الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليس له في فيء المسلمين حق، قال في الشفاء: ونزع -أي استدل- بآية سورة الحشر وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} . انتهى كلام الشفاء.
الغوث الجيلاني
قال رحمه الله تعالى في غنية الطالبين: ويعتقد أهل السنة أن أمة محمد عليه الصلاة والسلام خير الأمم أجمعين، وأفضلهم أهل القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وبايعوه وتابعوه وقاتلوا بين يديه وفدوه بأنفسهم وأموالهم وعزروه ونصروه، وأفضل أهل القرن أهل الحديبية الذين بايعوه بيعة الرضوان وهم ألف وأربعمائة رجل، وأفضلهم أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد أصحاب طالوت، وأفضلهم الأربعون أهل دار الخيزران الذين كملوا بعمر بن الخطاب، وأفضلهم العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء
الراشدون الأربعة الأخيار، وأفضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضى الله تعالى عنهم. ولهؤلاء الأربعة الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون سنة، ولي منهم أبو بكر رضي الله عنه سنتين وشيئا، وعمر رضي الله عنه عشرا، وعثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة، وعلي رضي الله عنه ستا، ثم وليها معاوية رضي الله عنه تسع عشرة سنة؛ وكان قبل ذلك ولاه عمر الإمارة على أهل الشام عشرين سنة.
وخلافة الأئمة الأربعة كانت باختيار الصحابة واتفاقهم ورضاهم، ولفضل كل واحد منهم في عصره وزمانه على من سواه من الصحابة. ولم تكن بالسيف والقهر والغلبة والأخذ ممن هو أفضل منه.
أما خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فباتفاق المهاجرين والأنصار كانت، وذلك لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت خطباء الأنصار فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟
قالوا: معاذ الله أن نتقدم أبا بكر، وفي لفظ قال عمر رضي الله عنه: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا كلهم: كلنا لا تطيب أنفسنا، نستغفر الله. فاتفقوا مع المهاجرين فبايعوا بأجمعهم وفيهم علي والزبير. ولهذا قيل في النقل الصحيح: لما بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه قام ثلاثا يقبل على الناس فيقول: يا أيها الناس أقلتكم بيعتي، هل من كاره؟ فيقوم علي رضي الله عنه في أوائل الناس يقول: لا نقيلك ولا نستقيلك أبدا، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يؤخرك؟ وبلغنا عن الثقات أن عليا رضي الله عنه كان أشد الصحابة قولا في إمامة أبي بكر رضي الله عنه، وروي أن عبد الله بن الكواء دخل على علي بعد قتال الجمل وسأله: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر شيئا؟ فقال: نظرنا في أمرنا فإذا الصلاة عضد الإسلام فرضينا لدنيانا بما رضي الله ورسوله لديننا فولينا الأمر أبا بكر. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر الصديق رضي الله عنه في إقامة الصلاة المفروضة أيام
مرضه فكان يأتيه بلال وقت كل صلاة فيؤذنه بالصلاة، فيقول عليه الصلاة والسلام:«مروا أبا بكر فليصل بالناس» ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر رضي الله عنه في حال حياته بما يتبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، وكذلك في حق عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أن كل واحد منهم أحق بالأمر في عصره وزمانه. من ذلك ما روى ابن بطة بإسناده عن علي رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول الله من نؤمر بعدك؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا" فلذلك أجمعوا على خلافة أبي بكر.
وقد روى عن إمامنا أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله رواية أخرى: أن خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثبتت بالنص الجلي والإشارة. وهو مذهب الحسن البصري وجماعة من أصحاب الحديث رحمهم الله. وجه هذه الرواية ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما عرج بي إلى السمآء سألت ربي
عز وجل أن يجعل الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب فقالت الملائكة: يا محمد إن الله يفعل ما يشاء، الخليفة من بعدك أبو بكر" وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"الذي بعدي أبو بكر لا يلبث بعدي إلا قليلا" وعن مجاهد رحمه الله: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من دار الدنيا حتى عهد إلي أن أبا بكر يلي من بعدي، ثم عمر، ثم عثمان من بعده ثم علي من بعده.
فأما خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنها كانت باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه، فانقادت الصحابة إلى بيعته وسموه أمير المؤمنين، فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قالوا لأبي بكر رضي الله عنه: ما تقول لربك غدا إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر وقد عرفت فظاظته؟ قال: أقول استخلفت عليهم خير أهلك.
وأما خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فكانت أيضا عن اتفاق الصحابة رضي الله عنهم، وذلك أن عمر رضي الله عنه أخرج أولاده عن الخلافة وجعلها شورى بين ستة نفر، وهم طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن
لعلي وعثمان: أنا أختار أحدكما لله ورسوله وللمؤمنين، فأخذ بيد علي رضي الله عنه، فقال: يا علي عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله إذا أنا بايعتك لتنصحن لله ورسوله وللمؤمنين ولتسيرن بسيرة رسوله وأبي بكر وعمر، فخاف علي أن لا يقوى على ما قووا عليه فلم يجبه، ثم أخذ بيد عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، فأجابه عثمان على ذلك، فمسح يد عثمان فبايعه وبايعه علي رضي الله عنه ثم بايع الناس أجمع، فصار عثمان بن عفان خليفة بين الناس باتفاق الكل، فكان إماما حقا إلى أن مات ولم يوجد فيه أمر يوجب الطعن فيه ولا فسقه ولا قتله؛ خلاف ما قالت الروافض، تبا لهم.
وأما خلافة علي رضي الله عنه فكانت عن اتفاق الجماعة وإجماع الصحابة، كما روى أبو عبد الله بن بطة عن محمد بن الحنفية قال: كنت مع علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان محصور، فأتاه رجل فقال إن أمير المؤمنين مقتول الساعة، قال: فقام علي رضي الله عنه فأخذت بوسطه تخوفا عليه، فقال: خل لا أم لك، قال: فأتى علي الدار وقد قتل عثمان رضي الله عنه، فأتى داره ودخلها فأغلق بابه، فأتاه
الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا إن عثمان قد قتل ولا بد للناس من خليفة، ولا نعلم أحدا أحق بها منك، فقال لهم علي: لا تريدوني فإني لكم وزيرا خير من أمير، قالوا والله لا نعلم أحدا أحق بها منك، قال رضي الله عنه: فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرا، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني، قال: فخرج رضي الله عنه إلى المسجد فبايعه الناس، فكان إماما حقا إلى أن قتل، خلاف ما قالت الخوارج إنه لم يكن إماما قط، تبا لهم.
وأما قتاله رضي الله عنه لطلحة والزبير وعائشة ومعاوية فقد نص الإمام أحمد رحمه الله على الإمساك عن ذلك وجميع ما شجر بينهم من منازعة ومنافرة وخصومة، لأن الله تعالى يزيل ذلك من بينهم يوم القيامة، كما قال عز وجل:{ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} ولأن عليا رضي الله عنه كان على الحق في قتالهم، لأنه كان يعتقد صحة إمامته على ما بينا من اتفاق أهل الحل والعقد من الصحابة على إمامته وخلافته. فمن خرج عن ذلك بعد وناصبه حربا كان باغيا خارجا على الإمام فجاز قتاله. ومن قاتله
من معاوية وطلحة والزبير طلبوا ثأر عثمان خليفة الحق المقتول ظلما، والذين قتلوه كانوا في عسكر علي رضي الله عنه. فكل ذهب إلى تأويل صحيح، فأحسن أحوالنا الإمساك في ذلك وردهم إلى الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين وخير الفاصلين؛ والاشتغال بعيوب أنفسنا وتطهير قلوبنا من أمهات الذنوب وظواهرنا من موبقات الأمور.
وأما خلافة معاوية بن أبي سفيان فثابتة صحيحة بعد موت علي رضي الله عنه وبعد خلع الحسن بن علي رضي الله عنهما نفسه عن الخلافة وتسليمها إلى معاوية، لرأي رآه الحسن ومصلحة عامة تحققت له، وهي حقن دماء المسلمين وتحقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله عنه:«إن ابني هذا سيد يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» فوجبت إمامته بعقد الحسن له. فسمي عامه عام الجماعة لارتفاع الخلاف بين الجميع، واتباع الكل لمعاوية رضي الله عنه، لأنه لم يكن هناك منازع ثالث في الخلافة، وخلافته مذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تدور رحى الإسلام خمسا وثلاثين سنة أو ستا وثلاثين أو سبعا وثلاثين» والمراد بالرحى في هذا الحديث القوة في الدين، والخمس السنين الفاضلة من الثلاثين فهي من جملة خلافة معاوية إلى تمام تسع عشرة سنة وشهور، لأن الثلاثين كملت بعلي رضي الله عنه كما بينا.
ونحسن الظن بنساء النبي صلى الله عليه وسلم أجمعين، ونعتقد أنهن أمهات المؤمنين، وأن عائشة رضي الله عنها أفضل نساء العالمين، وبرأها الله تعالى من قول الملحدين فيها بما نقرؤه ويتلى في كتاب الله إلى يوم الدين. وكذلك فاطمة بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رضى الله تعالى عنها وعن بعلها وأولادها أفضل نساء العالمين، ويجب موالاتها ومحبتها كما يجب ذلك في حق أبيها صلى الله عليه وسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها»
فهؤلاء أهل القرآن هم الذين ذكرهم الله في كتابه وأثنى عليهم، فهم المهاجرون الأولون والأنصار الذين صلوا إلى القبلتين، قال الله تعالى فيهم: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً