أن محبة من أحبه النبي صلى الله عليه وسلم كآله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم علامة على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن محبته صلى الله عليه وسلم علامة على محبة الله تعالى، وكذلك عداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبهم علامة على بغض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدواته وسبه وبغضه صلى الله عليه وسلم علامة على بغض الله تعالى وسبه، فمن أحب شيئا أحب من يحب وأبغض من يبغض. قال الله تعالى:{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} فحب أولئك -أعني آله صلى الله عليه وسلم وأزواجه وذرياته وأصحابه- من الواجبات المتعينات، وبغضهم من الموبقات المهلكات. ومن محبتهم توقيرهم وبرهم
والقيام بحقوقهم والاقتداء بهم بالمشي على سنتهم وآدابهم وأخلاقهم والعمل بأقوالهم مما ليس للعقل فيه مجال، ومزيد الثناء عليهم وحسنه بأن يذكروا بأوصافهم الجميلة على قصد التعظيم، فقد أثنى الله عليهم في آيات كثيرة من كتابه المجيد ومن أثنى الله عليه فهو واجب الثناء. انتهى.
وقال في الصواعق أيضا: ومما يجب أيضا الإمساك عما شجر أي وقع بينهم من الاختلاف والاضطراب صفحا عن أخبار المؤرخين، سيما جهلة الروافض وضلال الشيعة والمبتدعين القادحين في أحد منهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«إذا ذكر أصحابي فأمسكوا» . والواجب أيضا على كل من سمع شيئا من ذلك أن يثبت فيه ولا ينسبه إلى أحدهم بمجرد رؤيته في كتاب أو سماعه من شخص بل لا بد أن يبحث عنه حتى يصح عنده نسبته إلى أحدهم فحينئذ الواجب أن يلتمس لهم أحسن التأويلات وأصوب المخارج، إذ هم أهل لذلك كما هو مشهور في مناقبهم ومعدود من مآثرهم مما يطول إيراده. وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات فله محامل وتأويلات وأما سبهم
والطعن فيهم فإن خالف دليلا قطعيا كقذف عائشة رضي الله عنها أو إنكار صحبة أبيها كان كفرا وإن كان بخلاف ذلك كان بدعة وفسقا. ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على حقيتها لعلي رضي الله عنه كما مر فلم تهج الفتنة بسببها؛ وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه فامتنع علي ظنا منه أن تسليمهم إليهم على الفور مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي يؤدي إلى اضطراب وتزلزل في أمر الخلافة التي بها انتظام كلمة أهل الإسلام سيما وهي في ابتدائها لم يستحكم الأمر فيها، فرأى علي رضي الله عنه أن تأخير تسليمهم أصوب إلى أن يرسخ قدمه في الخلافة ويتحقق التمكن من الأمور فيها على وجهها ويتم له انتظام شملها واتفاق كلمة المسلمين ثم بعد ذلك يلتقطهم واحدا فواحدا ويسلمهم إليهم. ويدل لذلك أن بعض قتلته عزم على الخروج على علي ومقاتلته لما نادى يوم الجمل بأن يخرج
عنه قتلة عثمان، وأيضا فالذين تمالؤا على قتل عثمان كانوا جموعا كثيرة كما علم مما قدمته في قصة محاصرتهم له إلى أن قتله بعضهم جمع من أهل مصر قيل سبعمائة وقيل ألف وقيل خمسمائة وجمع من الكوفة وجمع من البصرة وغيرهم قدموا كلهم المدينة وجرى منهم ما جرى. بل ورد أنهم هم وعشائرهم نحو من عشرة آلاف. فهذا هو الحامل لعلي رضي الله عنه على الكف عن تسليمهم لتعذره كما عرفت.
ثم ذكر حديث البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» . وقد حصل ذلك فسلمها لمعاوية بعد وفاة علي رضي الله عنه على شروط قام له بها معاوية. وقد سمى النبي فئته المسلمين وساواهم بفئة الحسن في وصف الإسلام، فدل على بقاء حرمة الإسلام للفريقين وأنهم لم يخرجوا بتلك الحروب عن الإسلام وأنهم فيه على حد سواء. فلا فسق ولا نقص يلحق أحدهما لما قررناه من أن كلا منهما متأول تأويلا غير قطعي البطلان.