الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما يدل على ضياع التعاليم ولعدم شمولها لكل أقوال المسيح أو على الأقل أكثرها، بل الأكثر هو الذي لم يذكر.
فمن هنا يمكننا القول إنه لا يوجد لدى النصارى الإثباتات اللازمة لتأكيد صحة نسبة الأناجيل إلى من نسبت إليهم.
وأن كل دعاويهم التي يدعون: مثل أن تلك الكتب وحي من الله أو الروح القدس، أو أنها صحيحةٌ وصادقةٌ، لا دليل عليها ألبتة سوى مجرد الدعوى.
المبحث الثاني: في بطلان ما استدلوا به من دعاويهم في المجيء سنداً ومتناً
المطلب الأول: "سفر دانيال
"
…
المبحث الثاني: في بطلان ما استدلوا به من دعاويهم في المجيء سنداً ومتناً.
استدل النصارى بنصوصٍ عديدةٍ على المجيء بالكيفيات التي ادعوها، وجُل النصوص التي استدلوا بها تعود إلى ثلاثة كتب:
1 -
"سفر دانيال" 2 - "رسائل بولس" 3 - "سفر رؤيا يوحنا".
وقد سبق أن بينا بطلان الاستدلال بكتبهم لعدم الثقة بها إجمالاً، وسنبين هنا بشيء من التفصيل ما يتعلق بالكتب التي استدلوا بها سنداً، وكذلك نبين عدم صحة فهمهم للنصوص التي استدلوا بها.
المطلب الأول: "سفر دانيال":
"سفر دانيال" من أهم الكتب التي اعتمدوا عليها في دعوى المجيء، و"سفر دانيال" هو سفر تاريخي ورؤى، فجزؤه الأول 1 - 6 يحكي قصصاً مختلفةً وقعت لـ"دانيال" مع ملوك بابل، أما الإصحاحات من 7 –12 ففيها رؤى متعلقة بما سيحدث لبني إسرائيل بعد ذلك.
أما "دانيال" المنسوب إليه السفر، فهو عند بعض النصارى حكيم ورجل سياسة وذو بصيرة بتفسير الأحلام، وهو عند الكاثوليك والأرثوذكس الذين يأخذون بالنسخة اليونانية من الأنبياء الكبار73.
وتعتبر الرؤى الواردة في "سفر دانيال" وخاصةً في "الإصحاح السابع" و"التاسع" وآخر "الحادي عشر" و"الإصحاح الثاني عشر" هي أساس من الأسس التي ترتكز عليها دعاوى المجيء الثاني للمسيح والأحداث المرافقة، بل ويعتبر بعضها الأساس لما ورد في "رؤيا يوحنا" من ذلك، كما سيأتي، لهذا نشير إلى ما يتعلق بهذا السفر من ناحية صحة سنده وكذلك متنه:
1 -
كاتب السفر:
ينسب التقليد اليهودي والكنسي "سفر دانيال" إلى ذلك الشاب الذي عاش في زمن "بختنصر" بعد السبي البابلي أي بعد عام 586ق0م في "بابل"، إلا أن هذا الأمر لم يقم على إثباته أي دليلٍ معتبرٍ يمكن الاعتماد عليه.
بل إن المقدمة التي كتبت عن "سفر دانيال" في طبعة "دار الكتاب المقدس" في الشرق الأوسط لعام 1992م، بعناية "الآباء اليسوعيين" والأديب "إبراهيم اليازجي"74 قالوا ما نصه: "ليس دانيال مؤلف السفر الذي يحمل اسمه إن هو إلا شخصه الرئيسي
…
إن مؤلفاً ملهماً75لم يترك لنا اسمه قد ضم إلى هذه الصورة الشهيرة عن الماضي عدة رؤى ذات إنشاءٍ روائي" 76.
ويقول أصحاب كتاب "المدخل إلى العهد الجديد": "التقليد اليهودي يقول: إن رجال مجمع اليهود هم الذين كتبوا "سفر دانيال"، ويعزوه "برثولد" و "فون لينجرك" من ألمانيا إلى كاتبٍ مجهول كتبه زمن الملك
السلوقي اليوناني "انتيخس أبيفانس الرابع" وذهب "تورى" وكذلك "كنت" و "مونتجمري" و "اينسفيلد" وغيرهم، إلى أن الجزء الأول من السفر كتب في القرن الثالث ق0م، أي بعد وفاة من تنسب إليه بما يقارب قرنين ونصف، أما الجزء الأخير منه وهو الإصحاحات من 7 - 12 فيرجع إلى زمن "المكابيين"، أي قبل الميلاد بقرنٍ ونصف "77.
والإصحاحات الأخيرة من "سفر دانيال" هي التي ورد فيها ما يتعلق بالمجيء الثاني الذي يستدل به أصحاب هذه الدعاوى، وهو يعود كما سبق بيانه إلى فترة "المكابيين"، حيث ورد في "الإصحاح الحادي عشر" منه تفصيلاً دقيقاً للأحداث الكبرى التي أوقعها الملك السلوقي اليوناني "انتيخس ابيفانس الرابع" باليهود، واضطهاده لهم، وقتاله للمصريين، مما يؤكد أن كاتبه قد وجد في تلك الفترة المتأخرة عن وجود "دانيال" بما يقارب ثلاثة قرون ونصف القرن78.
2 -
لغة السفر:
لغة السفر تعتبر مشكلة لدى اليهود والنصارى، لأنه من المتفق عليه أنه كُتب في أصله بلغتين هما: الآرامية والعبرية، بمعنى أن بعض أجزائه وخاصة الأولى منه كتبت باللغة الآرامية، والأجزاء الأخيرة منه كتبت باللغة العبرية، مما جعل علماء النصارى ينسبونه إلى أكثر من شخص79.
3 -
متن سفر دانيال:
"سفر دانيال" يمكن تقسيمه إلى قسمين:
القسم الأول: فيه جزء من قصة دانيال مع ملوك زمانه.
القسم الثاني: أربع رؤى تعود في مضمونها إلى موضوعٍ واحد، وهو الإخبار عن الدول التي ستقوم في منطقة ما يسمى في العصر الحاضر بـ"الشرق الأوسط"، فأولها "مملكة بابل"، ثم تخلفها في أملاكها "مملكة مادى"، ثم "مملكة فارس"، ثم "مملكة اليونان"، التي تنقسم إلى أربعة ممالك، وهذه الرؤى مكررة في نفس الموضوع. ويفرد "السفر الحادي عشر" تفصيلاً دقيقاً لتحركات ملوك اليونان في سوريا وخاصةً "انتيخس ابيفانس الرابع"، وما فعل باليهود، وتدميره لهيكلهم وتنكيله بهم، ولم يذكر السفر شيئاً البتة عن الدولة الرومانية التي خلفت هؤلاء جميعاً وطال حكمها أكثر منهم، مما يعطي الناظر والفاحص دليلاً على أن كاتب السفر أو جزء كبير منه كان في زمن "انتيخس ابيفانس الرابع" اليوناني وهو في الفترة من 175 - 163ق0م80، مع أن الدولة الرومانية التي خلفت اليونانية فعل ملوكها باليهود الأفاعيل ودمروا هيكلهم واستباحوا بلادهم مرتين، الأولى على يد "تيطس" القائد الروماني سنة 70م، والأخرى بأمر الإمبراطور "هادريان" سنة 135م بكيفيةٍ أعظم بكثير مما فعل اليونان باليهود، بل إن الأمبراطور "هادريان" شتت اليهود في الأرض، وشردهم تشريداً استمر عليهم إلى زماننا هذا الذي بدأوا يتجمعون فيه في فلسطين أي ما يقارب 18 قرناً من الزمان.
وهذا كما ذكرتُ يؤكد بأن كاتب السفر ليس هو "دانيال"، وإنما هو رجلٌ آخر عاصر الأحداث التي كتب عنها السفر وذلك بعد دانيال بما يقارب أربعة قرون، وهذا يعني أن السفر ليس موثوقاً به، إذ كاتبه مجهول، وبالتالي معلوماته لا يصح الاعتماد عليها.
4 -
مغالطات النصارى بما استدلوا به من نص سفر دانيال:
يستدل النصارى للمدة الزمنية المرتبطة بمجيء المسيح بنصٍ من النصوص الواردة في "سفر دانيال" وهو قولهم 9/24 - 27"سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة
…
إنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له، وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس، وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضى بها، ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد، وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب"81.
هذا النص هو من أهم النصوص عندهم في تحديد التاريخ الذي يأتي فيه المسيح، فإن النصارى بناءً على هذا النص قد قسموا ما ورد فيه إلى قسمين:
القسم الأول: 69 أسبوعاً، والأسبوع سبعة أيام، وكل يوم يعدونه بسنةٍ واحدةٍ، فيكون مجموع ذلك 69 × 7 = 483 سنة، ويعتبرون أن هذه المدة هي التي كانت بين صدور الأمر بتجديد بناء بيت المقدس وصلب المسيح في زعمهم.
وبناءً على حسابهم، حيث يقولون: أن المسيح عاش ثلاثاً وثلاثين سنة وارتفع سنة 33م، فمعنى ذلك 483 ينقص منها 33 سنة مدة بقاء المسيح وهي بعد الميلاد، فيكون الباقي 450 سنة، بمعنى أن صدور الأمر لبناء بيت المقدس كان في سنة 450ق0م، وهذا يوافق زمن الملك الفارسي"أرتحشتا" الذي ملك من سنة 465 – 425 ق0م، ويعينون بداية المدة التي يحسبون من صدور الأمر
بتجديد بناء سور مدينة بيت المقدس وبنائها، وذلك حين أخذ "نحميا" إذناً من الملك "أرتحشتا" بذلك بعد عشرين سنة من حكم الملك "أرتحشتا" أي في حدود 445ق0م، وتم بناء السور في 52 يوماً82، إلا أن الملاحظ أن في ذلك مغالطات عديدة وهي:
أولاً: أن بناء بيت المقدس المرة الثانية ابتدأ حسب كلامهم بأمر الملك الفارسي "كورش" وذلك في 529ق0م، ثم توقف البناء إلى زمن الملك "دارا"، حيث جدد الأمر بالبناء سنة 520ق0م، وفرغ من بناء الهيكل سنة 516ق0م تقريباً83، فيكون بين بناء الهيكل ورفع المسيح عليه السلام 516 + 33 = 549 سنة، وعلى حساب الأسابيع التي يعدونها تكون 549 ÷ 7 = 78.3 أسبوعاً، ففيها فرق يوازي أكثر من خمسين سنة إذا أغفلنا الاختلاف المشهور في تاريخ مولد المسيح، وهذا يدل على أن النص المعتمد في ذلك غير صحيح ولا دقيق، أي أنهم فهموا من النص فهماً خاطئاً وحملوه على ما لا يدل عليه.
القسم الثاني: الأسبوع الأخير من السبعين أسبوعاً، فإنهم كما سبق يجعلون 69 أسبوعاً قبل مجيء المسيح ورفعه، ثم الأسبوع الأخير والذي هو كمال السبعين أسبوعاً لا يربطونه بوقت، بل يجعلونه مفتوحاً إلى نهاية الحياة أو هو عند الألفيين الأسبوع الأخير الذي يعقب المجيء السري للمسيح أو الاختطاف وقبل الظهور المعلن له.
ولا يتضح من النص أي دليل على هذا الفاصل، لأن الأسبوع الأخير حسب النص تابع للأسابيع التي قبله، وجاء الفاصل فيه لأن ضيقاً شديداً وحرباً وتدميراً سيحصل على اليهود، وهذا قد حصل عليهم مراراً، فقد تسلط عليهم
حكام اليونان بالتنكيل، واستمر عذابهم وبلاؤهم يخف حيناً ويشتد حيناً، إلى أن شردوا زمن "تيطس" الروماني في 70م، ثم زمن "هادريان" سنة 135م.
والذي يؤكد ويوضح أن الأسابيع المذكورة تعني مدة زمنية تنتهي قبل ولادة المسيح عليه السلام بأكثر من خمسين سنة، أن "الإصحاح الحادي عشر"هو تفسير لما ورد في آخر "الإصحاح التاسع" لأن الملك قال لـ"دانيال" حسب 10/14:"جئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيام بعد"، ثم شرحها في "الإصحاح الحادي عشر"، ومجملها متعلق بملوك اليونان في سوريا وحربهم مع ملوك مصر من اليونان أيضاً، وما يوقعه "انتيخس ابيفانس الرابع" باليهود كما سبق ذكره.
أما قولهم في الرؤيا السابقة "وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له" وتفسيرهم بأن ذلك يعني نهاية المسيح عليه السلام، فإن ذلك غير صحيح، لأن "الإصحاح الثاني عشر" يفسرها بأن المقصود به الملك "ميخائيل"، حيث قالوا فيه بعد الأحداث التي تقع على اليهود والضيقة الشديدة التي تصيبهم 12/1 "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت".
فعليه المراد بالمسيح حسب النص السابق هو الملك "ميكائيل"، ولكن لا يتضح من النص أن له دوراً في دفع تلك النكبة لا بالإعانة ولا بالدفع عنهم، فلذا لا يتضح المراد من ذلك إلا أن يكون تعزيةً بوجود ناظرٍ معين.
كما أن في النص بعده خطأً تاريخياً واضحاً، حيث يقولون في 12/1:"إلى ذلك الوقت ينجى شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر"، فهذا لم