الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجتمعات التي تضم عشرات ومئات الملايين من البشر، يحفظ الأمن، ويصون الأرواح والأعراض والأموال للملايين، حتى ينصرفوا إلى خدمة مجتمعاتهم وأوطانهم.
وليس أدل على نجاح السياسة الجنائية الإسلامية، من أن ينظر إلى نتائجها وآثارها، في دولة تلتزم بتطبيقها كاملة، وتواجه بها ظاهرة الجريمة، وما يظهر في المجتمع من فساد، كما هو الواقع في المملكة العربية السعودية.
[ذكر الإحصاءات المتوافرة في المملكة العربية السعودية]
إن المملكة العربية السعودية، دولة حديثة في مؤسساتها، منذ وحدها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله.
ولقد تقدمت مؤسسات المملكة، واكتسبت خبرتها في مجالات عملها، ومنها مؤسسات الأمن والشرطة، نتيجة التزامها بالهدف الذي أنشئت من أجله، وهو تأمين الوطن والمواطن، وحمايتهما من آثار
الجريمة التي لم يخل منها مجتمع من المجتمعات الإنسانية.
والوسيلة الأولى في يد مؤسسات الأمن للنجاح في عملها، تقوم على أساس تطبيق شرع الله والاهتداء بهديه، ثم بعد ذلك باتباع الأسلوب العلمي في التخطيط والتنفيذ، في شأن الوقاية من الجريمة وملاحقة مرتكبيها، حتى يتم تنفيذ حكم الله عز وجل فيهم.
ومن ناحية أخرى، فإن المملكة تضم إلى جانب المواطنين السعوديين، ملايين من الناس، فتحت لهم المملكة أبواب العمل فيها، لا سيما البلاد الإسلامية في آسيا وأفريقيا، وهؤلاء، من بلاد تختلف لغاتها وعادات شعوبها، وهم من عشرات الجنسيات.
ولا شك أن ذلك، وإن كان يحقق قدراً من التواصل المطلوب بين شعب المملكة والشعوب الأخرى، إلا أنه يلقي على أجهزة الأمن ومؤسساته عبئا كبيراً، يتمثل في
معرفة الظروف والأحوال التي يعيش فيها هؤلاء، وأثر اختلاف البيئات والأعراف، وربما العقائد في مسلك هؤلاء.
وذلك بهدف حمايتهم، وتوفير الأمن لهم، وتيسير حياتهم، وكذلك بهدف حماية المجتمع من التأثير الضار لبعضهم، والذي قد يعمد إلى الإخلال بالأمن.
إن الإحصاءات المتوافرة، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن السياسة الجنائية الإسلامية التي تتبعها المملكة، هي الاختيار الوحيد والأفضل للنجاح في تحقيق الأمن.
في الإحصاء السنوي للجرائم على اختلاف أنواعها في المملكة العربية السعودية، يظهر أمران هامان:
أولهما: أن عدد الجرائم في جملته (الاعتداء على النفس والمال والعرض وغيرها من الجرائم) عدد قليل، بالنسبة لعدد السكان، وإقامة أعداد كبيرة من الوافدين للعمل، من مختلف الجنسيات.
ثانيهما: أن مرتكبي هذه الجرائم، هم من الأفراد، وأن الجريمة في المملكة العربية السعودية، جريمة فردية أو ثنائية، وليست من جرائم التنظيمات الإجرامية أو العصابات التي تتألف لارتكاب الجرائم والإخلال بالأمن، وهي أمور ظاهرة في المجتمعات الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وكثير من دول العالم، حيث يقوى شأن الجريمة وشوكة المجرمين داخل عصابات تحترف الجريمة.
وهذه الظاهرة غالبة في الدول الكبرى، وحتى الدول التي يرتفع فيها مستوى المعيشة، كالمجتمع الأمريكي والألماني، ومنها دول تمثل التنظيمات الإجرامية فيها قوة تزعج السلطات، مثل روسيا الاتحادية.
في الإحصاء السنوي لسنة 1414 هـ - الموافق 1994م:
بلغ عدد جميع الجرائم - كل أنواع الجرائم أو ما يعد حادثة جنائية أيا كان خطرها - في المملكة العربية
السعودية (27. 303) حادثة.
ومن النظر في بيان الجرائم وأنواعها ومرتكبيها، تظهر فردية الحوادث الجنائية، وأنها تمثل الظاهرة الإجرامية في حدها الأدنى في أي مجتمع إنساني.
ويلاحظ أن عدد الجرائم الوارد في الإحصاء، يشمل جرائم القتل العمد، ومحاولة القتل، والقتل الخطأ، والانتحار.
ويشمل جميع أنواع السرقات، منازل وسيارات ومحلات تجارية، وكل أنواع السرقات مهما قل شأنها.
ويشمل العدد أيضاً، كل الحوادث الأخلاقية مهما كان نوعها، مما لا يعد جريمة في الغالبية العظمى من القوانين الجنائية الوضعية، كالخلوة بغير محرم.
كما يشمل العدد جرائم السكر، وهي ليست جريمة في القوانين الجنائية الحديثة.
ويشمل كل جرائم التزييف والتزوير ومحاولات الخطف والمشاجرات البسيطة، وحتى الحوادث
المتنوعة، كما يوردها الإحصاء السنوي.
ولا شك أن نسبة عدد الحوادث الجنائية، ومنها كما ذكرنا، ما لا يعد جريمة في غالب بلدان العالم، هي نسبة ضئيلة إلى عدد سكان المملكة، المواطنين والمقيمين.
هذا العدد (27. 303) يقابله مئات الألوف، بل ملايين من الحوادث الجنائية في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، كألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
الأمر الذي يدل دلالة قاطعة، على أن الظاهرة الإجرامية في المملكة العربية السعودية، هي في حدها الأدنى، بل في حدها الضئيل، الذي يلفت النظر، ويدعو إلى معرفة السبب الحقيقي.
وهو لدينا معروف على وجه التحقيق.
إنه ببساطة ووضوح، الأخذ بأحكام الشرع الإسلامي في مجال الجريمة والعقاب.
يكشف الإحصاء في وضوح عن أمور نذكر أهمها:
أولاً: الإعجاز في قول الله تعالى:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179](البقرة الآية 179) .
ففي بعض بلاد العالم المتقدم، وفي الغرب بوجه عام، نقرأ أحيانا أن جريمة قتل تقع كل عدة دقائق أو عدة ساعات، ويبلغ عدد الضحايا في القتل العمد في بعض البلاد آلاف الأنفس.
ثانياً: إن عدد السرقات بجميع أنواعها، عدد قليل نسبياً، مع قلة شأن وخطورة غالبية السرقات، وكذلك الحوادث الأخلاقية، على الرغم من أن كثيراً منها لا ينظر إليه الناس في غالب مجتمعات العالم على أنه جريمة، حتى ولو وقع علنا.
ويشمل العدد الكلي جرائم المسكرات، شرب الخمر وصنعها وبيعها، وهي أعمال تمارسها الشركات الكبرى في غالب دول العالم، وتقدم لها المعونات من
سلطات الدول.
أما شرب الخمر، فهو ما يفعله الملايين من البشر كل يوم في المجتمعات غير الإسلامية، وفي بعض بلاد المسلمين التي لا تلتزم بالدين وتطبق أحكامه.
ثالثاً: إن قلة عدد الجرائم في المملكة وضآلة عدد الجرائم الخطيرة، مثل قتل النفس أو الخطف أو الحريق المتعمد، لا يرجع إلى الجهد الأمني وحده، مع عظم الجهود التي تبذلها أجهزة الأمن والمسئولين فيه، فالأمن يلاحق مرتكبي الجريمة بعد وقوعها، وله جهده الكبير المشكور في الوقاية والحفظ.
وإنما يرجع قبل ذلك إلى توفيق الله، ثم إلى الترغيب في الهداية والترهيب من الغواية، والتزام الدولة بالإسلام، وتطبيقها لأحكامه، وقيامها بالدعوة إليه وإلى فضائله، والتزام شعب المملكة في جملته أحكام الدين الإسلامي وآدابه، وما تسهم به الهيئات والأجهزة المختصة في حفظ المجتمع وأمنه، والحرص على الوقاية
من الجريمة قبل أن ترتكب.
الأمر الذي يدل على أن السياسة الجنائية الإسلامية، لا تجعل العقاب هو الوسيلة الوحيدة، أو الوسيلة الأولى لمواجهة الظاهرة الإجرامية في المجتمع.
فالإنسان لا يقدم على ارتكاب الجريمة، إلا إذا كان بعيداً بفكره وقلبه عن الإيمان بالله ومستلزماته، فتمتد الجارحة بالعدوان على حق الله عز وجل أو حقوق البشر.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» متفق عليه.
وهكذا الشأن في كل عدوان على حق الله تعالى أو حقوق البشر.
رابعاً: إن عدد المحكوم عليهم في الجرائم المختلفة، كما يظهر في الإحصاء، يتبين منه أن نسبة كبيرة من هذا العدد، هم من غير السعوديين، إذ تصل نسبة غير السعوديين في بعض الجرائم إلى 50 % من عدد الجرائم.
هكذا يكشف الإحصاء عن أثر تطبيق الشريعة الإسلامية، في مجتمع مسلم، يتميز بحكم إسلامي، مطبق لشريعة الله، وبحكام نذروا أنفسهم لتطبيق دين الله والدعوة إليه، وحماية مجتمعهم من كل ما يتعارض مع الإسلام وشريعته، وبشعب آمن برسالة الإسلام وتعاليمه، فكان عوناً لولاة الأمر فيه على محاربة الجريمة أيا كان نوعها.
وتظهر لنا نتيجة واحدة، هي أن السياسية الجنائية الإسلامية، هي أولى السياسات بالاتباع، وأنها السياسة الوحيدة التي تضمن تحقق النتيجة في كل المجتمعات الإنسانية.
وأن على المسلمين، بل وغيرهم إذا أرادوا أمناً وطمأنينة، أن يطبقوا شرع الله ويهتدوا بهديه، فهو خالق البشر، والعالم بما يصلحهم ويصلح لهم:
{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14](الملك الآية 14) .
ولا يلجأ خصوم السياسة الجنائية الإسلامية، وما تسير عليه المملكة إلى الإحصاءات، وإلى الأسلوب العلمي في بحث هذه السياسة وآثارها، وإنما يلجأ الكثيرون منهم إلى حملات صحفية، تخاطب العوام، وتستثير مشاعرهم، عن طريق الادعاء والزعم بأنه في كل يوم تطير الرقاب، وتقطع الأيدي، وتجلد الظهور في المملكة العربية السعودية.
ولا يجرؤ أصحاب هذه الحملات المغرضة على ذكر ما تورده الإحصاءات لدينا ولديهم، وما تؤكده المشاهدة لدينا ولديهم.
ويزيد أقوالهم ضعفاً وتهافتاً، ما تنشره صحفهم ووسائل إعلامهم، عن الجريمة في مجتمعاتهم، حيث أصبحت حرفة منظمة، تدر آلاف الملايين على المجرمين الكبار، وعصابات القتل والاتجار في المخدرات، وفي النساء، وتشكو دولهم من تفاقم الجريمة، وترصد آلاف الملايين من الدولارات لمقاومتها.
ولكنها تسلك الطريق الخطأ من بدايته، لأنه يعتمد على حرية الفرد، دون مسئولية أمام الله، وإبعاد للدين وأحكامه عن حياة الناس، فلا عجب أن تكون النتيجة ما تعانيه المجتمعات من جريمة وفساد، وسيظل الأمر كذلك عندهم، لأنهم ممَّن قال الله تعالى فيهم:
{وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف: 146](الأعراف الآية 146) .
بل هم يشنون حملاتهم وادعاءاتهم على من يتخذون سبيل الهداية والرشد في إصلاح مجتمعاتهم.
إن تحقيق الأمن في المملكة العربية السعودية، يعتمد على تطبيق شريعة الله عز وجل، في كمالها وشمولها.
فهو يعتمد عليها في إصلاح القلوب، وتزكية النفوس، بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
ويعتمد عليها فيما أمرت به من الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر:
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104](آل عمران الآية 104) .
ويعتمد عليها فيما أمرت به من عدل بين الناس، وتسوية وتكافل بينهم.
ويعتمد عليها في تطبيق الحدود الشرعية على المجرمين، كما جاء في كتاب الله الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دون هوادة أو مواربة، ولا يثني المسئولين عن ذلك لومة لائم، ولا يتدخل كبير أو صغير في حكم الله وقضائه العادل.
إنها منظومة شرعية كاملة، يقوم عليها الأمن في المملكة العربية السعودية، فأصبح أمناً شاملا، أمن المواطن على نفسه وعرضه وماله، وأمن الوطن سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وأمن المقيم الذي يحرص على أداء واجبه، ويجنب نفسه مواطن الجريمة، وأجواءها.
وهكذا يتكامل مفهوم الأمن في المملكة العربية السعودية، ويحقق أثره في الاستقرار والعيش الكريم، والتعاون على الخير، ورقي البلاد والعباد.
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والحمد لله على نعمه التي لا تحصى.