المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة خمس وخمسين وستمائة - ذيل مرآة الزمان - جـ ١

[اليونيني، أبو الفتح]

الفصل: ‌سنة خمس وخمسين وستمائة

وما يعود إلى ملكي وصرفه جميعه في بناء المارستان وأوقافه وتصدق به.

‌سنة خمس وخمسين وستمائة

استهلت هذه السنة والخليفة والملوك على ما كانوا عليه في السنة الخالية وفي شهر رمضان منها توجه الملك العزيز بن الملك الناصر إلى هولاكو بهديةٍ سنيةٍ جليلةٍ وكان في خدمته الأمير سيف الدين إبراهيم الجاكي والحافظي وغيرهما وفيها أشتهر أن الملك المعز صاحب مصر قد عزم على أن يتزوج ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وأن قد تردد بينهما الرسائل في ذلك وبلغ زوجته شجر الدر وكانت جارية الملك الصالح نجم الدين أيوب وأم ولده خليل فعظم ذلك عليها وعزمت على الفتك به وإقامة غيره في الملك فطلبت صفي الدين إبراهيم بن مرزوق وكان مقيماً في الديار المصرية وله تقدم في الدول ووجاهة عند الملوك فاستشارته في ذلك ووعدته أن يكون الوزير والحاكم في الدولة فأنكر عليها ذلك ونهاها عنه فلم تصغ إلى ذلك وطلبت مملوكها الطواشي محسن الجوجري الصالحي وعرفته ما عزمت عليه ووعدته الوعد الجميل إن قتله واستدعت جماعة من الخدام الصالحية وأطلعتهم على هذا الأمر واتفقت معهم عليه فلما كان يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول لعب الملك المعز بالكرة في ميدان اللوق إلى آخر النهار ثم صعد إلى قلعة الجبل

ص: 45

والأمراء في خدمته والوزير شرف الدين الفائزي والقاضي بدر الدين السنجاري فلما دخل القلعة وفارقه الموكب وصار إلى داره أتى إلى حمام الدار ليغتسل فيه فلما خلع ثيابه وثب عليه سنجر مملوك الجوجري والخدام فرموه إلى الأرض وخنقوه وطلبت شجر الدر الصفي بن مرزوق على لسان الملك المعز فركب حماره وبادر وكانت عادته يركب الحمار في الموكب السلطاني وغيره مع عظم مكانته وكثرة أمواله ودخل القلعة من باب سر فتح له وادخل الدار فرأى شجر الدر جالسة والملك المعز بين يديها ميتاً فأخبرته الخبر فعظم عليه وخاف خوفاً شديداً فاستشارته فيما تفعل فقال ما أعرف ما أقول وقد وقعت في أمر عظيم ما لك منه من مخلص وكان الأمير جمال الدين ايدغدي العزيزي معتقلاً في بعض الآدر مكرماً فأحضرته في تلك الليلة وطلبت منه أن يقوم بالأمر فامتنع وسيرت في تلك الليلة إصبع الملك المعز وخاتمه إلى الأمير عز الدين الحلبي الكبير وطلبت منه أن يقوم بالأمر فلم يجسر على ذلك وانطوت الأخبار عن الناس تلك الليلة ولما كان سحر يوم الأربعاء الرابع والعشرين منه ركب الأمراء والأكابر إلى القلعة على عادتهم وليس عندهم خبر بما جرى ولم يركب الفائزي في ذلك اليوم وتحيرت شجر الدر فيما تفعل فأرسلت إلى الملك المنصور نور الدين علي بن الملك المعز تقول له عن أبيه أنه ينزل إلى البحر في جمع من الأمراء لإصلاح الشواني التي تجهزت للمضي إلى دمياط ففعل وقصدت بذلك أن يقل من على الباب لتتمكن مما

ص: 46

تريد فلم يتم مرادها.

ولما تعالى النهار شاع الخبر بقتل الملك المعز واضطربت الناس في البلد واختلفت أقاويلهم ولم يتفقوا على حقيقة الأمر وركب العسكر إلى جهة القلعة وأحد قوابها ودخلها مماليك الملك المعز والأمير بهاء الدين بغدي الأشرفي مقدم الحلقة وطمع الأمير عز الدين الحلبي في التقدم وساعده على ذلك جماعة من الأمراء الصالحية فلم يتم لهم مرادهم ثم استحضر الذين في القلعة الوزير شرف الدين الفائزي واتفقوا على تمليك الملك المنصور نور الدين علي بن الملك العز وعمره يومئذ نحو خمس عشر سنة فرتبوه في الملك ونودي في البلد بشعاره وسكن الناس وتفرقت الأمراء الصالحية إلى دورهم ولما كان يوم الخميس خامس وعشرين الشهر وقع في البلد خبط عظيم وركب العسكر إلى القلعة واتفق رأي الذين في القلعة على نصب الأمير علم الدين سنجر الحلبي المعروف بالمشد أتابكاً للملك المنصور واستحلفوا العسكر له وحلف له الأمراء الصالحية على كره من أكثرهم وامتنع الأمير عز الدين الحلبي ثم خاف على نفسه فحلف وانتظمت الأمور.

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وفي يوم الجمعة سادس وعشرين منه خطب للملك المنصور بمصر والقاهرة وأما شجر الدر فامتنعت بدار السلطنة هي والذين قتلوا الملك المعز وطلب مماليك المعز هجوم الدار عليهم فحالت الأمراء الصالحية بينهم وبين ذلك فأمنها مماليك المعز وحلفوا أنهم لا يتعرضون لها بمساءة ولما كان يوم الاثنين التاسع والعشرين منه خرجت من دار السلطنة

ص: 47

إلى البرج الأحمر وعندها بعض جواريها وقبض على الخدام واقتسمت الجواري فكان نصر العزيزي الصالحي هو أحد الخدام القتلة قد هرب يوم ظهور الواقعة إلى الشام واحتيط على الدار وجميع من فيها وكلن يوم ظهور الواقعة احضر الصفي بن مرزوق من الدار وسئل عن حضوره عند شجر الدر فعرفهم صورة الحال فصدقوه وأطلقوه وحضر الأمير جمال الدين ايدغدي العزيزي وكان الناس قد قطعوا بموته فأمر باعتقاله ثم نقل إلى الإسكندرية فاعتقل بها وفي يوم الاثنين المذكور صلب الخدام الذين اتفقوا على قتل المعز وهرب سنجر غلام الجوجري ثم ظفر به وصلب إلى جانب أستاذه محسن فمات سنجر وقت العصر من هذا اليوم على الخشبة وتأخر موت الباقين إلى تمام يومين.

وفي يوم الخميس ثاني ربيع الآخر ركب ودخل القاهرة من باب النصر وترجل جميع الأمراء خلا الأتابك علم الدين سنجر الحلبي وصعد القلعة ومد السماط للأمراء وتقرر في الملك ووزر له وزير أبيه شرف الدين الفائزي وفي يوم الجمعة ثالث ربيع الآخر خطب للملك المنصور وبعده لأتابكه علم الدين سنجر الحلبي.

وفي مستهل ربيع الآخر فوض القضاء بالقاهرة وأعمالها إلى القاضي بدر الدين السنجاري وعزل عن ذلك تاج الدين ابن بنت الأعز وأبقى عليه قضاء مصر وعملها.

وفي يوم الجمعة عاشر الشهر قبض الأمير سيف الدين قطز وعلم الدين سنجر الغتمي وسيف الدين بهادر وغيرهم من المعزية على الأتابك

ص: 48

علم الدين سنجر الحلبي وأنزلوه إلى الجب بالقلعة لتخيلهم منه الاستيلاء على الملك فاضطرب الأمراء الصالحية وركب العسكر وخيف على البلد النهب ثم خاف الصالحية على أنفسهم فهرب أكثرهم إلى جهة الشام وتقنطر بالأمير عز الدين أيبك الحلبي الكبير فرسه وكذلك خاص ترك الصغير فهلكا خارج القاهرة وادخلا ميتين واتبع العسكر المنهزمين فقبض على أكثرهم وحملوا إلى القلعة واعتقلوا بها وقبض على الأمير شرف الدين الفائزي واعتقل وفوض أمر الوزارة إلى القاضي بدر الدين يوسف السنجاري مضافاً إلى قضاء القاهرة وما معها واحتيط على موجود الفائزي وكان له مال كثير ولكن كان أكثره مودعاً وأخذ خطه الأمير سيف الدين قطز بمائة ألف دينار واحتيط على بهاء الدين علي - بن محمد بن سليم - بن حنّا وزير شجر الدر وأخذ خطه بستين ألف دينار. وفي يوم الأربعاء منتصف الشهر المذكور رتب الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب أتابكا للملك المنصور.

وفي رجب رفعت يد القاضي بدر الدين من الوزارة وأضيف إليه قضاء مصر وأعمالها فكمل له قضاء الإقليم بكامله وولي القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز الوزارة.

وفي هذه السنة وقعت وحشة في نفس الملك الناصر صلاح الدين يوسف من البحرية وأنهى إليه أنهم عزموا على اغتياله والتغلب على

ص: 49

الملك فتقدم إليهم بالانتزاح عن دمشق ففارقوها على صورة العصيان والمشاققة ونزلوا غزة ثم انتموا إلى الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن الملك الكامل صاحب الكرك وفي شعبان كثرت الأراجيف بالقاهرة بأن الأمراء والأجناد اتفقوا على إزالة أمر مماليك الملك المعز عن البلد وأن الملك المنصور تغير على الأمير سيف الدين قطز واجتمع أكثر الأمراء في دار الأمير بهاء الدين بغدي مقدم الحلقة ثم رضى الملك المنصور على قطز وخلع عليه وطيب قلبه.

وفي رابع شهر رمضان ركب الأمير بهاء الدين بغدي وبدر الدين بلغان بعد أن جرح بلغان وانهزم من كان معهما وحملا إلى القلعة ودخل المعزية القاهرة فقبضوا على الأمير عز الدين أيبك الأسمر وارزن الرومي وسابق الدين توزبا الصيرفي وغيرهم من الأشرفية ونهبت دورهم ووقع في البلد اضطراب عظيم ثم نودي بالأمان لمن دخل في الطاعة وسكن الناس.

وفي خامس شهر رمضان ركب الملك المنصور وفي خدمته الأمير سيف الدين قطز وباقي مماليك أبيه وشق القاهرة وفي عيد الفطر نزل الملك المنصور وصلى في المصلى ثم ركب إلى القلعة ومد السماط ووردت الأخبار إلى الديار المصرية بمفارقة البحرية للملك الناصر

ص: 50

صلاح الدين يوسف فظن المصريون أن ذلك خديعة من الملك الناصر وأنه قد عزم على قصد البلاد فأخذوا في التحرز.

وفي ثالث شوال خرج من القاهرة جماعة أمراء مقدمهم الدمياطي وخرج غد هذا اليوم آخرون ونزلت العساكر بالعباسة وما حولها ثم وردت الأخبار بأن عساكر الملك الناصر وصلت نابلس لحرب البحرية وكانوا نازلين غزة ثم ورد الخبر أن البحرية كبسوا الملك الناصر وقتلوا منهم جماعة ليلاً ثم ورد الخبر أن عسكر الملك الناصر كسروا البحرية وأن البحرية انحازوا إلى ناحية زغر من الغور.

وفي الثالث عشر منه دخل جماعة من البحرية إلى القاهرة منهم الأمير عز الدين أيبك الأفرم فتلقوا بالإكرام وأفرج عن أملاك الأفرم ونزل بداره بمصر وترادفت الأخبار بالديار المصرية أن البحرية رحلوا من زغر طالبين بعض الجهات فاتضح من أمرهم أنهم خرجوا من دمشق على حمية وأنهم قصدوا القدس الشريف وهو مقطع الأمير سيف الدين ايبك من جهة الملك الناصر وطلبوا منه أن يكون معهم فامتنع فاعتقلوه وخطبوا للملك المغيث وجاءوا إلى غزة وقبضوا واليها وأخذوا حواصل الملك الناصر بغزة والقدس وغيره وقصدتهم عساكر الملك الناصر فجرى ما تقدم ذكره من كبسهم للعسكر الناصري ثم انتصر عليهم العسكر الناصري فانهزموا إلى البلقاء ثم إلى زغر ودخلوا في طاعة الملك المغيث وانفق فيهم جملة كثيرة من المال وطمعوا في أخذ مصر له

ص: 51