المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: سفر "رؤيا يوحنا - دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌الفصل الأول: دعاوى النصارى في مجيء المسيح عليه السلام

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: الذين قالوا بمجيئه بعد ارتفاعه بوقتٍ قصير

- ‌المبحث الثاني: الذين قالوا بمجيئه قبل القيامة وأنه يؤسس مُلكاً على الأرض مدته ألف سنة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: وقت وكيفية مجيئه:

- ‌المطلب الثاني: علامات المجيئ:

- ‌المطلب الثالث: الحوادث التي تقع بعد الألف سنة

- ‌المبحث الثالث: من يرى أن مجيء المسيح عليه السلام إنما هو للقيامة والحساب وأنه لا يؤسس ملكاً على الأرض

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: العلامات التي يتفقون عليها:

- ‌المطلب الثاني: الأشياء التي يختلفون فيها:

- ‌الفصل الثاني: الرد على النصارى في دعاوى المجيء

- ‌المبحث الأول: بطلان المصادر المعتمدة إجمالاً

- ‌المطلب الأول: العهد القديم، وطعن طائفة من اليهود والنصارى فيه

- ‌المطلب الثاني: العهد الجديد وإقرار النصارى بجهالة كُتَّاب تلك الكتب:

- ‌المبحث الثاني: في بطلان ما استدلوا به من دعاويهم في المجيء سنداً ومتناً

- ‌المطلب الأول: "سفر دانيال

- ‌المطلب الثاني: "رسائل بولس

- ‌المطلب الثالث: سفر "رؤيا يوحنا

- ‌الخاتمة

- ‌الحواشي والتعليقات

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: سفر "رؤيا يوحنا

3 -

أن "بولس" ادعى لنفسه على سبيل القطع أنه سيبقى حياً إلى مجيء المسيح، وأكد ذلك في كلامه في "كورنثوس" بقوله:"فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير".

وتكرر هذا بتأكيدٍ واضحٍ في "تسالونيكى" حيث يقول: "إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب"، ثم أكد هذا أيضاً بقوله بعده "ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف معهم في السحاب"، وهو قد مات من زمنٍ بعيد ولم يتحقق شيء مما ادعاه مما يدل على كذبه.

4 -

أن دعوى خطف الأحياء هي من الدعاوى التي ليس لها أي مستند كتابي آخر لدى النصارى، وإنما هي من بنات أفكار "بولس" وهي من تحريفاته العديدة وادعاءاته الباطلة الكثيرة، التي حرف بها رسالة المسيح عليه السلام.

وعليه فهذا النص لا يصح الاعتماد عليه، بل إن "بولس" لا يجوز بحالٍ اعتباره مصدراً لشيء من المعلومات الدينية، وكذلك رسائله، لما سبق أن بينا من جهله برسالة المسيح وتحريفه المتعمد لها، وكذلك عدم الثقة بصحة نسبة الرسائل إليه.

ص: 386

‌المطلب الثالث: سفر "رؤيا يوحنا

":

"رؤيا يوحنا"هو السفر الأخير من أسفار "العهد الجديد"، وهو عبارة عن رؤى ذات رموز غامضة وصور عجيبة غريبة، يفسر النصارى بعضها على أنها إشارات لما سيحدث آخر الزمان.

والسفر منسوب إلى "يوحنا"، الذي يزعمون أنه أحد الحواريين. وسنبين عدم صحة الاستناد على هذا السفر من ناحية سنده ومتنه:

ص: 386

أولاً - من ناحية سنده:

1 -

إن النصارى اختلفوا في كاتبه من هو، فالتقليد الكنسي يضيف الكتاب إلى من يزعمون أنه "يوحنا الحواري"، إلا أن هناك اعتراضات على ذلك، فمن ذلك أن الكاهن الروماني "غايس" نسب الكتاب إلى شخص يسمى "سيرنيثوس" كما أن "ديونسيوس" أسقف الإسكندرية المتوفى 264م نسبه إلى شخصٍ آخر وليس هو "يوحنا"، وكذلك كثير من كتاب العصر الحديث ينكرون نسبته إلى "يوحنا".

والأقوال في نسبة السفر إلى من يزعمون أنه "يوحنا الحواري" وإنكار ذلك متقابلة، والآراء متضادة، والأدلة متكافئة، كما يقول القس "فهيم عزيز" ويضيف:"وفي الحقيقة لا يوجد عالم واحد يمكنه أن يؤكد هذا الرأي أو نقيضه تأكيداً تاماً إنما الأمر نسبي"96.

ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن الكنيسة المصرية ترددت في قبوله وشككت في أصله، أما الكنيسة اليونانية فلم تقبله أول الأمر وظل خارج الكتب القانونية حتى عام 500م.

كما شكك في نسبته إلى "يوحنا""يوسابيوس القيصري"، المؤرخ الكنسي، المتوفى 340م، ولم يضعه "كيرلس الأورشليمي"97 ضمن الكتب القانونية.

أما الكنيسة السريانية فلم تعترف به ولم تضعه ضمن الكتب المقدسة إلا في الق

رن الثاني عشرالميلادي، ومدرسة إنطاكية لم تعترف بالكتاب98.

ص: 387

فإذا كان الكتاب بهذه المثابة من ناحية ثبوت نسبته إلى من يزعمون أنه "يوحنا الحواري"، والبعض من الكنائس بناءً على ذلك ترددت في قبوله، فمعنى ذلك أنه لا يوجد لدى النصارى الذين ينسبونه إلى من يزعمون أنه "يوحنا الحواري" دليل قاطع يحسم المسألة، وما لم يقم الدليل القاطع، فإن الواجب عدم اعتبار الكتاب وعدم قبول أقواله، لأن الكتب المقدسة يجب أن تكون موثقةً تمام التوثيق حتى يمكن الاعتماد على صدقها وإقامة الدين عليها.

ثانياً - من ناحية متنه:

إن النصوص المأخوذة من هذا السفر لا يصح الاستدلال بها لعدة أسباب:

1 -

إن نص كتاب "سفر الرؤيا" يعتبر من أعقد النصوص وأصعبها، وهو في أكثره وأغلبه رؤى تحتاج إلى تفسير، ولم يتفق النصارى على مسلك معين في تفسيرها.

يقول أصحاب المقدمة في طبعة "دار الكتاب المقدس" في الشرق الأوسط في حاشيةٍ على السفر - بعد أن ذكروا أن بعض أسفاره واضحة لا إشكال فيها –: "وبقي في خلال ذلك ستة عشر فصلاً تقف عندها بصائر المتأملين، ذُكرت فيها حوادث مبهمةً، مستغلقة المعاني، بعيدة التأويل، ذهب فيها أهل التفسير طرائق شتى"، ثم ذكروا من ذلك قولين:

القول الأول: رأى الآباء الكنسيين والعلماء المتقدمين منهم: أن ذلك إشارةً إلى زمان المسيح الدجال والدينونة الأخيرة.

القول الثاني: المتأخرون من علمائهم: إن ما ذُكر هو إشارة لحوادث وقعت ومضى زمانها، وإن المراد بالأرض المملكة الرومانية، وبالوحش ذي السبعة

ص: 388

الرؤوس: القياصرة السبعة الذين اضطهدوا الكنيسة، وبالجامات السبعة المصائب التي نزلت بالمملكة الرومانية ولا سيما عقب اضطهاد "ديوكلسيانس"99.

ثم قال الكاتب: "لا جرم أن الترجيح بين هذين الرأيين مع صرف النظر عن بقية الأقوال يُقْضي بالدليل القاطع وذلك مالا يتأتى لأحدٍ اليوم"100.

ومن علماء النصارى من ذكر أربعة أنماطٍ لتفسيره، منها الأولان المذكوران، ويضاف إليهما:

أ - أن "السفر" يحكي تخطيطاً طويلاً يبدأ من القرن الأول الميلادي حتى يومنا هذا حتى النهاية.

ب - أن "السفر" مملوءٌ بالرموز التي يجب أن يُؤخذ كلٌ منها على حدة101.

فهذا الاختلاف في تفسير السفر لا يصح معه اعتبار النص دليلاً على الدعوى، حتى يتم ترجيح واحد من الأنماط التي تؤيد الدعوى، والمرجح غير موجود كما سبق ذكره من كلامهم.

2 -

يلاحظ على "سفر الرؤيا" ارتباطه الوثيق بـ"سفر دانيال"، فإنه فصَّل ما أجمل في "سفر دانيال"، وأعطاه معنى يتلاءم مع وضع النصارى في الدولة الرومانية، بخلاف "دانيال" الذي يحكي وضع اليهود في الدولة اليونانية، ويمكن ملاحظة ذلك في نقاط:

أ - إن الرؤى في كلا السفرين بناءً على حالة اضطهادٍ واقعةٍ علىالأمة، والمراد منها التصبير والتشجيع وإعطاء الرجاء بالنصر. وهذا كان حال اليهود، وهو كذلك حال النصارى قبل أن يدخل أباطرة الرومان النصرانية.

ص: 389

ب - إن "سفر دانيال" جعل النصر حليف الأمة اليهودية، وهم من يسميهم "قديسو العلى" بسبب سماوي102.

وكذلك فعل "سفر الرؤيا" بالنسبة للنصارى، إلا أنه فصَّل في كيفية تحقيق النصر وأنواع العذاب الذي يقع على أهل الأرض الذين لا يعبدون المسيح أو يضطهدون أتباعه، وذلك بواسطة الملائكة103.

جـ - إن "سفر دانيال" ذكر عبارةً غامضةً عن "ميكائيل" في نهاية الاضطهاد فقال: "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك، ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت".

فهذا نقله صاحب "سفر الرؤيا" ووسعه وأعطاه معنىً خرافياً، وهو قوله بعد ذكر الاضطهاد الواقع على الأمة الذي رمز لها "بالمرأة" 12/7 "وحدثت حرب في السماء بين ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء" والمقصود بالتنين هنا الشيطان، وقد ذكروا بعد ذلك كيف أن الشيطان سيصب جام غضبه على أهل الأرض104.

3 -

أن "السفر" يحكي عن حالة اضطهاد ورجاء بالنصر، وهنا ملاحظة مهمة، وهي: إن كان ذلك حديثاً عن أمورٍ قد وقعت وانتهت، فدعوى النصارى بأنها ستحدث في المستقبل خلطٌ وخبطٌ غير مقبول.

أما إن قالوا - كما يظهر من أقوال كثيٍر منهم ممن يرون مجيء المسيح:- إن ذلك لأحداثٍ ستأتي، فإن هذا يخالف الواقع، وذلك أن النصارى توقف الاضطهاد الديني بالنسبة لهم منذ رفع "قسطنطين" 105 في القرن الرابع

ص: 390

الميلادي الاضطهاد عنهم، ثم دخل في ديانتهم، وبدأوا هم يضطهدون الناس المخالفين لهم، كالاضطهاد الذي وقع على اليهود من النصارى، والذي وقع على الموحدين أتباع المسيح من النصارى أتباع بولس.

وفي هذه الأزمنة التي نحن فيها أصبحت القوة المادية بأيديهم، والكنيسة في غايةٍ من القوة والتمكن من ناحية عدد الأتباع وكثرة الأموال وكثرة المناصرين، فلا يوجد أي توافقٍ بين الصورة الواقعية لحال النصارى الآن وبين السمة الظاهرة لهم في "سفر دانيال" و"سفر الرؤيا"، وهي الاضطهاد والضعف وتسلط الأعداء عليهم.

ويزداد بطلان استدلال النصارى بهذين السفرين وضوحاً ويتأكد إذا علمنا أن كثيراً من النصارى يرى أن مجيء المسيح قد أزف وقرب جداً جداً، ولم يبق على مجيئه في زعمهم إلا سنوات قلائل، فمن ذا الذى يستطيع من ناحية القوة المادية في هذا الزمان أن يقاتل النصارى الذين يزعمون أنهم أتباع المسيح والذين يعدون العدة لنصره واستقباله، مع ما يدعون من أن المسيح سينزل بقوات سماوية. لا شك أنه لا يوجد أي تجانس بين الصورتين والحالين: الماضية والحاضرة.

ولقد رأينا فيما سبق أن كثيراً من رجال الكنيسة المتقدمين كانوا يرون أن مجيء المسيح قريبٌ جداً من زمانهم، لأنهم يرون أن بمجيئه تنتهي متاعبهم ويتوقف اضطهادهم ويُكتب النصر لهم، إلا أن هذا اختلف لما تغيرت أحوال النصارى بدخول ولاة الرومان في ديانتهم، فصار غالب فِرَق النصارى الكبار يرون أن مجيء المسيح إنما هو للقيامة ومحاسبة الناس وينكرون الملك الأرضي

ص: 391