الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعين غير المسلم على أن يكون فرداً يعمل من أجل خدمة هذا المجتمع وتنميته.
[أمن غير المسلم تكفله الشريعة]
أمن غير المسلم تكفله الشريعة: تكفل أحكام الشريعة، أن يتمتع غير المسلم الذي يعيش في المجتمع المسلم بالأمن على حياته وماله وعرضه، وهذه الحماية مستمرة، سواء أكان من المعاهدين والمستأمنين أم من أهل الذمة، ما داموا ملتزمين بالعهد، مؤدين ما اشترطه الإسلام عليهم.
والذمة معناها: العهد والضمان والأمان، فلهم عهد الله ورسوله، وعهد جماعة المسلمين، أن يعيشوا في حماية الإسلام، وفي كنف المجتمع المسلم، آمنين مطمئنين، فهم في أمان المسلمين وضمانهم.
وتشمل حماية غير المسلمين في المجتمع المسلم، الحماية من العدوان الخارجي.
ففي كتاب " مطالب أولي النهى ":
يجب على الإمام حفظ أهل الذمة، ومنع ما
يؤذيهم، وفك أسرهم، ودفع من قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب، بل بدارنا ولو كانوا منفردين ببلد.
وفي " الفروق للقرافي ":
أن ابن حزم الظاهري، يجيز أن يقاتل المسلمون عن أهل الذمة ويموتون دون ذلك.
وتشمل كذلك، الحماية من الظلم الداخلي، أي داخل المجتمع المسلم، وتعني دفع كل اعتداء عليهم، وتأمين أنفسهم وأبدانهم وأعراضهم وأموالهم وحقوقهم، التي تكفلها لهم الشريعة.
ويتولى ذلك إمام المسلمين وولي الأمر في المجتمع المسلم، أو من ينوب عنه.
فأمن الذمي على نفسه وبدنه، مضمون بالشريعة؛ لأن الأنفس والأبدان معصومة باتفاق المسلمين، وقتلهم حرام بالإجماع.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد
من مسيرة أربعين عاماً» رواه الإمام أحمد، والبخاري، وابن ماجه.
وقال الإمام مالك والليث: إذا قتل المسلم الذمي غيلة يقتل به.
وذهب الشعبي وأبو حنيفة، إلى قتل المسلم بالذمي، لعموم النصوص الموجبة للقصاص ولاستوائهما في عصمة الدم المؤبدة.
وتقطع يد المسلم بسرقة مال الذمي، مع أن المال أهون من النفس.
والمال الذي يعد ذا قيمة عند غير المسلمين، كالخمر والخنزير، لا يحل للمسلم إمساكهما ولا يعوض عنهما إن أتلفهما الغير، أما إذا أتلف المسلم ما يملكه الذمي من خمر أو خنزير، فإن الإمام أبا حنيفة، يرى أن يعوض الذمي عنهما.
وفي " الدر المختار" من كتب الحنفية: يجب كف الأذى عن الذمي، وتحرم غيبته كالمسلم.
ويقول ابن عابدين في حاشيته: بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد.
وكان من سنة الخلفاء الراشدين، دفع الضرر عن أهل الذمة وإعانتهم من بيت المال إن قعدت بهم الشيخوخة.
وقد ورد في كتاب "الخراج" لأبي يوسف، ما فعله عمر رضي الله عنه مع شيخ يهودي يسأل الناس، وما فعله مع المرضى من النصارى بالجابية من أرض دمشق، فقد أمر بالإنفاق عليهم من بيت المال.
لقد أدرك الخليفة عمر رضي الله عنه، أن أهل الذمة ينبغي أن لا يعيشوا محرومين من القوت الضروري، أو العلاج من المرض وسط مجتمع مسلم، ولا نجد لذلك مثالاً في حضارة من الحضارات السابقة على الإسلام، بل نجد إنكارا لهذه القيمة الإسلامية في بعض المجتمعات الحديثة.
ولغير المسلمين في المجتمع المسلم من أهل الذمة
والعهد، أن يعملوا في التجارة وغيرها، لكسب المال المشروع، والسعي في الأرض وفق العهد معهم، بغير إضرار بمصالح المجتمع المسلم، ولهم - كما كان الحال في الدولة الإسلامية وفي عهد مبكر - أن يعملوا في وظائف الدولة التي لا تحرم عليهم، أو تقتصر على المسلمين، بحكم الشرع، كالإمامة وتولي الصدقات، وغيرها من الولايات التي يشترط فيمن يتولاها الإسلام.
والأساس لحقوق غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع المسلم، لم يكن وليد تطور اجتماعي أو تقدم حضاري، ولكن أساسه في القرآن الكريم، قال الله تعالى:
وفي الآية الكريمة، إشارة إلى البر بالمخالف في الدين، وهي درجة لم يصل إليها أهل الحضارة المعاصرة من غير المسلمين.
وفي القرآن الكريم في مجال المعايشة في المجتمع بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب:
{وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5](المائدة الآية 5) .
وهذا في أشد العلاقات قرباً بين الناس في كل المجتمعات الإنسانية.
وفي مجال المناظرة والدعوة، يقول الله تعالى:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46](العنكبوت الآية 46) .
هذا هو الأمن على الأنفس والأبدان والأموال والأعراض، حين يتعامل المسلم مع غير المسلم في شئون الحياة، من المؤاكلة والتجارة والبيع والشراء، وحتى حين يعاشر المسلم زوجته الكتابية التي تصبح من أقرب الناس إليه.
ولم تقتصر الشريعة الإسلامية على حماية من يعيش في مجتمع مسلم، في حياته الدائمة والمستقرة بين أسرته، وفي مقر عمله الذي يتكسب منه، وهي حالة الذميين، وإنما تجاوزت ذلك إلى حماية المخالف في الدين، الذي يحضر إلى بلاد المسلمين للعمل، أو التجارة أو لشأن من الشئون المباحة، بإذن من ولي الأمر فيها، ويكون حضوره مؤقتاً بانتهاء العمل، أو قضاء المصلحة التي يبتغيها.
فالإسلام بذلك، لا يقاطع الآخر مقاطعة شاملة، ولا يحرم أصل التعامل مع غير المسلمين لتحقيق مصالح
المجتمع المسلم من خلال تلك العلاقات.
لقد وفرت الشريعة الإسلامية، حماية للمستأمن الذي يفد إلى بلاد الإسلام لشأن من الشئون المباحة، ويدخل إلى ديارنا بإذن منّا، ومعرفتنا بحقيقة أمره، واطمئناننا إلى مقاصده المباحة.
إذ يجوز للإمام أو نائبه، أن يعطي الأمان للكافرين على أنفسهم وأموالهم لمصلحة تعود على المسلمين.
وهو أمر واقع في العصر الحديث.
وإذا وقع الأمان بشروطه، وجب على المسلمين جميعا الوفاء للمؤَمَّنِينَ به، فلا يجوز أسرهم، ولا أخذ شيء من مالهم إلا بإذن شرعي، ولا أذيتهم بغير وجه شرعي، وإذا مات المؤمَّن في دار الإسلام، فماله لوارثه إن كان معه، وإذا لم يكن وارثه معه أرسل إليه المال.
وعقد الأمان في الشريعة الإسلامية، يمثل التسامح الإسلامي على حقيقته، في التعامل مع غير المسلمين، من خلال علاقات متنوعة مع الناس جميعا.
وفي الوقت الحاضر، يتم إعطاء الأجنبي إذنا بالدخول والإقامة بحسب الأنظمة المتبعة في الدول الإسلامية لدخول الأجانب.
ومتى منح الإمام الأمان لغير المسلم، وجب على المسلمين جميعا احترامه، وعدم انتهاكه، لأن الإمام أو نائبه، صاحب الحق في ذلك، فيثبت الأمن للمستأمن على حياته وماله وعرضه، ويحرم على المسلم التعرض له في نفسه وماله وولده، ويسري الأمان إلى الزوجة.
فتجب لهم العصمة في دار الإسلام، وتجري على المستأمنين أحكام الإسلام في أثناء إقامتهم - في حدود ما خوطب به المسلمون من أحكام الشريعة - وإن كان ذلك لا يجعلهم من أهل دار الإسلام؛ لأنهم يقضون حاجة مؤقتة ثم يرجعون إلى دار الحرب.
ولقد عرفت الدولة الإسلامية منذ عهد مبكر، نظام تصاريح السفر والدخول ورقابة الأجنبي، في أثناء إقامته المؤقتة على نحو يشبه النظام الحالي.