المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المغلظة أنه لا يتعرض له بأذى فوصل شادي إلى والده - ذيل مرآة الزمان - جـ ١

[اليونيني، أبو الفتح]

الفصل: المغلظة أنه لا يتعرض له بأذى فوصل شادي إلى والده

المغلظة أنه لا يتعرض له بأذى فوصل شادي إلى والده وعرفه ذلك فقدم دمشق ووجد الملك الناصر يوسف قد أوغر صدره عليه فنزل بتربة والده الملك المعظم بسفح قاسيون وشرط عليه أن لا يركب فرساً ثم أذن له في الركوب بشرط أنه لا يدخل البلد ولا يركب في موكب فاستمر الحال على ذلك إلى آخر السنة.

‌فصل

وفيها توفي إبراهيم بن أونبا بن عبد الله الصوابي الأمير مجاهد الدين والي دمشق وليها بعد الأمير حسام الدين عرابي بن أبي علي في سنة أربع وأربعين وستمائة وكان في بداية سعادته أمير جاندار الملك الصالح نجم الدين وكان أميراً جليلاً فاضلاً عاقلاً رئيساً كثير الصمت مقتصداً في إنفاقه وكان بينه وبين الأمير حسام الدين مصافاة كثيرة ومودة أكيدة ولما مرض مرض موته أسند نظر الخانقاه التي عمرها على شرف الميدان القبلي ظاهر دمشق إلى الأمير حسام الدين المذكور فتوقف في قبول ذلك ثم قبله على كره منه وتوفي مجاهد الدين رحمه الله تعالى في أوائل هذه السنة وقيل في أواخر سنة ثلاث وخمسين ودفن بالخانقاه المذكورة رحمه الله وله نظم فمنه.

أشبهك الغصن في خصال

القد واللين والتثني.

لكن تجنّيك ما حكاه

الغصن يجنى وأنت تجني.

ص: 14

وله في صبي اسمه مالك.

ومليح قلت ما الاسم

حبيبي قال مالك.

قلت صف لي قدك الزا

هي وصف حسن اعتدالك.

قال كالغصن وكالبد

روما أشبه ذلك.

إبراهيم بن أيبك بن عبد الله مظفر الدين كان والده الأمير عز الدين أيبك المعظمى صاحب صرخد قد اشتراه الملك المعظم عيسى بن العادل سنة سبع وستمائة وترقى عنده حتى جعله أستاذ داره فكان عنده في المنزلة العلياء يؤثر على أولاده أهله ولم يكن له نظير في حشمته ورياسته وكرمه وشجاعته - 10ب - وسداد رأيه وعلو همته بحيث كان يضاهي الملوك الكبار واقطعه الملك المعظم صرخد وقلعتها وأعمالها وقرى كثيرة أمهات غيرها ولما توفي الملك المعظم بقي في خدمة ولده الملك الناصر صلاح الدين داود فلما حضر الملك الكامل كان الأمير عز الدين المذكور هو المدبر للحرب وأمور الحصار فلما حصل الاتفاق على تسليم دمشق كان هو المتحدث لذلك فاشترط للملك الناصر من البلاد والأموال والحواصل فوق ما أرضاه ثم اشترط لنفسه صرخد وأعمالها وسائر أملاكه بدمشق وغيرها وأن يسامح بما يأخذ من المكوس على سائر ما يباع ويبتاع له من سائر الأصناف ويفسح له في الممنوعات وأن يكون له حبس في دمشق يحبس فيه نوابه من لهم عليه حق فأجيب إلى ذلك جميعه بعد توقف وبقي على ذلك الأيام الأشرفية والكاملية والصالحية

ص: 15

والعمادية وإلى أوائل الدولة الصالحيه النجمية فحصل له وحشة من الملك الصالح نجم الدين وكان مع الخوارزمية لما كسروا على القصب في يوم الجمعة مستهل المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة فمضى إلى صرخد وامتنع بها ثم أخذت منه صرخد في أوائل السنة المذكورة وأخذ إلى الديار المصرية فاعتقل بها بدار صواب فكان إبراهيم هذا قد مضى إلى الملك الصالح نجم الدين ووشى به وقال أموال أبى قد بعث بها إلى الحبلين وأول ما نزل بها صرخد كانت ثمانين خرجا فأودعها عند الشيخ شمس الدين سبط ابن الجوزي وبلغ الأمير عز الدين اجتماعه بالملك الصالح فمرض ووقع إلى الأرض وقال هذا آخر عهدي بالدنيا ولم يتكلم بعدها حتى مات ودفن ظاهر القاهرة بباب النصر سنة خمس وأربعين ثم نقل بعد ذلك إلى القبة التي بناها برسم دفنه في المدرسة التي أنشأها على شرف الميدان ظاهر دمشق من جهة الشمال ووقفها على أًصحاب أبي حنيفة رحمة الله عليه وهي من أحسن المدارس وأنضرها وله مدرسة أخرى بالكشك داخل مدينة دمشق.

وبالجملة فكان من سادات الأمراء كثير البر والمعروف وإنعامه يشمل الأمراء والأكابر والفقراء والصلحاء والعوام رحمه الله ورضى عنه فلقد كان من محاسن الدهر ثم أن ولده هذا سعى بحاشيته مثل البرهان كاتبه وابن الموصلي صاحب ديوانه والبدر الخادم ومسرور

ص: 16

وغيرهم فأمر الملك الصالح نجم الدين بحملهم إلى مصر فأما البرهان فإنه من خوفه يوم اخرج ليتوجه إلى مصر مات بمسجد النارنج والباقون حملوا إلى مصر ولم يظهر عليهم مما قيل درهم واحد فرجعوا إلى دمشق بعد وفاة الملك الصالح وقد لاقوا شدائد وأهوال - 11ب - وختم للأمير عز الدين بالشهادة رحمه الله تعالى.

وذكر الشيخ شمس الدين سبط ابن جوزي رحمه الله ما يدل على أن إبراهيم هذا ولد جاريته وانه تبناه وليس بولده وهو أخبر بذلك ويدل عليه ما فعله به وبحاشيته والله أعلم بذلك.

بشارة بن عبد الله أبو البدر الأرمني - الكاتب - مولى شبل الدولة المعظمى سمع من الشيخ تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وغيره وكان يكتب خطاً حسناً وتوفي ليلة النصف من شهر رمضان بدمشق ودفن من الغد بسفح قاسيون رحمه الله وذريته يدعون النظر على المدرسة والخانقاه والتربة المنسوب ذلك إلى شبل الدولة رحمه الله تعالى.

طغريل بن عبد الله الأمير سيف الدين أستاذ دار الملك المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة كان من أعيان الأمراء شجاعاً حسن التدبير والسياسة للأمور ولما توفي الملك المظفر قام بتدبير أمور ولده الملك المنصور ناصر الدين محمد بمراجعة والدته غازية خاتون بنت الملك الكامل ناصر الدين ابن أبي المعالي محمد بن الملك العادل ومشاورتها في الأمور

ص: 17

وأخذ رأي الصاحب شرف الدين عبد العزيز محمد بن شيخ الشيوخ ولم يزل على ذلك وهو أتابكه إلى أن توفي في ثالث شوال رحمه الله تعالى.

عبد الرحمن بن احمد بن الحسن بن كاتب بن عبد الرحمن أبو المعالي شرف الدين القرشي البعلبكي العدل المعروف بابن الفارقي توفي ببعلك في سادس شهر رمضان هذه السنة ومولده بدمشق في شوال سنة تسعين وخمسمائة سمع من أبي طاهر الخشوعي وغيره وحدث بدمشق وكان فيه شرف وكان كاتب الحكم بعلبك وحصل بينه وبين قاضيها صدر الدين عبد الرحيم رحمه الله منافرة فوقّع في حقه واشتط عليه ورماه بما برأه الله منه وكان الشرف المذكور يمت بمعرفته قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن سني الدولة رحمه الله تعالى فاستطال بذلك ولم يجد من القاضي صدر الدين عبد الرحيم مع ما صدر منه في حقه إلا الإحسان المتواتر إلى حيث توفي الشرف المذكور وكان القاضي صدر الدين عبد الرحيم من حسنات الزمان وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن حفاظ أبو محمد - زكي الدين - السلمي المعروف بابن الفويرة كان من أعيان عدول دمشق وتوفي بها ليلة نصف ربيع الآخر ودفن من الغد بجبل قاسيون ومولده نحو سنة إحدى وتسعين وخمسمائة تقديراً سمع من الشيخ تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي - وغيره - وحدث رحمة الله تعالى.

ص: 18

عبد الرحمن بن نوح بن محمد أبو محمد شمس الدين - ص2 ورقة 6 ألف - المقدسي الشافعي تفقه وبرع ودرس وكان أحدا الفقهاء المشهورين بدمشق سمع من أبي عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي وغيره وحدث وتوفي بدمشق ليلة السادس عشر من شهر ربيع الآخر ودفن من الغد بمقابر الصوفية وكانت له جنازة حافلة رحمه الله.

عبد العزيز بن عبد الرحمن بن احمد بن هبة الله بن علي أبو بكر شرف الدين الحموي الشافعي المعروف بابن قرناص وقد كان قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله نسبه فقد هو عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسين ابن محمد بن جعفر بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب مولده في تاسع عشر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وخمسمائة كان من أعيان العلماء الفضلاء النبلاء الرؤساء المشهورين وله نظم حسن وتوفي في الثامن والعشرين من ذي القعدة بحماة وبيته - ص2 ورقة 6 ب - مشهور بالفضل والتقدم قال القاضي جمال الدين بن واصل أنه توفي في ذي الحجة وكان فاضلاً في الفقه والأدب مجيداً في النظم والنثر تزهد في صباه وامتنع من قول الشعر إلا ما يتعلق بالزهد ومدح النبي صلى الله عليه وسلم صنف ديوان رسائل مبتكرة بديعة فاعرض عنها وكان يأمر بإعدامها.

ومن شعره

يا من غدا وجهه روض العيون لما

أعاره الحسن من أنواع أزهار.

ص: 19

نعمت طرفي وأودعت الحشى حرقا

فالطرف في جنة والقلب في نار.

وله

إذا لم ينر بالجد ليل شبيبتي

سيظلم بالتقصير صبح مشيبي.

وله من أبيات في أوقات طلوع منازل القمر ينتفع بها جداً وهو.

إذا ما نلت بعد عشرين وقت

لنيسان بالنطح ارتقبه مع الفجر.

وسادس أيار البطين ومحتل

حنين الثريا تسع عشر من الشهر.

وللدبران من حريزان أوّل

وهقعته تتلوه في رابع العشر.

وسابع عشريه لهنع ودونه ال

ذراع يوافى عشر تموز ذي الحر.

وفي ثالث العشرين تطلع نثرة

وخامس أن لا تنظر الطرف ذا شزر.

وثامن عشر منه مطلع جبهة

وأول أيلول به مطلع الزبر.

ورابع عشر صرفة الحر والعوى

من السبع والعشرين يأوي إلى الوكر.

وتشرنينا الأول سمّاك لعاشر

وثالث عشريه فيه مطلع الغفر.

وتشرنينا الثاني زباني لخامس

وثامن عشر منه ذلك بالزهر.

ويوم ترى كانونا الأول مقبلا

بأول يوم يحقق القلب القر.

ورابع عشر شولة ونعائم

من السبع والعشرين مجرتها تجري.

وكانوننا الثاني يوافيك بلدة

لعشر تراها وهي كالبلدة القفز.

ص: 20

وثالث عشريه كريح ورابع

أتى من شباط بلعه أنزه نسرى.

وثامن عشر منه سعد سعوده

وثاني آذار لا خيبة السفر.

وخامس عشر منه فرغ مقدم

وثامن عشريه المؤخر بالأثر.

وعاشر بيسان لحوت بذا انقضت

منازل لا ينفك به آب في الكر.

فسبحان لمن في طي حكمته لمن

حباه بتوفيق دليل على الحشر.

عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد الله بن محمد بن جعفر بن حسن أبو محمد - ص 2 ورقة 7 ألف - العدواني المصري المعروف بابن أبي الإصبع كان أحد الشعراء المجيدين وله تصانيف في الأدب حسنة مفيدة ومولدة سنة خمس وقيل سنة تسع وثمانين وخمسمائة بمصر وتوفي بها في الثالث والعشرين من شوال ودفن من يومه.

ومن شعره

ليطف لهيب القلب وليذهب السقم

فقد أنعمت بالوصل بعد الجفا نعم.

أشكى ظلمها قلبي فجادت بنظمها

على ظمأ فاستعذب الظُلم والظَلم.

وقالت أرسلي حين بثوا صبابتي

إليكم فعندي من صبابته علم.

أيا نعم إن شئت انعمي أو فعذبي

فعرم الهوى عند المحب هو النعم.

وله

وساق إذا ما ضحك الكأس قابلت

فواقعها من ثغره اللؤلؤ الرطبا.

خشيت وقد أمسى نديمي على الدجى

فأسدلت دون الصبح من شعره حجبا.

وقسمت شمر الطاس في الكأس انجما

ويا طول ليل قسمت شمسه شهبا.

ص: 21

تبسم لما أن بكيت من الهجر

فقلت ترى دمعي فقال ترى ثغري.

فديتك لما أن بكيت تنظمت

بفيك لآلئ الدمع عقد من الدر

فلا تدعي يا شاعر الثغر صنعة

فكاتب دمعي قال ذا النظم من نثري.

وله يمدح الملك الأشرف رحمه الله تعالى

أيا عبلة ألا لحاظك عنتر

وما لي على غاراته في الحشا صبر.

نعم أنت ياخنساء خنساء عصرنا

وشاهد قولي أن قلبك لي صخر.

غاية قصدي بطن يمناك غاية

بها أندى المجدى ينبت التبر.

أغضت الحيا والبحر جودا فقد بكى ال

حياء حياءً منك والنظم والبحر.

عيون معانيها صحاح وأعين ال

ملاح مراض في لواحظها كسر.

أضاعت عقولا حين ضاعت فما درى

أبابل أهدتها إليك أم السحر.

وله

إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها

تذكرت ما بين العذيب وبارق.

وتذكرني من ادمعي وقوامها

تجر عوالينا وتجر السواق.

وله يهجو

ولما رأيتك عند المديح

جهم المحيا لنا تنظر.

تيقنت نحلك لي بالندا

لأن الجهامة لا تمطر.

ص: 22

وله في قيّم حمّام

وقيّم كلمت جسمي أنامله

بغير السنة تكليم خرصان.

ص 2 ورقة 7 ب إن أمسك اليد مني كاد يخلعهاأو سرح الشعر عند الغسل أدماني.

فليس يمسك إمساكا بمعرفة

ولا يسرح تسريحا بإحسان.

وله

تصدق بوصل إن دمعي سائل

وزود فؤادي نظرة فهو راحل.

فخدك موجود به التبر والغنى

وحسنك معدوم لديه الشمائل.

أيا قمراً من شمس وجنته لنا

وظل عذاريه الضحى والأصائل.

تنقلت من طرف القلب مع النوى

وهاتيك للبدر التمام منازل.

إذا ذكرت عيناك للصب درونها

من السحر قامت بالدليل الدلائل.

جعلتك بالتمييز نصباً لناظري

فهلا رفعت الهجر والهجر فاعل.

ولما أضفت السحر للجفن حسنت

به الكسر منه غنج الجفون العوامل.

أعاذل قد أبطرت حبي وحسنه

فإن لمتني فيه فما أنت عاقل.

محياه قنديل لديجور شعره

تعلقه بالصدغ منها سلاسل.

غدا القد منه غصناً تعطفه الصبا

ولا غرو إن هاجت عليه البلابل.

ص: 23

عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن عبد الباقي بن محاسن أبو بكر الأنصاري المعروف بالشيخ عماد الدين - بن - النحاس الدمشقي كان من الفضلاء الصلحاء وله من المكانة العظيمة والحرمة الوافرة والكلمة المسموعة والقبول التام من الخاص والعام كان قد حصل له صمم فكان يحدث من لفظه بسبب ذلك ومولده في الثاني والعشرين من المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بمصر سمع الشيخ شرف الدين أبي سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون بدمشق وسمع من غيره بحلب وأصبهان ونيسابور وكانت وفاته بدمشق في الثاني والعشرين من صفر ودفن من يومه رحمه الله تعالى.

قال سعد الدين مسعود بن حمويه أنشدني عماد الدين عبد الله بن النحاس سنة إحدى وثلاثين وستمائة.

أحبة قلبي إن عندي رسالة

أحب وأهوى أن تؤدى إليكم.

متى ينقضي هذا القطوع وينتهي

وأحظى شفاها بالسلام عليكم.

عيسى بن أحمد بن إلياس بن أحمد بن خليل بن محمود بن محمد بن سالم بن الشيخ الصالح عيسى اليونيني يوسف بن خالد بن بركة بن مبارك بن داود بن شريف بن رميح بن رباح بن كرز بن - ص 2 ورقة 8 ألف - وبرة اليونيني الشيخ الصالح الزاهد العابد العارف المشهور صحب الشيخ الكبير عبد الله اليونيني رحمه الله وانتفع به وكان من أخص

ص: 24

أصحابه وأعيانهم وانقطع بزاويته شمال قرية يونين من أعمال بعلبك متوفراً على العبادة معرضاً عن الدنيا وأهلها يقوم الليل ويسرد الصوم وبقي على ذلك سنين كثيرة إلى أن توفي رحمه الله تعالى في زاويته في قرية يونين في رابع ذي القعدة ودفن بها وهو في عشر الثمانين تقريبا وكان من الأولياء الأفراد لم يشتغل في عمره بغير العبادةً والتوجه إلى الله تعالى على الوجه المشهور الذي يشهد به الكتاب والسنة ومطالعة كتب الرقائق وما يجري مجراها ولم يتزوج في عمره لاستغراق أوقاته بذلك لكنه عقد عقدة على امرأة عجوز تدعى أم يوسف كانت تخدمه لاحتمال أنه يتناول منها شيئاً فتمس يده يدها.

وقال بعض الصلحاء قد قيل أن على قلب كل ولي نبي من أولي العزم رجلا كلما مات جعل مكانه غيره فإن صح فالشيخ عيسى على قلب عيسى ابن مريم عليهما السلام لسلوكه ما يناسب طريقه من الزهد والتحلي فكان لا يتردد إلى أحد البتة وإذا حضر إلى زيارته أحد من أرباب الدنيا والمراتب الجليلة في الدول كالأمراء والوزراء وغيرهم عاملهم بما يعامل به آحاد الناس، وبلغني أن الشيخ نجم الدين البادرائي قصد زيارته فوصل إلى زاويته عند صلاة المغرب فصلى الشيخ المغرب وقام ليدخل إلى خلوته على عادته فعارضه بعض أصحابه فقال يا سيدي هذا لرجل مجتاز وقد قصد زيارتك وانفرد عن أصحابه وجاء الشيخ نجم الدين فسلم عليه وسأله الدعاء وشرع في محادثته فقال الشيخ رحمه الله

ص: 25

من زار وخفف وتركه ودخل إلى خلوته وكان كثير المطالعة لكتب الأحاديث النبوية وكتب الرقائق كقوت القلوب وصفوة الصفوة ومناقب الأبرار وغير ذلك وكان يستحضر من ذلك وغيره شيئاً كثيراً فإنه كان إذا طالع شيئاً علق بخاطره معناه وكانت عبارته حلوة لكن كان لفظه يناسب حديث أهل قريته فربما لحن في بعض كلامه وكان إذا كتب إلى أحد من أرباب الدول وغيرهم ورقة في حاجة سألها إما استغاثة ملهوف أو إعانة مظلوم أو تنفيس كربة أحد من المسلمين كتب من أول الورقة إلى حيث ينتهي الكلام أو يقطعها بحيث لا يكون فيها من البياض ما يكتب به كلمة واحدة اتباعا بما أمر به من عدم الإسراف فيما لا فائدة فيه فإذا وصلت ورقته سورع إلى امتثالها وحصل بها المقصود وكانت له الحرمة العظيمة عند - ص 2 ورقة 8 ب - سائر الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم والمهابة الشديدة في صدورهم مع لطف أخلاقه ولين كلمته وله الكرامات الظاهرة وإذا حضر أحد من المشايخ وأرباب القلوب إلى يونين قصد زيارته وتأدب معه غاية الأدب أما هو فلا يمشي إلى أحد البتة ومن ورد من أرباب القلوب وسلك غير ذلك سلبه حاله ولقد سلب جماعة من الفقراء أحوالهم فيما بلغني وأدركت بعضهم وكان والدي رحمه الله إذا خرج إلى يونين طلع إلى زاويته من بكرة النهار ويدخلان إلى الخلوة بمفردهما ولا يدخل أحد عليهما ولا يزالان كذلك إلى قريب الظهر وكان بينهما وداد عظيم واتحاد زائد ومحابة في الله تعالى جمع الله بينهما في دار كرامته وكنت أيام مقام والدي

رحمه الله

ص: 26

تعالى بقرية يونين اغشاه وأزوره كثيراً فيقبل عليّ ويتلطف خلاف ما عادته أن يعامل به غيري وأما إذا كنت ببعلبك فأتردد إلى زيارته في الأحيان فلما كانت هذه السنة كان والدي رحمه الله يأمرني كل وقت بقصد زيارته كأنه استشعر قرب أجله وأحس به فكنت بعد كل يوم أتردد إليه فقصدته مرة في أول شوال من هذه السنة ومعي ناصر الدين علي بن فرقين والشمس محمد بن داود رحمهما الله فدخلنا عليه وليس عنده غيرنا وشرع يحدثنا واسترسل في الحديث وغاب واستغرق وهو يحدثنا عن غير قصد منه لذلك ثم أفاق من غيبته فقطع الحديث فسألناه إتمامه وألححنا عليه في السؤال فانشد

من سارروه فأبدى السر مشتهرا؟

لم يأمنوا على الأسرار ما عاشا.

وأبعدوه فلم يحظ بقربهم

وبدلوه مكان الأنس أيحاشاً.

وكان مضمون الحديث أنه جاءه من رجال الغيب من اخبره بدنو أجله أو ما هذا معناه وإن كنت الآن لا أحقق جميع الحديث على وجهه فاتفق مرضه في أواخر الشهر المذكور وبقي على ذلك أياماً وأهل البلد من الرجال والنساء يترددون إلى زيارته وإعادته ويغتنمون بركته إلى أن توفي رحمه الله ورضوانه في التاريخ المذكور فلما وصل خبر وفاته إلى بعلبك لم يبق في البلد إلا القليل وخرج الناس لشهود جنازته والصلاة عليه فكان الناس منتشرين والمدينة إلى يونين والمسافة فوق فرسخين أما والدي رحمه الله فأنه حصل له من الحزن والكآبة والوجوم لموته مالا مزيد عليه وأمرني بالمبادرة لحضور دفنه فبادرت

ص: 27

إلى ذلك ولما اجتمع - ص 2 ورقة 9 ألف - غسل وكفن وصلى عليه ودفن إلى جانب عمه الشيخ عبد الخالق رحمه الله وكان الشيخ عبد القادر المذكور من الصلحاء الأولياء الزهاد العباد وهو من أعيان أصحاب الشيخ عبد الله الكبير رحمه الله تعالى وقد ذكرنا نسب الشيخ عيسى وسقناه إلى كرز بن وبرة رحمة الله عليه حسب ما كتبه لي محمد بن اسماعيل بن أحمد بن الياس بن أخي الشيخ عيسى رحمه الله وكان كرز بن وبرة الكوفي من الطبقة الرابعة من أهلها وكان زاهداً عابداً خائفاً مجتهداً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيضربونه حتى يغشى عليه وسأل الله تعالى أن يعطيه الاسم الأعظم على أن لا يسأل به من الدنيا شيئاً فأعطاه الله ذلك فسأل الله أن يقويه على ختم القرآن فكان يختمه في اليوم والليلة ثلاث مرات ولم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة حياء من الله تعالى وقال أبو سلمان المكتب صحبت كرزاً إلى مكة فكان ينزل فيصلي فرأيت يوماً سحابة تظله وكان يوما شديد الحر فقال أكتم علي فحلفت له وما حدثت به أحداً حتى مات، وروى أبو نعيم عنه أنه دخل عليه وهو يبكي فقيل له ما يبكيك فقال بابي مغلق وستري مرسل ومنعت حزبي أن أقرأه البارحة وما ذاك إلا من ذنب أحدثته وكانت وفاته في سنة تسع وأربعين ومائة ولما رأى رجل فيما يرى النائم كأن أهل القبور جلوس على قبورهم وعليهم ثياب جدد فقيل لهم ما هذا قالوا إن أهل القبور كسوا ثيابا جددا لقدوم كرز عليهم، أسند كرز عن طاوس وعطاء والربيع بن خثيم

ص: 28

والقرظي وغيرهم وكان سكن جرجان رحمة الله عليه قلت والشيخ عيسى عريق في الصلاح نفع الله تعالى به وبالصالحين من سلفه، حدثني أبو طالب بن أحمد بن أبي طالب اليونيني غير مرة ما معناه أن الشيخ عيسى رحمه الله أخبره أن ملك بني أيوب يزول وتنقطع دولتهم قال فقلت له من يملك بعدهم قال الترك المماليك ويفتحون الساحل بحيث لا يبقى للفرنج في ساحل الشام شيء أصلاً وذكر كلاماً آخر وهذا سمعته من المذكور قبل فتوح صفد وغيرها وحكى لي المذكور ما معناه أن عبد الله بن الياس النصراني من أهل قرية الرأس قال له رحت إلى طرابلس فقال لي بعض الجبالة عندي أسير من بلادكم تشتريه فرحت معه إلى منزله فوجدت الأسير سهل من قرية رعبان فحين رآني تشبث بي وقال لا تخلي عني أشترني وأنا أعطيك ثمني حال وصولي إلى رعبان فاشتريته بستين ديناراً صورية وجبته إلى رعبان فلم يكن له ولأولاده ما - ص2 ورقة 9 ب - يأكلون تلك الليلة فندمت وحرت في أمري فقال لي أهل القرية نحن في البيدر نجمع لك ثمنه فضاق صدري واتفق أني جئت إلى يونين فرأيت الشيخ عيسى وهو خارج من الطهارة ولم أكن رأيته قبل ذلك فحين رآني قال أنت الذي اشتريت سهل قلت نعم فشرع يحدثني ويسألني عن الصورة وهو متوجه إلى زاويته وأنا معه

ص: 29

فلما وصل إلى السياج الذي على ظاهر الزاوية طلب فقيراً من داخل السياج وقال له أبصر في الزاوية ورقة تحت اللباد الذي لي أحضرها قال النصراني فتوهمت أنها كتاب كتبه إلى من يعطيني شيئاً من وقف الأسرى أو غيره فأحضر ذلك الفقير ورقة ناولها الشيخ فناولني إياها فوجدتها ثقيلة فقال خذ هذا فأبعدت عنه وفتحت الورقة فوجدت فيها الستين ديناراً التي وجدتها في الأسير بعينها فتحيرت وأخذتها وانصرفت قال أبو طالب لم لا أسلمت فقال ما أراد الله وحكى لي الشيخ عمران حمل رحمه الله بقرية برصونا من حبل الطينين في شهر ربيع الآخر سنة ثمانين وست مائة بعد منصرفي من ظاهر طرابلس بعد فتحها وقد بت عنده وجرى حديث التفاح وقد أكلته الدودة ويبست معظم أشجاره عندهم فقال ما معناه كانت الدودة قد ركبت أشجار التفاح عندنا بحيث

أعطبتها فشكونا ذلك إلى الشيخ عيسى رحمه الله وسألناه أن يكتب لنا حرزاً فأعطانا ورقة مطوية صورة حرز فشمعناها وعلقناها على بعض الأشجار فزالت الدودة عن الوادي بأسره وأخصبت أشجار التفاح بعد يبسها وحملت حملاً مفرطاً وبقينا على ذلك سنين في حياة الشيخ وبعد وفاته ثم خشينا ضياع الحرز وقلنا ننسخه فأزلنا عنه الشمع وفتحناه فإذا هو قطعة من كتاب ورد على الشيخ من بعض أهل حماة فندمنا على فتحه ثم شمعناه وأعدناه إلى مكانه فجاءت الدودة وركبت الأشجار وأعطبتها واستمر الحال على ذلك وحكى لي الحاج علي بن أبي بكر بن دلفة اليونيني ما معناه قال كان والدي وابن عمك نور الدولة علي بن عمر بن نيار رحمه الله قد اتفقنا على عمارة حمام بقرية يونين وحصلوا بعض آلاته وهيئوا المكان الذي يعمر فيه واهتموا بذلك واتفق أنهما طلعا إلى عند الشيخ عيسى وأنا معهما فقال لهما الشيخ رحمه الله بلغني أنكم تريدون تعمرون حماماً في هذه القرية وهذا لا تفعلوه واتركوا - ص 2 ورقة عشرة ألف - عمارته فما وسعهم إلا أن قالوا السمع والطاعة وقاموا من عنده فلما بعدوا عنه قال أحدهما للآخر كيف نعمل بهذه الآلات فقال له صاحبه الشيخ عيسى رجل كبير ما يخلد نصبر فمتى مات عمرناه فطلبهما الشيخ إليه وقال كأني بكم قد قلتم كذا وكذا وأنكم تعمرون الحمام بعد موتي وهذا لا يصير ولا يعمر في القرية حمام لا في حياتي ولا بعد موتي فاعتذروا إليه مما قالوه وفارقوا على ذلك قلت فأنا والله رأيت الأمير جمال الدين التجيبي رحمه الله نائب السلطنة في الشام في أوائل الدولة الظاهرية وكان معهم مقطع معظم يونين قد اهتم بعمارة حمام في القرية واشترى القدور وسائر الآلات ولم يبق إلا عمارته ثم اتفق ما صرفه عن ذلك ثم انتقل الخبر إلى الأمير عز الدين أيدمر الظاهري متولي نيابة السلطنة بالشام بعده فشرع في ذلك واهتم به كهمة الأمير جمال الدين أو أكثر وحفر الأساس ثم بطل ذلك بموانع سماوية وأظن أميراً آخر غيرهما اقطع في القرية فعزم على مثل ذلك فلم يتم وصح قول الشيخ رحمه الله تعالى وحدثني المغربي عامر بن يحيى بنى ريان بمنزلي بقرية يونين في ثاني وعشرين ذي قعدة سنة اثنتين وتسعين وستمائة ما معناه قال قدم الشيخ عثمان رحمه الله من دير ناعر إلى بعلبك ووالدك رحمه الله في يونين وقصده وخرجت في خدمته فطرقت باب هذه الدار واستأذنت على والدك رحمه الله ودخلت إليه وقلت يا سيدي الشيخ عثمان قد حضر إلى خدمتك قال يدخل فلما دخل تلقاه والدك ورحب به وجلسا يتحدثان وحضر شيء للأكل فأكلا ومن عندهما فلما شيل السماط قال والدك للشيخ عثمان ما تطلع تزور أخاك الشيخ عيسى قال اطلع في خفارتك قال نعم في خفارتي قال وطلع وأنا معه فلما وصل إلى زاوية الشيخ عيسى تلقاه واعتنقه وبالغ في الترحيب به وجلسا يتحدثان زمنا طويلا وودعه الشيخ عثمان ونزل إلى عند والدك إلى هذه الدار فلما دخل عليه قال له والدك كيف رأيت قال له يا سيدي كل خير قال عامر فسألت الشيخ عثمان بعد ذلك عن توقفه عن الطلوع إلى الشيخ عيسى حتى أجاره والدك قال يا ولدي قدمت هذه القرية من سنين بعد وفاة الشيخ عبد الله الكبير رحمه الله بسنيات ونمت في المرح الذي في الزوايا فلما مضى بعض الليل قمت لأجدد الوضوء في الطهارة فحين خرجت إلى الطريق وجدت ثعباناً عظيماً فتح فاه وكاد يبتلعني فصرخت - ص 2 ورقة 10 ب - وقلت يا سيدي الشيخ عبد الله أنا في جيرتك وفي حسبك فلم أستتم كلامي إلا والشيخ عبد الله واقف بيني وبين الثعبان وبيده حربة وضرب الثعبان بين كتفيه بيده وقال مالك يا نحيس ضيف وارد عليك تفعل معه هذا وإذا بذلك الثعبان هو الشيخ عيسى فطلع إلى زاويته فهذا سبب قولي الذي سمعت ولو لم يجرني سيدي الشيخ الفقيه منه لما طلعت إليه وكرامات الشيخ عيسى كثيرة رحمه الله ورضي عنه. عيسى بن ظاهر بن نصر الله بن جميل أبو محمد الحلبي الحاجب - 12ب - وأظن لقبه القطب كان قيّماً بالفرائض والحساب والأوقاف وله مشاركة في غير ذلك من العلوم ولد بحلب في سادس محرم سنة أربع وثمانين وخمسمائة وانتقل إلى القدس الشريف وأقام به مدة ثم عاد إلى مدينة دمشق وأقام بها إلى سنة أربع وأربعين وستمائة ثم انتقل إلى مدينة حلب وأقام بها إلى أن توفي بها في ليلة الخميس مستهل شهر رمضان هذه السنة رحمه الله تعالى. بتها فشكونا ذلك إلى الشيخ عيسى رحمه الله وسألناه أن يكتب لنا حرزاً فأعطانا ورقة مطوية صورة حرز فشمعناها وعلقناها على بعض الأشجار فزالت الدودة عن الوادي بأسره وأخصبت أشجار التفاح بعد يبسها وحملت حملاً مفرطاً وبقينا على ذلك سنين في حياة الشيخ وبعد وفاته ثم خشينا ضياع الحرز وقلنا ننسخه فأزلنا عنه الشمع وفتحناه فإذا هو قطعة من كتاب ورد على الشيخ من بعض أهل حماة فندمنا على فتحه ثم شمعناه وأعدناه إلى مكانه فجاءت الدودة وركبت الأشجار وأعطبتها واستمر الحال على ذلك وحكى لي الحاج علي بن أبي بكر بن دلفة

ص: 30

اليونيني ما معناه قال كان والدي وابن عمك نور الدولة علي بن عمر بن نيار رحمه الله قد اتفقنا على عمارة حمام بقرية يونين وحصلوا بعض آلاته وهيئوا المكان الذي يعمر فيه واهتموا بذلك واتفق أنهما طلعا إلى عند الشيخ عيسى وأنا معهما فقال لهما الشيخ رحمه الله بلغني أنكم تريدون تعمرون حماماً في هذه القرية وهذا لا تفعلوه واتركوا - ص 2 ورقة عشرة ألف - عمارته فما وسعهم إلا أن قالوا السمع والطاعة وقاموا من عنده فلما بعدوا عنه قال أحدهما للآخر كيف نعمل بهذه الآلات فقال له صاحبه الشيخ عيسى رجل كبير ما يخلد نصبر فمتى مات عمرناه فطلبهما الشيخ إليه وقال كأني بكم قد قلتم كذا وكذا وأنكم تعمرون الحمام بعد موتي وهذا لا يصير ولا يعمر في القرية حمام لا في حياتي ولا بعد موتي فاعتذروا إليه مما قالوه وفارقوا على ذلك قلت فأنا والله رأيت الأمير جمال الدين التجيبي رحمه الله نائب السلطنة في الشام في أوائل الدولة الظاهرية وكان معهم مقطع معظم يونين قد اهتم بعمارة حمام في القرية واشترى القدور وسائر الآلات ولم يبق إلا عمارته ثم اتفق ما صرفه عن ذلك ثم انتقل الخبر إلى الأمير عز الدين أيدمر الظاهري متولي نيابة السلطنة بالشام بعده فشرع في ذلك واهتم به كهمة الأمير جمال الدين أو أكثر وحفر الأساس ثم بطل ذلك بموانع سماوية وأظن أميراً آخر غيرهما اقطع في القرية فعزم على مثل ذلك فلم يتم وصح قول الشيخ رحمه الله تعالى وحدثني المغربي عامر بن يحيى بنى ريان بمنزلي بقرية يونين في ثاني

ص: 31

وعشرين ذي قعدة سنة اثنتين وتسعين وستمائة ما معناه قال قدم الشيخ عثمان رحمه الله من دير ناعر إلى بعلبك ووالدك رحمه الله في يونين وقصده وخرجت في خدمته فطرقت باب هذه الدار واستأذنت على والدك رحمه الله ودخلت إليه وقلت يا سيدي الشيخ عثمان قد حضر إلى خدمتك قال يدخل فلما دخل تلقاه والدك ورحب به وجلسا يتحدثان وحضر شيء للأكل فأكلا ومن عندهما فلما شيل السماط قال والدك للشيخ عثمان ما تطلع تزور أخاك الشيخ عيسى قال اطلع في خفارتك قال نعم في خفارتي قال وطلع وأنا معه فلما وصل إلى زاوية الشيخ عيسى تلقاه واعتنقه وبالغ في الترحيب به وجلسا يتحدثان زمنا طويلا وودعه الشيخ عثمان ونزل إلى عند والدك إلى هذه الدار فلما دخل عليه قال له والدك كيف رأيت قال له يا سيدي كل خير قال عامر فسألت الشيخ عثمان بعد ذلك عن توقفه عن الطلوع إلى الشيخ عيسى حتى أجاره والدك قال يا ولدي قدمت هذه القرية من سنين بعد وفاة الشيخ عبد الله الكبير رحمه الله بسنيات ونمت في المرح الذي في الزوايا فلما مضى بعض الليل قمت لأجدد الوضوء في الطهارة فحين خرجت إلى الطريق وجدت ثعباناً عظيماً فتح فاه وكاد يبتلعني فصرخت - ص 2 ورقة 10 ب - وقلت يا سيدي الشيخ عبد الله أنا في جيرتك وفي حسبك فلم أستتم كلامي إلا والشيخ عبد الله واقف بيني وبين الثعبان وبيده حربة وضرب الثعبان بين كتفيه بيده وقال مالك يا نحيس ضيف وارد عليك تفعل معه هذا وإذا بذلك الثعبان هو الشيخ عيسى فطلع إلى

ص: 32

زاويته فهذا سبب قولي الذي سمعت ولو لم يجرني سيدي الشيخ الفقيه منه لما طلعت إليه وكرامات الشيخ عيسى كثيرة رحمه الله ورضي عنه. عيسى بن ظاهر بن نصر الله بن جميل أبو محمد الحلبي الحاجب - 12ب - وأظن لقبه القطب كان قيّماً بالفرائض والحساب والأوقاف وله مشاركة في غير ذلك من العلوم ولد بحلب في سادس محرم سنة أربع وثمانين وخمسمائة وانتقل إلى القدس الشريف وأقام به مدة ثم عاد إلى مدينة دمشق وأقام بها إلى سنة أربع وأربعين وستمائة ثم انتقل إلى مدينة حلب وأقام بها إلى أن توفي بها في ليلة الخميس مستهل شهر رمضان هذه السنة رحمه الله تعالى.

المبارك بن أبي بكر بن أحمد بن حمدان بن غلبون بن ماجد بن الحسين بن علي بن حامد أبو البركات جمال الدين المعروف بابن الشعار المؤرخ الموصلي مولده بالموصل في مستهل صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وتوفي بحلب يوم الأحد سابع جمادى الآخرة هذه السنة وهو مؤلف عقود الجمان في شعراء هذا الزمان رحمه الله تعالى.

محمد بن الحسن بن عبد السلام بن عتيق بن محمد بن محمد أبو بكر التميمي السفافي الإسكندري المولد والدار المالكي العدل المعروف بابن المقدسية ولد في نصف المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وحضر

ص: 33

الحافظ أبا طاهر بن محمد السلفي وسمع من أبي القاسم هبة الله ابن البوصيري وغيره وهو آخر من بقي من أصحاب السلف وناب في الحكم بالإسكندرية مدة وتوفي بها في ثالث جمادى الأولى ودفن بمقبرة دعلة رحمه الله تعالى.

محمد بن خزرج بن ضحاك بن خزرج أبو السرايا الأنصاري الخزرجي الدمشقي الكاتب سمع من أبي اليمن الكندي وأبي القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني وحدث وتوفي بتل باشر في الثاني والعشرين من جمادى الأولى ويسمى سرايا أيضاً رحمه الله تعالى.

محمد بن الفضل بن عقيل بن عثمان بن عبد القاهر بن الربيع بن سليمان بن حمزة بن طاهر بن محمد بن الحسن بن جعفر بن إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو طالب الهاشمي العباسي سمع من أبي طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي وحدث ولد في إحدى الجماديين سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدمشق وتوفي بها في سادس عشر جمادى الآخرة رحمه الله تعالى.

محمد بن يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن غالي بن محمد بن علي أبو حامد بن أبي الوليد القرشي العيدي السبتي المصري أبوه الدمشقي سمع من أبي علي الحسن بن عبد الله المكبر وحدث وحكم بدمشق نيابة عن أبيه ودرس بالمدرسة الشامية وكان والده قاضي القضاة جمال الدين أبو الفضائل المصري رحمه الله من أعيان الحكام وأماثلهم

ص: 34

مشكور السيرة محمود الطريقة لين الجانب كثير التقوى والديانة وكان يباشر وكالة بيت المال بدمشق أولاً ثم ولي الحكم فيها بعد ذلك توفي أبو حامد في نصف شهر رجب بدمشق ودفن بجبل قاسيون ومولده في العشرين من صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة قال شرف الدين عمر بن خواجا إمام الفارسي أنشدني تاج الدين أبو حامد - محمد - ابن يونس لنفسه دو بيت.

لما هجروا واصل جفني سهري

قوم غدروا وأورثوني فكري.

عاتبتهم قالوا تعشق بدلا

واختر عوضا فقلت ردوا عمري.

وله أيضا

يا عيسهم إن جزت وادي العلمي

بالله قفي عساك تبري سقمي.

ورقى لصب ما كان يرضى أبداً

بالوصل غدا يرقب طيف الحلم.

وله أيضاً

سحت بدموعها وسحت بدمعي

أجفان ظنن اللبس ثوب السقم.

راض بغرامه ينادي أبداً

في محنته يا نعمة الحب دمي.

وله

ما تم على المجنون ما تم على

لما بعث الحبيب العتب على.

يا من عتبوا على كئيب دنف

هل ينفع عتبكم إذا لم اك حي.

ص: 35

وقال

اروي خبرا يعرفه كل فقيه

الخمر حلال من ثناياه وفيه.

قد أرشدني الحاكم في عشقه

إن اتركه يقال لي أنت سفيه.

وقال

بابي وبي طيف طرق

عذب اللمى والمعتنق.

ما إن مددت يدي إل

يه معانقا حتى أبق.

ثم انتبهت فما وجد

ت سوى الصبابة والحرق.

فلأي عقل ما سبا

ولأي قلب ما سرق.

وطفقت انشد بعده

ولواء قلبي قد خفق.

أوحشت جفني يا كرى

وحرمت انسك يا أرق.

يا شمس قلبي في هواك

عطارد وقد احترق.

في نون صدغك حرف أي

الكاتبين لها مشق.

أخجلت خد الورد من

ك بوجنة مثل الشفق.

حتى تقطر دائبا

وعلامة الخجل العرق.

يا قوم من لمتيم

فتكت به سود الحدق.

وبقلبه من لم يدع

رمقا له لما رمق.

شتان ما اشتملت لوا

حظه عليه وما امتشق.

ملك الملاح ترى العيو

ن عليه دائرة نطق.

ومخيم بين الجفو

ن وفي الفؤاد له سبق.

ص: 36

14 -

ب فاز الوشاح بضمهوخليت أنا في القلق.

قيدت قلبي في هواه

فخاف دمعي مانطلق.

يعقوب بن أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي أبو إسحاق الملك المعز محي الدين بن الملك العادل سيف الدين كان شقيق الملك المظفر شهاب الدين غازي وله الحرمة العظيمة في الدول وكان بخلاط لما أخذها خوارزم شاه من الملك الأشرف رحمه الله تعالى فأخذه أسيراً ثم أطلقه بعد ذلك وأجاز له جماعة من الحفاظ منهم أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي وغيره وحدث وتوفي بدمشق في سادس عشر ذي القعدة ودفن من يومه بقبر والده الملك العادل بمدينة مشق رحمه الله تعالى قال سيف الدين مسعود بن حمويه أنشدني الملك المظفر نجم الدين يعقوب المذكور سنة تسع وعشرين وستمائة.

إذا ما جرى من جفن غيري أدمع

جرت من جفوني أبحر وسيول.

ووالله ما ضاعت دموعي فيكم

ولو أن روحي في الدموع تسيل.

اتفق أهل التاريخ على أن نجم الدين أيوب رحمه الله من دوين وهي في آخر عمل أذربيجان من جهة أرّان وبلاد الكرج وأنهم أكراد رواديه والروادية بطن من الهذبانية وهي قبيلة كبيرة وقيل أن على باب دوين قرية يقال لها أجدا يقال وجميع أهلها أكراد رواديه ومولد نجم الدين بها وكان شادي أخذ ولديه نجم الدين أيوب

ص: 37

وأسد الدين شيركوه وخرج بهما إلى بغداد ومن هناك نزلوا تكريت ومات شادي بتكريت وعلى قبره قبة داخل البلد وقال قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله لقد تتبعت نسبهم كثيراً فلم أجد أحد ذكر بعد شادي أباً آخر حتى أني وقفت على كتب كثيرة بأوقاف وأملاك باسم شيركوه وأيوب فلم أر فيها سوى شيركوه بن شادي وأيوب بن شادي لا غير ورأيت مدرجاً رتبه الحسن بن غريب بن عمران الحوشي وقد سمعه عليه الملك المعظم عيسى وولده الملك الناصر داود رحمهما الله وهو يتضمن أن أيوب بن شادي بن مرون ابن أبي علي بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن - أبي - علي بن عبد العزيز بن هدبة بن الحصين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن مرة بن عوف بن أسامة بن - بيهس - بن الحارث صاحب الحمالة بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ثم رفع في النسب إلى آدم عليه السلام ثم ذكر أن علي بن أحمد بن - أبي - علي بن عبد العزيز يقال أنه ممدوح المتنبي ويعرف بالخراساني وفيه يقول من قصيدة.

شرق الجو بالغبار إذا سا

ر علي بن أحمد القمقام.

وأما حارثة بن عوف بن أبى حارثة صاحب الحمالة فهو الذي حمل

ص: 38

الدماء بين عيسى..... وشاركه في الحمالة خارجة بن سنان أخو هرم بن سنان وفيهما يقول زهير بن أبي سلمى المدني قصائد منها قوله.

على مكثريهم حق من يعتريهم

وعند المقلين السماحة والبدل.

وهل ينبت الخطى الأوشيجة

وتغرس إلا في منابتها النخل.

قلت وقد كان المعز فتح الدين إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب بن شادي ملك اليمن أدعى نسباً في بني أمية وادعى الخلافة وبلغ ذلك عمه الملك العادل رحمه الله فأنكر ذلك وقال ليس لهذا أصل وسمعت الملك الأمجد تقي الدين عباس بن العادل رحمه الله وقد جرى ذكر نسبهم وقول بعض الناس أنهم من بني أمية ينكر أن يكون لهم نسب في بني أمية وقال ما معناه لو كان عمي صلاح الدين رحمه الله قرشياً لولي الخلافة فإن شروطها اجتمعت فيه ماعدا النسب وكان نجم الدين ِأيوب رحمه الله قد جعله عماد الدين زنكي دوادار ببعلبك لما فتحها وفي قلعة بعلبك ولد له الملك سيف الدين أبو بكر رحمه الله والد صاحب هذه الترجمة والله أعلم.

يوسف بن قزأوغلي بن عبد الله أبو المظفر شمس الدين البغدادي الواعظ المشهور سبط أبي الفرج بن عبد الرحمن بن الجوزي رحمه الله كان والده حسام الدين قزعلي من مماليك الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة رحمه الله وكان عنده بمنزلة الولد فاعتقه وخطب له ابنة الحافظ

ص: 39

جمال الدين وكانت قد تأيمت بوفاة زوجها - لبى عددها - فلم يمكن الشيخ جمال الدين إلا إجابة الوزير إلى ذلك فزوجها منه فأولدها شمس الدين المذكور فلما ترعرع اجتذبه جده إليه واشغله وتفقه واسمعه الكثير عليه وعلى غيره وكان أوحد زمانه في الوعظ حسن الإيراد ترق لرؤيته القلوب وتذرف لسماع كلامه العيون وتفرد بهذا الفن وحصل له فيه القبول التام وفاق فيه من عاصره وكثيراً ممن تقدمه حتى أنه كان يتكلم في المجلس الكلمات اليسيرة المعدودة أو ينشد البيت الواحد من الشعر فيحصل لأهل المجلس من الخشوع والاضطراب والبكاء ما لا مزيد عليه فيقتصر على ذلك القدر اليسير وينزل فكانت مجالسه نزهة القلوب والأبصار يحضرها الصلحاء والعلماء والملوك والأمراء والوزراء وغيرهم ولا يخلو المجلس من جماعة يتوبون ويرجعون إلى الله تعالى وفي كثير من المجالس يحضر من يسلم من أهل الذمة فانتفع بحضور مجالسه خلق كثير وكان الناس يبيتون ليلة المجلس في جامع دمشق ويتسابقون على مواضع يجلسون فيها لكثرة من يحضر مجالسه وكان يجري فيها من الطرف والوقائع المستحسنة والملح الغريبة ما لا يجري في مجالس غيره ممن عاصره وتقدم عصره أيضاً وكان له الحرمة الوافرة والوجاهة العظيمة عند الملوك وغيرهم من الأمراء والأكابر ولا ينقطعون عن التردد إليه وهو يعاملهم بالفراغ منهم ومما في أيديهم وينكر عليهم فيما يبدو منهم من الأمور التي يتعين فيها الإنكار وهم يتطفلون عليه

ص: 40

وكان في أول أمره حنبلي المذهب فلما تكرر اجتماعه بالملك المعظم عيسى بن الملك العادل رحمهما الله اجتذبه إليه ونقله إلى مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه وكان الملك المعظم شديد التغالي في مذهب أبي حنيفة فغض ذلك الشيخ شمس الدين عند كثير من الناس وانتقدوه عليه حكى لي بعض الفقراء أرباب الأحوال قال له وهو على المنبر إذا كان الرجل كبيراً ما يرجع عنه إلا لعيب ظهر له فيه وأي شيء ظهر لك في الإمام أحمد حتى رجعت عنه فقال له اسكت فقال أما أنا فقد سكت وأما أنت فتكلم فرام الكلام فلم يستطعه ولا قدر عليه فنزل عن المنبر ومع ذلك كان يعظم الإمام أحمد رحمة الله عليه ويبالغ في المغالاة فيه وتوفيته بعض ما يستحق وعندي أنه لم ينتقل عن مذهبه إلا في الصورة الظاهرة والله اعلم - ومع هذا فكان له القبول التام من الخاص والعام من وأهل الدنيا أهل الآخرة وكان لطيف الشمائل، ظريف الحركات، حسن المعاملة لسائر الناس محبوباً إليهم معظماً في صدورهم وكان عنده فضيلة تامة ومشاركة في العلوم جمة ولو لم يكن من ذلك إلا التاريخ الذي ألفه وسماه بمرآة الزمان وهو بخطه في سبع وثلاثين مجلدا جمع فيه أشياء مليحة جداً وأودعه كثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة صلوات الله وسلامه على قائلها - وجملة من أخبار الصالحين وقطعة من الأشعار المستحسنة وسلك في جمعه مسلكاً غريباً وهو من أول الزمان إلى أوائل سنة أربع

ص: 41

وخمسين وستمائة هذه السنة التي توفي فيها إلى رحمة الله تعالى، وكنت اختصرته كما ذكرت في خطبة هذا المذيل ثم خطر لي أن أذيل عليه فشرعت في تعليق الحوادث والوفيات حسب ما نمى إلى علمي لاستقبال هذه السنة، وبالله التوفيق والله المستعان.

وللشيخ شمس الدين المذكور رحمه الله 16ب - تصانيف آخر مفيدة في أنواع من علوم شتى ومولده سنة إحدى وثمانين وخمسمائة تقريباً وذكر قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله عنه أنه قال ذكرت والدتي أن مولدي في سنة أثنين وثمانين وخمسمائة وقال لي خالي محي الدين يوسف أنه في سنة إحدى وثمانين قال وكان مولدي في رجب سمع ببغداد من جده الإمام أبي الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب وأبي محمد عبد الله بن أحمد بن أبي المجد وأبي حفص عمر بن محمد بن طبرزد والحافظ أبي محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر وغيرهم وبالموصل من أبي طاهر أحمد وأبي القاسم عبد المحسن ابني عبد الله الطوسي وغيرهما وبدمشق من شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ومن العلامة أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وغيرهما وسمع بغير هذه البلاد من جماعة من المشايخ وحدث بدمشق وبالديار المصرية وغيرها وكان أحد العلماء المشهورين محمود الفضائل وتوفي ليلة الثلاثاء ثلث الليل العشر من ذي الحجة أوالحادي والعشرين منه بمنزله بجبل الصالحية ظاهر دمشق ودفن هناك وحضر

ص: 42

جنازته الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله سلطان الشام إذ ذاك وسائر الأمراء والأكابر وغيرهم من الناس ودرس بالمدرسة الشبلية مدة وبالمدرسة - البدرية - الحسنية وبالمدرسة المعزية التي على شرف الميدان من جهة الشمال وكان إماماً عالماً فاضلاً منقطعاً عن الناس والتردد إليهم متواضعاً لين الكلمة لزم في آخر عمره ركوب الحمار من منزله بالجبل إلى مدرسته وإلى غيرها مقتصداً في لباسه مواظباً على المطالعة والاشتغال والتصنيف مصنفاً لأهل العلم والفضل مبايناً لأهل الزيغ والجهل ويأتي الملوك وأرباب الدول إلى بابه زائرين وقاصدين ومتأنسين بمحادثته والاقتباس من فوائده وعاش طول عمره في جاه طويل عريض وعيش رقيق الحواشي جعل الله ذلك مواصلاً بنعيم الآخرة وسعادتها السرمدية وولده عز الدين كان عنده فضيلة ووعظ بعده فلم يكن يدانيه في ذلك فبقي سنيات يسيرة ثم توفي إلى رحمة الله تعالى وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى وخلف ولداً صغيراً فلم يكن له من يربيه ويقوم بأمره فنشأ على غير طريقة سلفه وخدم بعض ذرية الملك المعظم عيسى رحمه الله كاتباً وغيرهم وهو إلى الآن على ذلك.

أبو الحسن يوسف بن أبي الفوارس بن موسك الأمير سيف الدين القيمري واقف الماستان بجبل الصالحية ومدفنه في القبة المقابلة له من جهة الشمال بينهما الطريق كان أكبر الأمراء في آخر

ص: 43

عمره وأعظمهم مكانة وأعلاهم همة وجميع أمراء الأكراد من القيمرية وغيرهم يتأدبون معه ويقفون في خدمته وهم بين يديه كالأتباع مطاعاً فيهم ولم يزل على ذلك إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في ليلة الاثنين ثالث شعبان من هذه السنة أعني سنة أربع وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى وكان كثير البر والمعروف والصدقة ولو لم يكن له من ذلك إلا المارستان الذي ضاهى به مارستان نور الدين رحمه الله تعالى لكفاه.

حكى لي شجاع الدين محمد بن شهري رحمه الله ما معناه أن الأمير سيف الدين المذكور رحمه الله كان تزوج ابنة الأمير عز الدين بن المحلي رحمه الله على صداق كبير وجهزت بجهاز كثير واستصحبها معه إلى الديار المصرية فتوفيت هناك عن غير ولد فلما ملك الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد رحمهما الله تعالى دمشق والشام حضر الأمير سيف الدين من الديار المصرية إلى خدمته وأخذ قماش زوجته المتوفاة وجهازها ومالها من الفضيات والمصاغ وغير ذلك وحمله على عشرين بغلاً ووزن باقي صداقها ومائتي ألف درهم وجعلها في صناديق وحملها على البغال وسير الجميع إلى الأمير نور الدين علي بن المحلي بحكم أنه وارثها مع زوجها فلما وصل ذلك إلى الأمير نور الدين أنكره غاية الإنكار ورده وقال لرسوله الأكراد ما جرت عادتهم يأخذون صداقاً ولا ميراثاً فلما عاد ذلك إلى الأمير سيف الدين قال هذا شيء خرجت عنه

ص: 44