المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌241- باب فضل العلم تعلما وتعليما لله - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - جـ ٧

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌216- باب: في تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وما يتعلق بها

- ‌217- باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام وَمَا يتعلق بِهِ

- ‌218- باب الجود وفعل المعروف والإكثار من الخير في شهر رمضان والزيادة من ذَلِكَ في العشر الأواخر منه

- ‌219- باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إِلَاّ لمن وصله بما قبله أَوْ وافق عادة لَهُ بأن كَانَ عادته صوم الإثنين والخميس فوافقه

- ‌220- باب مَا يقال عند رؤية الهلال

- ‌221- باب فضل السحور وتأخيره مَا لَمْ يخش طلوع الفجر

- ‌222- باب في فضل تعجيل الفطر وَمَا يفطر عَلَيْهِ، وَمَا يقوله بعد إفطاره

- ‌223- باب في أمر الصائم بحفظ لسانه وجوارحه عن المخالفات والمشاتمة ونحوها

- ‌224- باب في مسائل من الصوم

- ‌225- باب فضل صوم المحرم وشعبان والأشهر الحرم

- ‌226- باب في فضل الصوم وغيره في العشر الأول من ذي الحجة

- ‌227- باب فضل صوم يوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء

- ‌229- باب في استحباب صوم الإثنين والخميس

- ‌230- باب في استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌8- كتاب: الاعتكاف

- ‌232- باب: في فضل الاعتكاف

- ‌9- كتاب: الحج

- ‌233- باب: في فضل الحج

- ‌10 - كتاب: الجهاد

- ‌234- باب: في فضل الجهاد

- ‌236- باب فضل العتق

- ‌11- كتَابُ العِلم

- ‌241- باب فضل العلم تعلماً وتعليماً لله

- ‌13- كتَاب حَمد الله تَعَالَى وَشكره

- ‌242- باب وجوب الشكر

- ‌13- كتاب: الصَّلاة عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌243- باب: في فضل الصلاة عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14- كتاب الأذْكَار

- ‌244- باب فَضلِ الذِّكْرِ وَالحَثِّ عليه

- ‌245- باب ذكر الله تَعَالَى قائماً أَوْ قاعداً ومضطجعاً ومحدثاً وجنباً وحائضاً إِلَاّ القرآن فَلَا يحل لجنب وَلَا حائض

- ‌246- باب مَا يقوله عِنْدَ نومه واستيقاظه

- ‌247- باب فضل حِلَقِ الذكر والندب إِلَى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر

- ‌248- باب الذكر عِنْدَ الصباح والمساء

- ‌15- كتَاب الدَعَوات

- ‌250- باب في فضل الدعوات

- ‌251- باب فضل الدعاء بظهر الغيب

- ‌252- باب: في مسائل من الدعاء

- ‌253- باب: في كرامات الأولياء وفضلهم

الفصل: ‌241- باب فضل العلم تعلما وتعليما لله

‌11- كتَابُ العِلم

‌241- باب فضل العلم تعلماً وتعليماً لله

قَالَ اللهُ تَعَالَى (1) : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً)، وقال تَعَالَى (2) :(قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وقال تَعَالَى (3) :(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ)، وقال تَعَالَى (4) :(إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) .

ــ

كتاب العلم

أي: فضله، والمراد الشرعي، وهو الحديث والتفسير والفقه وآلاتها (قال الله تعالى: وقل رب زدني علماً) هذا من أعظم أدلة شرف العلم وعظمه، إذ لم يؤمر صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه الزيادة إلا منه. أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً. والحمد لله على كل حال" وأخرجه الترمذي من غير طريق، وزاد في رواية له "وأعوذ بالله من حال أهل النار". (وقال تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) أي: لا استواء بينهم، فهو استفهام إنكاري في معنى النفي (وقال تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم) بطاعتهم للرسول (والذين أوتوا العلم درجات) أي: ويرفع الله العلماء منهم خاصة درجات، بما جمعوا من العلم والعمل، ونصب درجات بالبدل من الذين آمنوا والذين أتوا العلم، أو بالتمييز قاله في جامع البيان.

(1) سورة طه، الآية:114.

(2)

سورة الزمر، الآية:9.

(3)

سورة المجادلة، الآية:11.

(4)

سورة فاطر، الآية:28.

ص: 170

1374-

وعن معاوية رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ" متفقٌ عَلَيْهِ (1) .

1375-

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حَسَدَ إِلَاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"

ــ

1374-

(وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً) تنكيره للتفخيم (يفقهه في الدين) أي: يجعله عالماً بالأحكام الشرعية ذا بصيرة فيها بحيث يستخرج المعاني الكثيرة من الألفاظ القليلة (متفق عليه) ورواه أحمد من حديث معاوية، ورواه أحمد وللترمذي عن ابن عباس، ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة كذا في الجامع الصغير وزاد في الجامع الكبير: ورواه ابن حبان من حديث معاوية. ورواه الدارمي من حديث ابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر. ورواه في الأوسط عن أبي هريرة، ورواه تمام، وابن عساكر عن عبد الملك بن مروان، عن أبي خالد عن أبيه، ورواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية كلاهما من حديث ابن مسعود وزاد في آخره "ويلهمه رشده"، ورواه أحمد من حديث أبي هريرة وزاد "وإنما أنا قاسم والله يعطي".

1375-

(وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد) أي: لا غبطة محمودة كما سيأتي (إلا في اثنتين) من الخصال؛ لشرفها ففيها يتنافس المتنافسون (رجل) بالجر بدل على تقدير مضاف، أي: خصلة رجل، وبالنصب باضمار أعني، وبالرفع بإضمار مبتدأ، أي: أحدهما رجل (آتاه) بالمد أي: أعطاه (الله مالاً) التنوين فيه يحتمل أن يكون للتعظيم، وأن يكون لغيره (فسلطه على هلكته) بفتح أوليه، أي: إهلاكه ففيه مبالغتان: التعبير بالتسليط المقتضي لفعله، وبالهلكة المشعرة بفناء الكل، أي: إنفاقه (في الحق) أي: ما يحق فيه إنفاق المال من القرب (ورجل آتاه الله الحكمة) العلم النافع (فهو يقضي بها) أي: يفصل بين المترافعين إليه، إن كان قاضياً أو المستفتين إن كان مفتياً (ويعلمها)

(1) أخرجه البخاري في كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيراً، (1/150، 151) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: النهي عن المسألة، (الحديث: 98) .

ص: 171

متفقٌ عَلَيْهِ. والمراد بالحسدِ: الغِبْطَةُ، وَهُوَ أنْ يَتَمَنَّى مِثله (1) .

1376-

وعن أَبي موسى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أصَابَ أرْضاً؛ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ، وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أجَادِبُ أمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا

ــ

أي: الناس، وحذفه ليعم كل متعلم والحديث سبق مشروحاً في باب الكرم والجود (متفق عليه والمراد بالحسد) المحرض عليه بالسياق (الغبطة وهو) بالتذكير نظراً لقوله (أن يتمنى مثله) أي: مثل حال المغبوط أي: لا يغبط أحوالاً على إحدى هاتين، كما تقدم عن المصنف. ويجوز التأنيث نظراً لمرجع الخبر، وما جرى عليه المصنف من اعتبار الخبر أولى؛ لأنه محط الفائدة، وليس المراد بالحسد معناه الحقيقي أي: تمني زوال نعمة المحسود، فذلك حرام من الكبائر.

1376-

(وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل) بفتح أوليه (ما بعثني الله به من الهدى) هو كالرشد والرشاد ضد الضلال (والعلم) هو صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض، أي: صفة ذلك العجيبة التي لغرابتها صارت كالقصة (كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة) أنث العامل مع الفصل بينه وبين معموله، وفي مثله يجوز هو والتذكير، وجاء القرآن بكل، قال تعالى:(قد جاءتكم موعظة)(2) وقال تعالى: (من بعد ما جاءهم البينات)(3)(قبلت الماء) فشربته (فانبتت الكلأ) بفتح أوليه والهمز، أي: المرعى (والعشب) بضم المهملة وسكون المعجمة وبالموحدة، قال في المصباح: هو الكلأ الرطب في أول الربيع (الكثير) وصفه به لتأكيد ما دل عليه من العموم، أو هو اسم جنس محلى بأل، وما كان كذلك فمن ألفاظ العموم (وكان منها أجادب) بالجيم والدال المهملة، أي: أرض لا تنبت كلأ، وقيل: هي التي تمسك الماء فلا يسرع إليه النضوب (أمسكت الماء فنفع الله بها)

(1) أخرجه البخاري في كتاب: العلم، باب: الاغتباط في العلم والحكمة (1/152 و153) .

وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقمرها، باب: فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه

، (الحديث: 268) .

(2)

سورة يونس، الآية:57.

(3)

سورة آل عمران، الآية:105.

ص: 172

النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ؛ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كلأً، فَذلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأسَاً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ". متفقٌ عَلَيْهِ (1) .

ــ

أي: بسببها (الناس فشربوا منها وسقوا مواشيهم وزرعوا) كذا عند البخاري، والذي في جميع نسخ مسلم: ورعوا، بالراء من الرعي، قال المصنف: وكلاهما صحيح (وأصاب طائفة منها أخرى) وصفها بذلك دون ما قبلها كأنها لسلب الانتفاع منها رأساً جنس آخر (إنما هي قيعان) الأصل قوعان، فأبدلت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها (لا تمسك ماء) ؛ لكونها رملاً (ولا تنبت كلأ) لذلك (فذلك مثل من فقه) بضم القاف، على المشهور وقيل: بكسرها، وقد روي بالوجهين، والمشهور الضم قاله المصنف (في دين الله) أي: صار عالماً بالشرعيات (ونفعه ما بعثني الله به) أي: من الشريعة الغراء (فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) قال المصنف معنى الحديث أن الأرض ثلاثة أنواع وكذا الناس، فالأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيى بعد أن كان ميتاً وينبت الكلأ فينتفع به الناس والدواب بالشرب والرعي والزرع وغيرها وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيي به قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع.

والثاني من الأرض لا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها فينتفع به الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب واعية لكن ليست لهم أفهام ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام، ولا اجتهاد عندهم في الطاعة فهم يحفظونه حتى يأتي طالب متعطش لما عندهم فينتفع به فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.

والثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت ونحوها فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها، وكذا الثالث من الناس لا قلب له حافظ ولا فهم واعي فإذا سمع العلم لا ينتفع به ولا يحفظه لينفع غيره اهـ من شرح مسلم للمصنف ملخصاً (متفق عليه) وقد سبق مشروحاً في باب الأمر بالمحافظة على السنة.

(1) أخرجه البخاري في كتاب: العلم، باب: أفضل من علم وعلَّم، (1/160، 161) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الفضائل، باب: بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم، (الحديث: 15)

ص: 173

1377-

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه:

"فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". متفقٌ عَلَيْهِ (1) .

1378-

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ

ــ

1377-

(وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أعطاه الراية يوم خيبر وأرسله لقتالهم وأمره أن يدعوهم أولاً إلى الإِسلام (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً) أتى به لدفع توهم أن المراد برجل الجنس كما في تمرة خير من جرادة (خير لك من حمر) بضم فسكون (النعم) بفتحتين من إضافة الصفة لموصوفها أي من الأبل الحمر وهي أشرف أموال العرب فلذا خصت بالذكر، والتفضيل بحسب ما عند أهل الدنيا من شرفها في الجملة وإلا فلا مناسبة بين العرض الفاني والشيء الباقي، والحديث سيق في خطبة الكتاب (متفق عليه) .

1378-

(وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلغوا) أمر على الوجوب الكفائي (عني ولو آية) قال البيضاوي: لم يقل ولو حديثاً لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم من هذا بطريق الأولى، فإن الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها وتكفل الله سبحانه بحفظها وصونها عن الضياع والتحريف إذا كانت واجبة التبليغ، فالأحاديث التي ليس فيها شيء مما ذكر أولى بذلك اهـ (وحدثوا عن بني إسرائيل) اسم سرياني ليعقوب معناه عبد الله (ولا حرج) قال العلماء معناه ولا ضيق عليكم في التحديث عنهم، لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصلت التوسعة فيه، وقيل: معنى لا حرج لا تضيقوا صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك قد وقع لهم كثيراً، وقيل: لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولاً حدثوا صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب، وأن الأمر فيه للإِباحة أي لا حرج في ترك التحديث عنهم وقيل لا حرج على حاكي ألفاظهم المستبشعة نحو قولهم (فاذهب أنت وربك فقاتلا) (2) وقولهم (اجعل لنا إلها) (3) وقيل: المعنى حدثوا عنهم بأي صورة اتصلت بها القصة عنهم من انقطاع أو

(1) أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، (7/58) .

وأخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، (الحديث: 34) .

(2)

سورة المائدة، الآية:24.

(3)

سورة الأعراف، الآية:138.

ص: 174

عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". رواه البخاري (1) .

1379-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ"

ــ

بلاع لتعذر الاتصال في التحديث عنهم، بخلاف الأحكام الإِسلامية، فإن الأصل في التحديث فيها الاتصال ولا يتعذر ذلك لقرب العهد، وعلى كل حال فلا يجوز التحديث بالكذب عليهم. قال الشافعي: من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحديث بالكذب فالمعنى حدثوا عنهم بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحديث به عنهم، وهو نظير حديث "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم"(ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) فيه دليل على أن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من الكبائر، بل حكي عن والد إمام الحرمين: أن فاعل ذلك مخلد في النار البتة. وحمل على من استحل ذلك أو على أنه زلة قلم، والجملة الجوابية طلبية لفظاً خبرية معنى، أي: فقد هيأ مقعده من النار. (رواه البخاري) ورواه أحمد والترمذي.

1379-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن سلك طريقاً) أتى بالعاطف أوله؛ تنبيهاً على أنه بعض حديث، وتقدم بجملته في باب قضاء حوائج المسلمين، وسكت عما ترك؛ لعدم تعلقه بالترجمة (يلتمس) أي: يطلب فاستعير له اللمس كذا في النهاية (فيه علما) أي: مقرباً إلى الله تعالى ويدل على التقييد به قوله: (سهل الله له طريقاً إلى الجنة) لورود الوعيد لمن تعلم بعض العلوم المحرمة، والباقي منها كذلك بجامع التحريم. فشمل الحديث أنواع علوم الدين واندرج تحته قليلها وكثيرها. وفي رواية "سلك الله به" قال الطيبي: الضمير في به عائد إلى من والباء للتعدية، أي: يوفقه أن يسلك طريق الجنة، ويجوز أن يرجع الضمير إلى العلم، والباء سببية، ويكون سلك بمعنى سهل والعائد إلى من محذوف، والمعنى سهل الله له بسبب العلم طريقاً من طرق الجنة، فعلى الأول سلك من السلوك معدى بالباء، وعلى الثاني من السلك، والمفعول محذوف كقوله تعالى:(يسلكه عذاباً صعداً)(2) قيل: عذاباً مفعول ثان، وعلى التقديرين نسبة سلك

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل (1/14، 141) و (2/275) و (3/181 و366، 4166) .

(2)

سورة الجن، الآية:17.

ص: 175

رواه مسلم (1) .

1380-

وعنه أَيضاً رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً". رواه مسلم (2) .

1381-

وعنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ

ــ

إلى الله تعالى على طريق المشاكلة اهـ (رواه مسلم) .

1380-

(وعنه أيضاً) كلمة تقال بين شيئين متفقين معنى ولا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر. وهي بالنصب حال أي: أخبر عنه راجعاً إلى الإِخبار عنه أو مفعول مطلق، وهي كلمة عربية كما أوضحت ذلك في شرح الأذكار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى) ولو بإبانته وإظهاره قليلاً كان أو كثيراً (كان له من الأجر مثل أجور من تبعه) مثل بالرفع اسم كان، وخبرها أحد الظرفين المذكورين قبل، والآخر حال وقوله:(لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) جملة مستأنفة؛ لبيان عظم فضل الله وكمال كرمه، وإنما لم ينقص ذلك ثواب العامل؛ لاختلاف وجهتي الإِثابة فهي للداعي من حيث الدعوة، وللعامل من حيث العمل. كما تقدم بيانه في خطبة الكتاب عند ذكر المصنف الحديث. وفي باب الدلالة على خير (رواه مسلم) وتتمته "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً". وفي الجامع الكبير بعد ذكر الحديث بجملته، رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر اهـ ثم لا مخالفة بين الجملة الأخيرة التي هي في معنى قوله تعالى:(ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)(3) . وقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(4) ؛ لأن الدال على الضلالة إنما أثم بعمل العامل لها؛ لكونه الدال عليها. فإثمه لدلالته، وهي من عمله فما أخذ بعمل غيره ووزره، بل بعمله ووزره والله أعلم.

1381-

(وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله) أي: من إثابته على

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (الحديث: 38) ، مطولاً.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب: العلم، باب: من سنَّ سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، (الحديث: 16) .

(3)

سورة النحل، الآية:25.

(4)

سورة الأنعام، الآية:164.

ص: 176

انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". رواه مسلم (1) .

ــ

العمل المتجددة، بتجدد العمل المترتبة عليه، ترتب المسبب على السبب بالحكمة الإلهية وذلك؛ لأنه بالموت يقف العمل فيقف الثواب المرتب عليه (إلا من ثلاثة) فإن ثوابها يدوم للعامل بعد موته، وذلك لدوام أثره فدام ثوابه، وأثبت التاء إما لأن المعدود مذكر، أي: ثلاثة أعمال، أو لحذفه، أي: ثلاث خصال، والأول أقرب (صدقة جارية) هي الوقف (أو علم ينتفع به) هو التعليم والتصنيف، والثاني أقوى؛ لطول بقائه على ممر الزمان قاله القاضي تاج الدين السبكي (أو ولد صالح) أي: مسلم (يدعو له) أي: بالمغفرة كما يأتي في حديث أنس أو بأعم منها (رواه مسلم) ورواه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي. قال العلقمي: قال شيخ الحديث: يعني شيخه السيوطي: روى الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعاً "أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: مرابط في سبيل الله، ومن علّم علماً، ورجل تصدق بصدقة فأجرها له ما جرت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له" وللبزار من حديث أنس مرفوعاً "سِبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته".

ولابن ماجه وابن خزيمة من حديث أبي هريرة. "أن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً نشره أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته ". ولابن عساكر في تاريخه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً "من علم آية من كتاب الله أو باباً من علم أنمى الله أجره إلى يوم القيامة"، ثم قال: وقد تحصل من ذلك أحد عشر أمراً وقد نظمتها في أبيات. اهـ وقد تقدم في باب الصدقة عن الميت ذكرها، ونظمتها أيضاً فقلت:

خصال عليها المرء من بعد موته

يثاب فلازمها إذا كنت ذا ذكر

رباط بثغر ثم توريث مصحف

ونشر لعلم غرس نخل بلا نكر

وحفر لبئر ثم إجراء نهر

وبيت غريب في التصدق إذ يجري

وتعليم قرآن وتشييد منزل

لذكر ونجل مسلم طيب الذكر

وفي خبر من ذا إذا حج فرضه

أو الدين عنه قد قضى كامل الفخر

روى ابن عماد ذا بحسن ذريعة

ولم يذكر الراوي لذلك ما يدري

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الوصية، باب: ما يلحق الإِنسان من الثواب بعد وفاته، (الحديث: 14) .

ص: 177

1382-

وعنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَاّ ذِكْرَ الله تَعَالَى، وَمَا وَالاهُ، وَعَالِماً، أَوْ مُتَعَلِّماً". رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن" قَوْله: "وَمَا وَالَاهُ": أيْ طَاعة الله تعالى (1) .

1383-

وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ العِلْمِ فَهُوَ في سَبيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ". رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن"(2) .

1384-

وعن أَبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لَنْ يَشْبَعَ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ

ــ

1382-

(وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدنيا) تقدم أن الصحيح أنها ما عدا الآخرة، من جميع الأعراض والجواهر العاجلة (ملعونة) أي بعيدة عن الله (ملعون) أي: بعيد (ما فيها) ؛ لأنها رأس كل خطيئة (إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً) وليس من الدنيا الطاعات، ولا الأصفياء من الأنبياء والأولياء. وتقدم الجمع بين الوارد في ذم الدنيا، والوارد في مدحها، بحمل الأول على ما يبعد عن الله تعالى، والثاني على ما يقرب إليه كما يومىء إليه الإِستثناء المذكور في الحديث، وهو متصل، نظراً لكون المستثنى منها باعتبار الظاهر، وإن كان في الحقيقة فيها لا منها. "تقدم الحديث مشروحاً في باب فضل الزهد في الدنيا (رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قوله) صلى الله عليه وسلم (وما والاه أي طاعة الله) أي: فكأنه قال إلا ذكر الله وطاعته، والذكر حينئذ القول الذي يثنى به عليه سبحانه وتعالى وينزه به.

1383-

(وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج في طلب العلم) أي لطلب العلم الشرعي ومثله آلاته (فهو في سبيل الله) أي: طاعته (حتى يرجع) إلى منزله، قال المظهري: وجه مشابهة طلب العلم بالجهاد في سبيل الله أنه إحياء الدين، وإذلال الشيطان، وإتعاب النفس، وكسر الهوى واللذة (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) ورواه الضياء.

1384-

(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لن يشبع مؤمن من خير) أي: من كل مقرب إلى الله تعالى من سائر الطاعات وأشرفها، كما جاء في رواية

(1) أخرجه الترمذي في كتاب: الزهد [باب: 14]، (الحديث: 2322) .

(2)

أخرجه الترمذي في كتاب: العلم، باب: فضل طلب العلم، (الحديث: 2647) .

ص: 178

حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الجَنَّةَ". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن". (1) .

1385-

وعن أَبي أُمَامَة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أدْنَاكُمْ" ثُمَّ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأهْلَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ

ــ

زيادة: يسمعه (حتى يكون منتهاه الجنة) حتى فيه محتملة؛ لكونها غاية للشبع، أي: لا ينتهي عن الخير حتى يموت فيدخل الجنة بما اكتسب في حياته من العمل الصالح، ولكونها تعليلية، أي: عدم قناعته بيسير من الطاعة ليكون مآله الجنة، فإنها تتفاوت منازلها بتفاوته (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) ورواه ابن حبان في صحيحه.

1385-

(وعن أبي إمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضل العالم) أي: المقتصر على فرائض العبادات، ويصرف باقي أوقاته في العلم (على العابد) أي: العارف بما يجب عليه تعلمه من الديانات فقط ويصرف ما زاد عليه في التعبد (كفضلي على أدناكم) فيه عظم شرف العلماء. قال: الزملكاني، في كتابه المسمى تحقيق الألى (2) من أهل الرفيق الأعلى بعد كلام طويل ساقه في وجوه التفضيل وأسبابه ما لفظه: والذي استقر من ذلك أن العالم المستحق للتفضيل بالعلم، هو الذي تعلم العلم النافع في الدنيا والآخرة، وقام بحق علمه من عمل أو نفع أو هداية أو غير ذلك، من حقوق العلم النافع فذلك هو العالم المفضل بعلمه اهـ (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات) عطف عام على خاص، إن أريد بهم جميع الملائكة، وإن أريد بالملائكة المقربون كما يوميء إليه إضافتهم للاسم الكريم، وبأهل السموات باقي الملائكة كان من عطف المغاير (والأرض حتى النملة) بالنصب عطفاً على أهل، وهي غاية لما قبلها في القلة والصغر مستوعبة لثواب البر. وجوّز ابن حجر في فتح الإِله كونها جارة. (في جحرها) بضم الجيم (وحتى الحوت) أتى بالواو (3) كأنه والله أعلم لئلا يتوهم أن هذه بدل من تلك وهي غاية مستوعبة لدواب البحر (ليصلون) هو من استعمال اللفظ في معانيه دفعه واحدة، وهل هو مشترك بينهما أو حقيقة في أحدها مجاز في غيره؟ خلاف يأتي تحقيقه أول كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله

(1) أخرجه الترمذي في كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، (الحديث: 2686) .

(2)

الألى من غير واو بمعنى الذين. ع

(3)

لعل المراد أنه أتى بالواو مع حتى ولم يأت بأو بدلهما لئلا يتوهم أنها للشك فليتأمل. ع

ص: 179

عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن" (1) .

1386-

وعن أَبي الدرداء رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَريقاً إِلَى الجَنَّةِ، وَإنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَصْنَعُ، وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي

ــ

تعالى، وهي من الله رحمة مقرونة بتعظيم، ومن الملائكة استغفار، ومن المؤمنين تضرع ودعاء. والظاهر أنها من الحيوانات تضرع ودعاء أيضاً (على معلمي الناس الخير) عدل إليه عن العالم الذي اقتضاه السياق؛ لبيان سبب شرف العالم وامتيازه على العابد، وهو عموم نفعه وتعديه (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) قال في المشكاة: ورواه الدارمي عن مكحول مرسلاً.

1386-

(وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقاً يبتغي فيه) وفي رواية يطلب فيه (علماً) أي: شرعياً أو آلته، ولو وسيلة كما تقدم (سهل الله له طريقاً إلى الجنة) وذلك الأعمال الصالحة لتوصله بها إلى الجنة. ومنها أن يسهل عليه ما يزداد به علمه؛ لأنه من جملة الأسباب الموصلة إلى الجنة، بل إلى أعلاها لتوقف صحة الأعمال وقبولها عليه (وإن الملائكة) يحتمل أن يراد بهم ملائكة الرحمة ونحوهم من الساعين في مصالح بني آدم، ويحتمل أن يراد الكل، وهذا أنسب بالمعنى المجازي الآتي. والأول أنسب بالمعنى الحقيقي (لتضع أجنحتها) حقيقة وإن لم نشاهده للقاعدة: أن كل ما ورد وأمكن حمله على ظاهره حمل عليه ما لم يصرفه عنه صارف. وحينئذ فهي تكف أجنحتها عن الطيران وتنزل لسماع العلم، إذ هو أشرف الذكر. وقيل: هو مجاز إما عن التواضع نظير (واخفض جناحك)(2) أو عن المعونة وتيسير السعي في طلب العلم (لطالب العلم رضاً) مفعول له مستوفى للشروط أي: لأجل الرضا الحاصل منها، أو لأجل إرضائها (بما يصنع) من حيازة الوراثة العظمى، وسلوك السنن الأسمى (وإن العالم) ترق إلى ذكر ما هو أبلغ في فضله بإثبات وصف العلم له بعد إثبات فضل طلبه، فيما قبله. وبإثبات استغفار من يأتي إلا رفع من مجرد وضع الأجنحة، كذا قيل: واستوجه في فتح الإِله أن وضع الأجنحة للطالب قبل أن يسمى عالماً، والاستغفار للعالم فلا ترقى (ليستغفر له من في

(1) أخرجه الترمذي في كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، (الحديث: 2685) .

(2)

سورة الشعراء، الآية:215.

ص: 180

السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحيتَانُ في المَاءِ، وَفضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ"

ــ

السموات ومن في الأرض حتى الحيتان) بالرفع والجر نظير ما مر. ويؤيد الأول أن في رواية: والحيتان بالواو العاطفة بدلها (في) جوف (الماء) وأتى بذلك؛ مبالغة في التعميم خصوصاً إن أريد بالحيتان الحيوان البحري فهو أكثر من البري، لما جاء أن عوالم البر أربعمائة عالم وعوالم البحر ستمائة عالم، وسبب عموم استغفار هذه الموجودات للعلماء؛ طالبين تخليهم عما لا يليق بمقامهم من الأدناس شمول بركة علمهم وعملهم لجميع أولئك.

إذ لا إله يقوم نظام العالم إلا بالعلم. ولا مانع من جعل الاستغفار من غير العقلاء من نحو الجماد على حقيقته؛ لأنه ممكن فهو من قبيل قوله تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)(1)(وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) هو بالنصب عطف على اسم أن السابق، ويؤيده أن في رواية المشكاة: وإن فضل الخ، وزاد في هذه الرواية بعد قوله "كفضل القمر" قوله "ليلة البدر" ووجه ذلك أن نور العبادة وكمالها ملازم لذات العابد لا يتخطاه، فهو كنور الكواكب ونور العلم وكماله، يتعدى إلى الغير فيستضيء به العالم، لكنه ليس من ذاته، وإنما استفاده من شمس الوجود الذي لا أكمل منه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كنور القمر المكتسب من نور الشمس التي لا أضوء منها، وبما ذكر علم أن الكلام في عالم غير مخل بشيء من الواجبات وإلا كان إثماً مذموماً (وأن العلماء ورثة الأنبياء) علماً وعملاً وكمالاً وتكميلاً، ولا يتم ذلك إلا لمن صفت مصادر علمه وعمله ومواردهما عن الهوى والحظوظ، حتى أمدته كلمات الله التي لا تفنى إلى أن صار من الراسخين في العلم، القائمين بصور الأعمال على ما ينبغي، فسلم من الإخلاد إلى أرض الشهوات الخافضة إلى أرذل الدركات (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً) أي: مالاً وخصا بالذكر؛ لأنهما أغلب أنواعه، وفي نفيهما عنهم إيماء إلى رذالة الدنيا فأعرضوا عنها ولم يأخذوا منها إلا قدر الضرورة، فلم يورثوا شيئاً منها، لئلا يتوهم أنهم كانوا يطلبون شيئاً منها يورث عنهم (إنما ورثوا العلم) بأحوال الظاهر والباطن، على تباين أجناسه واختلاف أنواعه بتعليمهم لأممهم (فمن أخذه) أي: فبسبب ما ذكر من تلك الفضائل العلية من ورث العلم (أخذ بحظ) أي: نصيب من الكمال (وافر) لا نهاية له، ومن ثم قال الثوري: لا أعلم

(1) سورة الإِسراء، الآية:44.

ص: 181

رواه أَبُو داود والترمذيُّ (1) .

1387-

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقول:"نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئاً، فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ". رواه

ــ

اليوم شيئاً أفضل من طلب العلم، قيل له: ليس لهم نية؟ قال: طلبهم له نية، وقال الحسن: من طلب العلم يريد ما عند الله، كان خيراً له مما طلعت عليه الشمس، وقال مالك: لمن أراد المبادرة إلى الصلاة، وترك ما هو فيه من العلم ليس ما تذهب إليه فوق ما أنت فيه إذا صحت النية. وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة (رواه أحمد وأبو داود والترمذي) وقال: بعد أن أخرجه في العلم من جامعه، من طريق محمود بن حداس الطالقاني بإسناده بنحوه ما لفظه هكذا "حدثنا محمود" وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم عن الوليد بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء. وهذا أصح من حديث محمود، ولا نعرف هذا الحديث من حديث عاصم، وليس إسناده عندي بمتصل. اهـ ورواه ابن ماجه والدرامي كما في المشكاة، ورواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب كما في الجامع الكبير.

1387-

(وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضر الله امرأً) بالضاد المعجمة المشددة ويروى بالتخفيف. يقال: نضره وأنضره ونضره، أي: نعمه من النضارة، وهي في الأصل حسن الوجه والبريق. والمراد حسن خلقه وقدره. قاله في النهاية.

قال بعضهم: إني لأرى في وجوه أهل الحديث نضرة أشار به إلى إجابة الدعوة لهم (سمع منا) بغير توسطه، والضمير يحتمل أنه للجماعة فيشمل من روى عن الصحابة (2) شيئا فأداه كما سمعه (شيئاً) قليلاً كان أو كثيراً (فبلغه كما سمعه) أي: من حيث المعنى فلا يضر في ذلك الرواية بالمعنى بشرطه، ويحتمل أن تختص الدعوة بمن أدى باللفظ لما فيه من مزيد الاعتناء والتوجه، حتى حفظ لفظه واستحضره (فرب) هي للتكثير واستعمالها فيه حقيقة لا مجاز خلافاً لزاعمه (مبلغ) بصيغة المفعول، من التبليغ كذا في الأصول (أوعى) أكثر وعياً، أي: تنبهاً لخبايا عرائس المعاني ونفائس المقاصد (من سامع) فلذا دعا صلى الله عليه وسلم للضابط الحافظ

(1) أخرجه أبو داود في كتاب: العلم باب: الحث على طلب العلم (الحديث: 3641 و3642) .

وأخرجه الترمذي في كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة (الحديث: 2682) .

(2)

قوله: (الصحابة) أي أو غيرهم من العلماء. ع

ص: 182

الترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح"(1) .

1388-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سُئِلَ عن عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ" رواه أَبُو داود والترمذي، وقال:"حديث حسن"(2) .

ــ

ألفاظ السنة الراوي لها، كذلك بما ذكر، لأن حفظه للسنة مع أدائها كما سمع سعي في نضارتها، فكأنه جعل المعنى بذلك غضاً طرياً، بخلاف ما لو أبدلها ولو بمرادف فإنه جعله مبتذلاً، ألا ترى أنه لو أبدل نضر، بنحو حسن لفاتت الدقيقة المستفادة من نضر، وقس عليه الباقي. ثم قيل: التقدير من سامع له منه صلى الله عليه وسلم فيؤخذ منه أنه قد يكون في التابعين من يمتاز على بعض الصحابة، بكونه أفقه منه وأفهم منه فيما بلغه له عنه صلى الله عليه وسلم، ولا بدع في ذلك فإنه قد يكون في المفضول مزايا لا تكون في الفاضل (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) ورواه الدرامي من حديث أبي الدرداء، ورواه الشافعي والبيهقي في المدخل عن ابن مسعود أيضاً بلفظ "نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" الحديث ورواه أحمد والترمذي، وأبو داود وابن ماجه والدرامي والضياء عن زيد بن ثابت. قال في فتح الإِله: أعلم أن في تغيير ألفاظ هذين الحديثين مع اتحادهما في أن كلاً منهما مسوق للحث على تبليغ ما سمعه من غير تغيير شيء منه، تأييداً لجواز الرواية بالمعنى للعارف بمؤدى الألفاظ والمراد بها، ودلالة على أن القصد إنما هو أصل المعنى دون المحسنات التي ينتجها باهر بلاغته صلى الله عليه وسلم، التي لا يصل أحد إلى معشار عشرها؛ لأن رعاية ذلك متعذرة فيلزم عليها منع الرواية بالمعنى مطلقاً، وفي ذلك حرج وضياع لكثير من السنة، فاقتضت المصلحة العامة التوسيع للناس في طرق الرواية نظر إلى أن المقصود أصل المعنى لا غير اهـ.

1388-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم) أي: شرعي محتاج إليه حالاً (وكتمه) أي: لم يبينه للسائل (ألجم) بالبناء للمفعول (يوم القيامة بلجام من نار) فيه عظم وعيد كتم العلم الشرعي بشرطه (رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن) ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك كما في الجامع

(1) أخرجه الترمذي في كتاب: العلم، باب: ما جاء في الحث على التبليغ السماع، (الحديث: 2658) .

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب: العلم، باب: كراهية منع العلم، (الحديث: 3658) .

وأخرجه الترمذي في كتاب: العلم، باب: ما جاء في كتمان العلم، (الحديث: 2649) .

ص: 183

1389-

وعنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ عز وجل لا يَتَعَلَّمُهُ إِلَاّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ" يَعْنِي: رِيحَهَا. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح (1) .

ــ

الصغير.

1389-

(وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تعلم علماً مما يبتغى) بالبناء للمفعول أي: يطلب (به وجه الله عز وجل يحتمل أن هذا صفة كاشفة؛ لأن الكلام في العلم المحمود، وذلك الابتغاء لازم له وأنه احتراز عن العلوم التي ليست كذلك؛ لعدم وجوبها كعلم العروض أو لتحريمها كعلم السحر (لا يتعلمه) جملة حالية من الفاعل أو المفعول (2) ؛ لتخصصه بالوصف (إلا) استثناء من أعم العلل، أي: لا يطلبه لغرض من الأغراض إلا (ليصيب به غرضاً) بالمعجمتين أي: شيئاً (من الدنيا) أي: من تمتعاتها وإن قل، ومعلوم أن قصد هذا ولو مع قصد الآخرة موجب للإِثم، فيحتمل أن التقييد به ليترتب العقاب الآتي عليه، أو لأن الغالب أن من قصد الدنيا لا يقصد معها الآخرة (لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني) أي: النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: عرف الجنة، بفتح المهملة وسكون الراء وبالفاء (ريحها) وهذا كناية عن مباعدته عنها، فقد جاء عند الطبراني:"وإن عرفها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام" وعن عدم دخولها إما مطلقاً إن استحل ذلك، لأن حرمة طلب العلم لذلك مجمع عليها، معلومة من الدين بالضرورة، أو مقيداً بأنه لا يدخلها مع الناجين، أو لا يجد عرفها في الموقف الذي هو المراد بيوم القيامة حقيقة إن لم يستحل ذلك، وعلى الثالث فيكون في الحديث إيماء إلى أن من صح قصده في طلب العلم الشرعي يمده الله برائحة الجنة يوم القيامة، تقوية لقلبه، وإزالة لكربه، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لمرض قلبه يصير يوم القيامة كذي مرض بدماغه يمنعه من إدراك الروائح. وفي الحديث إيماء إلى أن من أخلص في طلبه لله ثم جاءته الدنيا من غير قصدها به لا يضره ذلك (رواه أبو داود بإسناد صحيح) ورواه أحمد وابن ماجه والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الشعب، ورواه الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ "من تعلم علماً لغير الله فليتبوأ مقعده من النار" وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة "من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف

(1) أخرجه أبو داود في كتاب: العلم، باب: في طلب العلم لغير الله تعالى، (الحديث: 3664) .

(2)

لو كانت حالاً من المفعول لكانت حالاً جارية على غير ما هي له. ع

ص: 184