المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: العهد الجديد وإقرار النصارى بجهالة كتاب تلك الكتب: - دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌الفصل الأول: دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: الذين قالوا بمجيئه بعد ارتفاعه بوقتٍ قصير

- ‌المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكاً على الأرض مدته ألف سنة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: وقت وكيفية مجيئه:

- ‌المطلب الثاني: علامات المجيئ:

- ‌المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة

- ‌المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح عليه السلام إنما هو للقيامة والحساب وأنه لا يؤسس ملكاً على الأرض

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها:

- ‌المطلب الثاني: الأشياء التي يختلفون فيها:

- ‌الفصل الثاني: الرد على النصارى في دعاوى المجيء

- ‌المبحث الأول: بطلان المصادر المعتمدة إجمالاً

- ‌المطلب الأول: العهد القديم، وطعن طائفة من اليهود والنصارى فيه

- ‌المطلب الثاني: العهد الجديد وإقرار النصارى بجهالة كُتَّاب تلك الكتب:

- ‌المبحث الثاني: في بطلان ما استدلوا به من دعاويهم في المجيء سنداً ومتناً

- ‌المطلب الأول: "سفر دانيال

- ‌المطلب الثاني: "رسائل بولس

- ‌المطلب الثالث: سفر "رؤيا يوحنا

- ‌الخاتمة

- ‌الحواشي والتعليقات

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: العهد الجديد وإقرار النصارى بجهالة كتاب تلك الكتب:

لعل في هذا كفايةً من ناحية أن مجموعةً كبيرةً من اليهود والنصارى نقدوا العهد القديم بما يفيد أن كاتبه ليس هو موسى عليه السلام، وليس واحداً من الأنبياء الذين نُسبت إليهم تلك الكتب، بل هم مجهولون، بل إن كُتَّابها عاشوا في فترة زمنية متأخرة جداً عن زمن وتأريخ وقوع الأحداث التي تحكيها تلك الكتب بعضها يقارب الثلاثمائة سنة وأكثر.

وبها نعلم عدم دقة وانضباط القول الذي يشيعه المحافظون من اليهود والنصارى من أن كاتب التوراة هو موسى عليه السلام وأن كُتَّاب الكتب الأخرى هم الأشخاص الذين نسبت إليهم.

ص: 370

‌المطلب الثاني: العهد الجديد وإقرار النصارى بجهالة كُتَّاب تلك الكتب:

العهد الجديد هو الكتاب الخاص بالنصارى، ويتكون من الأناجيل الأربعة "متى" و"مرقص" و"لوقا" و"يوحنا"، ثم "سفر أعمال الرسل" ثم إحدى وعشرين رسالة ثم "رؤيا يوحنا".

ويعتقد النصارى أن العهد الجديد مثل العهد القديم موحى به من الله، جاء في وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني قولهم:"إن ما تتضمنه وتعرضه الكتب المقدسة من حقائق موحاة مكتوبٌ كله بوحي من الروح القدس، وتؤمن أمنا الكنيسة المقدسة بموجب الإيمان الرسولي أن كتب العهدين القديم والجديد كلها وبجميع اجزائها مقدسة وقانونية، فالله هو مؤلفها مكتوبةٌ بوحيٍ من الروح القدس"68.

ص: 370

إلا أن ذلك كله مجرد دعاوى فلا يستطيع النصارى إثبات صحة كتبهم أو أنها بوحي من الله، بل الأدلة تدل على خلاف قولهم، وهذا ما سنبينه في النقاط التالية:

أولاً: أن كُتَّاب الكتب مجهولون ولا يصح نسبتها إلى من نسبت إليهم:

إن كتب النصارى وخاصةً الأناجيل الأربعة "متى" و"مرقص" و"لوقا" و"يوحنا"كتبٌ مجهولٌ كُتَّابها، ومما يبين ذلك عدة أشياء:

1 -

أن الأناجيل الأربعة وسفر الأعمال لم يذكر في أي واحد منها في بدايته أو نهايته اسم كاتبه، وكذلك أكثر الرسائل، ما عدا رسائل "بولس".

2 -

أن "بولس" صاحب أكبر مجموعة من الرسائل في "العهد الجديد" لم يشر ولا مرةً واحدةً لواحدٍ من تلك الأناجيل، ولم يذكر واحداً منها البتة، و"بولس" يعتبر من أكثر المتقدمين الذين وصلت كتاباتهم الدينية إلى أيدي النصارى، ومع ذلك لم يذكر ولا مرةً واحدةً في جميع رسائله إنجيلاً واحداً من تلك الأناجيل الأربعة باسمه، وإنما ذكر ما أطلق عليه "الإنجيل" أو "إنجيل الله" 69، الذي لا وجود له بين الأناجيل المعتبرة لدى النصارى، بل إن أياً من أصحاب الأناجيل أو الرسائل الأخرى لم يشر إلى إنجيلٍ من تلك الأناجيل، مما يدل دلالةً واضحةً أن تلك الأناجيل لم تكن معروفةً وليس لها وجود في تلك الأزمان وإلا وجب الإشارة إليها.

3 -

أن الدراسات تثبت أنه إلى سنة 140م لم يُعرف أن أحداً أشار إلى شيء من الأناجيل الأربعة أو ذكرها بالاسم70،وهذا التاريخ متأخرٌ جداً عن وفاة آخر من تنسب إليهم تلك الكتب بنحو 70 سنة، فإذا كانت تلك الكتب لم

ص: 371

تعرف إلا بعد وفاة المنسوبة إليهم بأكثر من نصف قرن فكيف يمكن إثبات صحة نسبتها إلى أولئك الكُتَّاب.

4 -

أن اللغة التي كتبت بها تلك الكتب في الأصل إما الآرامية أو العبرية، إلا أنها لم تُعرف إلا باليونانية ولا يعرف من هو مترجمها.

ثانياً - أن أصحاب الأناجيل مجهولون تماماً:

لا يوجد لدى النصارى أي معلومات محققة عن شخصيات كُتَّاب كتبهم، بل كل المعلومات المتوفرة هي تلك التي تشير إلى شيءٍ قليلٍ جداً من الحوادث ضمن أحداث مع المسيح عليه السلام وهي لا تعطي تعريفاً بشخصيات كُتَّاب تلك الكتب.

ثالثاً - لا يوجد لدى النصارى أي دليل موثق لكتابة أحد من الذين نسبت إليهم تلك الأناجيل:

يمكننا أن نقول: إنه لا يوجد معلومة صحيحة عند النصارى تؤكد أن "متى" الذي زعموا أنه حواري كتب إنجيلاً، أو "مرقص" الذي زعموا أنه من تلاميذ الحواريين، أو "لوقا" الذي هو تلميذ "بولس"، أو "يوحنا" الذي زعموا أنه من الحواريين كتبوا تلك الأناجيل بالطريقة التي يحتاج إليها لإثبات صحة الكتب، كما هو الحال مثلاً لدى المسلمين، فإن الشيخ يكتب الكتاب وينقله عنه تلاميذه بالسند المتصل، ويأخذه عنهم تلاميذهم، وهكذا حتى تصبح نسبة الكتاب إلى مؤلفه مشهورةً مؤكدةً لا يشك أدنى طالب علمٍ بصحة النسبة إلى ذلك المؤلف.

ص: 372

أما النصارى فلا يوجد عندهم أي معلومة من هذا القبيل، ويمكن أن نضرب مثلاً بإنجيل "متى" و"مرقص".

فأقدم معلومة معتمد عليها في ذلك وربما هي الوحيدة في ذلك هي ما نقله "يوسابيوس القيصري" في كتابه "تاريخ الكنيسة" عن رجل مجهول الحال يسمى "بابياس" كان أسقفاً "لهيرابولس" سنة 130 م.

قال "بابياس": "إن متى كتب الأقوال باللغة العبرانية".

وقال عن "مرقص" صاحب الإنجيل:

"إن مرقص الذي صار مفسراً "لبطرس" قد كتب بكل دقة كل ما نذكره من أقوال وأعمال الرب. ولكن ليس بالترتيب لأنه لم يسمع الرب ولم يتبعه، ولكن كما قلت قبلاً عن "بطرس" الذي ذكر من تعاليم السيد ما يوافق حاجة السامعين بدون أن يهدف إلى كتابة كل ما قاله الرب وعمله، وهكذا فصل "مرقص" أنه لم يعمل خطأً واحداً في كل ما ذكره وكتبه"71.

فهذان النصان يعتمد عليهما النصارى في نسبة هذين الكتابين إلى "متى" و"مرقص"، وهذان نصان لا يمكن اعتبارهما دليلاً وعمدةً لقضيةٍ خطرةٍ وعظيمةٍ كهذه القضية، وهي إثبات أن هذا الكتاب صحيح صادق موحى به من الله من عدة أوجه:

1 -

أن "بابياس" سيئ الفهم ومحدود الإدراك فقد قال عنه "يوسابيوس" المؤرخ، إنه أساء فهم الكتابات الرسولية، ويبدو أنه محدود الإدراك جداً كما يتبين من أبحاثه.

ص: 373

وكان قد قال عنه "يوسابيوس": أنه كتب روايات يقول إنها وصلته من التقليد غير المكتوب، وأمثالاً وتعاليم غريبة للمخلص وأموراً خرافية72. فبهذا يكون الشخص منكر الحديث، وغير مقبول الرواية، فكيف يمكن اعتبار شهادته وجعلها أصلاً لأمرٍ خطيرٍ كهذا.

2 -

إن عبارته عن "متى" لا تفيد شيئاً، فلم يعين من هو "متى"، ولم يعين الأقوال ما هي.

كما أنه ذكر أن متى كتب كتابه باللغة العبرية، والكتاب لم تُعرف له أصولٌ عبرية البتة، وإنما وجد باللغة اليونانية، وهذا إما أن يدل على أن "بابياس" عنى كتاباً آخر غير الموجود عند النصارى، وإما أن يكون ترجم من العبرية إلى اليونانية فينشأ من هذا إشكال آخر وهو: من هو مترجمه؟ وما مدى علمه واستقامته وتدينه؟ وكذلك مامدى معرفته بالعبرية التي ترجم منها ومعرفته باليونانية التي ترجم إليها؟ إذ لابد من الاطمئنان على معرفته باللغتين للتأكد من صحة ترجمته، وهذا مهمٌ جداً لأن النسخة اليونانية صارت هي الأصل، أما العبرية فمفقودة، فلابد من التأكد من علم مترجمها وأمانته وإلا فقدت قيمتها.

وكذلك قوله عن "مرقص": فإنه لم يحدد من هو "مرقص" هذا الذي صار مفسراً "لبطرس" وقال: إنه كتب ما تذكر، مما يدل على أن الكتابة ليست موثقة، وإنما هي كتابة من الذاكرة التي لا يمكن اعتبارها شاهداً موثوقاً، ثم قال أيضاً: إن "بطرس" إنما ذكر حاجة السامعين بدون أن يهدف إلى ذكر ما قاله الرب، مما يعنى محدودية المعلومات المذكورة وأن هناك أشياء كثيرة لم يذكرها،

ص: 374