الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خشية الله تعالى قال المؤلف: في الحديث
استحباب استماع قراءة القرآن والإصغاء إليها والتدبر فيها واستحباب طلب القرآن من الغير ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه التواضع لأهل العلم والفضل ورفع منزلتهم اهـ. قال في «فتح الإله» ، وقد يؤخذ من الحديث أن الاستماع أفضل من التلاوة، وينبغي أن محله إذا كان فيه من الخشوع والتدبر ما ليس في القراءة.
183 - باب في الحث على سور
جمع سورة
، وهي كما قال الكافيجي: الطائفة من القرآن المترجمة باسم مخصوص توفيقاً: أي بالنسبة إلى الاسم المشتهرة به، فلا يشكل عليه تسمية كثير من الصحابة والتابعين سوراً بأسماء من عندهم، كتسمية حذيفة التوبة بالفاضحة وسورة العذاب، وكتسمية سفيان ابن عيينة الفاتحة بالوافية، وسماها يحيى بن أبي كثير بالكافية، وتهمز السورة أخذا لها من أسأرت: أي أفضلت كأنها قطعة من القرآن، ولا تهمز من أسارت أيضاً لكن سهلت، ومنهم من يشهدها بسورة البناء: أي القطعة منه لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى، وقيل من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها فيها كاجتماع البيوت بالسور، ومنه السوار لإحاطته بالساعد، وقيل لارتفاعها لأنها كلام الله والسورة المنزلة الرفيعة، وقيل لتركب بعضها على بعض من التسوّر بمعنى التصاعد، ومنه {إذ تسوروا المحراب} (ص: 21) (وآيات) جمع آية وفي وزنها أقوال ستة ذكرها ابن الصائغ في «شرح البردة» أرجحها أن أصلها أبية بوزن شجرة والآية طائفة من كلمات القرآن متميزة بفصل ويقال بفاصل وهو آخر الآية (مخصوصة) .
11009 -
(عن أبي سعيد رافع بن المعلى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام
المفتوحة، وقيل اسمه الحارث، وقال ابن عبد البر: إنه أصح ما قيل في اسمه، قال: ومن قال اسمه رافع فقد أخطأ لأن رافع بن المعلى قتل ببدر، قال: وأصح ما قيل فيه إنه الحارث بن نفيع بن المعلى بن لوان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عدي بن مالك بن زيد بن مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن عضب الأنصاري الزرقي رضي الله عنه وأمه آمنة بنت قرط بن خنساء عن بني سلمة نسبه كما ذكرنا جماعة وحبيب بن عبد حارثة هو أخو زمرمق، وقيل لأبي سعيد الزرقي لأن العرب كثيراً ما تنسب ولد الأخ إلى أخيه المشهور وهو معدود في أهل الحجاز روي له عن رسول الله حديثان، روى عنه البخاري هذا الحديث انفرد به عن مسلم. (قال: قال لي رسول الله: ألا) بتخفيف اللام أتى بها لتنبيه المخاطب لما يلقي إليه بعدها (أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد) وإنما قال له ذلك ولم يعلمه بها ابتداء ليكون أدعى إلى تفريغ ذهنه لتلقيها وإقباله عليها بكليته (فأخذ بيدي) أي بعد أن قال ذلك ومشينا (فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمتك) هو رواية بالمعنى إن كان الصادر من النبي ما حكاه عنه أولاً وإن كان قاله له مع ذلك لأعلمنك فيكون رواية باللفظ (أعظم سورة في القرآن، قال: الحمد لله ربّ العالمين) أي سورة الفاتحة، وإنما كانت أعظم سورة لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن، ولذا سميت بأم القرآن. ولا ينافيه حديث البقرة أعظم السورلأن المراد به ما عدا الفاتحة من السور التي فصلت فيها الأحكام وضربت فيها الأمثال وأقيمت فيها الحجج إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه سورة البقرة ولذا سميت فسطاط القرآن، ولعظيم فقهها أقام عمر كما في الموطأ ثمان سنين على تعلمها، وحكي ذلك عن ابنه أيضاً، ثم أشار إلى ما تميزت به الفاتحة عن غيرها من بقية السور حتى صارت أعظم منها بقوله (هي السبع
المثاني) أي المسماة به جمع مثناة من التثنية لأنها تثنى في الصلاة في كل ركعة كما جاء عن ابن عمر بسند حسن قال «السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة» أو لأنها تثنى بسورة أخرى أو لأنهانزلت بمكة ونزلت بالمدينة وذلك للجمع بين ما جاء من كونها مكية وكونها مدنية ومثلها في ذلك خواتيم سورة النحل وأول سورة الروم وآية الروح «وأقم الصلاة طرفى النهار» أو سميت بذلك لاشتمالها على قسمين: ثناء ودعاء، أو لما اجتمع فيها من
فصاحة المباني وبلاغة المعاني، أو لأنها تثنى على مرور الزمان وتتكرر فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس، أو لأن فوائدها تتجدد حالاً فحالاً إذ لا منتهى لها أو جمع مثناه من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله تعالى فكأنها تثنى عليه بأسمائه الحسنى وصفاته أو لأنها تدعو أبداً بواسطة وصفها المعجز ببراعة النظم وغزارة المعنى إلى الثناء عليها ثم قال من يتعلمها أو من الثنايا لأن الله استناها لهذه الأمة ولا تنافي بين ما هنا وبين قوله تعالى «سبعاً من المثاني» لأن «من» فيه للبيان أو للتبعيض ولا مانع من أن القرآن كله يسمى مثاني أيضاً (والقرآن العظيم) أي وهي المسماة بذلك أيضاً (الذي أوتيته) بالبناء للمجهول: أي أعطيته وتسميتها بالقرآن العظيم وجهه الأئمة بما حاصله كما أخرجه الحسن البصري «إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ثم أودع علومه في الفاتحة، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسيره» وقد ورد عن عليّ رضي الله عنه. لو شئت أن أوقر على الفاتحة سبعين وقراً لأمكنني ذلك، وهو صحيح لجمعها سائر ما يتعلق بالموجودات دنيا وأخرى وأحكاماً وعقائد، وتفصيل كل ذلك وتوابعه على وجهها يستغرق العمر وزيادة (رواه البخاري) في أول كتاب تفسير القرآن وفي باب فاتحة الكتاب من كتاب فضائل القرآن.
21010 -
(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال في قل هو الله أحد) أي السورة المسماة بذلك وبسورة الإخلاص (والذي نفسي بيده) فيه استحباب القسم لتأكيد الأمر والحث على الخير والحض عليه، وقوله بيده: أي بقدرته (إنها) أي سورة الإخلاص المتقدم ذكرها في الحديث الذي حكى المصنف منه هذا المقدار وسيأتي بجملته بأثره (لتعدل) أي باعتبار ثواب قراءتها (ثلث القرآن. وفي رواية) أي عن أبي سعيد أيضاً (أن رسول الله قال لأصحابه: أيعجز) بكسر الجيم على الأفصح (أحدكم) أي الواحد منكم (أن يقرأ بثلث القرآن) الباء فيه مزيدة في المفعول به (في ليلة) ظرف ليقرأ
(فشق ذلك) أي ما ذكر من قراءتهم الثلث في الليلة (عليهم) أي رأوه شاقاً عليهم (وقالوا: أينا يطيق ذلك) لكثرته مع الأمر بتدبر القراءة وإعطاء كل حرف حقه من وجوه الأداء فهو ذلك مشقّ جداً، وقولهم (يا رسول الله) أتوا به إيماء إلى أن المراد سؤالهم منه سؤال الله تعالى التخفيف والرفق بهم لما يعلمون له من علوّ المكانة عند الله سبحانه (فقال) أي مبيناً للمراد وأنه لا مشقة فيه (قل هو الله أحد الله الصمد) الذي في البخاري في باب فضل {قل هو الله أحد} من كتاب «فضل القرآن» فقال {الله أحد الله الصمد} (ثلث القرآن. رواه البخاري) باللفظ المذكور في الباب المذكور، وروى مسلم من حديث أبي الدرداء مرفوعاً «أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وكيف نقرأ ثلث القرآن؟ قال: {قل هو الله} أحد تعدل ثلث القرآن»
31011 -
(وعنه) أي عن أبي سعيد (أن رجلاً) قال الشيخ زكريا في «تحفة القاري» : هو أبو سعيد (سمع رجلاً) قال في «التحفة» : قيل هو قتادة بن النعمان (يقرأ قل هو الله أحد يرددها) جملة حالية من فاعل يقرأ أو مستأنفة لبيان كيفية قراءته إياها (فلما أصبح) أي دخل في الصباح (جاء إلى رسول الله فذكر ذلك) أي ما ذكر من قراءة الرجل وترديده السورة (له) أي لرسول الله (وكأن) بتشديد النون (الرجل يتقالها) بفتح التحتية والفوقية والقاف وتشديد اللام: أي يعدّها قليلة في العمل والجملة كلها حالية، وجملة يتقالها خبر كأن (فقال رسول الله: والذي نفسي بيده) أي بتصاريف قدرته (إنها لتعدل ثلث القرآن) هذا هو الحديث الذي ذكر أوّلا طرقه، وعجيب ما فعله المصنف هنا من كونه ذكر بعضه أولاً ثم ذكره، كله، وكان ذكر جملته مغنياً عن ذكر بعضه، والله أعلم (رواه البخاري) في الباب المذكور.
41012 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله، قال في: قل هو الله أحد، إنها) بالكسر لكونها في ابتداء الكلام. ويحتمل كونها جواب قسم مقدر يدل عليه تصريحه به في الرواية قبله (لتعدل ثلث القرآن، رواه مسلم) واختلف في معنى كونها تعدل ثلث القرآن. فقيل إن ثواب قراءتها يعدل ثواب قراءة ثلثه بلا تضعيف، وقيل معناه أن القرآن على ثلاثة أقسام: قسم يتعلق بالقصص، وقسم يتعلق بالأحكام، وقسم يتعلق بصفات الله، وهي متمحضة لها فكانت بمنزلة الثلث. نقلهما المصنف عن المازري، فعلى الأول يلزم من تكريرها ثلاثين مرة استيعاب القرآن وختمه لا على الثاني، وبيان الملازمة أن من قرأها ثلاثين مرة يكون كمن قرأ القرآن مع المضاعفة، لأن كل ثلاث مرات تعدل القرآن كله، فمن قرأ الثلاثين كأنه قرأ القرآن عشر مرات بلا مضاعفة، وهي يمنزلة قراءته مرة مع المضاعفة. وقيل لأن معارف القرآن المهمات ثلاث: معرفة التوحيد، والصراط المستقيم، والآخرة، وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثاً. وقيل لأن البراهين القاطعة دلت على وجود الله ووحدانيته وصفاته، وهي: إما صفات الحقيقة، وإما صفات الفعل، وإما صفات الحكم، ويه تشتمل على صفات الحقيقة فهي ثلث. وقيل معظم مطالب القرآن معرفة الله ورسوله ولقائه وهي تفيد الأول، وقيل غير ذلك. ورجح أن المراد ثلثه من حيث الأجر، ولا يرد عليه حديث «من قرأ القرآن أعطي بكل حرف عشر حسنات» إما لأن المراد ثواب الثلث من غير مضاعفة أو معها، ولا بدع أن يجعل الله في الأحرف القليلة من الثواب ما لم يجعله في الكثيرة ألا ترى أن الصلاة بمكة بمائة ألف ألف ألف صلاة فيما عدا مسجد المدينة والقدس وفي مسجد المدينة بمائة ألف ألف، وفي الأقصى بمائة ألف. واختار ابن عبد البر أن السكوت عن ذلك كله أفضل وأسلم كما فعل أحمد وكذا ابن راهويه، فإنه حمل الحديث على أن معناه أن لها فضلاً وثواباً تحريضاً على تعلمها، لا أن قراءتها ثلاث مرات
كقراءة القرآن، قال: هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة.
51013 -
(وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحبّ هذه السورة)
وعطف عليها عطف بيان قوله (قل هو الله أحد) أيقانه لاشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتقديسه وذلك يحمل كل ذي إيمان كامل على أن يستمد بقراءتها ما يكمل به إيمانه ويزيد ءيقانه (قال: إن حبها) مصدر مضاف لمفعوله: أي حبك إياها كما جاء هكذا عند الترمذي (أدخلك الجنة) أي أنا لك أفاضل درجاتها، والداعي لتأويله بما ذكر الجمع بينه وبين حديث «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله» الحديث (رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه البخاري في «صحيحه» تعليقاً) أي حذف أول إسناده.
61014 -
(وعن عقبة بن عامر) بن عبس بفتح المهملة وسكون الموحدة آخره سين مهملة الجهني القضاعي رضي الله عنه قال الحافظ الذهبي: فيه صحابي كبير أمير شريف فصيح مقرىء فرضى شاعر، ولي غزو البحر. وقال الحافظ ابن حجر: اختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أبو حماد، وكان عقبة من فضلاء الصحابة ونبلائهم، وباشر فتوح الشام فإذا حزم عزم. وكان البشير إلى عمر بفتح دمشق، ووصل إلى المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى دمشق في يومين ونصف ببركة دعائه عند قبر النبي أن يقرب الله عليه المسافة وكان سكن دمشق ثم انتقل لمصر والياً لمعاوية سنة أربع وخمسين ومات بها سنة ثمان وخمسين، روي له عن رسول الله خمسة وحمسون حديثاً اتفقا على سبعة منها، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بتسعة (أن رسول الله قال: ألم تر) أي ألم تبصر والخطاب لعقبة (آيات أنزلت) بالبناء للمفعول: أي لم يبصر (مثلهن) أي فيما جاء في التعويذ (قط) بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان (قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) وقد استعاذ بهما لما سحره لبيد بن الأعصم فذهب عنه ذلك بالكلية، وحديثه في الصحيح (رواه مسلم) وما أفاده الحديث من كونهما من
القرآن هو ما أجمع عليه الأمة. وما جاء عن ابن مسعود مما يخالف ذلك محمول على أنه باعتبار ما عنده ثم أجمعوا على خلافه، وفيه أجوبة أخرى ذكرتها أول تفسير سورة المعوذتين.
71015 -
(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله يتعوذ من الجان وعين الإنسان) لعظم ضررهما: أي كان يقول «اللهم إني أعوذ بك من الجان وعين الإنسان» (حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا) أي المعوذتان (أخذ بهما) في التعوذ لعمومهما لذلك وغيره (وترك ما سواهما) من التعاويذ (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) وإنما اختصا بذلك لاشتمالهما على الجوامع في المستعاذ به والمستعاذ منه، أما الأول فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض رباني يزيل كل ظلمة في الاعتقاد أو العمل أو الحال، لأن الفلق الصبح وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق وذلك مناسب للمستعاذ منه. وأما الثاني لأنه في الأولى ابتدأ في ذكر المستعاذ منه باعلام وهو شرّ كل مخلوق حيّ أو جماد فيه شر في البدن أو المال أو الدنيا أو الدين كإحراق النار وقتل السمّ، ثم بالخاص اعتناء به لخلفاء أمره، إذ يلحق الإنسان من حيث لا يعلم كأنه يغتال به، وهو القمر إذا غاب لأن الظلمة التي تعقب ذلك تكون سبباً لصعوبة التحرز من الشرّ المسبب عنها، ثم نفث الساحرات في عقدهن الموجب لسريان شرهن في الروح على أبلغ وجه وأخفاه فهو أدق من الأول، ثم بشرّ الحاسد في وقت التهاب نار حسده فيه لأنه حينئذ يسعى في إيصال أدق المكائد المذهبة للنفس والدين فهو أدق وأعظم من الثاني، وفي الثانية خص شرّ الموسوس في الصدور من الجنة والناس لأن شرّه حينئذ يعادل تلك الشرور بأسرها، لأنها إذا كانت في صدر المستعيذ ينشأ عنهما كل كفر وبدعة، وضلالة، ومن ثم زاد التأكيد والمبالغة في جانب المستعاذ به إيذاناً بعظمة المستعاذ منه، وكأنه قيل أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقوته، وهو إلههم ومعبودهم الذي يستعيذون به ممن سواه
ويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إياه، وختم به لأنه مختص به تعالى، بخلاف الأولين فإنهما قد يطلقان على غيره.
81016 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: من القرآن سورة ثلاثون آية) صفة سورة أو خبر مبتدأ محذوف: أي هي ثلاثون أية (شفعت) صفة أيضاً أو حال أو خبر بعد خبر أو استئناف (لرجل حتى غفر) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله (له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك) طوّل ما قبله وأبهمه ثم بينه وحصره بقوله وهي الخ ليكون أوقع في شرفها وفخامتها وأبلغ في المواظبة على قراءتها، وقوله شفعت إما على ظاهره إخبار عما وقع بعد نزولها أن رجلاً قرأها فشفعت حتى غفر له، أو اطلع على ذلك فأخبر به ترغيباً فيها، فرجل حينئذ إما باق على تنكيره بالنسبة لعلمه والأمة بأن أخبر به على إبهامه أو للأمة فقط؟ بأن أعلم به وكتمه للأمر له به أو لمصلحة رآها، أو بمعنى تشفع في القيامة على حد {ونادى أصحاب الجنة} (الأعراف: 44) فرجل المراد به جنس القارىء وإثبات الشفاعة للقرآن صحيح باعتبار أنه يجسد فلا معدل عنه (رواه أبو داود والترمذي) زاد في «المشكاة» وأحمد والنسائي وزاد في «فتح الإله» وابن حبان والحاكم (وقال) أي الترمذي (حديث حسن) .
(وفي رواية أبي داود تشفع) أي بدل قوله شفعت وخصت بذلك لافتتاحهما بخلق الحياة وختمها بالماء الذي هو سبب الحياة فأنتجت الشفاعة التي هي سبب الحياة الكاملة للمشفوع له، وأيضاً افتتاحها بعظائم عظمته ثم بباهر قدرته وإتقان صنعته، ثم بذم من نازع في ذلك أو أعرض عنه، ثم بذكر عقابهم وماله عليهم من النعيم، ثم ختمها بما اختصها به من بين سائر السور وهو الإنعام بالماء المعين الذي هو سبب الحياة المناسب لذلك لكه أثمر المعافاة عن سوء القطيعة بتشفيع هذه السورة في قارئها وجعلها مانعة عنه منجية له.
91017 -
(وعن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (البدري) نسبة لبدر لكونه سكنها، وقيل شهد وقعتها رضي الله عنه عن النبي قال: من قرأ بالآيتين) الباء مزيدة للتأكيد أو الاستعانة وتجويز كونها لإلصاق القراءة به بعيد إذ قراءة الحرف التلفظ به (من آخر سورة البقرة) من {آمن الرسول} إلى آخر السورة (في ليلة كفتاه متفق عليه) ورواه أبو داود والترمذي كما في «الجامع الكبير» ، ورواه الديلمي بلفظ «من قرأ خاتمة سورة البقرة حتى يختمها في ليلة أجزأت عنه قيام تلك الليلة» (قيل كفتاه المكروه تلك الليلة) أي ودفعتا عنه شرّ الإنس والجنّ ويشهد له حديث الحاكم «إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا تقرآن في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال» (وقيل كفتاه عن قيام الليل) حتى لا يبول الشيطان في أذنيه ولا يقعد على ناصيته: أي فقراءتها تتكفل بمنع ذلك لكن على وجه الاحتمال، لكن تعقب بأن مثل هذا لا يكتفي فيه بالاحتمال. وقيل من الكفاية بمعنى الإجزاء: أي أجزأتاه عن فوائد قراءة سورة الكهف المشتملة على الآيات العشر آخرها التي من قرأها أمن من الدجال، وعن قراءة آية الكرسي المتضمنة لقارئها عند النوم الأمن على داره الحديث الآتي، ويحتمل وهو الظاهر المناسب لنظمها أنهما كفتاه عن تجديد الإيمان لأن من تأمل أولاهما أدنى تأمل حصل له من الرسوخ في الإيمان والإيقان مقام خطير وحظ كبير، لاشتمالها على غاية التفويض والتسليم لأقضية الله وأوامره ونواهيه لأن من تأمل قول أولئك الكمل «سمعنا وأطعنا» حمله ذلك على التأسي بهم في هذا المقام العلي وغاية التواضع للَّه وهضم النفس باعتقاد أنها ليست على شيء، لأن من تأمل قول أولئك الكمل ربما حمله على التأسي بهم فيه أيضاً، وغاية ذكر الموت واستحضار البعث الحامل أو لهما على تكثير العمل وتقليل الأمل، وثانيهما على التبري من حقوق الخلق، لأن من تأمل رجوعه إلى
الله تعالى للحساب سارع فيما يبرئه ويخلصه من ورطة المناقشة في الحساب، أو كفتاه عما ورد من الأدعية الكثيرة لأن الدعاء بما فيهما متكفل لخير الدنيا والآخرة.
101018 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله: قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر) جمع مقبرة: أي لا تكن بيوتكم مثلها في عدم اشتغال من فيها من الموتى بنحو الصلاة والقراءة، ولا تكونوا كالموتى في ترك ذلك (إن الشيطان ينفر) بكسر الفاء على الأفصح وضمها لغة: أي يصدّ ويعرض إعراضاً بالغاً، فلا يقال إنه ينفر من كل ما يقرأ فيه غير البقرة أيضاً (من البيت الذي تقرأ فيه) بالفوقية في الأصول المصححة مبنياً للمجهول ونائب فاعله (سورة البقرة) ليأسه من إغوائهم وإضلالهم ببركة قراءتها وامتثالها لما فيها، لأنه ليس في سورة من القرآن ما في سورة البقرة من تفصيل الأحكام والحكم وضرب الأمثال وإقامة الحجج والبراهين وبيان الشرائع أو القصص والمواعظ والوقائع الغريبة والمعجزات العجيبة وذكر خاصة أوليائه والمصطفين من عباده، وتفضيح الشيطان ولعنه وكشف ما توسل به إلى التسويل لآدم وذريته، ومن ثم قيل فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر (رواه مسلم) ورواه أحمد والترمذي كما في «الجامع الكبير» .l
111019 -
(وعن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد الياء (ابن كعب) الأنصاري البدري وتقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب البكاء. (قال: قال رسول الله: يا أبا المنذر) بصيغة الفاعل من الإنذار ضد التبشير وهي كنية أبي (أتدري أي) اسم الاستفهام معرب ملازم للإضافة، وعند إضافته لمؤنث كما هنا يجوز تذكيره وتأنيثه (آية من كتاب الله معك) حال أي مصاحباً لك، وأشار بذلك: أي أشار بقوله معك إلى أنه رضي الله عنه ممن حفظ جميع القرآن في زمنه، ومن مزاياه التي لم يشاركه فيها غيره أن النبي أقرأ عليه سورة «لم يكن» كما تقدم في باب البكاء (أعظم؟ قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم) أي جميع آية
الكرسي ثم الذي في مسلم أنه قال: أولاً قلت الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر أتدري أيّ أية في كتاب الله معك أعظم قلت: {الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم} فوّض أولاً العلم إلى الله ورسوله لأنه جوّز فضيلة شيء من الآيات غيرها عليها، فلما كرر عليه السؤال علم أن المراد سؤاله عما عنده فأجاب بذلك، أو يقال إنه لم يكن عنده أولاً علم ذلك ففوض، فلما رأى حسن تفويضه ألقى الله عليه من أنوار علومه ومنحه عن مكنون معارفه ما علم به الجواب فسأله ثانياً ليظهر عليه شيء من ذلك الإمناح، فأجابه فزاده تثبيتاً وإمداداً بضربه في صدره وهنأه بما منحه كم قال (فضرب في صدري) عداه بفي مع أنه متعد بنفسه على حد قوله تعالى:{وأصلح لي في ذريتي} (الأحقاف: 15) أي أوقع الصلاح الكامل فيهم حتى يكونوا محلاً له فكذا هنا (وقال: ليهنك العلم أبا المنذر) من هناني الطعام يهنيني ويهناني، وهنأت به: أي تهنأت به: أي جاءني من غير مشقة ولا تعب، والقصد الدعاء له بتيسير العلم ورسوخه فيه، وحقيقته الإخبار على طريق الكناية بأنه راسخ في العلم لإجابته بما هو الحق عند الله تعالى، وأبرز ذلك في صورة أمر العلم بأن يكون هو هناء له مبالغة في البشارة والمنة وإعلاماً بما
قدمته من أن النبي أمده من علومه الإلهية بما هنأه به وأزال عنه مشقة التعلم، فأجاب فوراً بالحق، وفي هذا منقبة جليلة لأبيّ، ودليل ظاهر على كثرة علومه وسابغ منته، وأنه خصه من إمداداته الإلهية بما لم يخص به نظراءه وتكريمه بالكنية، وجواز بل ندب مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب لرسوخه في التقوى وعدم نظره إلى شيء من حظوظ نفسه وكان فيه مصلحة كإظهار علمه للآخذين منه والمنتفعين به. وفيه دليل على تفضيل بعض القرآن على بعض وهو الذي عليه الجمهور، وهو الحق الذي لا مرية فيه. ومن أول أعظم بمعنى عظيم فقد أبعد لأن العقل لا يوجب تأويله، بخلاف قوله «وهو أهون عليه» فإنه يوجب تأويله بهين لتساوي جميع المكوّنات بالنسبة للقدرة الإلهية ويخلاف قوله تعالى:
{هو أعلم بكم} (النجم: 32) الآية، فإن العقل أيضاً يوجب تأويله بعالم لتساوي المعلومات بالنسبة للعلم الإلهي، وأما في حديث الباب فالعقل لا يمنع من بقائه على ظاهره، إنما كانت الآية المذكورة أعظم الآيات وسيدتها لما تضمنته من عظم مقتضاها، إذ الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته، وهي اشتملت على إثبات الذات والصفات والأفعال، ومعرفة هذه الثلاثة هي المقصد الأقصى في العلوم معنى القيوم الذي يقوم
بنفسه ويقوم به غيره وذلك غاية الجلال والعظمة {لا تأخذه سنة ولا نوم} (البقرة: 255) تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من صفات الحوادث والتقديس عما يستحيل عليه أحد أقسام المعرفة {له ما في السموات وما في الأرض} إشارة إلى الأفعال كلها وأن جمعيها منه وإليه من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر، وأنه لا يملك الشفاعة عنده في أمر من الأمور إلا من شرفه بها وأذن له فيها، وهذا نفي للشركة عنه في الملك والأمر يعلم ما بين أيديهم، إلى قوله: بما شاء إشارة إلى صفة المعلم وتفضيل بعض المعلومات والانفراد بالعلم، ولا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه على قدر مشيئته وإرادته {وسع كرسيه السموات والأرض} إشارة إلى عظم ملكه وكمال قدرته ولا يؤوده حفظهما إشارة إلى صفة العزة وكمالها وتنزيهها عن الضعف والنقص وهو العليّ العظيم إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات، وحينئذ لا تجد في آية غيرها جميع هذه المعاني حتى آية {شهد الله} إذ ليس فيها إلا التوحيد {وقل اللهم مالك الملك} (آل عمران: 26) إذ ليس فيها إلا توحيد الأفعال «والإخلاص» ليس فيها إلا التوحيد والتقديس «والفاتحة» فيها الثلاثة لكنها مرموزة لا مشروحة، نعم يقرب منها في جميعها آخر الحشر وأول الحديد ولكنها آيات لا آية الكرسي اشتمالها على ستة عشر موضعاً فيها اسم الله تعالى لفظاً أو ضميراً، بل إن عدّ المحتمل في الحيّ القيوم والعليّ العظيم والفاعل المقدر
في حفظهما المضاف لمفعوله بلغت إحدى وعشرين، وكما وصفت هذه الآية بأنها أعظم أي القرآن كما في حديث الباب وصفت بكونها سيدة أي القرآن في حديث الترمذي والحاكم، ووصفت بهما دون الفاتحة، فإنها إنما وصفت بالأعظمية والأفضلية لما قال الغزالي: إن الجامع بين فنون الفضل وأنواعه الكثيرة يسمى أفضل، فإن الفضل هو الزيادة والأفضل هو الأزيد: وأما السؤدد فهو رسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأتي التبعية، والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل، وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى المقصودة المتبوعة التي يتبعها سائر المعارف فكان اسم السيد بها أليق اهـ. ملخصاً من «فتح الإله» (رواه مسلم) .
121020 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله بحفظ) أي في حفظ (زكاة رمضان) أي زكاة الفطر، وأضيفت لرمضان لكون إدراك جزء منه شرطاً لإيجابها ولجبرها خلل ما يقع خلال الصوم مما ينقصه ويمنع كماله فهي بمعنى اللام (فأتاني آت فجعل) أي شرع (يحثو) بسكون المهملة بعدها مثلثة، وللنسائي: فوجد التمر كأنه قد أخذ منه، ولابن الضريس: فإذا قد أخذ منه ملء كف (من الطعام) في إنائه أو ثوره (فأخذته) أي أمسكته، قال السيوطي في «التوشيح» للنسائي: إن أبا هريرة شكا ذلك للنبي أولاً فقال: إن أردت تأخذه فقل: سبحان من سخرك لحمله، قال: فقلتها فإذا أنا به قام بين يديّ فأخذته (فقلت: لأرفعنك) أي والله لأذهبن بك (إلى رسول الله) أي لأعلمه بك وفاء بما فوّض إليّ من الحفظ المقتضى لمنع كل خائن ورفع من سرق أو اختلس شيئاً إليه ليحده أو يعزره بحسب ما يراه (قال: إني محتاج) أي وهذا لذوي الحاجة (وعليّ عيال) أي نفقتهم (وبي حاجة شديدة) أي إلى ما أخذت وهو تأكيد لما قبله بوجه أقوى أو تأسيس حملاً لقوله إني محتاج على أني فقير في نفسي ولهذا عليّ الحاجة للعيال ووصفها بشديدة لأن الحاجة لهم أشد لأنه يصبر أكثر منهم، واقتصار أبي هريرة لما ذكر النبي على قوله شكا حاجة شديدة يؤيد التأكيد (فخليت عنه) اجتهاد منه حمله عليه أن الطعام بجمع لذوي الحاجة، فمن أخذ منه وهو محتاج ملكه والحراسة المفوضة إليه إنما هي من غير المحتاج (فأصبحت فقال رسول الله: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟) واستفهام تقرير لأن الله تعالى أطلع نبيه على ما وقع لأبي هريرة وأن سيقع له، فأراد إعلام أبي هريرة حاله وبأنه سيعود (قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله) كناية عن إطلاقه وفكه من الأسر (قال: أما) بتخفيف الميم للاستفتاح وتدل على تحقيق ما بعدها (إنه قد كذبك وسيعود) أي إليك فتحذر منه (فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله) وفي نسخة
«لقوله» (إنه سعود فرصدته) أي راقبته (فجاء يحثو) حال مقدرة لأن الحثو عقب المجيء لا معه، ويحتمل أن التقدير: فجاء وجعل يحثو (من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، قال: دعني) أي
اتركني، وأتى به زيادة على ما قبله لأنه طمع في الخلاص بمقتضى ما فعله معه أولاً (فإني محتاج وعليّ عيال) حذف قوله «ولي حاجة شديدة» اكتفاء بوجوده فيما قبله (لا أعود) أي والله لا أرجع (فرحمته فخليت سبيله) وإنما خلاه مع قول النبي له فيه «إنه قد كذبك» لأنه ظن بتقرير النبي على إطلاقه أول مرة أن كذبه لا يوجب حرمانه، أو أنه قد كذب في مجموع الأخبار لا في كل جزء منه، أو أنه قد تاب من كذبه (فأصبحت فقال لي رسول الله: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك) لم يقل له البارحة لأنه لم يمض بعد قوله له غيرها بخلافه في الأول، فإنه لو أطلق لم يقيده بالبارحة لتوهم أن السؤال عما وقع له في عمره أو بعضه (قلت: يا رسول الله شكا حاجة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، فقال: إنه قد كذبك وسيعود) وإنما أقره على إطلاقه بعد أن بين له أنه كاذب لأنه علم أن له عذراً بظنه الذي ذكر آنفاً أو بغيره (فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله) ثم ذكر له ما يقطع طمعه أنه يطلقه فقال (وهذا) أي المجيء الذي جئته (آخر ثلاث مرات إنك) تعليل لما تضمنه كلامه من عدم إطلاقه (تزعم لا تعود ثم تعود، فقال: دعني) أي اتركني (فإني أعلمك كلمات ينفعك الله بها) إنما عبر عنها بالكلمات الموضوعة لجمع القلة إيماء إلى سهولة قراءتها وتيسر تلاوتها تنشيطاً للعامل، والباء فيه للسببية وهي بجعل الله لها سبباً للنفع المذكور (قلت ما هن) أي الكلمات النافعة (قال إذا أويت) بالقصر على الأفصح لكونه قاصراً: أي أتيت (إلى فراشك) المعدّ للنوم (فاقرأ آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى تختم الآية، فإنه) أي الشأن (لن يزال عليك من الله حافظ) ومن
ابتدائية: أي حافظ مبتدأ من حضرته تعالى، وقيل من للسببية مجرورها محذوف:
أي من أمره تعالى كقوله تعالى:
{يحفظونه من أمر الله} (الرعد: 11) أي بسبب أمره لهم بحفظه وتنوين حافظ للتعظيم (ولا يقربك) بفتح الراء وبالنصب عطف على يزال، ويجوز الرفع على الاستئناف (شيطان) أتى بهذه الجملة بعد ما قبلها مع تضمنها لهذه لعظم ضرر الشيطان، فنص على إبعاده فضلاً عن حصول وساوسه وإيذائه (حتى تصبح) أي تدخل في الصباح، وظاهر الخبر انتهاء ذلك بدخول الفجر وإن كان التالي للآية لم يقم من منامه، ويحتمل أن يكون عبر به عن الاستيقاظ حينئذ كما هو الغالب (فخليت) أي تركت (سبيله) لعظم رغبة الصحابة في أعمال البر وتجويزه توبته عن الكذب وحاجته كما أخبر ولأنه قد علم ما يمنعه به عن الوصول لذلك بعد (فأصبحت فقال لي رسول الله) المعطوف عليه من هذه الجملة فيه وفيما تقدم مقدر: أي فأتيته فقال (ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله زعم) أتى به مع صحة معناه واستقامة مبناه، لأنه جوّز ذلك لقوله فيه قد كذبك (أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها) أي بسببها لما رتبه تعالى على ذلك (فخليت سبيله، قال: ما هي) أي الكلمات (قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي) مبتدئاً (من أولها) واستمر (حتى تختم الآية) ثم عطف على آية الكرسي عطف بيان قوله (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) أي إلى قوله: {وهو العليّ العظيم} (وقال لي لا يزل) رواية بالمعنى، وهو مؤيد لقول أهل الحق إن لن مثل «لا» في إفادة النفي من غير تأكيد ولا تأييد، إذ لو أفادت أحدهما لما وضع أبو هريرة موضعها لا هنا، ولما وضع لن موضع لا في الجملة الثانية (عليك من الله حافظ) أحد الطرفين خبر يزال، والثاني في محل الحال من حافظ لتقدمه عليه وكان قبل صفة له لنكارته (ولن يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي: أما) بفتح الهمزة والميم الخفيفة حرف استفتاح لتنبيه
المخاطب لما بعدها (إنه قد صدقك) بتخفيف الدال: أي قال لك قولاً
مطابقاً للواقع (وهو كذوب) جملة حالية من فاعل صدق، أتى بها تتميماً واستدراكاً لما أوهمه صدقك من أنه مدح له برفعه بصيغة المبالغة المبينة لغاية ذمه وقبحه (تعلم) بإضمار الهمزة الاستفهامية قبله: أي أتعلم (من تخاطب) أي تخاطبه (منذ) أي من مدة (ثلاث) أي من الليالي (يا أبا هريرة؟ قلت لا) أي لا أعلمه (قال: ذلك شيطان. رواه البخاري) في مواضع من «صحيحه» .
131021 -
(وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله قال: من حفظ) أي عن ظهر قلب (عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) بفتح المهملة وتشديد الجيم وهو الكذاب، قال ثعلب: الدجال هو المموّه، يقال سيف مدجل: إذا طلي بذهب، وقال ابن دريد: كل شيء غطيته فقد دجلته. واشتقاق الدجال من هذه لأنه يغطي الأرض بالجمع الكثير وجمعه دجلون كذا في «المصباح» ، والمراد أن حفظها يكون عاصماً من فتنة المسيح الدجال الذي يخرج بآخر الزمان مدعياً الألوهية لخوارق تظهر على يديه كقوله للسماء أمطري فتمطر لوقتها، وللأرض أنبتي فتنبت لوقتها زيادة في الفتنة، ولذا لم توجد فتنة في الأرض أعظم من فتنته، وما أرسل نبيّ إلا حذر قومه منه، وكان السلف يعلمون خبره الأولاد في الكتاتيب، وجوّز في «فتح الإله» كون المراد به جنس الدجال: أي من يكثر منه الكذب والتلبس وقد ورد «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالاً» الحديث وفي حديث آخر «يكون في رخر الزمان دجالون» قلت: وفي هذا بعد.
(وفي رواية) أي لمسلم كما صرح به (من آخر سورة الكهف) وسرّ عصمة من حفظ تلك الآيات منه اشتمالها على عجائب وآيات يمنع تدبرها من فتنته، وأيضاً ففي أولها ذكر أولئك الفتية الذين نجاهم الله من جبار زمنهم فتعود بركتهم على قارئها حتى ينجيه الله كماأنجاهم وفي آخرها {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من
دوني أولياء} (الكهف: 102)(رواهما مسلم) أي الروايتين المذكورتين، وقد روى حديث فضل العشر أولها أحمد وأبو داود والنسائي، ورواه أبو عبيدة وابن مردويه من حديث أبي الدرداء أيضاً بلفظ «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة» .
141022 -
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما) ما فيه كافة لبين عن الإضافة لما بعده (جبريل قاعد عند النبي سمع نقيضاً) بفتح النون وكسر القاف وسكون التحتية وبالضاد المعجمة وسيأتي معناه (من فوقه فرفع رأسه فقال) ظاهر السياق أن الضمائر الثلاثة لجبريل، وأيد بأنه أكثر اطلاعاً على أحوال المساء وأحق بالإخبار عنها. وقيل هي للنبي، وقال بعضهم: الأولان له والأخير لجبريل أي لأن الظاهر أن جبريل إنما حضر لإعلام النبي بالأمر الغريب الآتي، فالأنسب جعل ذلك النقيض تنبيهاً له ليستعلم جبريل عنه فيقع إخباره له به على غاية من التوجه والتمكن، والظاهر أن مستند ابن عباس في حكاية ذلك التوقيف منه وحذف ذلك لوضوحه، ويحتمل أن الله كشف له حتى رأى جبريل والملك النازل من السماء ورفع رأسه وسمع النقيض والقول (هذا باب من السماء) أي الدنيا لأن الأصح الأشهر الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ جملة إلى بيت العزة وهو في سماء الدينا ليلة القدر، ثم نزل منها بعد منجماً بحسب المصالح والوقائع في عشرين أو ثلاث أو خمس وعشرين سنة على الخلاف في مدة إقامته بمكة بعد البعثة (فتح) بالبناء للمفعول (اليوم) أي الآن (لم يفتح) بالبناء للمفعول أيضاً (قط إلا اليوم) أشار به لتخصيصه بالفتح (فنزل منه) أي الباب (ملك قال) أي جبريل (هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل) بوزن يضرب (قط إلا اليوم) اختصاص هذين النورين بهذين الأمرين
اللذين لم يقعا في غيرهما للدلالة على تمييزهما أو أفضليتهما واختصاصهما بما لم يوجد في غيرهما (فسلم) أي ذلك الملك (وقال أبشر) بفتح الهمزة وكسر الشين أو بوصل الهمزة وفتح الشين في «المصباح» بشر بكذا يبشر مثل فرح يفرح وزناً ومعنى، وهو الاستبشار أيضاً ويتعدى بالحركة فيقال بشرته أبشره من باب نصر في لغة تهامة وما والاها، والتعدية بالنقل إلى باب التفعيل لغة عامة العرب، وقرأ السبعة باللغتين اهـ. فقرأ
من باب نصر ابن كثير وأبو عمر وحمزة والكسائي قوله تعالى:
{ذلك الذي يبشر الله عباده} (الشورى: 23) وقرأ الباقون من باب التفعيل، وفي «مفردات الراغب» بشرت الرجل وبشرته وأبشرته: أخبرته بسار بسط بشرة وجهه، وذلك أن النفس إذا بشرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، وبين هذه الألفاظ فرقة فبشرته عام وأبشرته أو بشرته على التكثير، وقرىء بالثلاث قوله يبشرك اهـ (وظاهره أن يبشرك قرىء بالثلاث حيث وقع في القرآن وليس كذلك، فإنه لم يقرأ أحد من طريق السبعة ولا من طريق العشرة) بل ولا من طريق الأربعة عشر إلا باللغتين وهما كونه من باب نصر ومن باب التفعيل (بنورين) أي لأن كلاً منهما يكون لصاحبه نوراً يوم القيامة يسعى أمامه لإجلاله وتعظيمه، أو في الدنيا بأن يتأمل في معانيه كناية عن هدايته بسبب ذلك إلى الصراط المستقيم (أوتيتهما) أي أعطيتهما (لم يؤتهما نبيّ قبلك) إن قيل القرآن كله هكذا فما وجه اختصاص هذين بذلك؟ قيل الإشارة إلى علو شأنهما وذلك لما اشتملا عليه من المعني الجامعة المتعلقة بالألوهية وتوابعها مع وجازة لفظهما وبراعة نظمهما مما لم يشتمل على مثله غيرهما من بقية كتاب الله تعالى (فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة) خبر مبتدأ محذوف: أي هما هذان وابتداء خواتيم سورة البقرة من قوله تعالى: {آمن الرسول} (البقرة: 285) كما في «فتح الإله» قلت ولو قيل إنه من قوله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض} (البقرة: 284) لم يبعد (لن تقرأ) الخطاب له والمراد هو وأمته إذ الأصل مشاركتهم له في كل ما أنزل عليه حتى يجيء ما يدل على التخصيص (بحرف) الباء فيه صلة للتأكيد وتجويز كونها للإلتصاق بعيد، نعم يجوز كونها للاستعانة: أي لن تقرأ مستعيناً بحرف: أي جملة (منهما) على قضاء غرض لك (إلا أعطيته) كيف لا؟ والفاتحة هي الكافية وتلك الخواتيم لمن قرأها في ليلة كافية،