الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
الباب الثاني: أثر الإيمان في تحصين القلب ضد الأفكار الهدامة
الفصل الثالث: أثرالإيمان في تزكية القلوب
*
…
إن صلاح القلب بسلامته من الشر وعمرانه بالخير يجعله في حصن حصين من دعاة الضلال وأسبابه، وقد تقدم الكلام في الفصل السابق عن أثر الإيمان في تطهير القلب، وهو أثر هادم للوظائف الذميمة القائمة بالقلب، والتي تمثل ثغرات ومداخل في حصنه للأفكار والوساوس الشيطانية المفسدة.
وفي هذا الفصل يجري الكلام بعون الله تعالى على أثر الإيمان في تزكية القلب، وهو الأثر الباني للخصال الحميدة فيه، والتي يتحصن بها ضد أعدائه ومخططاتهم الرامية إلى التسلل إليه وإفساده.
والزكاة في اللغة: النماء والزيادة في الصلاح، يقال: زكا الشيء إذا نما في الصلاح، فالقلب يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح
…
1.
وسميت الزكاة بذلك: "لما يكون فيها من رجاء البركة أو تزكية النفس -أي: تنميتها بالخيرات والبركات- أو لهما جميعاً، فإن الخيرين موجودان فيها"2.
والمقصود بهذا الفصل هو زكاة القلب، ومعرفة أثر الإيمان في ذلك، ثم الإشارة إلى تحصنه بهذه التزكية من موارد الأفكار الهدامة ودوافعها.
1 مجموع الفتاوى 10/96.
2 المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص213، مادة "زكا".
وزكاة القلب أمر زائد على طهارته، فالتزكية وإن كان أصلها النماء والبركة وزيادة الخير، فإنما تحصل بإزالة الشر، فلهذا صار التزكي يشمل هذا وهذا1.
فطهارة القلب لازمة لتزكيته متقدمة عليها، قال ابن تيمية رحمه الله: "ولن ينمو الخير إلا بترك الشر، والزرع لا يزكو حتى يزال عنه الدغل، فكذلك النفس والأعمال لا تزكو حتى يزال عنها ما يناقضها، ولا يكون الرجل متزكياً إلا مع ترك الشر
…
"2.
وتزكية القلب المتضمنة لتطهيره من المحرمات، وتغذيته بالصالحات هي طريق الفلاح والسعادة والأمن والهداية في الدنيا والآخرة. قال تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10] .
وتزكية القلب تكون بالتوحيد والأعمال الصالحة، وتدسيته تكون بالشرك والمعاصي3.
وقد تقدم4 أن العقائد والعواطف هي المؤثرة على الإرادات، وأن
1 مجموع الفتاوى 1/96، 97.
2 مجموع الفتاوى 10/629.
3 مجموع الفتاوى 10/632.
4 تقدم ص 316.
العلم هو المؤثر بإذن الله في بناء العقائد والعواطف، وتزكيتها أو تدسيتها. وعلى هذا فإن العلم هو العامل الأهم في تزكية القلب وصلاحه لما له من تأثير على العقائد والعواطف. وتقدم أيضاً1 الإشارة إلى أثر العلم في تزكية القلب، وأن كلا من التطهير والتزكية إنما يكون بتعلم الوحي المطهر واتباعه اعتقاداً وفعلاً وتركاً.
وحيث إن البحث يجري في دراسة أثر الإيمان الكامل القائم على العلم المستقى من الوحي، والعمل الخالص الصواب، ذلك الإيمان الذي يثمر العقائد الحق، والعواطف الصالحة، والإرادات الطيبة، فإن القصد والحالة هذه هو بيان الآثار التي تنتج عن هذا الإيمان الذي زكا به القلب، والتي لها دور في تحصينه من الأفكار الخبيثة المفسدة.
ويمكن حصر أهم هذه الآثار فيما يأتي:
1-
حصول الطمأنينة في القلب.
2-
النور والبصيرة والفرقان.
وسوف أتكلم -بحول الله تعالى- عن كل منها في مبحث مستقل، وبالله التوفيق.
1 تقدم ص353.