المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌194 - باب فضل الصف الأول - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - جـ ٦

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌135 - باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌136 - باب السلام على الصبيان

- ‌139 - باب استحباب السلام إذا قام من المجلس وفارق جلساءه

- ‌140 - باب الاستئذان

- ‌141 - باب بيان أن السنة إذا قيل للمستأذن

- ‌142 - باب استحباب تشميث العاطس

- ‌143 - باب استحباب المصافحة

- ‌6 - كتاب عيادة المريض

- ‌154 - باب ما يدعى به للمريض

- ‌146 - باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌148 - باب استحباب وصية أهل المريض

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع

- ‌150 - باب استحباب تلقين المحتضر

- ‌151 - باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌153 - باب جواز البكاء على الميت بغير ندب

- ‌155 - باب الصلاة على الميت

- ‌156 - باب استحباب تكثير المصلين

- ‌158 - باب الإسراع بالجنازة

- ‌159 - باب تعجيل قضاء الدين عن الميت

- ‌160 - باب الموعظة

- ‌161 - باب الدعاء للميت بعد دفنه

- ‌باب ثناء الناس بتقديم المثلثة (على الميت)

- ‌164 - باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌165 - باب ندب البكاء

- ‌7 - كتاب آداب السفر

- ‌166 - باب استحباب الخروج يوم الخميس

- ‌176 - باب استحباب طلب الرفقة

- ‌168 - باب آداب السير

- ‌169 - باب إعانة بالمهملة والنون (الرفيق)

- ‌170 - باب ما يقوله أي الراكب (إذا ركب دابته)

- ‌172 - باب استحباب الدعاء في السفر

- ‌173 - باب ما يدعو به إذا خاف ناساً أو غيرهم

- ‌باب ما يقول إذا نزل منزلاً

- ‌175 - باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله

- ‌176 - باب استحباب القدوم على أهله

- ‌177 - باب ما يقول إذا رجع أي من مسيره

- ‌179 - باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌8 - كتاب الفضائل

- ‌180 - باب فضل قراءة تلاوة القرآن

- ‌182 - باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

- ‌183 - باب في الحث على سورجمع سورة

- ‌184 - باب استحباب الاجتماع على القراءة

- ‌185 - باب فضل الوضوء

- ‌186 - باب فضل الأذان

- ‌187 - باب فضل الصلوات

- ‌188 - باب (فضل صلاة)

- ‌189 - باب فضل المشي إلى المساجد

- ‌190 - باب فضل انتظار الصلاةأي الجلوس لانتظارها

- ‌191 - باب فضل صلاة الجماعة

- ‌192 - باب الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء

- ‌194 - باب فضل الصف الأول

- ‌195 - باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض

- ‌197 - باب تخفيف ركعتي الفجر

- ‌199 - باب سنة الظهر قبلية وبعدية

- ‌200 - باب سنة العصر

- ‌201 - باب سنة المغرب بعدها وقبلها

- ‌102 - باب سنة العشاء بعدها وقبلها

- ‌204 - باب استحباب جعل النوافل

- ‌205 - باب الحث على صلاة الوتر

- ‌206 - باب فضل صلاة الضحى

- ‌207 - بابٌ بالتنوين أو بتركه مضافاً إلى جملة (تجوز صلاة الضحى من ارتفاع الشمس) كرمح

- ‌208 - باب الحث على صلاة تحية المسجد ركعتين

- ‌209 - باب استحباب صلاة ركعتين بعد الوضوء

- ‌210 - باب فضل يوم الجمعة

- ‌211 - باب استحباب سجود الشكر

- ‌212 - باب فضل قيام الليلأي التهجد فيه

- ‌213 - باب استحباب قيام رمضان

- ‌214 - باب فضل قيام ليلة القدر

- ‌215 - باب فضل السواك

الفصل: ‌194 - باب فضل الصف الأول

تعالى: (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) وفي «شرح المشكاة» : إنه حديث صحيح، ففيه حث على إتقان الفرائض والاهتمام بمصححاتها وترك مفسداتها، وحض على إكثار النوافل لتكون جابرة لخلل الفرائض الذي لا يخلو منها إلا الفذّ النادر.H

‌194 - باب فضل الصف الأول

هو الصف الذي يلي الإمام على الصحيح وإن تخلله نحو منبر أو مقصورة وإن تأخر أصحابه، وهو في المسجد الحرام من بحاشية محل الطواف دون من تقدم عليه إلى الكعبة، بل قرب المأموم إليها على الإمام في غير جبهته مكروه مفوت لفضل الجماعة كما في «التحفة» لابن حجر. وقيل الأول ما لم يتخلله شيء وإن تأخر أصحابه، وقيل هو من جاء أولاً وإن صلى في صف متأخر. قال المصنف في «شرح مسلم» : وهذان القولان غلط صريح: أي وإن جرى الغزالي على أولهما (والأمر بإتمام الصفوف الأول) أي لا يصف الثاني حتى يتم الأول والثالث حتى يتم الثاني وهكذا (وتسويتها) أي عدم تقدم بعض من بالصف على بعض (والتراص فيها) بحيث لا يكون فيها فرجة تسع مصلياً.

11082 -

(عن جابر بن سمرة) بضم الميم كما تقدم رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله فقال: ألا) بتخفيف اللام حرف استفتاح جيء بها لتنبيه السامع لما بعدها (تصفون) أي تسوون صفوفكم للصلاة (كما تصف الملائكة عند) قيامها لطاعة (ربها، فقلنا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول) بضم

ص: 566

ففتح: أي لا يشرعون في صف حتى يكمل ما قبله، ومنه أخذ أصحابنا استحباب ذلك على التأكد فتكره مخالفته ويفوت بها ثواب الجماعة (ويتراصون) من التراص وهو الاجتماع والانتظام قال تعالى:{كأنهم بنيان مرصوص} (الصف: 4)(في الصف) أي بحيث لا يبقى بينهم فرجة وهذا أيضاً سنة متأكدة يترتب على تركها ما ذكر فيما قبله (رواه مسلم) ورواه أبو داود والنسائي.

21083 -

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله: قال لو يعلم الناس) أي لو علموا (ما في النداء) أي الأذان (والصف الأول) أي من الثواب والشرف الذي يضيق نطاق العبارة عن بيانه كما يومىء إليه حذفه (ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا) أي يقترعوا (عليه) أي على ما ذكر لضيق الصف الأول عن جميعهم والوقت عن أذان كلهم (لاستهموا) لعظم فضلهما (متفق عليه) وتقدم مشروحاً في باب فضل الأذان.

31084 -

(وعنه قال: قال رسول الله: خير صفوف الرجال أولها) لقربهم من الإمام واستماعهم قراءته ومشاهدتهم لأحواله وصلوات الله وملائكته عليهم كما جاء في الأحاديث، ويليه في ذلك ثانيها ثم ثالثها وهكذا، والصف الأول أفضل حتى بمكة والمدينة على الأصح عندنا، وذلك لجريان خلاف مشهور عندنا في بطلان صلاة الذين هم أقرب إلى الكعبة في غير جهة الإمام، ففي فضيلة الإتباع ما يزيد على المضاعفة الحاصلة للصف الثاني مثلاً الواقف في الروضة الشريفة، ومن ثم صرحوا بأفضلية النافلة في البيت عليها في مسجد مكة

ص: 567

والمدينة نظراً للاتباع وإن فاتت المضاعفة بناء على اختصاصها بالمسجد (وشرها آخرها) لحرمانهم ثواب تلك الفضائل الحاصلة لمن قبلهم، بل لوقوعهم في فتنة قربهم من النساء المؤدي إلى الاطلاع على بعض ما ينكشف منهن (وخير صفوف النساء آخرها) لبعده عن الرجال بعداً تنتفي معه الفتنة قطعا أو غالباً، ولامتثال أهله لما أمروا به من مزيد الستر والاحتجاب، ويليه في ذلك من قبله وهكذا (وشرها أولها) لقربه من الرجال المؤدي إلى الفتنة بهم والخير والشر في الصفين أمر نسبي باعتبار كثرة الثواب وقلته، وأيضاً فالتأخر عن الكمال مع القدرة عليه فيه غاية الهضم للقدر والتسفيه للرأي والتفنع بسفساف الأمور وعدم التطلع إلى معاليها، فلا يعد في تسميته شراً لذلك ولأنه يجر إليه كما يعلم مما يأتي في شرح قوله «ولا يزال قوم يتأخرون» الخ (رواه مسلم) ورواه أبو داود

والترمذي والنسائي.

41085 -

(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله رأى في أصحابه تأخراً) أي في صفوف الصلاة أو في أخذ العلم (فقال لهم: تقدموا فائتموا) أي اقتدوا (بي وليأتم بكم من بعدكم) معناه على الأول: ليقف خلفي من غير تأخر كثير بأن لا يزيد ما بينهم وبينه على ثلاثة أذرع، وكذا ما بين كل صف، وما يليه أهل الفضل والصلاح ثم خلفهم من هو دونهم في ذلك وهكذا، ومعنى ائتمام كل صف بمن قبله أنه يتبعه في حركاته لأن من قبله أسرع علماً بانتقالات الإمام منه، وعلى الثاني ليتعلم كل منكم العلوم الظاهرة والباطنة مني وليتعلم التايعون منكم وهكذا قرناً بعد قرن إلى آخر الدهر (لا يزال قوم يتأخرون) أي عن اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل (حتى يؤخرهم الله) عن رحمته وعظيم ثوابه وفضله ورفيع منزلة أهل قربه حتى يكون عاقبة أمرهم النار كما جاء في رواية:(رواه مسلم) وفيه آكد حث على التسبق إلى معالي الأمور والأخلاق، وأبلغ زجر عن الميل إلى الدعة والرفاهية، وأبلغ تنبيه إلى أن ذلك يؤدي إلى تجرع غصص البعد والغضب، أعادنا الله من ذلك بمنه.

ص: 568

51086 -

(وعن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة) أي يسويها بيده الكريمة حتى لا يخرج بعض الصف عن بعضه (ويقول) أي حال تسوية المناكب كما هو الظاهر من السياق، ويحتمل كونها معطوفة على الجمثة الخيرية قبلها (استووا) في التصاف (ولا تختلفوا) بأن يتدم منكب بعضكم على منكب بعض (فتختلف) بالنصب لأنه في جواب النهي (قلوبكم) أي، أهويتها وإرادتها (ليلني) أي ليدن مني بحذف الياء وتخفيف النون كذا في جميع النسخ هنا، وفي إحدى رواياته بفتح الياء وتشديد النون على أنها للتوكيد كما تقدم في باب توفير العلماء والكبار، وبتخفيف النون مع الياء قيل وهي غلط لأن حقه لكونه أمراً باللام حذف الياء. وأجيب بأن عدم حذف الجازم لحرف العلة لغة صحيحة. قلت: هذا إن كانت الياء ساكنة، فإن كانت مفتوحة والنون للتأكيد خفيفة فلا يحتاج لجواب كما كان مع الثقيلة (منكم أولو الأحلام) جمع حلم بالكسر كأنه من الحلم وهو الأناة والتثبت في الأمر وذلك من شعار العقلاء (والنهي) بضم ففتح جمع نهية بالضم وهو العقل لأنه ينهي صاحبه عن القبائح، هذا ما جرى عليه المصنف في غير «شرح مسلم» وقال فيه: النهي العقول، وأولوا الأحلام هم العقلاء، وقيل البالغون، فعلى الأول اللفظان بمعنى، ولاختلافهما لفظاً عطف أحدهما على الآخر تأكيداً وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء اهـ. وفي «المجموع» : أولوا الأحلام معناه البالغون العقلاء الكاملون في الفضيلة، وقد نقل المصنف بعض هذا الخلاف في الباب المذكور آنفاً (ثم الذين يلونهم) كالصبيان المميزين، المراهق وغيره سواء (ثم الذين يلونهم) وهو الخناثى ويصح أن يراد بهم النساء وذكرهم على وزن ما قبله (رواه مسلم) .

61087 -

(وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: سووا صفوفكم) بترك تقدم بعض على آخر فيها، قال الشيخ تقي الدين القشيري: تسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد، وقد تدل تسويتها أيضاً على سدّ الفرج فيها بناء على التسوية المعنوية،

ص: 569

واتفقوا على أن المراد تسويتها بالمعنى الأول، وأن الثاني أمر مطلوب أيضاً (فإن تسوية الصف) المراد به الجنس بدليل رواية الصوف بصيغة الجمع الآتية (من إقامة الصلاة) وفي رواية «من تمام الصلاة» وفي رواية «من حسن الصلاة» (متفق عليه) .

(وفي رواية للبخاري) أي عن أنس أيضاً (فإن تسوية الصفوف) أي بصيغة الجمع (من إقامة الصلاة) وفي «الجامع الصغير» بعد إيراده كذلك رواه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه. قال ابن رسلان: في هذا رد على من قال المفرد المحلى بأل لا يعم، ووجهه أنه أضاف. الصفوف بصيغة الجمع فعمت ثم أفردها فلو لم يكن للعموم لتناقض بالعموم في الأول والخصوص في الثاني.

71088 -

(وعنه قال: أقيمت الصلاة) وفي رواية ذكرها في «المشكاة» الصفوف (فأقبل علينا رضي الله عنه بوجهه) تأكيداً إذ الإقبال لا يكون إلا به (فقال: أقيموا صفوفكم) أي داوموا على إقامتها واعتنوا بها لعظم جدواها وشرف غايتها، هذا إن كان صدر منه بعد تمام الإقامة وإن كان قبلها فمعناه اجعلوها كذلك (وتراصوا) أي تلاصقوا بالمناكب حتى لا يكون بينكم فرجة (فإني أراكم من وراء ظهري) أي حقيقة فأعلم ما يقع منكم ثم الرؤية قيل بعينه معجزة له، وقيل بغير ذلك مما يأتي (رواه البخاري بلفظه) المذكور (ورواه مسلم بمعناه) ولفظه «أتموا الصفوف فإني أراكم من وراء ظهري» ولا ينافي هذا الحديث حديث «لا أعلم ما وراء جداري» لأن هذا خاص بحالة الصلاة، لأنه لما حصل له فيها قرة العين بما أفيض عليه فيها من غايات القرب المختص بها التي لا يوازيه فيها غيره صار بدنه الشريف كالمرآة الصافية التي لا تحجب ما وراءها، وقل كان له بين جنبيه عينان كسم الخياط لا تحجبهما الثياب (وفي رواية للبخاري) من حديث أنس أيضاً (وكان أحدنا يلزق منكبه) بفتح الميم وكسر الكاف: هو مجتمع رأس العضد والكتف (بمنكب صاحبه

ص: 570

وقدمه بقدمه) مبالغة في التراص الذي أمروا به. وعند البخاري أيضاً: قال النعمان بن بشير «رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه» .

81089 -

(وعن النعمان بن بشير) الأنصاري رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: لتسوّن) بصيغة المبني للفاعل وحذف الواو الفاعل لملاقاتها ساكنة مع النون المدغمة ودلالة الضمة عليها (صفوفكم) أي بعدم تقدم بعض من فيها على بعض وعدم الانتقال إلى الثاني حتى يكمل الأول (أو) للتنويع (ليخالفنّ الله بين وجوهكم) أي ليكونن أحد الأمرين تسوية الصفوف أو مخالفة الوجوه بتحويلها إلى أدباركم، أو بمسخها على صورة بعض الحيوان أو وجوه قلوبكم الخبر أبي مسعود السابق «فتختلف قلوبكم» أي أهويتها وإرادتها، وحينئذ تثور الفتن وتختلف الكلمة وتنحل شوكة الإسلام والمسلمين فيتسلط العدو ويفشو المنكر وتقل العبادات في ذلك من المفاسد ما لا يحصى (متفق عليه) .

(وفي رواية لمسلم) أي عن النعمان أيضاً (أن رسول الله كان يسوي صفوفنا حتى) غاية التسوية (كأنما يسوي بها القداح) جمع قدح بكسر فسكون وهو السهم قبل أن يراش ويركب نصله، وعكس فيه التشبيه إذ الظاهر كأنما يسويها بالقداح مبالغة في استوائها، لأن القدح لا يصلح لما يراد منه إلا بعد نهاية الاستواء، وجمع في مقابلة الصفوف: أي يسوى كل صف بقدح (حتى رأى أنا قد عقلنا عنه) أي لم يبرح يسويها حتى استوينا فيها الاستواء الذي أراده منا وفهمناه من قوله وفعله (ثم خرج يوماً فقام حتى كاد) أي قارب (يكبر) أي للإحرام (فأي رجلاً بادياً) أي ظاهراً (صدره من الصف) لخروجه عن مساواة من فيه،

ص: 571

وبادياً صفة رجل ورجل مفعول رأي البصرية (فقال: عباد الله) لم ينهه بخصوصه جريا على عادته الكريمة مبالغة في الستر (لتسوّن صفوفكم) اللام هي مؤذنة بالقسم المقدر ولذا أكد الفعل بالنون (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي والله ليكونن أحد الأمرين، فيه من التوبيخ والتهديد الغاية، وفيه آكد حث على تسوية الصفوف وأبلغ زجر عن ترك تسويتها لما يترتب عليه من المخالفة المتقدم معناها والخلاف فيه.

91090 -

(وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله يتخلل الصف) أي يذهب خلله نحو يتأثم ويتحنث: أي يتحرج من الوقوع في الإثم والحنث (من ناحية إلى ناحية) أي يستوعبه من سائر أطرافه (يمسح صدورنا ومناكبنا) بيده الكريمة حتى لا يخرج بعضها عن بعض (ويقول لا تختلفوا) بالتقدم والتأخر في الصف (فتختلف قلوبكم) أي أهويتها المؤدي إلى ما لا يحصى من المفاسد (وكان يقول) حثاً على تكميل الصفوف والمبادرة إلى الأقرب منها للإمام (إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول) بضم ففتح: أي بأن يكونوا في غير الأخير، وتسمية ما بين الصف الأول وهو الذي يلي الإمام والأخير صفوفاً أول مجاز لأنها كذلك بالنظر للأخير. ففيه تأكيد إتمام الصف الأول ثم الثاني وهكذا، فالصفوف الأول خير الصفوف للرجال وعكسه للنساء كما تقدم في حديث أبي هريرة (رواه أبو داود) في الصلاة من «سننه» ورواه النسائي أيضاً فيها (بإسناد حسن) فرواه أبو داود عن هناد وأبي عاصم أحمد بن خواس الحنفي كلاهما عن أبي الأحوص عن منصور عن طلحة بن مطرف عن عبد الرحمن بن عويجة الهنمي، ويقال الهمداني، ويقال الهمداني الكوفي، ورواه النسائي عن قتيبة عن أبي الأحوص بالسند المذكور، كذا في «أطراف» المزي.

ص: 572

101091 -

(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: أقيموا الصفوف) بتسويتها كما جاء في رواية بلفظ: سووا الصفوف (وحاذوا بين المناكب) وذلك إنما يكون عند مساواة كل للغير في المسامنة في الصف (وسدوا الخلل) أي الفرج التي في الصفوف وذلك بأن تتراصوا حتى لا يبقى فيها فرجة ولا سعة، والفرق بينهما أن الفرجة خلاء ظاهر، والسعة أن يكونوا بحيث لو دل بينهم آخر لوسعه من غير مشقة تحصل لأحد (ولينوا بأيدي إخوانكم) أي إذا أخذوا بها ليقدموكم أو يؤخروكم حتى يستوي الصف لتنالوا فضل المعاونة على البر والتقوى، ويصح أن يراد: لينوا بيد من يجركم من الصف: أي وافقوه ليزيلوا عنه وصمة الانفراد المبطلة للصلاة عند بعض (ولا تذروا فرجات) بضمتين أو بضم فسكون جمع فرجة (للشيطان) أضيفت إليه لأنها محل تردده للإغواء (ومن وصل صفا وصله الله) أي بإدرار أصناف رحمته وإغداق هوامع نعمته والجملة مستأنفة (ومن قطع صفاً قطعه الله) أي عن مواسم الخيرات وحقائق المبرات. وفيه أبلغ حث على وصل الصفوف بسد فروجها وتكميلها بأن لا يشرع في صف حتى يكمل ما قبله، وأبلغ زجر عن قطعها بأن يقف في صف وبين يديه صف آخر ناقص أو فيه فرجة، ومن تأمل بركة دعائه للواصل وخطر دعائه المقبول الذي لا يرد على القاطع وكان عنده أدنى ذرة من الإيمان بادر إلى الوصل وفر عن القطع ما أمكنه (رواه أبو داود) ورواه أحمد والطبراني كما في «الجامع الصغير» (بإسناد صحيح) ورواه أحمد أيضاً كما في «المشكاة» بلفظ «سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل بينكم بمنزلة الحذف» يعني بمنزلة أولاد الضأن الصغار، وعدم تعقيبه الحكم بصحة الإسناد بوصف المتن بما يخالف ذلك يشعر بصحة الحديث عنده على القاعدة في مثله.

111092 -

(وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: رصوا صفوفكم) أي حتى

ص: 573

لا يبقى فيها فرجة ولا خلل (وقاربوا بينها) بأن يكون ما بين كل صفين ثلاثة أذرع تقريباً، فإن بعد صف عما قبله أكثر من ذلك كره لهم وفاتهم فضيلة الجماعة حيث لا عذر من حر أو برد شديد وهذا في غير النساء، أما هن فيسن لهن التأخر عن الرجال كثيراً (وحاذوا بالأعناق) ينبغي تفسيره بالمحاذاة بالمناكب التي سبق الأمر بها قولاً وفعلاً، إذ يلزم في المحاذاة بالأعناق بأن لا يتقدم عنق أحدهم ولا يتأخر المحاذاة بالمناكب (فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصفوف) أي فرجها أو تباعدها عن بعضها بأكثر مما مرّ (كأنها الحذف) ببه بهذا الإقسام العظيم على تأكيد التراص والتقارب لعظم فائدتهما وهي منع دخول الشيطان بينهم المستلزم لتسلطه وإغوائه ووسوسته حتى يفسد عليهم صلاتهم وخشوعهم الذي هو روح الصلاة وعود بركة ما فيها من الأنفاس الطاهرة على البقية، ولا مذهب للشيطان وكيده أعظم من الذكر الصادر من القلب الصالح ثم تأنيث ضمير كأنها الراجع إلى الشيطان صحيح لأنه اسم جنس بمعنى الشياطين فيجوز تذكير ضميره رعاية للفظه كما ورد به أيضاً وتأنيثه رعاية لمعناه وفيه أوجه أخر هذا أحسنها (حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح) فرواه عن مسلم بن إبراهيم عن أبان، عن قتادة، عن أنس (على شرط مسلم) أي برجال روى مسلم حديثهم في الصحيح، وإلا فليس لأحد من الشيخين شرط منصوص عليه في كتابيهما المذكورين، ورواه النسائي في الصلاة أيضاً من «سننه» عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن أبي هشام المخزومي عن قتادة.

(الحذف بحاء مهملة وذال معجمة مفتوحتين ثم فاء: وهي غنم سود صغار تكون باليمن) أو بالحجاز واحده حذفة بالتحريك سميت بذلك لأنها محذوفة عن مقدار غالب جنسها، وتقدم تفسيرها في حديث أحمد مرفوعاً بنحوه.

121093 -

(وعنه أن رسول الله قال: أتموا الصف المقدم) أي الأول وذلك بسد فرجه

ص: 574

حتى لا يبقى منها ما يسع واحداً (ثم) أي بعد تمام الأول أتموا الصف (الذي يليه) وهو الثاني وهكذا (فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) أي الأخير (رواه أبو داود) في الصلاة من سننه (بإسناد حسن) فرواه عن محمد بن سليمان الأنباري عن عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس، ومن هذا الحديث الصريح في إتمام الصف الأول والثاني أخذ أصحابنا قولهم يسن إتمام الصف الأول ثم الذي يليه حتى لا يبقى نقص في غير الأخير، وفيه أن من وقف قبل إتمام ما قبله كان مقصراً تاركاً للسنة فيفوته فضل الجماعة.

131094 -

(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أي الصفوف التي في ميمنة الإمام، ومنه أخذ أئمتنا أفضلية الوقوف عن يمين الإمام ولو تعارض مع القرب من الإمام ما استوجهه أئمتنا، والمراد أنه يسن إذا وصل المأموم المسجد ووجد الناس متوسطين الإمام ووجد فرجة على يمينه وأخرى عن يساره أن يسد فرجة اليمين، فلا يلزم من تفضيل التيامن فوات سنة توسيط الإمام المطلوب أيضاً، ومحل طلب التيامن إذا كانت جهته تسع جميع الجاءين وإلا سن التسابق إليها والباقون يصلون في اليسرى، كما أن السنة إتمام الصف الأول ثم الثاني وهكذا (رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم) فرواه عن عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن سفيان عن أسامة بن زيد عن عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة (وفيه رجل مختلف في توثيقه) هو معاوية بن هشام، قال في «الكاشف» : قال ابن معين: معاوية بن هشام صالح وليس بذاك في «التهذيب» للذهبي: وقال فيه أبو داود إنه ثقة، وقال يعقوب ابن أبي شيبة: كان من أعلمهم بحديث شريك هو إسحاق الأزراق اهـ.e قال المصنف في «الخلاصة» : وفيه رجل

ص: 575

مختلف فيه، وصححه أبو القاسم الطبراني، وأشار البيهقي إلى تضعيفه والمختار تصحيحه فلم يذكر ما يقتضي ضعفاً اهـ. وعبارة البيهقي التي أشار إليها في «الخلاصة» هي قوله بعد إيراد الحديث باللفظ المذكور لك المحفوظ بهذا الإسناد عن النبيّ «إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف» ثم ذكر له طرقاً متنها كما ذكره ثم قال: قال الطبراني: كلاهما صحيحان، قال البيهقي: يعني الإسنادين، أما المتن الأول فإن معاوية بن هشام انفرد به، ولا أراه محفوظاً فقد رواه عبد الله بن وهب وغيره عن أمامة نحو رواية الجماعة «يصلون على الذين يصلون الصفوف» اهـ. وكأن وجه عدم تضعيف ذلك الحدث المذكور أنه لا يلزم من روايتهم بهذا الإسناد ذلك المتن أن لا يروي به غيره متناً آخر،

والسكوت عن الشيء لا ينقيها والله أعلم. قال في «الجامع الصغير» : والحديث رواه ابن حبان في «صحيحه» وأبو نعيم في «حليته» أيضاً، والحديث رواه ابن ماجه بهذا الإسناد.

141095 -

(وعن البراء رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف النبيّ) فيه الإيماء إلى ندب تأخر المأموم عن الإمام وإن كانت المساواة له في الموقف لا تبطل الصلاة (أحببنا أن نكون عن يمينه) أي واقفين بجهة يمناه، وعلل حبهم ذلك على طريق الاستئناف البياني بقوله (يقبل علينا بوجهه) ولا مخالفة بين هذا الحديث وحديث ابن ماجه «من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر» لاختلاف زمنهما كما قال المحدثون، وذلك أنه لما حث على التيامن عمرت جهة اليمين وازدحموا عليها فتعطلت الميسرة فقال ذلك، ذكره الدميري في «الديباجة» (فسمعته يقول) خضوعاً لربه وتعظيماً لأمته (رب قنى عذابك يوم تبعث، أو) شك من الراوي (تجمع عبادك) والمراد منه عليهما يوم القيامة وطلب الوقاية من عذابه لأنه أشد العذاب وأعظمه (رواه مسلم) ورواه ابن ماجه أيضاً مقتصراً على قوله تبعت من غير شك.

151096 -

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: وسطوا الإمام) أي

ص: 576