المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في شئون رؤساء الأصحاب الذين خالفوا عليا رضي الله عنه وعنهم وهم طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص - الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة

[يوسف النبهاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة في تعريف الصحابي وعدد الصحابة وطبقاتهم رضي الله عنهم

- ‌القسم الأول في نقل عبارات أكابر العلماء من أئمة المذاهب الأربعة التي استدلوا بها من الكتاب والسنة وإجماع الأمة على فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب في حقهم من حسن الاعتقاد ولزوم سبيل السداد

- ‌الإمام الطحاوي

- ‌الإمام الغزالي

- ‌القاضي عياض

- ‌الغوث الجيلاني

- ‌شهاب الدين السهروردي

- ‌الإمام النووي

- ‌شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌الكمال بن الهمام

- ‌الإمام القطب الشعراني

- ‌الإمام ابن حجر الهيتمي

- ‌البرهان اللقاني

- ‌السيد مرتضى الزبيدي

- ‌القسم الثاني في الاحتجاج على فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل (قد أثنى الله في آيات كثيرة على الأصحاب)

- ‌فصل في خلافة أبي بكر وملخص أوصافه

- ‌فصل في خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فصل في خلافة عثمان رضي الله عنه وسيرته

- ‌حكمة عدم انتظام الأمور في مدة خلافة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه

- ‌السبب الظاهر لعدم انتظام الأمور في مدة خلافة علي رضي الله عنه

- ‌فصل في فضل شئون أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها

- ‌فصل في شئون رؤساء الأصحاب الذين خالفوا عليا رضي الله عنه وعنهم وهم طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص

- ‌فصل (قال الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)

- ‌فصل (في أن معاوية وسائر الصحابة الخارجين على علي كانوا مجتهدين)

- ‌فصل (في أن عمرو بن العاص له من العذر ما لمعاوية)

- ‌فصل (في بيان أن من أحب عليا وكره مخالفيه هل يثاب أم يعاقب)

الفصل: ‌فصل في شئون رؤساء الأصحاب الذين خالفوا عليا رضي الله عنه وعنهم وهم طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص

بذلك أحد من أمته صلى الله عليه وسلم المؤمنين، فضلا عن أهل بيته الطاهرين، رضي الله عنهم أجمعين، فاقتد بهم وبعلي رضي الله عنه الذي أنت تكرهها لأجله، فهو كان أعرف منك وأتقى لله وأعلم بما يرضيه ويرضي رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقد أكرمها رضي الله عنها غاية الإكرام وتجاوز عن كل ما صدر منها من الخطإ في ذلك المقام. وإذا لم يكن ذلك لأجل فضلها فهو لأجله صلى الله عليه وسلم، "* ولأجل عين ألف عين تكرم *"

‌فصل في شئون رؤساء الأصحاب الذين خالفوا عليا رضي الله عنه وعنهم وهم طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص

لا يخفاك أيها المؤمن العاقل المنصف أنا إنما نحب عليا رضي الله عنه لله ورسوله، وكذلك نحب سائر أهل البيت وجميع الأصحاب لله ورسوله. ولذلك كانت محبتنا لهم لا على السوية، بل نفاضل بينهم بالمحبة بحسب درجات فضلهم عند الله ورسوله على ما رواه لنا الأئمة وتناقلته الأمة الخلف عن السلف. فنقدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا ثم

ص: 161

باقي العشرة المبشرين بالجنة، ومن أكابرهم الزبير وطلحة المؤهلان للخلافة بعد علي، وهما من المهاجرين الأولين السابقين في الإسلام، ثم باقي أهل بدر ومن أكابرهم الزبير وطلحة، ثم أهل أحد ومن أكابرهم الزبير وطلحة، ثم من أسلم قبل فتح مكة ومن أكابرهم الزبير وطلحة ومنهم عمرو بن العاص، ثم من أسلم بعد الفتح ومنهم معاوية، قال الله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (1) فمعاوية ممن وعدهم الله الحسنى، وهي الجنة، وهو وإن كان من القسم الأخير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مفضول بالنظر إلى الأقسام السابقة، إلا أنه هو وجميع الصحابة ممن أسلم بعده أيضا أفضل من جميع من جاء بعدهم من هذه الأمة المحمدية، ففضله من هذه الجهة أي جهة الصحبة وحدها إذ اعتبرته تجده عظيما عظيما عظيما إلى درجة لا تقدر على تصورها، لأنك تعلم أنه قد جاء في هذه الأمة بعد الصحابة من أكابر الأئمة

(1) الحديد: 10

ص: 162

والعلماء والأولياء من لا يمكن استيفاء مناقبهم وفضائلهم بوجه من الوجوه. فمعاوية مع تأخره في الفضل عن معظم الصحابة هو أفضل من التابعين ومن بعدهم أجمعين، لتشرفه بصحبة سيد المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وكتابته له الوحي في بعض الأحيان، وجهاده معه أهل الشرك والطغيان، فضلا عما اتصف به في حد ذاته من الفضائل والمزايا الكثيرة. وخدماته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخدمات الدينية المشكورة. فقد جاهد في سبيل الله مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وبعد أن استقل بالأمر، فإنه بقي في الشام مدة طويلة ثمانيا وأربعين سنة، منها نحو ست سنوات تحت راية أخيه يزيد، ومنها اثنان وعشرون سنة أميرا مجاهدا ضابطا لبلاد الشام وهي حدود الروم وقتئذ، ومنها عشرون سنة ملكا مجاهدا، حتى فتح فتوحات كثيرة ووصل جيشه إلى القسطنطينية وكان معه أبو أيوب الأنصاري، فمات هناك ودفن فيها وقبره إلى الآن ظاهر يزار. وهو مع كل فضائله التي لا يماثلها ولا يقاربها

ص: 163

فضائل أحد من غير الصحابة نسبته في الفضل إلى علي كنسبة الدرهم من الفضة مثلا إلى القناطير المقنطرة من الذهب، بل من الجواهر النفيسة العظيمة التي جلت عن أن تقوم بقيمة. كما قلت في قصيدتي "سعادة المعاد في موازنة بانت سعاد" في مدح سيد العباد صلى الله عليه وسلم:

كالشمس في الأفق الأعلى أبو حسن

ومن معاوية في الأرض قنديل

واعلم أن هذا ليس من قبيل المبالغة والتخيل في الشعر فقط بدون أن يكون موافقا للحقيقة، بل الفرق بينهما في الحقيقة والله أعلم كذلك أو أعظم من ذلك. قال الله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فخالد بن الوليد أسلم قبل الفتح، ومعاوية بعد الفتح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد حين اختلف مع سلمان الفارسي:«دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وقد صرح القرآن بأن خالدا وأمثاله ممن أسلموا قبل الفتح أعظم درجة من

ص: 164

معاوية وأمثاله، ومقدار فضل هذه الدرجة لا يعلمه إلا الله تعالى، فقد تكون الدرجات التي استفادوها بأعمالهم في جميع أعمارهم لا تعادل تلك الدرجة، وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القسم العظيم بأن خالدا وأمثاله ممن تأخر إسلامهم عمن سبقهم لو أنفق أحدهم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مقدار مدّ أو نصف مد من الطعام ينفقه مثل سلمان الفارسي من السابقين للإسلام، وسبق علي لسلمان بالإسلام أعظم من سبق سلمان لخالد، فإن عليا كان من السابقين الأولين بل كان أول المسلمين أو من أولهم، وسلمان إنما أسلم بعد الهجرة، هذا فضل عن الفضائل الكبرى الأخرى التي امتاز بها علي عن سلمان وغيره من كبار الصحابة فضلا عن غيرهم. وبهذا تعلم أن درجة الفرق بين علي ومعاوية في الفضل لا يمكن أن نتصورها بأفهامنا ولا من هو أعظم منا.

وأقيم لك على ذلك دليلا آخر، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أعطى بعض المؤلفة قلوبهم في غزوة حنين مقادير وافرة من الغنائم قبل القسمة: منهم أبو سفيان وولداه يزيد ومعاوية، قال له بعض

ص: 165