الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ". رواه مسلم (1) .
252- باب: في مسائل من الدعاء
1494-
وعن أسَامة بن زيد رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفاعِلهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً، فَقَدْ أبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ". رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح"(2) .
ــ
حال من المضاف إليه، لأن الدعوة مصدر أضيف لفاعله، أو ظرف للمصدر، أي الدعوة الكائنة في غيبة المدعو له (مستجابة) أي: مجابة والسين والتاء، للمبالغة (عند رأسه ملك موكل) أي: بالإتيان بما يأتي عنه (كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين) بالمد وتخفيف الميم أي: استجب وهذا سؤال منه تعالى وخاطب الداعي فقال: (ولك بمثل) أي: مثل ما دعوت به له. قال المصنف: كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه دعا لأخيه المسلم بتلك الدعوة، لأنها تستجاب، ويحصل له مثلها (رواه مسلم) ورواه أحمد والنسائي وأخرجه أبو بكر في الغيلانيات عن أم كرز، ورواه البزار عن عمران بن حصين مرفوعاً بلفظ "دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد".
باب في مسائل من الدعاء
أي: في ذكر أحاديث تتعلق بمسائل منه.
1494-
(عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صنع) بالبناء للمجهول (إليه معروف) من نحو إطعام، أو كسوة أو جلب مصلحة، أو دفع مضرة، وكذا إذا كان المعروف معنوياً كإفادة علم أو إفاضة معرفة (فقال لفاعله) عبر به دون صانعه تفنناً في التعبير (جزاك الله خيراً) التنكير فيه للتعظيم كما يوميء إليه سؤاله من الله تعالى (فقد أبلغ في الثناء) أي: بالغ في ثنائه على فاعله وجازى المحسن إليه بأحسن مما أسداه إليه حيث أظهر عجزه، وأحاله على ربه (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) وفي الحرز، وقال
(1) أخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء
…
، باب: فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، (الحديث: 88)
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في المتشبع بما لم يعطه، (الحديث: 2035) .
1495-
وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ وَلَا تَدعُوا عَلَى أوْلادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أموَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسألُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ". رواه مسلم (1) .
1496-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أقْرَبُ مَا يكونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأكْثِرُوا الدُّعَاءَ" رواه مسلم (2) .
ــ
الترمذي: حسن غريب، وقال في السلاح: رواه الترمذي والنسائي، وابن حبان في صحيحه بهذا اللفظ، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه من حديث أسامة إلا من هذا الوجه.
1495-
(وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم) أعاد الفعل المنهي عنه في كلا الجملتين المعطوفتين، إيماءً إلى استقلال كل بالنهي عنه. وحذف المعمول يؤذن بالعموم أي: لا تدعوا على من ذكر، وما ذكر بشيء من الضرر (لا توافقوا) علة للنهي أي: لئلا توافقوا والفعل منصوب بأن المقدرة مع لام الجر، لدلالة المقام عليهما، ويجوز أن يقال إنه مجزوم وهو جواب شرط مقدر؛ لكونه في جواب النهي أي: إن لا تدعوا لا توافقوا الخ حال الدعاء بذلك (من الله ساعه يسأل) بصيغة المجهول ونائب فاعله يعود إلى الجلالة، وهو مفعوله الأول (فيها عطاء) أي: شيئاً معطى (فيستجيب) بالرفع عطف على المرفوع قبله، أو على إضمار هو وبالنصب جواب النهي، من قبيل لا تدن من الأسد فيأكلك على مذهب الكسائي (3)(لكم) لكون الوقت وقت إجابة (رواه مسلم) ورواه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أم سلمة بلفظ "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون".
1496-
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب ما يكون العبد من ربه) أي: قرباً معنوياً قرب مكانة لا قرب مكان (وهو ساجد) وقد تقدم الحديث مشروحاً في باب فضل الذكر والحث عليه وقوله: (فأكثروا الدعاء) أي فيه، الفاء فيه تفريعية أو فصيحة (رواه مسلم) .
(1) أخرجه مسلم في كتاب: الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل وقصه أبي اليسر، (الحديث: 74) .
(2)
أخرجه مسلم في كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، (الحديث: 215) .
(3)
هذا غير ظاهر إذ الخلاف في الجزم عند حذف الفاء أما النصب عند ذكرها فمتفق عليه.
1497-
وعنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ: يقُولُ: قَدْ دَعْوتُ رَبِّي، فَلَمْ يسْتَجب لِي" متفق عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: "لا يَزالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطيعَةِ رحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ" قيل: يَا رسولَ اللهِ مَا الاستعجال؟ قَالَ: "يقول: قَدْ دَعوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أرَ يسْتَجِبُ لي، فَيَسْتحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ"(1) .
ــ
1497-
(وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما) مصدرية ظرفية (لم يعجل) أي: مدة عدم عجلته (يقول (2)) استئناف لبيان العجلة المانعة من الإِجابة (قد) للتحقيق (دعوت ربي فلم يستجب لي) بالبناء للفاعل وذلك لأن الله تعالى (وقد جعل الله لكل شيء قدراً)(3)(وقد من بإجابة دعوة من دعاه، لكن في الوقت الذي قدره سبحانه وقضاه قد جعل الله لكل شيء قدراً) أفلا يتقدم شيء عن إبانه، ولا يتأخر عن أوانه (متفق عليه) قال في الجامع الكبير: رواه مالك وأبو داود والترمذي وابن ماجه (وفي رواية لمسلم) والترمذي (لا يزال) اسمها ضمير الشأن والخبر (يستجاب للعبد) دعاؤه (ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) هو داخل فيما قبله فعطفه عليه كعطف جبريل وميكال في قوله (من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال)(4) وذلك للاهتمام (ما لم يستعجل) بدل مما قبله بدل بداء، وقال العاقولي: كان حق الظاهر أن يؤتى بالعاطف هنا فترك على تقدير عامل آخر، إشارة إلى استقلال كل من القيدين، أي: يستجاب له ما لم يدع بإثم، وكأن سائلاً قال: هل الاستجابة مقصورة على ذلك؟ فقيل: لا بل يستجاب له ما لم يستعجل. اهـ وقال: ابن حجر في فتح الإله: ترك العاطف فيه استئنافاً تنبيهاً على أن كل واحد منهما مستقل بمنع الاستجابة، أي: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم، يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل أهـ. وما ذكرته وجه آخر قريب. والله أعلم (قيل: يا رسول الله ما الاستعجال) المرتب عليه المنع من الإجابة (قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت) أي: تكرر مني الدعاء، وذكر الاثنين المراد به الإِشارة إلى كثرة الدعاء وتكراره لا خصوص الاثنينية (فلم أر يستجب لي فيستحسر) بالرفع عطف على يقول أي: فيعيى (عند ذلك) الاستعجال (ويدع) بفتح الدال أي: يترك (الدعاء) والحاصل
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: يستجاب للعبد ما لم يعجل، (11/119) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء
…
، باب: بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي، (الحديث: 90) .
(2)
قوله: لأحدكم أي لكل واحد منكم، وقوله: يعجل بفتح المثناة والجيم وسكون العين، وقوله: يقول أي بلسانه أو في نفسه. ع.
(3)
سورة الطلاق، الآية:3.
(4)
سورة البقرة، الآية:98.
1498-
وعن أَبي أمامة رضي الله عنه قَالَ: قيل لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: "جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ" رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن"(1) .
ــ
أن الإجابة حاصلة؛ لكن تكون تارة معجلة، وتارة مؤخرة. ذكر مكي رحمه الله أن المدة بين دعاء زكريا صلى الله عليه وسلم بطلب الولد والبشارة أربعون سنة. وحكى ابن عطية عن ابن جريج ومحمد بن علي والضحاك أن دعوة موسى وهرون على فرعون لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة، وحكى الإمام أبو حامد الغزالي عن بعضهم أنه قال: إني أسال الله عز وجل منذ عشر سنين حاجة وما أجابني وأنا أرجو الإجابة، سألت الله أن يوفقني لترك ما لا يعنيني. انتهى منقولاً من السلاح.
1498-
(وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أي الدعاء أسمع) أي: أقرب للإِجابة (قال: جوف الليل (2)) أي: وسطه. وتقدم في شرح حديث داود: أن أفضل القيام قيام الثلث بعد نوم النصف، وينام السدس الأخير وإنما كان ذلك حينئذٍ، لكمال التوجه وفقد العلائق والعوائق؛ لأنه وقت التجليات الإِلهية وتنزل الفيوض الربانية (ودبر) بضمتين أي: عقب (الصلوات المكتوبات) أي: الفرائض، وذلك لأن الصلاة مناجاة العبد لربه ومحل مسألته من فضله، وبعد تمام العمل يظهر الأمل (رواه الترمذي) ورواه النسائي (وقال: حديث حسن) قال الترمذي: وقد روي عن أبي ذر، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"جوف الليل الآخر الدعاء فيه أفضل وأرجى أو نحو هذا" وروى أبو داود، والترمذي والنسائي، والحاكم عن عمر بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن" قال الترمذي: بعد أن أخرجه بهذا اللفظ هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
(1) أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، [باب: 79] ، (الحديث: 3499) .
وأخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، [باب: 119] ، (الحديث: 3579) .
(2)
قوله (جوف) هو بالرفع وفي الكلام مضاف محذوف أي دعاء جوف الليل.
1499-
وعن عُبَادَةَ بنِ الصامت رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا عَلَى الأرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو الله تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إِلَاّ آتَاهُ اللهُ إيَّاها، أَوْ صَرفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: إِذاً نُكْثِرُ قَالَ: "اللهُ أكْثَرُ". رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح".
ورواه الحاكم من روايةِ أَبي سعيدٍ وزاد فِيهِ: "أَوْ يَدخِرَ لَهُ مِن الأَجْرِ مثْلَها"(1) .
1500-
وعن ابنِ عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقولُ عِنْدَ
ــ
1499-
(وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة) بفتح الدال المرة من الدعاء، والتنوين فيه للشيوع يشمل الدعاء بالجليل والحقير، وبالقليل والكثير (إلا آتاه الله) أي: أعطاه (إياها) حالاً أو بعد (أو) للتنويع (صرف) بالبناء للفاعل (عنه من السوء مثلها) أي: الدعوة المسؤولة أي: ما يكون نفع دفعه كنفع حصولها (ما لم يدع) سكون الدال (بإثم أو قطيعة رحم) أي: فلا تجاب تلك الدعوة المقترنة بشيء من ذلك؛ لأن الإجابة تنتفي عن سائر الدعوات غيرها إذا دعا بهما كما قد يتوهم، ونظيره حديث:"الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر" أي: فإن الكبائر غير مكفرة لا أن الصغائر غير مكفرة حينئذٍ، والله أعلم (فقال رجل من القوم) لم أقف على من سماه (إذاً نكثر) بالنصب أي: إذا كانت الدعوة بما عدا ما ذكر مجابة نكثر من سؤال خيري الدارين لتحصيلهما بالوعد الذي لا يخلف (فقال: الله أكثر) بالمثلثة أي: أكثر إحساناً ونوالاً مما تطلبون وتسألون (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد) هو الخدري (وزاد فيه) قوله: (أو يدخر) أصله يذتخر بالمعجمة والفوقية، قلبت الفوقية دالاً مهملة دفعاً للثقل فأدغمت فيها الذال لتقارب مخرجها منها أي: يجعل (له) أي: الداعي (من الأجر مثلها) أي: من حيث النفع.
1500-
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول (2) عند الكرب) بفتح
(1) أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: في انتظار الفرج وغير ذلك، (الحديث: 3573) .
وصححه الحاكم: (1/493) .
أخرجه الترمذي في كتاب: الدعاء، باب: ما جاء أن دعوة المسلم مستجابه، (الحديث: 3381) .
"وهو من حديث جابر
…
".
(2)
في الجامع الصغير "كان يدعو عند الكرب" الخ.
الكَرْبِ: "لا إلهَ إِلَاّ اللهُ العَظِيمُ الحَليمُ، لا إلهَ إِلَاّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ، لَا إلهَ إِلَاّ اللهُ رَبُّ السَّمَاواتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ" متفق عَلَيْهِ (1) .
ــ
فسكون وهو الأمر الذي يشق على الإِنسان ويملأ صدره غيظاً (لا إله إلا الله العظيم) قدراً (الحليم) فلا يعاجل بالعقوبة (لا إله إلا الله رب العرش العظيم) بالجر عند الجمهور وصف به العرش بعد أن وصف به الذات ليكون من باب الترقي، لأنه إذا اتصف بها بعض مكوناته فلأن يتصف بها هو بالأولى، وقال ابن التين عن الداودي: هو بالرفع صفة رب (لا إله إلا الله رب السموات) زاد في رواية السبع (ورب الأرض رب العرش) أي: مالك كل شيء وخالقه ومصلحه، وأعاد لفظ الرب مع كل القرائن إيماء إلى أن لكل بالاستقلال من غير نظر لتبعيته لغيره المتوهمة لولا ذلك، وروي ورب العرش بإثبات واو (الكريم) بالجر صفة العرش ووصف به لأن الرحمة تنزل منه أو لأنه منسوب إلى أكرم الأكرمين لا إله إلا هو. وفي الإتيان بهذه إيماء إلى أن الدواء من الكرب توحيد الله عز وجل، وعدم النظر إلى سواه أصلاً فمن صفا له هذا المشرب فرج عنه الكرب، ونال من الفضل الأسنى ما أحب، وفي شرح البخاري للعيني، قال ابن بطال: حدث أبو بكر الرازي قال: كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث عنه، وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا، فسعى به عند السلطان فحبسه فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عليه السلام عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم قل: لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه. قال: فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكرر إلا قليلاً حتى أخرج من السجن، وقال الحسن البصري: أرسل إلي الحجاج فقلتهن فقال: والله ما أرسلت إليك إلا وأنا أريد قتلك، فلأنت اليوم أحب إليّ من كذا وكذا. وزاد في لفظ: فسل حاجتك اهـ (متفق عليه) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والطبراني في الكبير، وزاد: اصرف عني شر فلان، كما في الجامع الصغير. قال العيني: اشتملت الجملة الأولى: على التوحيد الذي هو أصل التنزيهات المسماة بالأوصاف الجلالية، وعلى العظمة التي تدل على القدرة العظيمة، إذ العاجز لا يكون عظيماً، وعلى الحلم الذي لا يتصور من الجاهل بالشيء إذ الجاهل بالشيء لا يتصور منه الحلم، وهما أصل الصفات الوجودية الحقيقة المسماة بالأوصاف الإِكرامية. وحكمة تخصيص الحليم بالذكر أن كرب المؤمن غالباً إنما هو من نوع
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: الدعاء عند الكرب، (11/123) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء
…
، باب: دعاء الكرب، (الحديث: 83) .