المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: "رسائل بولس - دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌الفصل الأول: دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: الذين قالوا بمجيئه بعد ارتفاعه بوقتٍ قصير

- ‌المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكاً على الأرض مدته ألف سنة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: وقت وكيفية مجيئه:

- ‌المطلب الثاني: علامات المجيئ:

- ‌المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة

- ‌المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح عليه السلام إنما هو للقيامة والحساب وأنه لا يؤسس ملكاً على الأرض

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها:

- ‌المطلب الثاني: الأشياء التي يختلفون فيها:

- ‌الفصل الثاني: الرد على النصارى في دعاوى المجيء

- ‌المبحث الأول: بطلان المصادر المعتمدة إجمالاً

- ‌المطلب الأول: العهد القديم، وطعن طائفة من اليهود والنصارى فيه

- ‌المطلب الثاني: العهد الجديد وإقرار النصارى بجهالة كُتَّاب تلك الكتب:

- ‌المبحث الثاني: في بطلان ما استدلوا به من دعاويهم في المجيء سنداً ومتناً

- ‌المطلب الأول: "سفر دانيال

- ‌المطلب الثاني: "رسائل بولس

- ‌المطلب الثالث: سفر "رؤيا يوحنا

- ‌الخاتمة

- ‌الحواشي والتعليقات

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: "رسائل بولس

يتحقق لليهود، لأن البلاء استمر عليهم من بعد اليونان بواسطة الرومان، ثم وجدوا فترة من الهدوء النسبي زمن "المكابيين"، لكن الرومان كانوا أشد على اليهود من اليونان، فقد نكلوا بهم نكالاً شديداً حتى قضوا سنة 135م على دولتهم قضاءً نهائيا وإن كانوا بقوا كشعب مشردين إلى الزمن الحديث حيث بدأوا يتجمعون في فلسطين وأنشاوا لهم دولة فيها، فكل عالم بالتاريخ يعلم أن القول بنجاتهم بعد ذلك خطأ لأنه لم يتحقق لليهود لا أيام اليونان، ولا أيام الرومان، ولا حتى بعد رفع المسيح عليه السلام، بل زاد عليهم البلاء كما ذكرنا.

وبهذا كله نتبين عدم صحة الاستدلال بنص "سفر دانيال" لأنه لم تثبت صحته ولا عصمته، بل ثبت كذبه وعدم صحته، كما ان النصارى قد أخطأوا في فهم نصوصه، وغالطوا فيها، وحملوها ما لا تحتمل.

ص: 382

‌المطلب الثاني: "رسائل بولس

":

"رسائل بولس" تشكل الجزء الأكبر والأهم من "العهد الجديد" حيث توازي من ناحية الحجم الأناجيل الثلاثة "متى" و"مرقص" و"لوقا" مجتمعة، كما أن فيها تنوعاً في الموضوعات، وتوجيهات كثيرة لأتباعه. وارتباط الديانة النصرانية بها أكثر من ارتباطها بالأقوال المنسوبة إلى المسيح عليه السلام في الأناجيل، كما أن دعوى المجيء وردت فيها صريحةً. فمن هنا نشير إلى بعض النقاط المهمة المتعلقة بها:

أولاً: عدم أهلية بولس لأن يكون وسيطاً في الأمور الدينية:

ص: 382

بولس ليس من تلاميذ المسيح عليه السلام ولم يلقه، كما أنه لم يتعلم من أحد من "الحواريين"، ولم يأخذ منهم شيئاً84، وهو الذي حرف رسالة المسيح عليه السلام، وقد خالف المسيح مخالفةً صريحةً في عدة نقاط أساسية، منها:

1 -

ادعاؤه أن المسيح ابن الله.85

2 -

دعواه أن الغاية من مجيء المسيح هي الصلب وتكفير الخطايا.86

3 -

دعوته إلى إلغاء العمل بشريعة موسى عليه السلام. 87

4 -

ادعاؤه بأن رسالة المسيح عامة لجميع بنى البشر. 88

5 -

إلغاؤه الختان. 89

فلهذا وغيره مما لا يمكن تفصيله في مثل هذا البحث يُعلم أن "بولس" ليس أهلاً أن يعتمد وسيطاً للأمور الدينية ولا داعياً موثوقاً.

ثانياً: عدم ثبوت الرسائل إليه بدليل أكيد:

إن نسبة الرسائل إلى "بولس" هو من الأمور المشكوك فيها والتي لم يقم عليها أدلة كافية، يدل على ذلك عدة أشياء:

أ - أن مما يجمع عليه النصارى أن "رسائل بولس" لم تُعرف إلا في حدود عام150م، حيث بدأت تبرز وتشتهر "رسائل بولس" 90، مع أن "بولس"كان قد اختفى وانطفأت أخباره في حدود عام 64م على الأرجح حيث وصل إلى روما91، وذلك يعني أن هناك انقطاعاً طويلاً بين وفاة "بولس" وبين ظهور "الرسائل" واشتهارها يقارب قرناً من الزمان، مما يجعل المجال واسعاً للتحريف والكذب وافتراء رسائل ونسبتها إليه.

ص: 383

ب - أن "يوسابيوس" المؤرخ نقل عن "أوريجانوس المصري" المتوفى في حدود عام 253م، وهو أحد كبار آباء الكنيسة النصارى أنه قال عن "بولس": إنه لم يكتب إلى كل الكنائس التي عملها، ولم يرسل سوى أسطر قليلة لتلك التي كتب إليها92، وأكد هذا أيضاً "يوسابيوس" نفسه المتوفى سنة 340م، حيث يقول عن "بولس" ورسائله:"فبولس مثلاً الذي فاقهم جميعاً في قوة التعبير وغزارة التفكير لم يكتب إلا أقصر الرسائل"93.

فهذان النصان لهما أهمية كبرى في الدلالة على أن بولس لم يكتب إلا شيئاً قليلاً، وذلك بخلاف الموجود بين أيدي النصارى الآن، فإنه يوازي في حجمه الأناجيل الثلاثة " متى، مرقص، لوقا" مجتمعة، مما يدل على أن الرسائل الموجودة ليست هي رسائل "بولس" الأصلية، أو أنها تعرضت هي الأخرى للتحريف والإضافات المطولة.

ج - أن النصارى يشكون في صحة نسبة عدة رسائل إلى "بولس" من ضمنها الرسالة إلى "كولوسي" و"أفسس" ورسالته الأولى والثانية إلى "تيموثاوس" ورسالته إلى "تيطس"، فهذه كلها مشكوك في صحة نسبتها إليه، وبعضهم يرى أن كاتبها أحد اتباع "بولس"، وأن كاتبها اعتمد في ذلك على أفكاربولس. أما الرسالة إلى "العبرانيين" فقد رفضت وكان الشك فيها قديماً واستمر وقتا طويلاً94.

ثالثاً: بطلان النصوص التي استدل بها النصارى من "رسائل بولس":

سبق أن ذكرنا أن النصارى يستدلون على المجيء بدعوى "بولس" في رسالته إلى "كورنثوس" 15/51 "هو ذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا

ص: 384

كلنا نتغير95 في لحظةٍ في طرفة عيٍن عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير"، وكذلك النص الآخر في "تسالونيكى الأولى" 4/15 "فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف معهم فى السحب لملاقاة الرب في الهواء".

النص الأول الوارد في "كورنثوس" ليس فيه صراحةً ما يتعلق بمجيء المسيح عليه السلام، وإنما هو في بعث الأموات وتغير الأحياء، ويتضح منه قناعة بولس من أنه لن يموت، بل ستقوم القيامة وهو حي، وأنه سيتغير إلى جسدٍ غير قابل للفساد. هكذا زعم.

أما النص الثاني الوارد في "تسالونيكى" فهو صريح في موضوع المجيء، إلا أنه يلاحظ عليه عدة ملاحظات:

1 -

أنه ادعى أن ما يقول بكلمة الله، أي بوحي من الله وليس من عنده، وليس على ذلك أي برهان.

2 -

أن دعواه أن الموت سيخص طائفةً دون طائفةً، وأن البعث سيكون للأموات، أما الأحياء فسيتغيرون فقط دعوى لا دليل عليها، ولاوجود لها في العهد القديم، وهي مخالفة للسنة العامة في البشر بأن الموت سيدركهم جميعاً، ولم تظهر إلا في دعوى "بولس" هنا.

ص: 385