الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أثر قيام أفراد المجتمع بالحقوق المفروضة لبعضهم على بعض في قوة الرابطة الإيمانية
المجتمع المؤمن مجتمع إنساني تميّز برابطة الإيمان والأخوة في الله، هذه الرابطة التي تصله بخالقه، وتربط بين أفراده. والمجتمع الإنساني أيّا كان نوعه، تتم فيه مصالح متبادلة بين أفراده ومعاملات تنظم تلك المصالح، وعلاقات وصلات وحقوق.
ولا بد من نظام صالح يحكم هذه الأمور ويسددها لتسير الحياة بين أفراد المجتمع سيراً حسناً يحقق العدل ويبعث على الرضى، ويزيد في رباط الأخوة.
والإسلام الذي يقيم الرابطة على أساس الإيمان، نجده ينظم العلاقات والروابط والمعاملات منطلقاً من ذلك الأساس نفسه، فجميع النظم الإسلامية منطلقة من العقيدة الإسلامية.
فالله وحده هو المشرع المعبود المطاع، وله وحده يخضع ويستجيب المؤمنون، فكل سعيهم لربهم وعلى منهاجه.
يقول الدكتور عبد الله الخريجي: "ويشكل القرآن -بسوره المكية والمدنية- كلاً متكاملاً في بدايته إرساء قواعد العقيدة، ويتدرج منها
وعلى أساسها إلى تحديد الإطار الذي على الإنسان أن يلتزم به في علاقته بنفسه وبالآخرين من خلال تنظيم محكم دقيق لحياة الإنسان في جماعته"1.
والحديث النبوي وحي من عند الله، بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من جوانب العقيدة والشريعة، فاكتمل بيان الدين بالقرآن والسنة المطهرة.
وقد رتب الإمام البخاري كتابه الجامع الصحيح على هيئة تشعر بالترابط الوثيق بين الشرائع الإسلامية والعقيدة، فبدأ بكتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم كتاب العلم، ثم ساق الأبواب مرتبة على أبواب الفقه، وفي ذلك إشارة إلى أن ما يورده في صحيحه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله، وتعلمه والعمل به إيمان، وطريقة العلم، فنبه على الترابط بين العقيدة والشريعة، والعمل والإيمان.
والحقوق المفروضة بين المؤمنين أداؤها إيمان، ويزيد في الرابطة الإيمانية ويوثقها، كما أن الإخلال بها يضعف تلك الرابطة ويهلهلها، وقد أشار الله إلى هذا الترابط بين عدم الالتزام بما أوجبه من الإيمان، وبين تضييع تلك الحقوق، وأن الإخلال بأحدهما دليل ومؤد إلى اختلال الآخر بقوله:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22] .
1 نظم المجتمع الإسلامي مع التطبيق على المجتمع السعودي، د. عبد الله الخريجي ص30 توزيع رامتان، جدة، ط: الأولى 1403.
ولا شك أن من قطع ما بينه وبين رحمه، كان قطعه لحقوق من هم دونهم أحرى.
وقد امتدح الله المؤدين للحقوق المفروضة عليهم الواصلين لما أمر الله به أن يوصل مبيناً أن ذلك من صفات المؤمنين، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21] .
وليس الغرض هو ذكر تفاصيل الحقوق، وإنما بيان علاقتها بالإيمان، وأثر تأديتها في قوة الرابطة الإيمانية، مما يحصن المجتمع ويعمل على قوته وتماسك جبهته الداخلية، وما للتفريط فيها من الأثر في ضعف الرابطة وانهيار حصنها المنيع.
ومجمل هذه الحقوق فيما يلي:
حق ولي الأمر على رعيته، وحق الرعية عليه، وحق الوالد على أولاده، والأولاد عليه، وحق الزوج على زوجته، وحقها عليه، وحق الأرحام والأقارب والجيران والضيف، والخدم والأرقاء، وابن السبيل، وحقوق الفقراء والمساكين والعجزة على الأغنياء والأقوياء، وحق المسلم على أخيه المسلم عامة في غير ما ذكر
…
إلى غير ذلك من الحقوق1.
1 انظر تفاصيل ذلك: كتب السنة، أبواب الآداب والبر والصلة، ورياض الصالحين، ومنهاج المسلم، لأبي بكر الجزائري ونحوها.
وخلاصة هذا المطلب: أنه إذا قام كل فرد بما عليه من الحقوق أثمر ذلك قوة في صلة أفراد المجتمع بربهم، وفي الرابطة القائمة بينهم فأصبح المجتمع قوياً متماسكاً صعباً على المفسدين.
وإذا ضيعت الحقوق حصل التذمر والخصام والعداوة، فتضعف الرابطة، ويسهل على الخصوم اقتحام حصون المجتمع والتحريش بين المسلمين، وإثارة الأحقاد وبذر بذور الشر.
كما أن واقع المجتمع المسلم الناتج عن ذلك يضعف ثقة بعض أفراده -ممن قل حظهم من العلم- بنظام الإسلام وتعاليمه، فيحمله ذلك على تطلب البدائل في مستنقعات الشرق أو الغرب وأفكارهم الفلسفية العفنة.