المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخاتمة في أهم ما يحقق الأمن للمجتمع المسلم] - الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[المبحث الأول‌‌ الأمن في الكتابوالسنة]

- ‌ الأمن في الكتاب

- ‌[الأمن في السنة النبوية]

- ‌[أهمية أمن الإنسان في الجماعة التي يعيش فيها]

- ‌[إرهاب المسلمين الأوائل في مكة والعدوان عليهم]

- ‌[كيف كان الأمن للناس جميعاً في دولة الإسلام منذ ظهرت إلى الوجود في]

- ‌[المبحث الثاني مفهوم الأمن في المجتمع المسلم]

- ‌[مفهوم أمن المجتمع وتحقيقه]

- ‌[أمن الفرد في المجتمع المسلم]

- ‌[المبحث الثالث تطبيق الشريعة والأمن الشامل]

- ‌[المقصود بالمجتمع المسلم]

- ‌[الأمن للفرد والمجتمع]

- ‌[الأمن للدولة]

- ‌[الأمن الاجتماعي]

- ‌[الأمن الاقتصادي]

- ‌[المبحث الرابع أمن غير المسلم في الدولة الإسلامية]

- ‌[الأمن مطلب إسلامي للإنسان الذي كرمه الله]

- ‌[أمن غير المسلم تكفله الشريعة]

- ‌[المبحث الخامس المملكة العربية السعودية وتطبيق السياسة الجنائية الإسلامية]

- ‌[ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومتابعتها]

- ‌[مواجهة ظاهرة الجريمة]

- ‌[ذكر الإحصاءات المتوافرة في المملكة العربية السعودية]

- ‌[الخاتمة في أهم ما يحقق الأمن للمجتمع المسلم]

الفصل: ‌[الخاتمة في أهم ما يحقق الأمن للمجتمع المسلم]

[الخاتمة في أهم ما يحقق الأمن للمجتمع المسلم]

الخاتمة

في أهم ما يحقق الأمن للمجتمع المسلم بعد أن تحدثنا عن الأمن ومفهومه الإسلامي الشامل، وعن أحكام الشريعة التي تحقق أمن المجتمع وأفراده، وعن الأمن في المملكة العربية السعودية، نلخص أهم الأمور التي تضمن تحقيق أمن المجتمع المسلم فردا أو جماعة.

وهذه الأمور تعتبر بمثابة الأسس التي يقوم عليها الأمن في كل بلد إسلامي، وإذا لم يؤخذ بها اختل الأمن فيه، وشاع المنكر، وتفشى العدوان والإرهاب بين الناس.

وأهم الأمور التي يتأسس عليها الأمن في المجتمع الإسلامي، تطبيق الشريعة الإسلامية.

ذلك أن المجتمع المسلم، مكلف بالحفاظ على

ص: 121

الدين الذي هو أول الضرورات وأهمها في حياة المسلم.

وتطبيق الشريعة، يعني أن ولي الأمر، وسلطات الدولة يتبعون المنهج الإلهي، وأن النظام الاجتماعي قائم ومؤسس على هذا المنهج في أصوله ومبادئه الكلية وأحكامه، وهو المنهج الوحيد الذي يؤمن المجتمع المسلم بصلاحيته وأفضليته على أي منهج آخر، لأنه يضمن بقاء المجتمع وتماسكه وتقدمه.

إن التشريع الإسلامي، يحقق العدل في علاقات الأفراد فيما بينهم، وفي علاقة الحكام بالمحكومين.

واستقرار هذه العلاقات، وقيامها على العدل والمصلحة، يوفر الأمن للفرد وللمجتمع، والمقصود بتطبيق أحكام الشريعة، أن تكون هي المرجع في التصرفات والأحكام والمعاملات، وأن تكون الأنظمة التي تضبط المجتمع المسلم في جميع المجالات، متفقة مع أحكام الشرع ومبادئه وأصوله الكلية.

ومن شأن اختيار المنهج الإلهي نظاماً اجتماعياً، أنه

ص: 122

يجنب المجتمع التفرق والانقسام والتمزق، الذي يحدث عند اختيار منهج آخر من وضع البشر.

إذ لا بد أن تختلف الآراء في صلاحيته وفي تقويم والحكم عليه، وهو أمر جلب الفوضى والاضطراب إلى مجتمعات إسلامية عديدة، لا سيما في العصر الحديث، حين اختارت هذه المجتمعات مناهج وضعية، وتسرعت في تطبيقها واستبدلتها بأحكام الشريعة، وقد أثر ذلك أشد التأثير على أمن تلك المجتمعات واستقرارها، ودفعها في بعض الأحيان إلى التخبط والتردد بين مختلف الآراء والمذاهب الوضعية.

ولا شك أن أحكام الشريعة الإسلامية، حين تطبق في جميع مجالات الحياة، نظاماً اجتماعياً، تضمن للمجتمع أمنه الخارجي والداخلي.

إذ إن قواعد الشريعة، فيما يتعلق بأمن المجتمع الخارجي، تفرض أن يُعد المجتمع العدة للدفاع عن نفسه.

ص: 123

والأمن الداخلي، تكفله أحكام الشرع الإسلامي المتعلقة بحرمة الأنفس والأعراض والأموال فيما بين الناس، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله.

ومن ناحية أخرى، فإن أحكام الشريعة، تضمن تحقيق الأمن الاجتماعي بما تفرضه من أحكام الزكاة، أعظم وسيلة للتكافل بين الأغنياء والفقراء، وبما توجبه من ولاية متبادلة بين المؤمنين:

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71](التوبة الآية 71) .

وبما تفرضه من أخوة بينهم:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10](الحجرات الآية 10) .

وهذه الأحكام التي وردت في القرآن الكريم، وبينتها السنة المشرفة قولاً وعملاً، هي من أصول المنهج الإسلامي الاجتماعي، وهي تضمن حين تطبق في

ص: 124

المجتمع المسلم، أن يسوده الأمن من جميع جوانبه.

ولذلك، فإن أول وأهم ما يحقق الأمن في المجتمع المسلم، تطبيق الشريعة الإسلامية، وبدونه لا يستقر أمر المجتمع على حال، بل يسوده التردد والانتقال بين المذاهب الوضعية، بحسب الظروف والأحوال.

ويأتي بعد تطبيق الشريعة في المجتمع المسلم، أمر آخر مهم من أصول الإسلام ومبادئه؛ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد أوجب الله تعالى هذا الأصل بقوله تعالى:

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104](آل عمران الآية 104) .

وقد قامت خيرية الأمة الإسلامية على هذا الأصل:

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110](آل عمران الآية 110) .

ص: 125

وتحقيق هذا الأصل القرآني، من أنجح الوسائل في إصلاح المجتمعات الإنسانية.

ذلك أن أثر الأديان والعقائد يضعف، ويقل الاتباع لما جاء فيها بمضي الزمن وتوالي العصور.

ومن سنة الله في الخلق، أن تتابع رسله وأنبياؤه وكتبه وشرائعه، لإصلاح الخلق، حتى تمت النعمة في رسالة خاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد تمام الرسالات السماوية وختمها برسالة الإسلام، يصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيلة دائمة وباقية لإصلاح المجتمع المسلم، كلما تقدم العهد، أو ظهرت بعض المنكرات.

وذلك بالتنبيه عليها ومحاولة إزالتها، بدعوة الناس إلى ترك المنكر وفعل المعروف.

ويكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، من العلماء، وممن لديه علم شرعي فيما يأمر به وما ينهى عنه.

ص: 126

وبالتصدي لهذه المنكرات، بالقوة من أولي الأمر إذا لزم الأمر.

وبالإعراض عن مرتكبي المنكرات من عامة الناس، حتى يجدوا أنفسهم في عزلة وقطيعة مع أهل المعروف، فيرجعوا عما هم فيه.

وفد ذكرنا الله تعالى في القرآن الكريم بأن بني إسرائيل أهملوا هذا الواجب وتركوه، فحقت عليهم اللعنة بقوله تعالى:

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78 - 79](المائدة الآية 78، 79) .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، له علاقة وثيقة بحفظ الأمن في المجتمع.

فالجرائم تعد من المعاصي سواء أضرت بالأفراد أم أضرت بأمن المجتمع، والنهي عن ارتكابها أو التمادي

ص: 127

فيها يسهم في تحقيق الأمن للفرد والجماعة، وما فشت الجريمة في مجتمع من المجتمعات إلا بسبب التهاون بالمعاصي وعدم النهي عنها، وترك مرتكبيها حتى تقوى شوكتهم، وتصبح لهم الغلبة على أهل المعروف.

وهي ظاهرة يشكو منها كثير من المجتمعات غير المسلمة في هذا العصر.

والإسلام بهذا الأصل القرآني في إصلاح المجتمع، يضمن ألا يطغى المنكر أو يسود.

ويعد هذا المبدأ، وقاية قبل أن تطبق حدود الله على من يرتكبون الجرائم.

فالعقوبة في الإسلام، ليست أول الوسائل في الإصلاح والتقويم، بل يسبقها تزكية النفوس بإقامة شعائر الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومما يحقق الأمن في المجتمع المسلم، أمر تظهر أهميته في العصر الحديث، لا سيما في بعض البلاد الإسلامية، ألا وهو بيان وسطية الإسلام، والدعوة

ص: 128

إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومواجهة التطرف والغلو، والإرهاب المتستر بالدين.

لقد نهى الإسلام عن الغلو في الدين باعتباره مؤدياً إلى الانفلات من جوهر أحكامه، كما فعل أهل الكتاب.

يقول الله تعالى:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171](النساء الآية 171) .

ونهى الرسول صلوات الله وسلامه عليه المؤمنين عن الغلو والتطرف في فهم أحكام الشريعة والتزامها.

ففي الحديث المتفق عليه، أن جماعة من الصحابة رأوا أن يحرموا أنفسهم من طيبات ما أحل الله لهم، وذلك تقرباً إلى الله وتشدداً في العبادة واستكثاراً من العمل الصالح.

ولكن الرسول صلوات الله عليه وسلامه، نبههم إلى أنه وهو أكمل الخلق إيماناً وأكثرهم قرباً من الله واتباعاً

ص: 129

لحكمه، يتزوج النساء، ويقوم الليل وينام، ويصوم ويفطر، وأن هذه سنته.

فعدل الصحابة رضوان الله عليهم عن الغلو، أخذاً بسنته صلى الله عليه وسلم، واقتداءً بهديه.

وفي عصر مبكر من عصور الإسلام، في نهاية عصر الخلافة الراشدة، خرج على المسلمين - المجتمع وولي الأمر فيه - أناس ظنوا أنهم أكثر الناس حرصاً على الدين وأخذاً بهديه، ولم يتبعوا جماعة المسلمين، فسماهم المسلمون، الخوارج.

وقد كان منهم من ارتكب أشد المنكرات، وهو قتل النفس بغير حق، حتى قتلوا خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتصدوا لمقاتلة جماعة المسلمين، وبلغ بهم الأمر في نهاية خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن استحلوا قتله عدواناً وظلماً.

ومن الأمور المهمة التي تحافظ أمن المجتمع المسلم في هذا العصر؛ أن يهتم العلماء وأولو الأمر فيه بتوجيه

ص: 130

الناس نحو اتباع أحكام الشرع، وعدم الغلو في فهم الأحكام، وعدم الإساءة في تأويلها، واتخاذ ذلك مطية ووسيلة للخروج على جماعة المسلمين وولاة أمرهم، بزعم إصلاح الراعي أو الرعية.

فالإسلام، له أحكامه الواضحة والقاطعة في لزوم الأمن، وعدم الاعتداء على الحقوق بين المسلمين، وعدم الخروج على الأئمة، ووجوب السمع والطاعة لهم في المعروف.

ويقع على العلماء عبء هذا الواجب، وهو تبصير المسلمين بواجبهم نحو المجتمع الذي يعيشون فيه، ومسئوليتهم أمام الله عن حفظ أمنه، وعدم إشاعة الاضطراب فيه، تحت ستار الغلو في الدين والتطرف في فهم أحكامه، وإساءة تأويل ما أنزل الله على رسوله.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ذلك:

«يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل

ص: 131

الجاهلين» رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، والآجري في الشريعة، والخطيب في شرف أصحاب الحديث.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

ص: 132