الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
212 - باب فضل قيام الليل
أي التهجد فيه
.
(قال الله تعالى) : ( {ومن الليل} ) أي بعضه ( {فتهجد به} ) أترك الهجود والتهجد ترك الهجود للصلاة كالتأثم والتحرج ( {نافلة لك} ) فإنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فجمع نوافله زيادة في رفع درجته أو معناه: فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة. وعن كثير من السلف أن التهجد كان واجباً عليه، ونصبها بالعلية أو بتقدير فرضها فريضة، أو حال من مضير به ( {عسى أن يبعثك ربك مقاماً} ) أي في مقام أو تقديره فيقيمك مقاماً ( {محموداً} ) وهو مقام الشفاعة لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون. وفي الآية إيماء إلى أن ارتقاء المقامات المحمودة من نتائج قيام الليل فإن للوارث مشرباً من بحار مورثه.
(وقال تعالى) : ( {تتجافى} ) ترتفع وتتنحى ( {جنوبهم عن المضاجع} ) أي الفرش ومواضع النوم ( {يدعون ربهم} ) داعين ( {خوفاً} ) من عقابه ( {وطمعاً} ) في ثوابه ( {ومما رزقناهم ينفقون} ) في مصارف الخير، والمراد التهجد وقيام الليل، وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل عليه وهو المناسب لسياق المصنف، وقال آخرون: هو صلاة العشاء والصبح في جماعة. وقال آخرون هو صلاة الأوابين بين العشاءين، وعن بعض: هو انتظار صلاة العتمة.
(وقال تعالى) في مدح المحسنين ( {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} ) ينامون، وما زائدة، ويهجعون خبر كان، وقليلاً إما ظرف: أي زماناً قليلاً، ومن الليل إما صفة أو متعلق بيهجعون وإما مفعول مطلق: أي هجوعاً قليلاً، ولو جعلت ما مصدرية فما يهجعون فاعل قليلاً، ومن الليل بيان أو حال من المصدر. وأما جعلها نافية: أي الهجوع في قليل من الليل منتف بمعنى أن عادتهم إحياء
جميع أجزاء الليل فلا نوم لهم أصلاً، وأن عادتهم التهجد في جميع الليالي فلا يمكن أن يناموا جميع ليل واحد، فجائز عند من يجوز عمل ما بعد ما النافية فيما قبلها إذا كان ظرفاً، ذكره الصفوي في «جامع البيان» .
11160 -
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي يقوم من الليل) أي بعضه ولم يستوف ليلة بالقيام تخفيفاً على أمته (حتى تتفطر) بفتح الفاء والمهملة: أي تتشقق وفي نسخة تنفطر بالنون الساكنة فالفاء (قدماه) وهذا غاية لما دل عليه ما قبله: أي دأب في الطاعة إلى تفطر قدميه من طول القيام واعتماده عليها (فقلت له لم تصنع هذا) سؤال عن حكمة الدأب والتشمير في الطاعة (يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أتت به طبق الآية المكنى بها عن رفعة شأنه وعلو مكانه، لا أن هناك ذنباً فيغفر لوجوب العصمة له كسائر الأنبياء (قال: أفلا أكون عبداً شكوراً) أي أأترك صلاتي لأجل مغفرته فلا أكون عبداً شكوراً؟ فالفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة كما جرى عليه «الكشاف» ، ظن السائل أن سبب تحمل مشاق الطاعة خوف الذنب، أو رجاء العفو فبين أن له سبباً آخر هو أعلى وأكمل وهو الشكر على التأهل لها مع المغفرة وإجزال النعمة والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فمن أدام بذل الجهد في ذلك كان شكوراً وقليل ما هم، ولم يوف أحد بعلي هذا المنصب إلا الأنبياء وأعلاهم فيه نبينا، وإنما ألزموا أنفسهم الجهد في العبادة لكمال علمهم بعظيم نعمة ربهم من غير سابقة استحقاق (متفق عليه) وتقدم مشروحاً في باب المجاهدة.
(وعن المغيرة) ابن شعبة (نحوه) ولفظه «إن كان رسول الله ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً (متفق عليه) رواه البخاري بهذا اللفظ ومسلم بنحوه، ورواه الترمذي في «الشمائل» بلفظ «صلى رسول الله حتى انتفخت قدماه فقيل له: أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من
ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟» والحديث تقدم في باب المجاهدة.
31161 -
(وعن علي رضي الله عنه: أن النبي طرقه وفاطمة) بالنصب عطف على الضمير المنصوب (ليلة) الإتيان به على تجريد الطروق عن جزء معناه الآتي وإرادة مطلق الإتيان، ونحو قوله تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} (الإسراء: 1) بناء على أن الإسراء السير ليلاً وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإتيان (فقال ألا تصليان) ألا أداة عرض، واقتصر عليه المصنف لأنّه مقصود الترجمة لما فيه من طلب القيام حينئذ من عليّ وفاطمة، ووصوله إليهما إيقاظاً لهما من نومهما، أو تنبيهاً على عظم الصلاة حينئذ وفضلها. قال ابن جرير: لولا ما علم النبي من عظم فضل الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابن عمه في وقت جعله الله لخلقه سكنا، لكنه اختار لهما تلك الفضيلة على الدعة والسكون، وسكت عما أجاب به على رضي الله عنه وما قاله النبيّ لعدم تعلقه بغرض الترجمة (متفق عليه. طرقه: أتاه ليلاً) .
41162 -
(وعن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) القرشي العدوي أبي عمر أو أبي عبد الله المدني أحد فقهاء المدينة السبعة، كان ثبتاً عابداً فاضلاً، وكان يشبه بأبيه في الهدي والسمت، من كبار التابعين مات آخر سنة ست ومائة على الصحيح كذا في التقريب للحافظ وفي قوله رضي الله عنهم تغليب لأبيه وجده الصحابيين عليه. (عن أبيه أن النبيّ) هو مرسل صحابي لأنه يرويه عن أخته حفصة عن النبيّ أنه (قال) لما عرضت عليه حفصة ما رآه ابن عمر من المنام المذكور في «الصحيحين» (نعم الرجل عبد الله) قال
القرطبي: إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو محمود لأنه عرض على النار ثم عوفي منها، وقيل له: لا روع عليك وذلك لصلاحه، وفيه جواز الثناء على من أمن عليه الإعجاب (لو كان يصلي من الليل) قال البرماوي: لو للتمني لا شرطية، قال المهلب: إنما فسرها بقيام الليل لأنه لم ير شيئاً منه يغفل عنه من الفرائض فيذكر بالنار وعلم مبيته في المسجد فعبر ذلك بأنه منبه على قيام الليل. وفي الحديث إيماء إلى أن قيام الليل ينجي من النار، وفيه تمني الخير (قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك) أي التمني الصادر من رسول الله (لا ينام الليل) أي بعضه (إلا قليلاً) أي إلا بعضا قليلاً أو إلا نوماً قليلاً. ففيه إيماء لاستغراق قلبه بالتوجه للخدمة وإن نامت عينه فلا يستغرق قلبه فيه (متفق عليه) والحديث أخرجه أحمد.
51163 -
(وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله) مخاطباً له (يا عبد الله لا تكن مثل فلان) أي لا تماثله وتشابهه فيما بينه بقوله (كان يقوم الليل) هو كناية عن التهجد فيه/ وفي البخاري «من الليل» بزيادة من (فترك قيام الليل) ففيه ذم قطع ما يعتاده الإنسان من عمل البر ولذا أمر الإنسان ألا يفعل من البر إلا ما يطيق إدامته، والحديث تقدم في باب المحافظة على الأعمال (متفق عليه) .
61164 -
(وعن) عبد الله (بن مسعود رضي الله عنه قال ذكر) بالبناء للمجهول (عند
النبي رجل) حذف الذاكر وأبهم المذكور ستراً على كل، ففيه أن من الأدب الستر في مثل ذلك (نام ليله) بالإضافة إلى الضمير (حتى أصبح) أي لم يقم فيه للتهجد (فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) بالتثنية (أو) شك من الراوي هل قاله بالتثنية (أو قال) أي النبي في (أذنه) بالإفراد. واختلف في معناه فقال قوم: هو على ظاهره وحقيقته لأن الشيطان ممن يبول، ولا يلزم من بوله رؤية البول ولونه فيها إذ اللفظ محتمل لكون في أذنيه ظرفاً للبول وكونه ظرفاً للشيطان، وأصل الطهارة محقق فلا يجب التطهر ما لم يتحقق التنجيس. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي في العهود المحمدية: ولقد رأيت عياناً إنساناً من أهل الزاوية نام حتى الفجر، فقام والبول يسيل من أذنه، قال: وكان يكذب بذلك، فينبغي الإيمان به وبما شاكله، وقيل إنه كناية أو استعارة عن كمال استهانة الشيطان به وتمكنه تمكن قاضي الحاجة من محل قضائها، وقيل معناه أفسده يقال بال في كذا: أي أفسده، وقيل استخف به واحتقره، يقال لمن استخف بإنسان وخدعه بال في أذنه، وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد إذلالاً له، وقيل معناه: ظهر عليه وسخر منه (متفق عليه) وفيه أن إهمال حق الله تعالى إنما ينشأ عن تمكن عدو الله في ذلك الإنسان حتى يحول بينه وبين القيام بحق الله سبحانه.
71165 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: يعقد الشيطان) أي إبليس أو أحد أولاده (على قافية رأس أحدكم) قيل العقد كناية عن تثقيله بالنوم وتثبيطه، وقيل مجاز عن تثبيطه عن قيام الليل قال في النهاية: المراد منه تثقيله في النوم وإطالته كأنه شد عليه شداداً وعقد عقداً، وقيل على ظاهره فعند ابن ماجه يعقد في حبل وهو من باب عقد السواحر النفاثات في العقد وذلك بأن يأخذن خيطاً فيعقدن عليه عقدة منه ويتكلمن عليه بالسحر فيتأثر المسحور بمرض أو تحريك فلب أو نحوه. وقال المصنف: هو عقد حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام، فهو قول يقوله فيؤثر في تثبيط النائم كتأثير
السحر، ويحتمل أن يكون فعلاً يفعله كفعل النفاثات في العقد، وقيل هو من عقد القلب وتصميمه فكأنه يوسوسه ويحدثه بأن عليك ليلاً طويلاً فيتأخر عن القيام (إذا هو نام) أي تلبس به أو إذا أراده (ثلاث عقد) قال البيضاوي: الثلاث إما للتأكيد وإما لحل كل منها بواحد من الذكر والوضوء والصلاة، قال: وتخصيص القفا لأنه محل الواهمة ومجال تصرفها وهي أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته (يضرب على كل عقدة) أي عندها كما في رواية (عيك ليل طويل) مبتدأ وخبر مقدم، أو فاعل لفعل محذوف: أي بقي عليك ليل، قال المصنف: هو في معظم نسخ بلادنا: أي من مسلم، وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين «عليك ليلاً طويلاً» بالنصب على الإغراء، ورواه بعضهم «عليك ليل طويل» بالرفع: أي بقي عليك ليل طويل اهـ. قال البرماوي: هو أولى وأمكن في المعنى من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره فيقول له (فارقد) فإذا كان إغراء كان أمراً بملازمة طول الرقاد فلا يبقى لهذا الأمر كبير فائدة، والجملة مقول قول محذوف: أي قائلاً هذا الكلام، قال ابن بطال: هو تفسير لمعنى العقد كأنه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ اهـ. والظاهر أنه يقول ذلك عند نومه ليحمله على الاستغراق في النوم وعدم القلق فيه
فيفوته القيام (فإن استيقظ فذكر الله تعالى) بأي ذكر من الأذكار (انحلت عقدة) بالتنوين (فإن توضأ انحلت عقدة) أي ثانية، وفي رواية لمسلم «فإن توضأ انحلت عقدتان» قال المصنف: معناه تمام عقدتين: أي انحلت عقدة ثانية وتم بها عقدتان وهو بمعنى قوله تعالى: {أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} () إلى قوله
{في أربعة أيام} (فصلت: 9، 10) أي في تمام أربعة أيام، ومعناه في يومين آخرين تمت الجملة بهما أربعة أيام، ومثله في الحديث الصحيح «من صلى على جنازة فله قيراط، ومن اتبعها حتى توضع في القبر فقيراطان» هذا لفظ إحدى روايات مسلم، ورواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة بمعناه، والمراد فله قيراط بالأول أي يحصل له بالصلاة قيراط، وبالاتباع قيراط: أي تتم به الجملة قيراطان، ومثله حديث مسلم «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله» اهـ. ملخصاً (فإن صلى) أي ولو ركعة أو أقل ما يعتاد وهو ركعتان كل محتمل (انحلت عقدة) روى بالإفراد كما قبله وبالجمع، قال البرماوي: ويؤيده رواية البخاري في بدء الخلق «عقده كلها» (فأصبح نشيطاً) لسروره بما وفقه الله (طيب النفس) لما بارك الله له في نفسه من
هذا التصرف الحسن (وإلا) أي وإن لم يأت بما ذكر من الأمور الثلاثة (أصبح خبيث النفس) أي بتركه ما كان اعتاده أو نواه من فعل الخير، ولا يعارض هذا الحديث «لا يقل أحدكم خبثت نفسي» لأن النهي لمن يقول ذلك عن نفسه، وهنا إنما أخبر عن غيره بأنه كذلك (كسلان) أي لبقاء أثر تثبيط الشيطان ولشؤم تفريطه وظفر الشيطان به بتفويته الحظ الأوفر من قيام الليل فلا يكاد تخف عليه صلاة ونحوها من القرب، وهو غير منصرف للوصف وزيادة الألف والنون ومؤنثه كسلى، وبما تقرر علم أنه يصبح كذلك ما لم يصل وإن أتى بما قبلها (متفق عليه) وهذا لفظ البخاري، ورواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه
وابن حبان في «صحيحه» كذا في الجامع الكبير (قافية الرأس) بالرفع مبتدأ وبالجر على الحكاية (آخره) وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية الشعر، وقال الزركشي: قافية أي القفا بالقصر وهو مؤخر العنق.
81166 -
(وعن عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الإسرائيلي تقدمت ترجمته رضي الله عنه في كتاب السلام (أن النبيّ قال: أيها الناس) حذف حرف النداء اختصاراً وإيماء إلى شدة التوجه لما بعده (أفشوا السلام) بقطع الهمزة: أي أشيعوه وأذيعوه بينكم (وأطعموا الطعام وصلوا بالليل) أي التهجد بأن يكون بعد نوم أو ائتوا بها فيه مطلقاً (والناس نيام) لأن هجر المصلي فراشه وآداب نفسه في طاعة ربه وحرمان نفسه لذيذ المنام شديد، فلذا جوزي من محض الفضل بقوله (تدخلوا الجنة بسلام) أي مسلمين من العذاب قبل دخولها، ففيه بشارة لفاعل مجموع ذلك بالدخول لها ابتداء والله أعلم (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) ورواه أحمد وعبد الله بن حميد والدارمي وابن أبي شيبة وابن ماجه وابن سعد
وسعيد بن منصور والحاكم في «المستدرك» والطبراني وابن زنجويه/ كلهم عن عبد الله بن سلام بزيادة «وصلوا أرحامكم» قبل قوله «وصلوا بالليل» كذا في «الجامع الكبير» .
91167 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: أفضل الصيام) أي النفل المطلق منه (بعد رمضان شهر الله المحرم) أي صومه كما يدل عليه قرينة المقام وإضافته إلى الله تعالى للتشريف وتخصيصه بلفظ المحرم، مع أن كلا من الأشهر الحرم يوصف به لما قيل إنه اسم إسلامي وإن تحريمه كذلك فلم تغير حرمته بما كان يفعله أهل النسىء (وأفضل الصلاة) من النفل المطلق (بعد الفريضة صلاة الليل) لأنه وقت السكون والخشوع والخضوع مع ما فيه من البعد عن الرياء (رواه مسلم) ورواه الأربعة والدارمي أيضاً بلفظ «أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم» ولا يخالفه حديث الترمذي والبيهقي في الشعب عن أنس مرفوعاً «أفضل الصوم بعد رمضان شعبان» لتعظيم رمضان لأن سبب الفضل مختلف، فالمحرم لكونه فاضلاً في ذاته، وشعبان لتعظيم غيره والله أعلم.
101168 -
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: صلاة الليل مثنى مثنى) أي ركعتان ركعتان، وهما معدولان عن اثنين اثنين، فلذا مع الوصف منع الصرف كما تقدم في باب تخفيف ركعتي الفجر (فإذا خفت) وفي رواية «فإذا خشي أحدكم» (الصبح) أي خشيت طلوعه بأن بدأ الصبح الكاذب أو نحوه مما يكون قبل الفجر الصادق (فأوتر بواحدة) فيؤخذ منه فضل فضل ركعات الوتر ركعتين ركعتين فركعة الوتر وهو الأصح من مذهبنا لأنه أكثر عملاً، وفي رواية زيادة «توتر له ما صلى» وفي أخرى «فإن الله وتريحب الوتر» (متفق عليه) ورواه مالك وأحمد وأصحاب السنن الأربعة.
111169 -
(وعنه قال: كان النبي يصلي من الليل) أي يتهجد، والتهجد يحصل بالوتر وغيره من كل نفل مفعول بعد نوم (مثنى مثنى ويوتر بركعة) والحديث تقدم بجملته في باب تخفيف ركعتي الفجر (متفق عليه) .
121170 -
(وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله يفطر من الشهر) أي بعضه ويديم الفطر (حتى نظن) لطول فطره (أن لا يصوم منه) استصحاباً لفطره (ويصوم) أي بعض الشهر ويتابع الصوم (حتى نظن أن لا يفطر) منه شيئاً من الأيام أو من الفطر، وفي الإتيان به هنا دون الجملة السابقة إيماء إلى أن متابعة الصوم إذا صام أطول من متابعة الفطر إذا أفطر (وكان) أي الشأن (لا تشاء) أي لا زمن تحب (أن تراه) تبصره (من الليل مصلياً) أي فيه (إلا رأيته) أي إلا زمان رؤيتك إياه كذلك ففي الكلام مضاف مقدر (ولا نائماً إلا رأيته) وقال القسطلاني: لا بمعنى ليس أو لم: أي لست تشاء أو لم تكن تشاء، أو تقديره: لا زمن تشاء، فعلى هذا يكون التركيب من باب الاستثناء على البدل، والتقدير على الإثبات: إن تشأ رؤيته متهجداً رأيته متهجداً، وإن تشأ رؤيته نائماً رأيته نائماً، فكان أمره قصداً لا إسراف ولا تقتير، وقال بعضهم: الحصر فيه إضافي باعتبار تعاور هاتين الحالتين عليه مع غلبة التهجد على النوم تارة وعكسه أخرى والحكم للغالب فبالنظر لذلك صح الحصر فيها. ما كان يعين بعض الليل للنوم وبعضه للصلاة كأصحاب الأوراد وكذا الصوم، بل كان يخالف بين أوقاتهما ليكونا مشقين على النفس لا عادتين لها، فإنه إذا صام مدة صار عادة له واطمأنت له النفس، فإذا أفطر كان شاقاً عليها وكذا عكسه/ قال الحافظ ابن حجر: لم يكن لتهجده وقت معين بل بحسب ما يتيسر له القيام، ولا يعارضه قول أنس:«كان إذا سمع الصارخ قام» لأنه محمول على ما وراء صلاة القيام، ولا يعارضه قول أنس: «كان إذا سمع
الصارخ قام» لأنه محمول على ما وراء صلاة، الليل، وحديث الباب محمول على صلاته، ولا قول عائشة «كان إذا صلى صلاة داوم عليها» وقولها «كان عمله ديمة» لأنّ المراد به ما اتخذه راتباً لا مطلق النفل اهـ ملخصاً، وهذه الطريقة المشار إليها بحديث أنس أعلى طبقات العبادة وأسناها، وهناك طرائق أخر: فمنهم من
شدد على نفسه بالمرة فمنعها حقها وحظها، ومنهم من أعطاها كليهما، وخير الأمور أوسطها: إعطاؤها حقها وحظها واستعمالها معه في خدمة ربها (رواه البخاري) والترمذي في «الشمائل» .
131171 -
(وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان يصلي) أي للتهجد والوتر (إحدى عشرة ركعة) وقول الراوي (تعني) بالفوقية: أي عائشة تريد بتلك الركعات النفل الذي كان يتهجد به (في الليل) وفيه أنه قد يتهجد بالوتر (يسجد السجدة من ذلك) أي القدر المذكور (قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه) ظرف ليقرأ، وجملة يسجد مستأنفة لبيان كيفية قيامه بها ولاستحباب إطالتها، أو حالية من ضمير يصلي (ويركع ركعتين) عدل إليه عن قول يصلي ركعتين تفنناً في التعبير، وفيه مجاز مرسل أطلق الجزء وأريد به الكل (قبل صلاة الفجر) بعد طلوع الفجر هما سنتاه القبليتان (ثم يضطجع على شقه) بكسر الشين المعجمة: أي جانبه (الأيمن) تشريعاً للأمة ليذكروا بها ضجعة القبر، فتحملهم على الخشوع الذي هو لب الصلاة ويستمر مضطجعاً عليه (حتى يأتيه المنادي) هو بلال (للصلاة) وذلك بعد اجتماع المصلين (رواه البخاري) .
141172 -
(وعنها قالت: ما كان رسول الله يزيد) أي في الوتر (في رمضان ولا في غيره
على إحدى عشرة ركعة) فهي أكثره، ورواية أنه صلاه ثلاث عشرة محمولة على أن الراوي عد الركعتين اللتين كان يأتي بهما قبله لإزالة ما يبقي من كسل النوم معه ثم أتت على طريق الاستئناف البياني مفصلة لذلك بقولها (يصلي أربعاً) أي من الركعات (فلا تسأل عن حسنهن) لكما اشتمالهن على الآداب المطلوبة فيها وطولهن وكان ذلك أول الدخول لتوفر النشاط، كما قال الفقهاء باستحباب السورة في الأولين لذلك دون الأخيرتين مع ورود السنة بها فيهما أيضاً (ثم يصلي أربعاً فلا تسأل) بالجزم (عن حسنهن وطولهن) أي أن ظهور هذين الوصفين فيهن يغني عن السؤال، وأتت بذلك لئلا يتوهم أنهم دون الأربع قبلهن كما هو العادة من غيره من الناس (ثم يصلي ثلاثاً) أي كذلك وسكتت عنه لما ذكر من استواء أحواله في حسن الصلاة وإكمالها (فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر) استفهام لبيان حكمة النوم قبله مع أن النوم ربما يغلب على النائم فيؤدي النوم قبله إلى فواته (فقال) مرشداً للفرق بينه وبين باقي الأمة (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) قال المصنف: هذا من خصائص الأنبياء، ولذا لا ينتقض وضوؤهم بالنوم، وأما نومه في قصة الوادي حتى طلعت الشمس وفات وقت الصلاة فلأن طلوع الفجر والشمس متعلق بالعين وهي نائمة لا بالقلب، وأماأمر الحدث فمتعلق بالقلب، وقيل إنه كان لا ينام قلبه تارة وينام أخرى، وصادف قصة الوادي نومه، قال المصنف: والصواب الأول اهـ. (متفق عليه) .
151173 -
(وعنها: أن النبي كان ينام أول الليل) أداء لكل من العين والنفس حقها منه وذلك أن الجسد يصيبه الكلال من مزاولة الأعمال (ويقوم آخره) أي في أواخره/ وتقدم في حديث أنس «أنه كان يقوم إذا صرخ الصارخ» يعني الديك وهو يقوم وقت انتصاف الليل،
وقوله (فيصلي) تنبيه على المقصود من قيامه حينئذ، وفيه تنبيه على أن أفضل القيام لمن صلى به حينئذ وبها ترتفع العقد كما تقدم. بخلاف مجرد القيام وإن اقترن به نحو ذكر فلا يحلها كلها (متفق عليه) ورواه ابن ماجه بلفظ «كان ينام أول الليل ويحيى آخره» .
161174 -
(وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي ليلة) أي مقتدياً به في تهجده، ففيه جواز الجماعة في النفل المطلق (فلم يزل) بفتح الزاي (قائماً) أي ما برح على قيامه (حتى هممت) أي قصدت، والهم بمعنى القصد ويعدى بالباء (بأمر سوء) بالفتح نقيض المسرة مصدر وشاعت الإضافة إليه كرجل سوء ولا يقال بالضم وكما في الصحاح، وفي نسخة «بأمر سوء» على الوصف دون الإضافة. قال القسطلاني: الرواية بالإضافة كما أفهمه كلام الحافظ في «فتح الباري» (قيل وما هممت) به (قال هممت أن أجلس) وفي رواية الترمذي في «الشمائل» «أن أقعد» (وأدعه) أي بأن ينوي قطع القدوة ويتم صلاته منفرداً لا أنه يقطع صلاته كما ظنه القسطلاني وغيره، لأن ذلك لا يليق بجلالة ابن مسعود، وترك الاقتداء به والحرمان من مداومة جماعته أمر سوء، وفي الحديث تطويل الإمام لكن محله عند الشافعية عند انحصار الجمع إذا رضوا ولم يطرأ غيرهم ولم يتعلق بعينهم حق (متفق عليه) .
171175 -
(وعن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي) أي مؤتماً به في تهجده (ذات ليلة فافتتح البقرة) أي بعد الفاتحة لا أنه افتتح بها من غير قراءة الفاتحة فإنه كان يقرؤها، وصح عنه «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وإنما يذكره الراوي اعتماداً على فهم السامع (فقلت: يركع عند المائة) بكسر الميم وفتح الهمزة وبينهما في الرسم ألف، وبعض الجهال يقوله بفتح الميم والتحتية بينهما ألف، قال الراعي: وهذا جهل كأنه قائله ما قرأ القرآن، وإنما كتبت الألف على خلاف قاعدة الخط دفعاً للالتباس بمنه الجار (ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة) أي فيركع عند تمامها (فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها) هذا ترتيب مصحف ابن مسعود، فلا يقال إن ترك ترتيب السور وقراءة الأخيرة ثم ما قبلها خلاف الأولى، ولعل الترتيب كان حينئذ كذلك، ثم أمر النبي بتقديم آل عمران، وقال المصنف: فيه دليل لمن قال إن ترتيب السور اجتهاد لا توقيف فيه، وبه قال مالك والجمهور والباقلاني وقال إنه أصح القولين مع احتمالهما. قال المصنف: ومن قال إنه توقيفي حدده كما استقر في المصحف العثماني، وإنما اختلفت المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير فيتناول قراءته النساء فآل عمران، على أنه كان قبل التوقيف في الترتيب وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبيّ. قال المصنف: ولا خلاف في أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، وإنما يكره ذلك في ركعة ولمن يتلو خارج الصلاة، وأباحه آخرون وحملوا التنكيس المنهي عنه على من قرأ من آخر السورة إلى أولها، ولا خلاف أن ترتيب الآيات توقيفي اهـ. ملخصاً، وقد نقله هو عن القاضي عياض، وقوله (يقرأ مترسلاً) جملة مستأنفة أو
حالية لبيان كيفية قراءته، والترسل ترتيل الحروف وأداؤها حقها (إذ مر بآية فيها تسبيح) كقوله تعالى:{وسبحوه بكرة وأصيلاً} (الأحزاب: 42)(سبح) أي
قال سبحان الله (وإذا مر بسؤال) أي بآية فيها ذلك كقوله تعالى: {واسألوا الله من فضله} (النساء: 32) وقوله: {فليستجيبوا لي} (البقرة: 186)(سأل وإذا مر بتعوذ) أي بآية فيها ذلك كقوله تعالى عن أم مريم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} (آل عمران: 36) أو طلبه كقوله تعالى:
{فإما ينزغك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} (الأعراف: 200)(تعوذ) أي سأل الله العوذ من الشيطان وخالف في تعبيره بما في الشرطية الأولى وبما في الأخيرتين تفننا في التعبير. ويؤخذ من الحديث استحباب جميع ما ذكر للقارىء (ثم ركع فجعل) أي عقب تمام ركوعه وهو من أفعال الشروع أي أخذ (يقول) فيه (سبحان ربي العظيم) أي يكرره لقوله (فكان ركوعه نحواً) أي قريباً (من قيامه) أي كان زمن ركوعه قريباً من زمن قيامه، ففيه تطويل الركوع (ثم قال) أي مع رفع رأسه من الركوع (سمع الله لمن حمده) أي تقبله منه (ربنا لك الحمد) قاله حال انتصابه (ثم قام) في الاعتدال من الركوع قياماً (طويلاً قريباً مما ركع) قال المصنف: فيه دليل لجواز تطويل الاعتدال عن الركوع وأصحابنا يمنعونه ويبطلون به الصلاة (ثم سجد فقال: سبحان ربّي الأعلى) صح «أنه لما نزل: {فسبح بسم ربك العظيم} (الواقعة: 74) ، قال: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى} (الأعلى: 14) قال: اجعلوها في سجودكم» وحكمته أنه ورد «أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً» فخصه بالأعلى: أي عن الجهات والمسافات لئلا يتوهم بالأقربية ذلك، وقيل لما كان الأعلى أفعل تفضيل وهو أبلغ من العظيم والسجود
أبلغ في التواضع فجعل الأبغ للأبلغ (فكان سجوده قريباً من قيامه. رواه مسلم) وتقدم في باب المجاهدة.
181176 -
(وعن جابر رضي الله عنه قال: سئل) بالبناء للمجهول ولم أقف على السائل (رسول الله: أي الصلاة) أي أعمالها (أفضل؟ قال: طول القنوت. رواه مسلم المراد بالقنوت القيام) قال المصنف: فيه دليل لمن فضل تطويل القيام على تطويل السجود وتكثير الركوع، وهو مذهب الشافعي وجماعة لحديث جابر هذا، ولأن ذكر القيام القراءة وذكر السجود التسبيح والقرآن أفضل، ولأن المنقول عن النبيّ أنه كان يطول القيام أكثر من تطويل السجود. وفي المسألة مذاهب أخر، قيل تطويل القيام في الليل أفضل وتكثر الركوع والسجود نهاراً أفضل، وعليه إسحاق بن راهويه، وقيل تطويل السجود وتكثير الركوع أفضل مطلقاً، وقيل إنهما سواء.
191177 -
(وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله قال) مخاطباً (له) لما أمره بترك مداومة الصوم والقيام وأن يصوم ويفطر ويقوم وينام (أحب الصلاة) أي التهجد (إلى الله) أي أرضاها إليه وأكثرها ثواباً عنده (صلاة داود) عليه السلام (وأحب الصيام إلى الله) أي النفل المطلق منه (صيام داود) عليه السلام، ثم بين ذلك على طريق الاستئناف البياني أو العطف البياني بناء على مجيئه في الجمل بقوله (كان ينام نصف الليل) إعطاء للعين والجسد حقهما منه (ويقوم ثلثه) بضمتين ويخفف الثاني فيسكن: أي
يحييه بالقيام بالتهجد (وينام سدسه) إراحة للجسد مما أصابه من مرادفة الصلاة. وفيه طلب إخفاء عمل البر وستره عن الغير ليكون أقرب للإخلاص، فإن من قام ونام ما ذكر كان لم يقم لذهاب كلال ذلك السهر بالنوم، ففيه إخفاء التهجد بخلاف المستمر على السهر إلى الفجر فإنه يبدو عليه الأثر ففيه تعرّض لظهور عمله الليلي (ويصوم يوماً ويفطر يوماً) اختلف هل الصوم كما ذكر أفضل من صوم الدهر بشرطه لكل أحد أو ذلك خاص بابن عمرو؟ والجمهور على الأول وذلك لما فيه من المشقة على النفس ومن إعطاء النفس حقها، إذ يحصل لها من القوى يوم الفطر ما يجبر ما قام بها من ضعف يوم الصوم (متفق عليه) ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
201178 -
(وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول) مؤكداً بمؤكدات إسمية الجملة وتصديرها بأن وتقديم خبرها والإتيان باللام، وكأن الداعي إليه استبعاد كون الليل محل التجليات لكونه جعل سكناً، ومع ذلك الاستبعاد بأن فيض الله على حسب مشيئته فيجعله فيما شاء من ليل أو نهار (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم) التقييد به لكونه جريا على الغالب من قيام الرجل حينئذ لا مفهوم له فمن وافقها من النساء المسلمات كذلك (يسأل الله خيراً) مفعول مطلق: أي سؤال خير وأضافه إليه لكونه أثره وحاصلاً عنه أو مفعول به، وفيه إيماء إلى كمال كرم الله سبحانه وتعالى من عدم الوعد بإجابة السائل شراً حينئذ من أمر الدنيا والآخرة كالعافية فيهما وحصول التوفيق في الدنيا والجنة في العقبى (إلا أعطاه إياه) ففيه حث على الدعاء في الليل وحض عليه، وأبهم الساعة في جميعه طلباً لعمارته بالتوجه للمولى وعدم الغفلة فيه بالنوم وإراحة الجسم عنه فإن التوجه بالقلب
وهو لا ينافي النوم بالعين والجوارح، ويمكن أن تكون الساعة المطلقة في هذا الخبر محمولة على ما جاء من التقييد في رواية بأنها بعد مضي الثلث من الليل، وفي أخرى أنها في الثلث الأخير، ولا منافاة بينها إما بجعل الجميع على أنها في الثلث الأخير لصدق جميع الروايات عليه، وإما بأنها تنتقل فتارة تكون قبل النصف الأخير، وأخرى في النصف الأخير قبل الثلث الأخير، وأخرى في الثلث الأخير، أو على أنه أخبر أوّلاً أنها في الثلث الأخير فأخبر به، ثم أخبر بأنها نم نصف الليل فأخبر به، ثم أخبر بأنها من الثلث الأول فأخبر به، وفيه على كل وجه إيماء إلى اتساع زمنها، بخلاف ساعة الإجابة يوم الجمعة، ويؤيد ذلك أنه أشار لضيق ساعة الجمعة بقول الصحابي، وأشار: أي النبي بيده يقللها، ولم يقل مثل ذلك في الساعة التي في الليل، والله أعلم (وذلك) أي المذكور من إعطاء السائل ما سأل (كل ليلة) بالنصب ظرف والخبر
متعلقة أي كائن فيها، وفيه شرف الليل على النهار لأن التجليات الإلهية لا تختص بليلة دون ليلة بخلاف النهار فهي فيه مختصة بيوم الجمعة (رواه مسلم) ورواه أحمد. قال المصنف: في هذا الحديث إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة، ويتضمن الحث على الدعاء في سائر ساعات الليل رجاء مصادفتها اهـ.
211179 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: إذا قام أحدكم من الليل) أي لأجل قيامه أو فيه (فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين) لإذهاب ما قد يبقى في الجسد من كسل النوم فتشد الأعصاب وتقوى الأعضاء من فتورها فتتوجه بكمال نشاط لصلاة الليل (رواه مسلم) ورواه أحمد.
221180 -
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا قام من الليل) للتهجد
(افتتح صلاته بركعتين خفيفتين) لإذهاب أثر النوم وليدخل الصلاة بكمال النشاط/ والفتور أثر النوم طبع البشر فلا نقص فيه كسائر العوارض والأمراض (رواه مسلم) .
231181 -
(وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا فاتته الصلاة من الليل) المفعولة تهجداً (من) تعليلية (وجع أو غيره) كاشتغاله بأهم منه (صلى من النهار) أي فيه (ثنتي عشرة ركعة) يحتمل أنه يأتي بها قضاء لما فاته من نافلة الليل، فيؤخذ منه ندب قضاء النفل المؤقت، ويحتمل أنه لحوز ثوابه عوضاً عما فات من صلاة الليل لا قضاء عنه وعليه جرى ابن حجر في «شرح المشكاة» (رواه مسلم) .
241182 -
(وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من نام من حزبه) بكسر المهملة وسكون الزاي. قال في «النهاية» : هو ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالورد، والحزب النوبة في ورود الماء اهـ. (أو عن شيء منه) أي ولو يسيراً (فقرأه فيما) أي في وقت (بين صلاة الفجر وصلاة الظهر) الظرف في محل الصفة لما، ويجوز كونها موصولة صفة لمحذوف: أي في الوقت الذي بين الوقت المذكور (كتب) بالبناء للمجهول (له كأنما قرأه من الليل) فيه استحباب تدارك النفل المؤقت، وأن ما ترك لعذر وقضى كتب بمحض الفضل كثواب المؤدي، وأتى بالكاف إيماء إلى نقص ثواب القضاء ولو لعذر عن ثواب الأداء (رواه مسلم) والحديث سبق في باب المحافظة على الأعمال.
251183 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: رحم الله) جملة خبرية لفظاً دعائية معنى عدل عنها إلى الخبرية تفاؤلاً بالإجابة كأنها حصلت وأخبر عنها بما يخبر به عن الحاصل.d وفيه مزيد حث على الإتيان بما يذكر بالدعاء لفاعله (رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته) للصلاة، فيه تعاون على البر والتقوى وإيثار اتباع الأمر الإلهي على الهوى النفساني (فإن أبت) أي امتنعت من القيام (نضح) أي رش (في وجهها الماء) ليذهب عنها النوم الغالب لها (رحم الله امرأة قامت من الليل) تتهجد (فصلت وأيقظت زوجها) للصلاة (فإن أبى) أي امتنع من أن يقوم (نضحت في وجهه الماء. رواه أبو داود بإسناد صححي) ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في «المستدرك» كذا في «الجامع الصغير» ، ورواه الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري عن رسول الله قال «ما من رجل يستيقظ من الليل فيوقظ امرأته، فإن غلبها النوم نضح في وجهها الماء، فيقومان في بيتهما فيذكران الله عز وجل ساعة من الليل إلا غفر لهما» وهذا الحديث مطلق يشمل ذكر الله تعالى في الصلاة وخارجها كما في الآية، والنضح بالنون والضاد المعجمة وإهمال الحاء وإعجامها، قال في «فتح الباري» : قال الأصمعي: النضح بالمعجمة أكثر منه بالمهملة، وسوّى بينهما أبو زيد، وقال ابن كيسان: بالمعجمة لما ثخن، وبالمهملة لما رق: أي من الطيب ونحوه.
261184 -
(وعنه وعن أبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله: إذا أيقظ الرجل أهله) هو أعم من امرأته، وفيه فضيلة أمر الرجل أهله بصلاة النوافل والتطوعات كما في الفرض (من) جوف (الليل فصلياً) أي كلاهما جميعاً، فعند النسائي «فصلياً جميعاً» ففيه اقتداء
المرأة بزوجها في النافلة، وفيه مشروعية الجماعة فيها، وقال ابن رسلان: قد يقال لا دلالة في جميعا على الجماعة لصدقه على فعلهما النافلة جماعة ومنفردين (أو) شك من الراوي (صلى) أي كل منهما (ركعتين جميعاً) هكذا وقع/ ووجه الكلام فصلياً جميعاً أو صلى كل منهما منفرداً ركعتين (كتب) بالإفراد وكذا هو بخط ابن رسلان في شرحه لسنن أبي داود، وفي نسخة من «الرياض» كتباً بألف التثنية (في) جملة (الذاكرين والذاكرات) أي المذكورين في قوله تعالى:{والذاكرين الله كثيراً والذاكرات} (الأحزاب: 35) وذكر الجلالة وكثيراً ليس في الراوية، وهذا من تفسير الكتاب بالسنة (رواه أبو داود بإسناد صحيح) قال ابن رسلان: ورواه ابن حبان في «صحيحه والحاكم» ، وهذا الحديث من جملة الحديث قبله من حيث المعنى، ولعل الإتيان به على احتمال أن الرواية أو صلى بإفراد الفعل أفاد ظاهرها ترتب ثواب الرجل لإيقاظ امرأته على إيقاظها وصلاته سواء أصلت هي أم لا، والله أعلم.
271185 -
(وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: إذا نعس أحدكم) قال في «المصباح» : حقيقة النعاس الوسن من غير نوم، يقال نعس ينعس من باب قتل والاسم منه النعاس، وقال الفقهاء: علامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهم معناه (في الصلاة) التي تقوم بها بالليل (فليرقد) ندباً (حتى يذهب عنه النوم) وذلك أن لب الصلاة الخشوع والخضوع والحضور مع الله عز وجل، وإنما يكون ذلك مع النشاط وصحة اللب وسلامته من الكسل، وعلل الأمر بالرقاد بقوله (فإن أحدكم إذا صلى) أي دخل في الصلاة (وهو ناعس) حال من فاعل صلى (لعله يذهب يستغفر) جملة لعل واسمها وخبرها في محل الخبر لإن، قال القاضي عياض: أي يدعو (فيسبّ نفسه) بسبب غلبة النعاس وتلجلج اللسان عند إرادة النطق (متفق عليه) ورواه مالك وأبو داود والترمذي وابن ماجه.