المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع وخمسين وستمائة - ذيل مرآة الزمان - جـ ١

[اليونيني، أبو الفتح]

الفصل: ‌سنة أربع وخمسين وستمائة

‌سنة أربع وخمسين وستمائة

استهلت هذه السنة وخليفة المسلمين ببغداد دار ملكه وهو الأمام المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله أمير المؤمنين أبن الإمام المستنصر بالله أبو جعفر المنصور بن الإمام الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد بن الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد رحمه الله تعالى وملك الشام والبلاد الفراتية الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمّد وملك الديار المصرية الملك المعز عز الدين أيبك التركماني وصاحب الكرك والشوبك الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن الملك الكامل وصاحب الموصل وبلادها الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأتابكي وصاحب ميافارقين وديار بكر وتلك الأعمال الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك العادل والمستولي على أربل وأعمالها وما أضيف إليها الصاحب تاج الدين محمد ابن صلايا العلوي من جهة الخليفة والنائب في حصون الإسماعيلية الثمانيّة بالشام رضي الدين أبو المعالي وصاحب صهيون وبرزيه وبلاطنس الأمير مظفر الدين عثمان بن الأمير ناصر الدين منكورس.

وصاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيّوب وصاحب تلّ باشر والرحبة وتدمر وزلوبيا

ص: 3

الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن إبراهيم بن شيركوه - ابن محمد بن شيركوه - بن شاذي وصاحب المدينة الشريفة صلوات الله على ساكنها وسلامه الأمير عز الدين أبو مالك منيف بن شيحة بن قاسم الحسيني وصاحب مكة شرفها الله تعالى الشريف قتادة الحسيني وصاحب ماردين الملك السعيد إيلغازي الأرتقي وصاحب اليمن الملك المظفّر شمس الدّين يوسف بن عمر وخرا سان وما وراء النهر وخوارزم وخلاط وبلد فارس ومعظم الشرق بأسره بيد التتار وصاحب الرّوم السلطان ركن الدين وأخوه عز الدين والبلاد بينهما مناصفة وهما في طاعة هولاكو ملك التتار.

وفي هذه السنة ورد إلى دمشق كتب من المدينة صلوات الله على ساكنها وسلامه تاريخها خامس شهر رجب ووصلت في عاشر شعبان ونحوه تتضمن خروج نار بالمدينة وفيما تضمنته الكتب لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الأخرى سنة أربع وخمسين ظهر بالمدينة دويٌ عظيم ثم زلزلة عظيمة رجفت منها المدينة والحيطان والسقوف والأخشاب ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور ظهرت نار عظيمة في الحرة بالقرب من قريظة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنّها عندنا وهي نار عظيم إشعالها وقد سالت أودية منها

ص: 4

بالنار إلى وادي شطا مسيل الماء وقد سدّت مسيل شطا وما عاد يسيل والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيراناً وقد سدّت الحرة طريق الحاج العراقي وسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعدما أشفقنا أن تجئ إلينا ورجعت تسير في الشرق تخرج من وسطها مهود وجبال نيران تأكل الحجارة منها أنموذج عما أخبر الله في كتابه العزيز فقال عز من قائل - إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالات صفر - وقد أكلت الأرض وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين والنار في زيادة ما تغيرت وقد عادت إلى الحرارة في طريق قريظة طريق الحاج العراقي كلها نيران تشتعل نبصرها في الليل من المدينة كأنها مشاعل الحاج، وأما أم النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر والأم الكبيرة النار التي سالت النيران منها من عند قريظة وقد زادت وما عاد الناس يدرون أي شيء يتم بعد ذلك والله يجعل العاقبة إلى خير وما أقدر صف هذه النار.

ومن كتاب أخر لما كان يوم الاثنين مستهل جمادى الأخرى وقع بالمدينة صوت يشبه الرعد البعيد تارة وتارة وأقام على هذه الحالة يومين فلما كان يوم الأربعاء ثالث الشهر المذكور تعقب الصوت الذي كنا نسمعه زلزال فتقيم على هذه الحالة ثلاثة أيام يقع في اليوم والليلة أربع عشر زلزلة فلما كان يوم الجمعة خامس الشهر المذكور أنتجت الأرض من الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل

ص: 5

مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مرأى العين من المدينة نشاهدها وهي ترمي بشرر كالقصر كما قال الله تعالى وهي بموضع يقال له أجلين وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصفا وهي تجري على وجه الأرض وتخرج منه امهاد وجبال صغار تسير على الأرض وهو صخر يذوب حتى تبقى مثل الآنك فإذا خمد صار أسود وقبل الجمود لونه أحمر وقد حصل بطريق هذه النار إقلاع عن المعاصي والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة إلى أهلها.

ومن كتاب شمس الدين سنان بن عبد الوهاب بن نميلة الحسيني قاضي المدينة إلى بعض أصحابه لما كان ليلة الأربعاء ثالث شهر جمادى الآخرة حدث بالمدينة في الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها وباتت باقي تلك الليلة تزلزل كل يوم وليلة قدر عشر نوبات والله لقد زلزلت مرة ونحن حول حجرة النبي صلى الله علي وسلم اضطرب لها المنبر إلى أن سمعنا منه صوتاً للحديد الذي فيه واضطربت قناديل الحرم الشريف وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف ثم طلع يوم الجمعة في طريق العنزة في رأس أجلين نار عظيمة مثل المدينة العظيمة وما باتت لنا إلا ليلة السبت وأشفقنا منها وخفنا خوفاً عظيماً وطلعت إلى الأمير وكلمته وقلت له قد أحاط

ص: 6

بنا العذاب ارجع إلى الله فاعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم فلما فعل هذا قلت له أهبط الساعة معنا إلى النبي صلى الله علي وسلم فهبط وبتنا ليلة السبت الناس جميعهم والنسوان وأولادهم وما بقي أحد لا في النخيل ولا في المدينة إلا عند النبي صلى الله علي وسلم وأشفقنا منها فظهر ضوءها إلى أن أبصرت من مكة ومن الفلاة جميعها ثم سال منها نهر من نار وأخذ في وادي أجلين وسدّت الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاج وهو بحر نار يجري سيل قط لأنها حرة تجيء قامتين وثلث علوها وبالله يا أخي إن عيشنا اليوم مكروه والمدينة قد تاب جميع أهلها ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف ولا شرب وتمت تسير إلى أن سدت بعض طريق الحاج وبعض البحيرة بحرة الحاج وجاء في الوادي إليها منا قتير وخفنا أنها تجئنا واجتمع الناس ودخلوا على النبي صلى الله علي وسلم وبات عنده جميعهم ليلة الجمعة وأما قتيرها الذي يلينا فقد طفئ بقدرة الله تعالى وأنها إلى الساعة ما نقصت إلا ترمي مثل الجبال حجارة من نار لها دوى ما يدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب وما أقدر أصف لك عظمها ولا ما فيها من الأهوال وأبصرها أهل ينبع وندبوا قاضيهم ابن سعد وجاء وغدا إليها وما أصبح يقدر يصفها من عظمها وكتب الكتاب يوم خامس رجب وهي على حالها والناس منها

ص: 7

خائفون والشمس والقمر من يوم طلعت ما يطلان إلا كاسفين فنسأل الله العافية، ومن كتاب بعض بني القاشاني بالمدينة يقول فيه وصل إلينا في جمادى الآخرة نجّابة من العراق أخبروا عن بغداد أنه أصابها غرق عظيم حتى دخل الماء من أسوار بغداد إلى البلد وغرق كثير من البلد ودخل الماء دار الخليفة وسط البلد وانهد مت دار الوزير وثلاثمائة وثمانون داراً وانهدم مخزن الخليفة وهلك من السلاح شيء كثير وعادت السفن تدخل إلى وسط البلد وتتخرق أزقة بغداد قال وأما نحن فإنه جرى عندنا أمر عظيم لما كان ليلة الأربعاء الثالث من جمادى الآخرة ومن قبلها - بيومين - عاد الناس يسمعون صوتاً مثل صوت الرعد ساعة بعد ساعة وما في السماء غيم حتى أنه منذ يومين إلى ليلة الأربعاء ثم ظهر الصوت حتى سمعه الناس وتزلزلت الأرض ورجفت بنا رجفة لها صوت كدوي الرعد فانزعج لها الناس كلهم وانتبهوا من مراقدهم وضج الناس بالاستغفار إلى الله تعالى وذكر بمعنى ما تقدم ثم قال والحجارة معها تتحرك وتسير حتى كادت تقارب حدة العريض ثم سكنت ووقفت أياماً ثم عاد تخرج من النار ترمي بحجار خلفها وأمامها حتى بنت لها جبلين خلفها ما بقي يخرج منها من بين الجبلين لسان لها أياماً ثم أنها عظمت الآن وشباها إلى الآن وهي تخرج كأعظم ما يكون ولها كل يوم صوت عظيم آخر الليل إلى ضحوة ولها عجائب ما أقدر

ص: 8

أصفها لك على الكمال وإنما هذا منها طرف كبير يكفي والشمس والقمر كأنهما منكسفان إلى الآن وكتبت هذا الكتاب ولها شهر وهي في مكانها حتى قال فيها بعضهم

يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا

لقد أحاطت بنا يا رب بأساء

نشكو إليك خطوباً لا نطيق لها

حملاً ونحن بها حقاً أحقاء

زلازلاً تخشع الشم الصلاب لها

وكيف يقوى على الزلزال شماء

أقام سبعاً يرج الارض فانصدعت

عن منظر منه عين الشمس عشواء

ترمى لها شرر كالقصر طائشة

كأنها ديمة تنصب هطلاء

تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت

رعباً وترعد مثل السعف أضواء

منها تكاثف في الجو دخان إلى

إن عادت الشمس منه وهي دهماء

قد أثرت سعفة في البدر لفتحها

فليلة التم بعد النور ليلاء

تحدت النيران السبع ألسنها

بما يلاقي بها تحت الثرى الماء

وقد أحاط لظاها بالبروج إلى

أن كاد يلحقها بالأرض أهواء

فيالها آية من معجزات رسول الل

هـ يعقلها القوم الألباء

فباسمك الأعظم المكنون إن عظمت

منا الذنوب وساء القلب أسواء

فاسمح وهب وتفضل وانج واعف وجد

واصفح فكل لفرط الحلم خطاء

ص: 9

فقوم يونس لما آمنوا كشف ال

عذاب عنهم وعم القوم نعماء

ونحن أمة هذا المصطفى ولنا

منه إلى عفوك المرجو دعاء

هذا الرسول الذي لولاه ما سلكت

محجة في سبيل الله بيضاء

فارحم وصل على المختار ما خطبت

على علا منبر اللأوراق ورقاء

ونظم بعضهم في هذه النار وغرق بغداد

سبحان من أصبحت مشيئته

جارية في الورى بمقدار

في سنة أغرق العراق وقد

أحرق أرض الحجاز بالنار

وفيها ليلة الجمعة أول ليلة من رمضان احترق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان ابتداء حريقه من زاويته - الغربية من الشمال - فعلقت في الأبواب ثم اتصلت بالسقف بسرعة ثم دبت في السقوف آخذة قبلة فاعجلت الناس عن قطعها فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد أجمع ووقع بعض أساطينه وذاب رصاصها وكل ذلك قبل أن ينام الناس واحترق سقف الحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ووقع ما وقع منه في الحجر وبقي على حاله لما شرع في عمارة سقفه وسقف المسجد واصبح الناس يوم الجمعة فعزلوا موضعاً للصلاة ونظم في حريق المسجد.

لم يحترق حرم النبي لحادث

يخشى عليه ولا دهاه العار.

لكنما أيدي الروافض لامست

ذاك الجناب فطهرته النار.

ص: 10

وقال معين الدين بن تولوا المعزى

قل للروافض بالمدينة مالكم

يقتادكم للذم كل سفيه.

ما أصبح الحرم الشريف محرقاً

إلا لسبكم الصحابة فيه.

وعلى ما وقع من تلك النار الخارجة وحريق المسجد من جملة الآيات فقال شهاب الدين أبو شامة في ذلك وفيما تقدم

بعد ست من المئين وخمسين

لدى أربع جرى في العام.

نار ارض الحجاز مع حرق المسجد

معه تغريق دار السلام.

ثم أخذ التتار بغداد في أو

ل عام من بعد ذاك بعام.

لم يعن أهلها والكفر أعوا

ن عليهم يا ضيعة الإسلام.

وانقضت دولة الخلافة منها

صار مستعصم بغير اعتصام.

رب سلم وصن وعاف بقايا ال

مدن يا ذا الجلال والإكرام.

فحنانا على الحجاز ومصر

وسلام على بلاد الشآم.

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة وفي ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة خسف القمر أول الليل وكان شديد الحمرة ثم انجلى وكسفت الشمس في غده واحمرت وقت طلوعها وقريب غروبها واتضح بذلك ما صوره الشافعي رحمة الله عليه من اجتماع الكسوف والخسوف واستبعده أهل النجامة.

ص: 11

وفيها تواترت الأخبار بوصول عساكر هولاكو إلى أذربيجان قاصدة بلاد الشام فوردت قصاد الديوان العزيز على الشيخ نجم الدين البادرائي وهو إذ ذاك بدمشق تأمره أن يتقدم إلى الملك الناصر بمصالحة الملك المعز صاحب مصر وأن يثني عزمه عن قصده ويتفق معه على قتال التتار وأجاب إلى ذلك وأعاد العسكر إلى دمشق بعد أن كان قد وصل إلى غزة وأقام بها صحبة الملك المعظم توران شاه ابن صلاح الدين يوسف بن أيوب فدخل العسكر دمشق في العشر الأول من شوال وفي جملتهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فاقطعه الملك الناصر مثل ما كان له بمصر من الإقطاع.

وفي شوال توّجه كمال الدين بن العديم رسولاً من الملك الناصر - صلاح الدين يوسف رحمه الله إلى الخليفة المستعصم بالله على البرية بتقدمة كبيرة فوصل بغداد في الثاني والعشرين من ذي القعدة وطلب من الخليفة خلعه لمخدومه وكان قد قدم بغداد الأمير شمس الدين سنقر الأقرع وهو في الأصل من غلمان الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن العادل رسولاً من الملك المعز صاحب مصر إلى الخليفة بسبب تعطيل الخلعة فتحير الخليفة فيما يفعل فاحضر الوزير مؤيد الدين بن العلقمي جمال الدين بن كمال الدين بن العديم وكان سافر مع أبيه وناوله سكينة كبيرة من نشم وقال له خذ هذه علامة على أنه

ص: 12