الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الرابع أمن غير المسلم في الدولة الإسلامية]
[الأمن مطلب إسلامي للإنسان الذي كرمه الله]
المبحث الرابع
أمن غير المسلم في الدولة الإسلامية إن الأمن مطلب للإنسان الذي كرمه الله، وهو نعمة تعم الناس جميعاً في المجتمع المسلم.
فأحكام الإسلام المنزلة من الله تعالى، والمبينة بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تدل على أن أمن غير المسلم - الذي يعيش في المجتمع المسلم - على نفسه وماله وعرضه، مضمون ما دام ملتزماً بما تقضي به تلك الأحكام، لا يُمس إلا بحق.
وهي أحكام واضحة أوجبها الإسلام، ولم توجبها المصالح المتبادلة بين المسلمين وغير المسلمين، ولم تلزمنا بها قواعد القانون الدولي، أو المعاهدات بين الدول الإسلامية وغيرها، لأن هذه الأحكام جانب مهم من شريعة الإسلام الكاملة، يجب على الدولة الإسلامية
تطبيقه والعمل به، فهو واجب ديني، قبل أن يكون مصلحة سياسية أو التزاماً دولياً.
إن الإسلام يقيم مجتمعاً إنسانياً راقياً، تحكمه شريعة إلهية، وهو لذلك يقيم العلاقة بين الناس جميعاً على أسس وطيدة من العدل والبر والرحمة.
ونجد في القرآن الكريم آيات عديدة، تحث على العدل والرحمة، وترغِّب في هداية البشر على اختلاف الأجناس والألوان والمذاهب والعقائد.
فالإسلام لا يريد للآخرين الفناء، بل يريد الهداية والرشد للجميع.
ولما اشتدت مقاومة كفار مكة للدعوة إلى الحق، لم يدْع الرسول صلى الله عليه وسلم ربه بإهلاكهم وإفنائهم، رجاء أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً.
وقد نصر الله رسوله، وكان من كفار مكة بعد الهداية والرشد أعظم الدعاة شأناً، بمنزلة الصحبة التي نالوها، وبطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل من أجل الإسلام
والمسلمين.
ونستطيع أن نقول بإيجاز: إن الإسلام يتميز في خصوص التعامل مع غير المسلمين بأمرين مهمين:
الأول: أن له نظاماً، يعد جزءاً لا يتجزأ من شريعته المتكاملة، وهو نظام للمسلمين يعملون به دائماً، ويلزمهم بحكم عقيدتهم، ولم يترك الإسلام العلاقة مع غير المسلمين لتقلبات المصالح والأهواء، ولنزعات التعصب العرقي أو اللوني أو الديني.
لقد افترض الإسلام وجود الآخر، وأهمية التعامل معه، ووضع القواعد التي تضمن حق المسلمين في المجتمع، وحق الآخرين الذين يعايشونهم، دائماً أو بصفة مؤقتة، ولم يكن ذلك معهوداً في الممالك والإمبراطوريات القديمة قبل الإسلام. الثاني: أن القواعد التي وضعها الإسلام لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المسلم، تتميز بالسماحة واليسر، وحفظ الحقوق، وتجنب الظلم
لمجرد الاختلاف في الدين، فهناك حد أدنى يجب الحفاظ عليه، حتى في حالة العداء أو القتال، وهو الكرامة التي وهبها الله لبني آدم، كما قال تعالى:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70](الإسراء الآية 70) .
وفي أوقات السلم والتعامل في شئون الحياة المختلفة، يحرص التشريع الإسلامي على حفظ حق الحياة، وحفظ حق العمل والسعي والكسب المشروع لغير المسلم في المجتمع المسلم، ويبلغ التسامح بالنسبة إلى من يعايشون المسلمين بصفة دائمة من أهل الكتاب، حداً يصل إلى حفظ حقهم في التكافل الاجتماعي، بحيث ينال معونة الدولة الإسلامية من تقصر به حالته من العجز أو المرض أو الشيخوخة عن السعي والكسب.
ولا شك أن التشريع الإسلامي بهاتين الميزتين، يضمن العيش الآمن لغير المسلم في المجتمع المسلم، بل