المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: المحافظة على الوحدة الفكرية - أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة - جـ ٢

[عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع]

فهرس الكتاب

-

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: أثر الإيمان في تحصين القلب ضد الأفكار الهدامة

- ‌الفصل الثالث: أثرالإيمان في تزكية القلوب

- ‌المبحث الأول: أثر التزكية في طمأنينة القلب

- ‌المبحث الثاني: أثر التزكية في حصول النور والفرقان

-

- ‌الباب الثالث: أثر الإيمان في تحصين المجتمع المسلم ضد الأفكار الهدامة " الأثر الإجتماعي

-

- ‌الفصل الأول: أثر الرابطة الإيمانية والأخلاق والنظم الإسلامية في صيانة المجتمع المسلم من الانحراف الفكري

-

- ‌المبحث الأول: أثر المحافظة على الرابطة الإيمانية في الحصانة الفكرية

- ‌المطلب الأول: أثر الالتزام بالأخلاق الفاضلة في تقوية الرابطة الإيمانية

- ‌المطلب الثاني: أثر قيام أفراد المجتمع بالحقوق المفروضة لبعضهم على بعض في قوة الرابطة الإيمانية

- ‌المطلب الثالث: الالتزام بالنظام الاجتماعي والاقتصادي الإسلامي وأثره في قوة الرابطة الإيمانية

- ‌المطلب الرابع: المحافظة على الوحدة الفكرية

-

- ‌المبحث الثاني: العمل على سلامة مقومات المجتمع المسلم

- ‌المطلب الأول:أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكونه واجباً اجتماعياً

- ‌المطلب الثاني: أثر القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحصين المجتمع من الأفكار الهدامة

-

- ‌الفصل الثاني: دور ولاية الأمر في حماية المجتمع من الأفكار الهدامة

- ‌المبحث الأول:ضوابط الإمامة في المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: وظائف الإمامة، ومقاصد الحكم

- ‌الفصل الثالث: أثر وضع الدولة المتمكن في الأرض في تحصين المجتمع ضد الأفكار الهدامة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: المحافظة على الوحدة الفكرية

‌المطلب الرابع: المحافظة على الوحدة الفكرية

تقدم أن الرابطة في المجتمع الإسلامي هي رابطة عقدية، وأخوة إيمانية، وعلى هذا فكلما رسخ الاعتقاد وقوي الإيمان عند أفراد المجتمع، قويت الأخوة والرابطة التي تشد بينهم.

وعلى هذا فالمحافظة على سلامة المعتقد ووحدته يتطلب المحافظة على الناحية الفكرية المؤثرة فيه، من أجل استدامة تلك الأخوة القائمة عليه وسلامتها من النزعات المخالفة وما ينتج عنها من فرقة وشتات. وقبل الكلام في هذا الموضوع المهم يجدر أن أقدم ببيان المراد بالفكر الإسلامي، والوحدة الفكرية لكي يتبين المراد بالمحافظة عليها.

فالفكر هو اسم جنس يطلق على الأفكار الحاصلة من وظيفة التفكر والتعقل التي أودعها الله في قلوب الناس. فالتفكر إذاً وظيفة بشرية، وقد أشار الله لهذا في نحو قوله:{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر:18] .

والفكر عموماً هو محصول الاجتهاد البشري1.

1 انظر: ندوة اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر المنعقدة بالبحرين في 3/6/1405هـ ص96، 97، 177، الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليج ط: الأولى، 1407هـ.

ص: 584

وعلى هذا فالعقيدة الإسلامية ليست فكراً، وإنما هي وحي من عند الله، وهي غذاء الفكر الإسلامي وقاعدته.

وقد بيّن الله أن التفكر في الآيات الكونية، والآيات التنزيلية وما فيها من دلائل التوحيد، والآيات والقصص المشتملة على العبر والمواعظ، بين أن ذلك من صفات المؤمنين.

قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] .

وقال: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24] .

وقال: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] .

وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد:3، الزمر:42، الجاثية:13] . ونحوها.

وعلى هذا فالتفكير السديد وظيفة أمر الله بها عباده المسلمين، وهم الجديرون بها، وما ينتج عنه من فكر هو فكر إسلامي قام به المسلم وفق ضوابط الشرع، ومن منطلق العقيدة.

قال الأستاذ محمد عبد الله السمان: "إن العقيدة الإسلامية هي قاعدة الفكر الإسلامية

ليكون في إطار العقيدة، وفي خدمتها، فإذا

ص: 585

خرج عن إطارها، أو تجاوز حدودها، أو تحول ليكون في خدمة غيرها، فلن يكون فكراً إسلامياً، ولو زعم هذا ألف مرة ومرة"1.

فالفكر الإسلامي هو الذي يستند إلى العقيدة الإسلامية وينطلق من نصوص الوحي في بحثه واجتهاده في مختلف مجالات الحياة، والحضارة القويمة هي الحضارة الإسلامية التي تقوم على ثمرات الفكر الإسلامي الشامل لجميع الميادين.

ويمكن حصر أهم ميادين الفكر الإسلامي فيما يلي:

1-

فهم نصوص الكتاب والسنة، واستنباط الأحكام والعبر والمواعظ.

2-

استنباط براهين الحق ودلائل التوحيد ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من العقائد بالتدبر لآيات الله التنزيلية والتفكر في آيات الله الكونية.

3-

بيان محاسن الإسلامي وسلامة نظمه وتشريعاته من النقائص، وأنها هي المصلحة لحياة الناس.

4-

الدفاع عن الإسلام وتفنيذ الشبهات المثارة حوله، وبيان بطلان الأفكار المنحرفة والأديان الضالة.

5-

استكشاف الأسرار التي وضعها الله في خلقه، وسخرها

1 ندوة اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر، المصدر السابق ص47.

ص: 586

للإنسان، والانتفاع من ذلك في تسهيل حياة الناس والرقي بها، وفي الإعداد لقوة المسلمين في كافة المجالات. ويدخل في ذلك العلوم المادية كالفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والطب، والإحياء، والصناعات المختلفة، والزراعة، والعلوم الاقتصادية والتجارية. والفكر الإسلامي معني بتطهير هذه العلوم مما أدرج فيها من الضلالات بالإضافة إلى نقل المفيد منها، واستخدامه وتطويره.

6-

البحث والدراسة للنفس البشرية، والنشاط الإنساني وإقامته على مبادئ الإسلام ومسلماته، ويشمل ذلك: علم النفس، وعلم الاجتماع وفروعهما، والدراسات التاريخية، ونحوها.

7-

التفكر في الأمور الغيبية التي أخبر الله بها، كالموت وأحوال القبر، وما يجري يوم القيامة من أهوال، وصفات الجنة والنار، مما يفيد في إصلاح القلوب واندفاعها للخير وارتداعها عن الشر، وعدم تماديها في الحرص على الدنيا. وعلى العموم فالنشاط الفكري الإسلامي يشمل كل المجالات التي يحتاج إليها الناس في دينهم ودنياهم.

الوحدة الفكرية:

تقدم أن الفكر لا يبدأ من فراغ، بل لا بد من أسس يقوم عليها، ومنابع يستقي منها، وأصول يرجع إليها في بحثه ودراسته ومقارنته واستنتاجه.

ص: 587

والأسس والمنابع والأصول في الفكر الإسلامي، هي أصول الإسلام وقواعده العقدية والتشريعية.

فالوحدة الفكرية المطلوب المحافظة عليها في المجتمع المسلم هي:

نشر وترسيخ العقائد والمبادئ والمعارف التي جاء بها الإسلام لدى أكبر عدد من أفراد المجتمع، وجعلها أساس التربية والتعليم في مختلف مراحله، والإعلام في جميع مجالاته، لكي تكون قاسماً مشتركاً يؤمن به ويخضع له الجميع، فينطلقون منه ويرتكزون عليه في نشاطهم الفكري، ويصبح هذا الغذاء الفكري المشترك ميزاناً موحداً يحتكم إليه الناس ويرجعون إليه عند النزاع، ويوحد مشاعرهم وعواطفهم وأهدافهم ويوجه سلوكهم، فيتلاحم الأفراد، ويصبح المجتمع كالجسد الواحد، وتقل فيه نوازع الفرقة.

أثر الوحدة الفكرية في قوة الرابطة الإيمانية:

إن وجود الوحدة الفكرية -المتمثلة بملئ قلوب الناس وإنارتها بالعقائد الحق، والمفاهيم الصحيحة، واستئثار الوحي بذلك، وما ينتج عنه من تقارب وانسجام في تفكير أفرادها- ضرورة اجتماعية لازمة لاتحاد المسلمين وقوة رباطهم الإيماني.

وتخلّف الوحدة الفكرية ينتج عنه أحد حالين:

الأولى: الفراغ الفكري الناتج عن انتشار الجهل وانصراف الناس عن العلم، وفي هذه الحال يسود المجتمع خليط من الأفكار الفاسدة،

ص: 588

والخرافات والتصورات والعادات الجاهلية، ويصبح المجتمع مهيأً لكل فكر ضال، كما أنه في بعض الأحيان يكون صالحاً لدعوات الإصلاح إذا لم تكن فيه بدع مستحكمة، ومفاهيم منحرفة مقدسة.

قال الدكتور عبد الحليم عويس: "ولئن كانت عوامل التجزؤ عديدة ورهيبة، فإن هذه العوامل لا تتسلل إلى الأمة إلا حيث تعاني من فراغ فكري، وفقر إلى مجموعة القيم التي تغنيها بدراية سليمة مطمئنة عن حقيقة كل من الكون والإنسان والحياة، إذ أن من شأن أي جماعة تعاني من مثل هذا الفراغ أن تغدو هدفاً لمطامع أولى الدعوات الهدامة، التي تصطنع المبادئ والقيم لبلوغ أمانيها وأغراضها"1.

والحالة الثانية: الفرقة الفكرية ومردها إلى الفوضى الفكرية، حيث تنتشر المعارف وتقوى حركة التعليم، مع اختلاف مشارب الأفراد الفكرية.

فيجهر المبطلون بالضلال ويتفننون في عرضه على الناس، وعندها يتوزع أبناء المجتمع الواحد إلى طوائف كل طائفة تسير خلف فكرة ومبدأ، ويزخرف كل فريق مبدأه، إما بتقريبه إلى الإسلام بالاستدلال الفاسد، أو بتقديمه على أنه الجديد المفيد المتجاوب مع مستجدات العصر، مع دعوى أنه لا يتعارض مع أصول الإسلام.

1 ندوة اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر، ص188.

ص: 589

وقد يتمادى الأمر فيتجرأ المفسدون على مدح الكفر والإلحاد والتشكيك والاستهزاء بمسلمات الدين بلا خوف ولا حياء.

وفي هذه الحال يتفكك المجتمع ويعادي بعضه بعضاً، وتزول رابطة الإيمان كرباط مشترك لجميع أفراده، وإنما تبقى رابطة بين أفراد طائفة من طوائفه، هي التي التزمت به وأخذت على عاتقها مسئولية تنفيذه والدفاع عنه.

وسيجد كل فكر خبيث خارجي فئة في المجتمع تسير على مبدئه، فيعمل من خلالها داخل المجتمع.

عندها يصبح من المتعذر اجتماع أفراد المجتمع على تحكيم نظم الإسلام، فتستبدل به الفكرة بالفكر المدمرة لكيان المجتمعات الإسلامية، ألا وهي الديمقراطية التي يحكم الناس بها الأهواء والقوانين الوضعية.

ويصبح بذلك أهل الإيمان المستمسكون به -في أحسن أحوالهم- طائفة من طوائف المجتمع ليس لهم إلا المجادلة عن أنفسهم بدل أن يكون الإسلام هو المهيمن على الجميع وكلمة الله هي العليا.

هذا مع أن اجتماع الناس في المجتمع الذي مزقته الفوضى الفكرية على الديمقراطية أو غيرها لا يكون في الغالب -كما يشاهد من الواقع- إلا بعد حروب أهلية طاحنة يتجرع فيها الناس أصنافاً من العذاب، ويذيق بعضهم بأس بعض.

ص: 590

السبيل إلى المحافظة على الوحدة الفكرية:

إن العمل للمحافظة على الجانب الفكري في المجتمع الإسلامي -بغرض إخلاصه للتلقي عن الوحي المطهر في جانب العقيدة والعبادات والأخلاق والآداب- يجب أن يكون في اتجاهين هامين:

الاتجاه الأول: التطهير.

والمراد به تطهير الجانب الفكري في المجتمع الإسلامي من الفكر الدخيل، وذلك يشمل تحصين المجتمع من تسلل الأفكار الغازية ومحاربة وسائل اتصالها بالمجتمع، كما يشمل مراجعة ما ينسب إلى الإسلام من العلوم والمعارف، وعرضه على ميزان الشرع، وبذلك يبقى الوحي الإلهي وحده هو المغذي للقلوب والأفهام والموجه للسلوك والإرادات.

والاستغناء بالوحي أصل قرره الإسلام واعتنى به لما له من الأهمية في خلوص قلوب العباد وأعمالهم لله وحده، ثم اتحادهم على تقوى الله والولاء لدينه، وعلى هذا دلت نصوص كثيرة منها:

قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] .

تشمل تفاسير السلف للزور كل ما كان من خصائص الجاهلية، وشرائع الطاغوت، ففسر بالشرك وعبادة الأصنام وبالكذب والفسق، واللغو والباطل، والغناء وأعياد المشركين، ومجالس السوء والخنَى، كما

ص: 591

فسر بالشهادة الكذب1. ورجح ابن كثير أن المراد بقوله: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} .

أي: لا يحضرونه حيث قال: "والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور، أي لا يحضرونه، ولهذا قال تعالى:{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} .

أي لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا، ولم يتدنسوا منه بشيء، ولهذا قال:{مَرُّوا كِرَامًا} "2.

وهذه حالة المؤمن الحق مع الزور والباطل وأهله لا يشهده، فلا يشاهده، ولا يستمع إليه، ولا يقوله من باب أولى ولا يخالط أهله، وكيف يتفق له ذلك وقد حبب الله إليه الإيمان، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان؟ فالدافع إلى شهود الزور غير موجود عنده، فهو لا يحبه وليس من أعماله، وقد بيّن الله هذا المعنى بقوله:{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] .

1 انظر: جامع البيان لابن جرير 19/48، 49، وتفسير القرآن العظيم 6/2410.

2 تفسير القرآن العظيم، ط الشعب 6/140.

ص: 592

وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6] .

فسر لهو الحديث في هذه الآية بالغناء، وهو الأشهر، كما فسر بأخبار الأعاجم وملوك الروم والشرك1. واختار ابن جرير رحمه الله أنها عامة في كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله2.

وقال ابن القيم رحمه الله: "ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكها وملوك الروم، ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث3 يحدث به أهل مكة ليشغلهم به عن القرآن فكلاهما لهو الحديث"4.

وإذا تبيّن عموم الآية لكل ما يمت للجاهليين بصلة، من أغانيهم

1 انظر: جامع البيان لابن جرير 21/62، وإغاثة اللهفان لابن القيم 1/258.

2 انظر: جامع البيان لابن جرير 21/63.

3 النضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي، أحد أعداء الله الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة وعادوه، أخذ أسيراً يوم بدر، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وهو راجع إلى المدينة. انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم 126، والبداية والنهاية 3/306.

4 إغاثة اللهفان 1/258.

ص: 593

ولغوهم وباطلهم وفحشهم وقصصهم وآدابهم، وتبين أن الذين كانوا يشترونها وينشرونها هم الكفار ليصدوا بها الناس عن سبيل الله، إذا تبين هذا، فانظر إلى حال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية في البلاد الإسلامية، كيف أنها جمعت ذلك كله، وزادت أن عرضت لهو الحديث من قصص الكفار والمشركين والفاسقين وأخبارهم وأغانيهم وآدابهم في أفلام ومجلات ونحوها، قد اعتنى بزخرفتها وحُشِد فيها كل ما قدر عليه من وسائل التأثير والإقناع والإغراء.

والذين يشترونها ويبثونها بين المسلمين هم من المنتسبين إلى الإسلام الذين حملهم الله مسئولية تعليم الناس وإرشادهم والمحافظة على دينهم وأخلاقهم، فهم يساهمون في صد المسلمين عن دينهم وإشغالهم بما يهدم الدين والخلق، يفعلون ذلك بأيديهم وأيدي الكافرين، فالمسلم يشتري بماله، والكافر ينتج ويصدر، فما أقرب من هذه حاله ممن قال الله فيهم:{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر:2] .

فالاعتبار اليوم بحال المسلمين الذي يخربون عقائدهم وأخلاقهم-التي هي أعظم من البيوت- بأيديهم وأيدي الكافرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالواجب على المسلمين الاكتفاء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالخير كل الخير في الاهتداء بهما.

ص: 594

قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9] .

وقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:23] .

فوصف الله كتابه بأنه أحسن الحديث لما يشتمل عليه من العلوم الحسنة، والأخلاق والآداب الفاضلة، والعبر القيمة، فهو حسن لما يشتمل عليه من الدلائل والمعاني، كما أنه حسن لفصاحته وبلاغته بإعجازه، ثم بيّن تعالى أثر كلامه على عباده المؤمنين، وأنّه هو الطريق إلى هدايتهم لا طريق غيره، حيث قال:{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} ومن تركه إلى غيره ضل.

وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلام دِيناً} [المائدة:3] .

والكامل غني بنفسه عن غيره.

وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا

ص: 595

الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:3] .

قال ابن كثير رحمه الله: "وبما يناسب ذكره عند هذه الآية الكريمة المشتملة على مدح القرآن، وأنه كاف عن كلّ ما سواه من الكتب

"1 ثم ساق عدة نصوص تدل على هذا الأصل وهو الاكتفاء بالكتاب والسنة.

وقبله الإمام البخاري رحمه الله أفرد لتقرير هذا الأصل كتاباً في "الجامع الصحيح" هو كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" جعل من ضمن أبوابه باباًَ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء " ثم أتبعه بباب "كراهية الاختلاف".

وهو بذلك يشير إلى أن من لوازم الاعتصام بالكتاب والسنة الاكتفاء بالوحي، وعدم سؤال أهل الكتاب عن شيء، وغيرهم من باب أولى لكونهم ليسوا بأهل كتاب، ثم في تعقيبه بباب "كراهية الخلاف" إشارة إلى أن في الأخذ من الأمم الأخرى، فتح لباب الخلاف حيث تختلف المشارب الفكرية، فتختلف القلوب، والله أعلم.

وعلى هذا الأصل سار سلف هذه الأمة من أئمة التابعين ومن تبعهم مقتدين بمن قبلهم من الصحابة، فكانوا ينكرون على كل من عدل عن الكتاب والسنة، وتطلب العلم في غيرهما.

1 تفسير القرآن العظيم، ط الشعب 4/295.

ص: 596

قال ابن حجر رحمه الله: "وقد توسع من تأخر من القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهاً، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عاميّ جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف"1.

ومن الأئمة الذين كانت لهم مواقف بارزة في تقرير هذا الأصل والدفاع عنه: الإمام أحمد رحمه الله حيث وقف في وجه الشاربين من مستنقعات الفلاسفة مدافعاً عن الكتاب والسنة، مبيناً أن ما دلاّ عليه هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه، ولا معارضته.

ومنهم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله فقد كان جهاده دعوة عامة للمسلمين لإعادة جميع أحوالهم وشئون حياتهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونبذ ما خالفهما من المناهج والأحوال، وبيّن ضلال من حاد عنهما من الفِرق والأفراد.

وعلى هذا الطريق سار العلماء والدعاة المصلحون الذي اقتفوا نهج السلف الصالح، حتى أخذ الراية الشيخ الموفق والعالم المسدد محمد بن عبد

1 فتح الباري 13/253.

ص: 597

الوهاب، فركز على هذا الأصل مبيناً أن التفريط في المحافظة عليه هو أساس الداء والعودة إليه هو رأس الدواء، وأقام على هذا الأصل دعوته وجهاده، وألف كتابه المبارك المشهور:"كتاب التوحيد" لتقريره، كما أفرد باباً في كتابه "فضل السلام" ترجم له بقوله:"وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب والسنة عن كل ما سواه"1.

وإذا تبيّنت أهمية هذا الأصل، وأن على الأمة -في سبيل تحقيق الوحدة الفكرية- أن تعتني بالوحي وتستغني به، وتحارب كل فكر دخيل، وتقطع منافذه، إذا تبيّن هذا فإن تطهير المجتمع المسلم من ذلك يتم في نظري بثلاث خطوات هامة:

الخطوة الأولى: هي عزل المجتمع عن أفكار وثقافات وآداب المجتمعات الجاهلية.

فكما أن الأمم تقوم بمكافحة الأمراض الحسية، ومقاومة أسباب انتشارها، فكذلك الأمراض الفكرية لا بد من منع أسباب انتشارها، ومقاومة الوسائل الناقلة لها، وتطهير الوسائل التي بأيدينا في جميع المجالات الثقافية والإعلامية والتعليمية والتربوية من شوائبها. فهذه الخطوة لا بد منها لتحصين المجتمع ضد الأفكار المخالفة.

1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الأول، العقيدة والآداب الإسلامية ص211، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط: الأولى.

ص: 598

وهي خطوة قد فرط فيها المسلمون اليوم، فوسائل الإعلام والاتصال الثقافي والتعليمي والتربوي القائم في البلاد الإسلامية تنشر أفكار وآداب وفلسفة الأمم الجاهلية على أوسع نطاق من خلال الأفلام والمسرحيات والأغاني والمجلات والمقابلات. والمكتبات يوضع فيها ما هبّ ودبّ من المطبوعات الوافدة من كل مكان، وتفتح أما المسلم أيا كان مستوى وعيه وتعليمه، ليطلع على ما شاء دون موجه أو رقيب، وقد تبنت كثير من الدول الإسلامية دعوى الحرية الفكرية، وأقامت مؤسساتها الفكرية على أساسها.

ولا شك أن هذه الفوضى الفكرية ستولد قناعات واتجاهات تخالف النهج الإسلامي القويم، وذلك سيوجد خلافاً فكرياً يعمل على تمزق المجتمع وتنافره، كما أن التفريط في هذه الخطوة يعتبر من أعظم الثغرات التي يتسلل منها الحاقدون على الإسلام، فينشرون المبادئ الهدامة، والأفكار الخبيثة التي تولد الشك والارتياب والكفر والزندقة.

الخطوة الثانية:

تأتي بعد العزل الفكري، وهي عملية التطعيم لأفراد المجتمع ضد تلك الأفكار الخبيثة التي يخشى من تسللها إلى المجتمع أو تعرض الأفراد لها عند سفرهم أو احتكاكهم ببعض الجاهليين.

ويتم ذلك بنقد وتفنيذ الأسس والمبادئ التي تقوم عليها تلك الأفكار ودحض حججها وبيان بطلانها، وبالمقابل التركيز على بيان

ص: 599

محاسن الإسلام ومزاياه العظام.

ثم تكوين القدرة العلمية لدى المسلم للدفاع عن عقيدته وقيمه عند المواجهة، وتبصيره بوسائل الأعداء المباشرة وغير المباشرة للغزو الفكري والثقافي والحضاري.

وهذه الخطوة قد قام بها علماء الإسلام ومفكروه ودعاته إلى حد كبير، حيث نقدوا مقومات المجتمعات الجاهلية القديمة والحديثة، وبينوا ما فيها من التناقض والمخالفة للمنقول والمعقول، وما ينتج منها من أضرار محسوسة.

إلا أن هذا العطاء القيم ظل محصوراً عند العلماء والدعاة وطلاب العلم وعلى رفوف المكتبات، وفي الجامعات التي تُعنَى بالدعوة والدراسات الإسلامية، وذلك أن الإعلام في معظم الدول الإسلامية لم يحمل رسالة تبليغه إلى جمهور الأمة ولم ينتفع منه، بل هو في كثير من الأحيان يضاده.

وكذلك الحال في التعليم العام وغيره من المجالات التي لها دور في التأثير على الناحية الفكرية لا يزال بعيداً كل البعد عن مسايرة ذلك العطاء، بل هو يسير في اتجاه نشر وتأييد بعض الأفكار الجاهلية، إن لم يكن قد أسس عليها وانطلق منها.

الخطوة الثالثة: تنقية الفكر المنسوب للإسلام في جميع ميادينه من الفكر الدخيل الزائف.

ص: 600

وهذه الخطوة من خطوات التطهير لازمة لتحقيق الوحدة الفكرية، ذلك أن الفكر الدخيل كان من أهم أسباب تفرق المسلمين في القديم والحديث. ويتم ذلك -بإذن الله تعالى- إذا اتحدت همم العلماء والدعاة المخلصين، وجميع العاملين في خدمة الإسلام، والساعين من أجل عزته، على إرجاع أحوال المسلمين ومناهجهم وأوضاعهم إلى الكتاب والسنة، والاتفاق على التلقي من الوحي المطهر، ونبذ ما استمد من غيره.

قال الشيخ محمد قطب: "وأول ما نبدأ به من هذا الجهد، هو تصحيح منهج التلقي

من أين نتلقى فهمنا لهذا الدين؟ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم؟ أم مما دخل على هذا الفهم الواضح المستقيم من أفكار دخيلة ومنحرفة، بتأثير عوامل متعددة في أثناء المسيرة الطويلة للأمة الإسلامية، واحتكاكها الدائم بأخلاط من المذاهب، وأخلاط من الأفكار؟ .

فإذا صححنا منهج التلقي، وصححنا بناء على ذلك ما انحرف في حس المسلمين المتأخرين من مفاهيم الإسلام الرئيسية، بقيت علينا مهمة أخرى لا تقل خطراً، هي مهمة التربية على المفاهيم الصحيحة لهذا الدين. والتربية هي الجهد الحقيقي الذي ترجى معه الثمرة، ولكنه لن يؤت ثمرته حتى يقوم على أساسه الصحيح"1.

1 مفاهيم ينبغي أن تصحح، محمد قطب، ص13، 14 دار الشرق القاهرة، ط: الثالثة، 1408.

ص: 601

فتوحيد منهج التلقي وتطهيره وإخلاصه للوحي، قضية هامة لها أثرها البارز في وحدة المسلمين الفكرية والسلوكية، كما أن التفريط فيها من أعظم أسباب فرقتهم وشتاتهم.

وهذه الخطوة تعتبر بحق طرف الخيط وبدايته بالنسبة للمهتمين بالدعوة الإسلامية، فإن قدر الله لهم الإمساك بها وجمع الجهود عليها، كانت البداية صحيحة، والنتائج بإذن الله طيبة فعّالة في سبيل تصحيح المفاهيم الخاطئة التي طالماً كانت عائقاً أمام توحيد المسلمين، وإقامة العبودية الحق الجالبة لولاية رب العالمين، فيدخل المسلمون مضمار الكفاح بجهود موحدة وولاية من الله مؤيدة، فيتحقق بهم بذلك ما وعدهم الله من النصر والتمكين.

الاتجاه الثاني: التزكية.

والمراد أن العمل من أجل تحقيق الوحدة الفكرية بين المسلمين في سبيل توحيدهم وتقوية الرابطة الإيمانية بينهم، كما أنه يستلزم التطهير-كما تقدم بيانه- فهو يستلزم أيضاً تزكية الأفراد بنشر العلم بينهم وتلقينهم العقائد الإسلامية بأدلتها، كما دل على ذلك كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وسار عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.

ومن ثم تربيتهم على الأخلاق الفاضلة، والآداب الحميدة، وإعطاء كل فرد ما يحتاج إليه من أحكام الشريعة، لكي يُعبد الحق ويعامل الخلق على بصيرة.

ص: 602

وفي سبيل تحقيق ذلك تسخر جميع طاقات الأمة الفكرية ووسائل الاتصال العامة والتعليم والتربية والتثقيف، في خدمة هذا الهدف العام.

ومن ذلك الاهتمام بالأسرة التي هي الوحدة الاجتماعية الأولى في المجتمع، وهي أول مدرسة يتلقى منها الطفل مبادئه ومفاهيمه.

فلا بد من تأسيسها على الارتباط الوثيق بالمعتقدات والشرائع والأخلاق والآداب الإسلامية، وتاريخ الأمة وهمومها وأهدافها وتحدياتها، وأن يسودها الاعتزاز بالإسلام، والشعور بالمسئولية عن إقامته، والدعوة إليه، والدفاع عنه، والحماس لقضاياه.

وتطهير الأسرة من الثغرات التي تتسلل منها أفكار الجاهلية وخصائصها مهم وضروري.

وأهم هذه الثغرات: أجهزة التلفاز والفيديو والإذاعات والجرائد والكتب ما كان منها ينشر الفكر والأدب الجاهلي، وكذلك الاختلاط بالكفار والمشركين والمنافقين، كاتخاذهم خدماً أو سائقين، أو مصادقة الأسر الكافرة، أو سفر الأسرة أو بعض أفرادها إلى بلاد الكفر والفسوق.

ومن أهم مقومات تزكية الأسرة إدراك كل من الزوجين مسئوليته ودوره، وتعلمه أمر دينه، والحقوق المناطة به، وتخصيص وقت كاف لتعلم ذلك.

كما أن العناية بالمرأة مهم جداً في صلاح المجتمع وسلامة وحدته

ص: 603

الفكرية. فصلاح المرأة سبب في صلاح الجيل -بإذن الله-، حيث إنها المدرسة والمربية الأولى لأطفالها، كما أن فسادها فساد للجيل الذي تتولى تربيته.

ولذلك يوجه الأعداء مخططات محمومة مسعورة، وبوسائل مختلفة لإفساد النساء لعلمهم أنهن أمهات الجيل القادم، وكسبهن يعني كسب ذلك الجيل، ولما لهن من الأثر -عند فسادهن- في إفساد الرجال وتخريب البيوت، وشتات الأسر.

وقد اهتم الإسلام بتنظيم وبيان جميع ما يخص المرأة، فما على الزوجين إلا تعلم ذلك والعمل به، كما أهتم علماء الإسلام ومفكروه بهذا الجانب، ومؤلفاتهم تزخر بها المكتبات الخاصة والعامة.

وليست هذه مسئولية الزوجين فقط، بل المجتمع يجب عليه أن يتخذ الأسباب التي تضمن تعلم كل منهما ما يهمه ويحتاج إليه من أمور الدين، ويتم ذلك بالعناية بالجوانب التالية:

1-

الاهتمام بالتعليم والتربية في جميع مراحله، وإقامة أنظمتها واستمداد مناهجها وسياساتها من الكتاب والسنة، والعناية بالمدرسين والمُربين ليكونوا من المتحمسين للإسلام، الهادفين لإخراج جيل يحمل رسالة الإسلام.

2-

تسخير وسائل الإعلام في الدعوة والتعليم والتوجيه السليم المنبثق من تعاليم الإسلام، وضبط قضية الترفيه بالضوابط الشرعية، لكي

ص: 604

لا تتحول إلى إشغال وصد عن سبيل الله.

3-

العناية بالمسجد والعمل على أن يؤديَ دوره التعليمي التربوي لكافة أفراد المجتمع.

فهذه الوسائل مع أنها مؤثرة جداً في سلامة الأسرة وتزكيتها إذا استغلت استغلالاً حسناً، فهي أيضاً قنوات فكرية هامة مؤثرة في الوضع الفكري العام للمجتمع، فلا بد من تطهير وتزكية وتوحيد لما يبث فيها، لتساهم في تحقيق الوحدة الفكرية المنشودة للمجتمع المسلم.

فينبغي أن تكون هذه الوسائل جميعاً تخدم هدفاً واحداً هو التوجيه والتعليم والتربية والتثقيف والترويح في المجتمع المسلم من منطلق تعاليم الإسلام وفي اتجاه تحقيق أهدافه.

فرسالتها واحدة، ويكمل بعضها بعضاً، في سبيل تحقيق وحدة فكرية وسلوكية في مجتمع يحافظ على قيمه الدينية مع أخذه بمعطيات العصر الحضارية، وينتفع بها في مصالح دينه ودنياه.

وخلاصة هذا المطلب: أن الوحدة الفكرية -القائمة على المفهوم الصحيح للإيمان بالله كما قرره الكتاب والسنة وسلف الأمة الصالح- أساس هام لوجود الرابطة الإيمانية بين أفراد المجتمع المسلم، كما أن المحافظة عليها لازمة لاستدامة تلك الرابطة وتلاحم الأفراد واتفاقهم، وعدم اختلافهم.

وأهم العوامل اللازمة للمحافظة على الوحدة الفكرية أمران

ص: 605

أساسيان:

الأول: تطهير الفكر الإسلامي من الفكر الدخيل، وعزل المجتمع المسلم عن أفكار المجتمعات الجاهلية، وجميع خصائصها، ومحاربة الوسائل الناقلة لها، وتطعيم أفراد المجتمع ضد الأفكار المحتمل تسللها ببيان بطلانها وتناقضهما وما تجره من الشر والدمار وسوء العاقبة.

الثاني: تزكية أفراد المجتمع بالتوسع في نشر عقائد الإسلام وتعاليمه المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح وأصولهم، والعناية بالأسرة، وتسخير كافة الجهود والوسائل لتحقيق هذا الغرض، وأن تكون رسالة التعليم والتربية والإعلام والمسجد واحدة هي رسالة الإسلام ووظيفتها هي الدعوة إلى الله، والدفاع عنه، وإعداد أجيال تطبق الإسلام تطبيقاً سليماً، وتتحمس له، وتنهض به، عالمة عاملة مؤيدة.

ص: 606